قلت : يعلم ربنا إنك وحشانى قوى ونفسى قوى أشوفك ولكن هنعمل إيه الدنيا مشاغل واخدانا فى دوامتها ومش عارفين آخرتها إيه , وبعدين انت كمان يا عمتى ما زورتيناش من سنه يمكن , ما تيجى تشرفينا ونسعد بوجودك .
هتفت فى إستنكار : أنا ؟ ثم ضحكت ضحكه تهكميه قائله : ومنين أجيب ركبتين أنزل بيهم السلم أو رجلين أمشى بيهم . . ما خلاص . . لو عايزه تشوفينى تعالى إنت ولا القعاد مع عجوزه زيى ما يستهواكيش . .
الحقيقه تأثرت لكلامها كثيرا وشعرت بحرج شديد وتأنيب ضمير , ففعلا أنا التى واجب عليها السؤال عنها لأن المفروض الصغير هو الذى يسأل عن الكبير لأنه هكذا امرنا ديننا بصله الرحم والسؤال عن أهلنا وخاصة من هم يعتبروا أعمدة العائله وفى أمس الحاجه للسؤال عنهم ,
فوعدتها فى صدق قبل ان أنادى لها والدتى أن أزورها .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - فى عصر اليوم التالى أستأذنت والدتى وذهبت لزيارة عمتى . وصلت عند باب المنزل العتيق وطرقت باب الحديفه فوجدته مواربا فدفعته فأحدث صريرا مزعجا ودخلت كمن يعبر من خلال بوابه قديمه ليبحر فى زمان سحيق دلفت عبر الحديقه وارتقيت الدرج الصعير وسمعت صوتها العميق ينادى من داخل المنزل : مين بره ؟ مين اللى جاى ؟ قلت : أنا ياعمتى . دخلت فى بهو المنزل الواسع وجدتها تجلس على طرف فراش قديم , تنظر إلى بعينين شبه مغمضتين وهى تحاول التدقيق فى القادم وتقول : مين ؟ يبدو انها لم تكن ترانى حتى إقتربت منها ولم تعرفنى سوى من صوتى وأنا اقول : انا يا عمتى .
بمجرد أن سمعت صوتى تهللت أساريرها وقالت : معقوله دى . . منى . . إزيك عاش من شافك .
سلمت عليها و أجلستنى على المقعد المواجه لها وقالت : ازيك عامله إيه ووالدتك أخبارها إيه .
قلت : الحمدلله بخير وحضرتك إزى صحتك مش كويسه .
تهكمت قائله : الحمدلله الصحه زفت .
إبتسمت , فقالت : والله هقولك إيه مفيش حته فى جسمى مش بتوجعنى والرجلين والركب دول موضوع تانى بالعافيه بأروح الحمام اللى جنب السرير لما أكون عايزه أصلى مشكله أفضل أدعى ربنا واناجيه واقول ماليش غيرك يارب ساعدنى علشان أقدر أقوم أتوضأ وأصلى وأهه ربنا بيبقى معاى ويساعدنى ., إنت عارفه لنا بأعطش والميه اللى على الترابيذه اللى قدامى تخلص مش بقدر أوصل لغاية الثلاجه علشان أشرب . أقعد ادعى ربنا إن حد زيك يدخل على علشان يناولنى أشرب
أنفطر قلبى لكلماتها وتأثرت كثيرا وسرحت بخيالى أتذكر عمتى أيام شبابها عندما كانت تتمتع بالصحه وكيف أنها كانت شديدة البنيان ذات شخصيه قويه ونظرت إليها الآن وقد أصبحت إنسانه ضعيفه تتمنى من يعطف ويحنو عليها , كانت فى صباها لاتستهين بكرامتها أبدا تتمتع بعزة نفس وصلابه وجمال فتان والأن ... لم يتبقى من هذا الجمال سوى أطلال والعزه بالنفس تحولت لإحتياج وإنكسار وإفتقار لكلمة عطف واحده أو ليد تتمتد إليها بأبسط الأشياء . . شربة ماء . . أهكذا الدنيا أهذه هى الحياه تبا لها من دنيا لا تدوم لأحد على حال . جلست أتبادل معها أطراف الحديث أستمع إلى أحاديثها القادمه من زمن بعيد وكأنها فتحت لى كتاب قديم أوراقه بلون صفره الزمن تنفض عن أقاصيصها الغبار لتقصه على وأنا أستمع إليها فى حزن وإستمتاع . . حزن لأجلها ومن مما تفعله الدنيا بها وما ستفعله بنا , وإستمتاع لأنها حكايات الزمن الجميل حيث كانت الأخلاق والقيم والمبادئ حيث كان الب أب والأم أم والعم عم والخال خال كل له إحترامه . . أستمع لحكايتها وهى تشكو من أوجاع جسدها وآلامها .
أحسست أننى مدينة لها بإعتذار وأنا لم أزورها طوال هذه الفتره مبررة موقفى بمشاغل الحياه ولكنها قالت وهى تضع يدها المعروقة على يدى وتقول : إزاى ألوم عليكى من باب أولى ألوم على أولادى اللذين يزورونى كل فتره وحتى لما يعملوها يقعدوا يحكوا مع بعض ويسبونى قاعده لوحدى على السرير دا , ثم تتهكم قائله : وليهم حق أصل اللى زيى خلاص يشوف له تربه تتاويه .
شعرت بتعاطف شديد معها وقلت : بعد الشرعنك .
قالت : شر ؟! مين قال إن الموت شر
قلت : ربنا يديلك الصحه .
قالت : صحه . . صحة إيه تانى هو عاد العمر فيه وقت للصحه ولا لغيره أنا كل يوم أقول النهارده يمكن ييجى الموت لكن بيعدى اليوم وأنا مستنياه ومش بييجى .
وإستغربت كيف تتحدث عن الموت بهذه الطريقه ,كيف يكون الموت وهو شئ مقبض كريه تنتظره هى بكل هذا الشغف ,كيف تهون الحياه بهذا الشكل
وهنا تذكرت شاعرنا الكبير عبد الرحمن الأبنودى عندما كان بيقول على لسان سيده : كل يوم أقعد على الباب أتلفت عليه (تقصد الموت ) وأقول ما جاش إبن الجبانه .
حاولت أن أخرج من حالة الحزن التى كانت تعتصر قلبى فلم أستطع حاولت أن اهرب من عينيها حتى لاترى تاثرى لأجلها وانظر إلى حوائط المنزل القديمه التى تتزين ببعض الشقوق وكأنها ككف عمتى المعروق كل منهما تفوح منه رائحة الزمن .
جلست معها ماقدر الله لى وعزمت الرحيل فشكرتنى ودعت لى لأنى أنست وحشتها لبعض الوقت وتعلقت بيدى تروجنى ان اكرر الزياره ووعدتها ولما هممت بالخروج طلبت منى أن أطفأ المصباح الذى ينير البهو الذى تجلس فيه وألا انسى ان أغلق الباب خلفى لأنها لا تستطيع الوقف إليه وإغلاقه وفعلت وألقيت عليها نظره قبل اغلق الباب بصريره المزعج .
وسرت فى الطريق حزينه وتتردد على مسامعى قصيدة عبدالرحمن الأبنودى (عمتى يامنه)
إسمحوا لى ان أكتبها لكم فأنا أعشق تلك القصيده .
- - -