بمناسبة اليوم العالمي للقضاء على كافة أشكال العنف ضد المرأة ، الذي قررته الأمم المتحدة ويبدأ من ٢٥ نوفمبر ولمدة ١٦ يوم
أقول :
من واقع شريعتنا الإسلامية الغراء ، نحن نرفض رفضا قاطعا كل لفظ أو تصرف يسيء إلى المرأة بشكل عام ، ونتمسك في هذا بقواطع شريعتنا الإسلامية من نصوص القرآن الكريم وصحيح السنة المشرفة سندا ومتنا، وكذا كليات الشريعة الإسلامية ومقاصدها وقواعدها المقررة :
وبناء عليه : نتمسك بقوله تعالى " ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء …"
ولنتأمل قوله تعالى " نفس واحدة " الذي هو أبلغ من كل مايمكن أن يقال في التأسيس للمساواة الإنسانية التامة بين الرجل والمرأة في أصل الخلق والتكوين والتكريم الإلهي للإنسان .
ونتمسك كذلك بقوله صلى الله عليه وسلم " إنما النساء شقائق الرجال "
وهذا الحديث يؤكد الآية الكريمة ، فالرجل والمرأة يشكلان شقي النفس الإنسانية الواحدة ، وكلاهما يكمل الآخر ، ولامزية لشق على حساب شقه المكمل له ،والذي يصير به واحدا مكتملا على الإطلاق . .
وكذا نتمسك بمقاصد الشريعة في حفظ نفس الإنسان أيا كان نوعه وكرامته وحقه الكامل في حفظ ضرورياته وحاجياته وتحسينياته ، حتى يعيش منعما سعيدا محفوظ الكرامة والإنسانية ذكرا كان أم أنثى .
وفي المقابل : نحن نرفض رفضا قاطعا كل رواية تنسب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يفهم منها الإساءة إلى المرأة أو الانتقاص من شأنها وإنسانيتها ، أو تتوعدها بالعذاب الأليم في الآخرة فقط لكونها أنثى…
، ونسلك في هذا مسلك أمنا السيدة عائشة رضي الله عنها، حين رفضت هذا النوع من المرويات جملة وتفصيلا ، لكونها تتعارض مع ماهو أقوى من نصوص القرآن الكريم ثبوتا ودلالة ، والسنة العملية ، والعقل والمنطق .
من ذلك :
حين بلغها رضي الله أن أبا هريرة رضي الله عنه يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " الشؤم في ثلاثة : المرأة والفرس والدابة " رفضت أمنا السيدة عائشة رضي الله عنها هذا الحديث مصححة الرواية والحكم ، فقالت " سمع أول الحديث ولم يسمع آخره " ماقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك ، إنما قال " قاتل الله اليهود يقولون : الشؤم في ثلاثة …." الحديث .
ولم تكتف بتصحيح الرواية ، دون أن ترسي منهجا يجب أن يحتذى في تصحيح المرويات ، فقالت " أين أنتم من قول الله تعالى " ماأصاب من مصيبة في الأرض ولافي أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها "
أي إنها رضي الله عنها ردت الرواية المظنونة ، التي قد يعتري راويها مايعتري البشر من خطأ السمع أو عدم الإحاطة كاملة بالمروي - كما هو الحال في هذه الرواية - إلى النص القرآني الكريم القطعي ثبوتا ودلالة ، فإذا تعارضا فإن القطعي يرد الظني دون إشكال ، كما قرر الشاطبي رحمه الله .
وحين سمعت بحديث يرويه أبو هريرة رضي الله كذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " يقطع الصلاة : المرأة والكلب والحمار " غضبت رضي الله عنها وقالت " أو سويتمونا بالحمير والكلاب " لقد كنت أضطجع في قبلة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي ، فإذا سجد غمزني .
فقد ردت رضي الله عنها الرواية هنا إلى ماهو أقوى كذلك ، وهو فعلها هي رضي الله عنها بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم ، إذ كيف يصح هذا الذي سمعته ، وقد كانت تنام هي رضي الله عنها معترضة في قبلة النبي صلى الله عليه وسلم ، فإذا سجد غمزها بيده الشريفة لتفسح له مكانا يسجد فيه ، كيف تقطع المرأة الصلاة إذن ؟
واتباعا لمنهج أمي وقدوتي عائشة رضي الله عنها ، أرفض أي فكر تبريري أو تفسيري في سبيل قبول مثل هذه المرويات …
لاسيما وقد ردت رضي الله عنها ماردته من روايات ، بمنهجية فائقة حين ردتها إلى ماهو أقوى من نصوص القران الكريم الحاكمة ، أو لتعارضها مع السنة العملية ، أو مع العقل والمنطق ، وكثيرا مافعلت ذلك رضي الله عنها فيما يعرف حديثيا باستدراكاتها على الصحابة ، التي جمعها الزركشي رحمه الله في كتاب " الإجابة لإيراد ما استدركته عائشة على الصحابة " وبلغت حوالي ستين رواية .
وأنقل هنا عبارة قالها الأصولي الفقيه الدكتور محمد سلام مدكور رحمه الله في كتابه " الاجتهاد في الاسلام ص ٥٦١
يقول " ولعلنا لانبالغ إذا قلنا : إن منهج عائشة رضي الله عنها الفقهي يتفق مع منهج أصحاب مدرسة الرأي - يقصد مدرسة الإمام أبي حنيفه رضي الله عنه وتلاميذه في العراق - من زاوية أنهم لايبادرون بالأخذ بكل ما ينقل لمجرد أنه مروي ، فقد رأيت أن لها غوصا على المعاني بعرضه على ماهو أقوى منه، كما أنها رضي الله عنها أثرت في مدرسة الحديث وفقهاء مدرسة المدينه خاصة ، وكان أثرها فيهم ليس باقل من أثر عمر وزيد بن ثابت رضي الله عنهما.
وروى عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه أنه قال: كانت عائشة قد استقلت بالفتوى في خلافة أبي بكر عمر وعثمان وهلم جرا إلى أن ماتت…
الله على العظمة !!!
والحاصل : أنه مهما قيل في صحة رواية من الروايات التي ردتها السيدة عائشة رضي الله عنها عامة وفي شأن المرأة خاصة ، ومهما كان شأن الراوي والشارح والمفسر ، فالسيدة عائشة رضي الله عنها : أفقه وأعلم وأثبت .