منذ زمن بعيد, و أنا أقرأ عن كيفية اكتشاف المواهب في الأطفال صغاراً, في بلاد الغرب و الشرق من البلدان التي تقدمت و تفوقت بأبنائها و مواهبهم, التي أسهمت في بناء تلك البلدان و صعود أسهمها العلمية و التقنية و الإبداعية عموما.
و كنت كثيرا ما ألتمس العذر لوطني و لمجتمعي بأن قلة ذات اليد و عدم توفر الإمكانات هي التي تحول دون اجتيازنا جدار النجاح في هذا المضمار الذي نحتاجه بشدة, مضمار اكتشاف مواهب أبنائنا في طور التنشئة و هم صغار.
و أؤمن كثيراً بأن الله قد أعطى كل إنسان موهبة و إبداعاً في مجالٍ ما, سواءاً فكرياً أو فنياً أو أدبياً أو غير ذلك, و يكون على الكبار متابعة صغارهم و استكشاف تلك المواهب و سبر أغوار الصغار لإلتقاط التميز الموجود داخل أطفالهم, و تنمية تلك المواهب و صقلها و تقديمها للوطن تبني و تقوي دعائمه كقوة ناعمة فاعلة و مضيفة.
و في الحقيقة لقد أجهدت نفسي كثيراً كي أصل إلى اكتشاف مواهب و قدرات أبنائي في صغرهم, و تابعت معهم بشكل فردي و لكن دون جدوى تذكر, إذ أن الجهد الفردي في ذلك المجال يظل محدوداً و محصوراً في إمكانيات فردٍ ليس بمقدوره الكثير,
و ظللت أشعر بأهمية تواجد مؤسسات و هيئات تقوم استكشاف تلك القدرات المدفونة داخل أطفالنا دون استثناء, و التي علينا جميعاً استخراجها و تنميتها للإبداع بها, مما يقلل فرص انتشار الأفكار الشاذة و الهدامة فيهم, و ينأى بنا عن تغلغل الفنون الهابطة التي تنتشر في ربوع الوطن.
و في ذلك المضمار وجدت محاولة أرجو لها النجاح في أحد نوادي مصرنا الغالية –نادي مدينة أكتوبر- و الذي بدأ محاولةً جادة في ذلك بإعلانه فتح باب التقدم للأطفال, بهدف اكتشاف مواهب التمثيل المسرحي لهم, في مبادرة أراها مهمة و إيجابية و أتمنى معها النجاح في تنمية مواهب الموهوبين و استخراج الخصائص المميزة للأطفال في سنيّ الطفولة المبكرة.
و أدعو جميع مؤسسات الدولة ممثلةً في دور الثقافة و هيئات الفنون, و كذلك وزارة التربية و التعليم في مدارسنا الإبتدائية, و كل هيئات المجتمع المدني, أن تقوم بواجبها الوطني إزاء اكتشاف تلك المواهب و تنميتها و تقديمها لوطننا الذي سينتفع بها لا محالة.
إن وطناً يزخر بثروته البشرية مثل وطننا الغالي, لحريٌ بأبنائه و مؤسساته و هيئاته, أن يهبوا منتبهين تجاه ضرورة اكتشاف قدرات الأطفال و مواهبهم, و أن يفتحوا لهم قنوات تنمية تلك الإمكانات لنفع الوطن الذي يحتاج منا بناءه.