3- المتمردة ..

مررت " إلهام " قائمة المطعم من زميلتها إلى الأخرى بعدما ألقت نظرة أقرب إلى اللا مبالاة على الأصناف المتراصة بها ..،

لن تعرف هل هي جميلة أم لا ..، ذلك لأن مفهوم الجمال المتعارف عليه بين الناس يأتي في ذيل قائمة إهتماماتها ..،،! يحبها الجميع برغم حدة طباعها وصوتها العالي ..، ولكنها بينهم مثال الإنسان الصبور الشريف المقاتل لا مكان للون الرمادي أبداً من المستحيل أن تنافق رئيساً في العمل أو تدلس الرأي أو حتى تخفف من وقع كلماتها الصريحه عليه ..، ومن المستحيل أن يخرج منها إلا عملاً مكتملاً نموذجياً وافياً ،،،

لم تهتم يوماً بأناقة الثياب ..، فهي تفضل العملي منها ذو الطابع الرياضي الذي يوفر لها سرعة وراحة في الحركة ..، لذا تعطي إنطباعاً عند من يراها ولا يعرفها بأنها أميل إلى التشبه بالرجال ..، كما أن مستحضرات التجميل لم ولن تكن يوما في حساباتها على الإطلاق !
إذا صمتت فإنه صمت الواثق الواعي القاريء لما بين السطور ..، وإذا تكلمت فثق أنها حتماً ستضيف إلى معلوماتك ما لم تعرفه بعد ..، وإذا سألتها عن أي شيء تتخيله ستفاجأ بكم وفير من المعلومات والفوائد التي تعجز عن حصادها ..،،
نشأت في بيئة فقيرة يتيمة الأب ..، لأم طيبة قاست الويل من أجل تربية إبنتها الوحيدة ومعها 5 من الذكور ..، لم تشعر بأنوثتها يوماً فمنذ شبت عن الطوق ونهمها إلى التعليم هو شهوتها الوحيدة ..، ربما هو نوع من التحدي الذي فرضته على نفسها وقبلته فبرعت فيه ..، إن من يرى ظروفها لا يمكن له أن يتنبأ لها إلا بمعهد متوسط يليه زوج متوسط أيضاً ..،

لكن "إلهام " ما كانت لتقبل بما دون النجوم ....

تفوقت في دراستها أكثر بكثير من إخوتها الذكور حتى تخرجت من الجامعة بتقدير جيد جداً فلم تقنع بأنه نهاية المطاف وواصلت الطريق من أجل الحصول على الدكتوراه برغم كل الصعاب والمعوقات التي تبدأ بضيق ذات اليد وتنتهي ببكاء والدتها لأنها ترى ابنتها الوحيدة يسرق شبابها التعليم ويسوقها إلى العنوسة ..وهو ما كان بالفعل !
تقدم إليها بعض الشباب من وسطها المتواضع فلم ترضى بأي منهم وقاتلت بشراسة الظروف الإجتماعية وألسنة الناس لتحقق حلمها المشروع في الوصول إلى درجة علمية ترتقي بها بينهم ..، إن الزوج (المتواضع ) لن يقبل لزوجته بأن تكون أعلى منه تعليماً وثقافة وهي لن تضيع حلمها من أجل رجل أياً كان هذا الرجل !

لكنها لم تكن متبلده بالعكس .. كانت مملوئة بتلك العاطفة المسماة الحب ..، غير أنه حب مطلق للأشياء قد يجنح على استحياء إلى أحلام الفتيات بفارس الأحلام الذي يستطيع القفز فوق كل الجمود الذي أحاطت به حياتها ليصل إلى القلب .، وإنها لمهمة لمثلها عسيرة للغاية ليس لأنها متواضعة الإمكانيات ولكن لأن نظرتها للجنس الآخر لا يمكن أن تخرج عن نطاق (زمالة العمل ) فهي لا تفكر في الناس كذكر وأنثى ولكنها تنظر لكلاهما كإنسان يجب أن تقوم علاقتها معه على الإفادة والإستفادة
من العسير أن تحفظ أغنية للوطن برغم عشقها له ..، ولكنها تترجم ذلك إلى تفان وإخلاص في العمل وفي الدراسة وفي الإلتزام بكل القوانين
من العسير أن تجد منها صاحبتها كلمة عاطفية .. ولكنها ستجدها حتماً في وقت الشدة تشد من أزرها وستسعى لها في الخير سعيها لنفسها وأكثر كما إنها لن تنسى تاريخ ميلادها أبداً
من العسير أن تراها باكية .. لكن متى كانت حزينة وجب عليك الصمت والتفرس في ملامحها لتتعلم كيف يكون الحزن النبيل مجسداً
كأي مقاتل شريف .. تبرز في طريقه معوقات كانت حياتها عباره عن سلسلة لا تنتهي منها ..،
ربما أصعبها على الإطلاق عندما توفت والدتها وسندها الوحيد في الدنيا ..

يقولون أنها يتيمة .. لكنها لم ولن تنكسر أبداً ..
يقولون أنها فقيرة .. لكنها لم ولن تذل أبداً ..
يقولون أنها ليست جميلة .. ولكنها لن تتجمل أبداً ..
يقولون أنها تعمل في مكان ينتشر فيه معدومي الضمير .. لكنها لن تكون كالآخرين أبداً
يقولون أن حلمها عسير . . لكنها لن تفقد الأمل أبداً

كان من ضمن ما تعلمته من والدتها - رحمها الله - أن تعطي من دون أن تنتظر المقابل وأن تعتمد على نفسها بشكل كامل ..، لذا ما كانت لتقبل بأن تظهر ضعفها لمخلوق برغم مصابها الجلل فقط ازدادت بعداً بعالمها الداخلي عن عالمها الخارجي وزادت من الحدود والفواصل بينهما ..،
لا يربط العالمين إلا حلم أوشكت على تحقيقه يكمن على بعد خطوات منها ..
بأن تنال المستقبل العلمي الذي أرادت
في غد ليس ببعيد

============================

هامش ://
هذه الصديقة هي سبب تعييني في الهيئة التي أعمل بها ولولا مثابرتها وعنادها الذي أفتقر لمثلهما لكنت الآن احتل دوري في طابور البطالة :)
لم يحدث أبدا طوال ال4 سنوات التي عرفتها فيها أن صارحتها بمشاعري تجاهها ..، ولكني أكن لها نظرة تقدير عميق لا أبديها حتى لها كما أني لا أنساها من دعاء بالغيب
مع العلم بأنها لن ترى هذه المشاركة أبداً :)
فقط كتبتها كنوع من الفضفضة