سيرة "عز الدين حنفي أبوجبل"
ما أكتبه هنا هي وقائع حقيقية أؤرخ لها خوفا من النسيان، حدثت في نهاية أربعينيات القرن الماضي وصولا لحقبة أواخر الستينيات روتها لي جدتي السيدة "رئيفة هانم أحمد" جميلة جميلات حي الظاهر وشبرا العريقين "
وتلك الصورة المرفقة هي صورتها في أوائل شبابها ثم صورة لها بعد زواجها وإنجابها في الستينيات"،
لعل من يأتي بعدنا يعرف عنا وعن تاريخنا فلا أحد يعلم لماذا يحدث في تلك الأيام بالذات طمس للتاريخ..هنا قد يعرف البعض كيف كانت مصر الحقيقية.
.=======
هل للعشق ألف وجه ؟ هل الحب ابن هذا العصر>> يشبه حب الأجداد ..؟!وهل ما نرثه من صفات وطبائع عن أهلنا وعائلاتنا يدخل فيها طريقتنا ذاتها فى الحب؟
هل نشبههم حتى فى طريقتهم ومشاعرهم وشكل التعبير عنها؟
هل للحب خريطة جينية؟
--------------------------------------------------------------------------
همست "جليلة" هانم زوجة التاجر الشهير ذي الأصول التركية السيد"كامل أحمد" لبنتها بحنان قائلة: "رئيفة" حبيبتي.. تقدم لك عزالدين ابن أختي فما رأيك؟
التمعت عينا الفتاة ثم أطرقت خجلا، كانت أمها تعلم ما بين الشابين من مشاعر باركتها الأختان،
وخصوصا جليلة تلك الجميلة المتميزة المدللة من زوجها التاجرالشهير ميسور الحال.
"رئيفة"ابنة جليلة فتاة وحيدة مع ولدين هما "كمال وحلمي"، رائعة الجمال، مدللةمن والديها وأخويها، تعبت أمها الأرستقراطية في تعليمها أصول الحياة والتعامل الراقي فدرجت مميزة فريدة وسرعان ما صارت محط إعجاب أهالي حي "الظاهربيبرس" العتيق بالقاهرة.
وكانوا يختصرونه بكلمة "الظاهر" أو"الضاهر".
في تلك الحقبة من أربعينيات القرن الماضي، كانت الفتاة وأمها من هواة الفن أيام كانت القاهرة عاصمة النور والسينما والحرية والفن.
لم يتركا فيلما بالسينما إلا وحضرتا افتتاحه وخصوصا سينما "سهير" بالظاهر حيث تسكنان،
وسيترسخ اسم "سهير" في وجدان رئيفة بشكل غير مسبوق.
كانت الأم "جليلة" تعطي لإبنتها "رئيفة" حريةمستحقة لم تعهدها معظم بنات العائلات في بدايات هذا القرن، ولا سيما الأسر المحافظة الميسورة.
وفي تلك الأيام كانت"رئيفة"، الفتاة الرائعة الجمال تزهو بأربعة عشر عاما.
يراها الشباب في "صالة باتيناج حي العباسية" وسط بنات الأرمن واليهود، فتتلفت الأعناق لجمالها ورشاقتها،
ففي الوقت الذى كانت فيه البنات والنساء مزهوات بقوام ممتلىء رجراج، كانت "رئيفة " بقوامها الباريسي الممشوق بادية الجمال ظاهرة الاختلاف عن كل بنات جيلها.
كانت تحلم بابن الخالة "عزالدين" رغم أنه مازال طالبا بكلية الفنون التطبيقية "مدرسة الفنون التطبيقية ساعتها "،
أكمل عامه السابع عشر، ولكنه كان نشيطا دؤوبا يسابق الزمن لسبب لا يعرفه، ربما عرّفته لنا الأيام فيما بعد،
بدرس ويعمل مدرسا للرسم ويهوى النحت والموسيقى والحفر على الخشب والعزف على العود،
كتلة من النشاط والرقة والمشاعر والفن بكل جوانبه، حتى صار ناظرا لمدرسة "المحمدية الثانوية للبنين" في سن صغيرة.
هكذا كان عزالدين كان بارعا فى وسامته وأناقته، كانت البنات في عائلته يرونه شبيها بالممثل العالمي ساعتها "كلارك جيبل" بعينيه الزرقاوين،
ولكن أنّى للقلب أن يلتفت أو يشعر بأي فتاة غير رئيفة !
لطالما حدث نفسه، هل ستقبل بي؟ هل ستوافق أن تنتقل من حي الظاهرحيث درجت ونمت إلى حي شبرا،
هل يستطيع الحب أن يجعلها تميل وتوافق وتترك الحي الذي درجت فيه وهى المدللة في بيتها، والتي لا تترك أمها ولو للحظة!
وكان الجواب.. نعم، يستطيع الحب أن يأخذ رئيفة من حضن الأم لحضن الزوج والحبيب.
انتقلت العروس ذات الأربعة عشر ربيعا بعد زواجها للعيش مع حبيبها عزالدين في بيتهم الواقع بحي شبرا العريق.
منزل كبير مكون من طابقين في شارع جميل يقفل على سكانه ببوابة حديدية،نجد فيه فيللا أحمد شفيق باشا أبوعوف والد الفنان "عزت أبو عوف" ومحمودباشا فهمي وزير الزراعة وناظر الخاصة الملكية عم الفنان حسين فهمي، ومحمد باشاالسباعي والد الروائي الشهير يوسف السباعي.
لم تتوقع الفتاة أن تجد ألفة وجيرانا مثل جيرانها بحي الظاهر من الممثلات الشهيرات ونجوم المجتمع،
ولكن وللحق أنها فوجئت بخالة طيبة رغم مشاكسات كان لا بدمنها بين طفلة مدللة وخالة صارمة وحماة في نفس الوقت ولا ترى إلا حبا غير مشروط من ابنها الأكبر والأوسم لزوجته الصغيرة التي ملأت البيت ضحكا وبهجة ولعبا مع ابن خالتها وأخي زوجها"فؤاد" صديق طفولتها.
يجيء الزوج من عمله ليجدها تلعب وتجري ويجد والدته تتلمظ غيظا،
يحاول"عزالدين" تلطيف الجو وهنا تستمع رئيفة لنصائح الزوج فتهدأ لوقت غير طويل لتعود المشاحنات.
ما إن هبطت "رئيفة"على سكان حى شبرا حتى عرفت بالإسم، تمشي في الشارع مع زوجها، فتطل نساء الحي من الشرفات لرؤية زوجة عزالدين في أشيك وأرقى الفساتين وقت كانت الموضة الباريسية تنطلق من القاهرة،
تخطر رئيفة كالحلم الجميل مع زوج لا يقل عنها وسامة وشياكة.
وذات مساء احتدت الحماة على زوجة ابنها وابنة أختها "رئيفة" فانطلقت الفتاة في وجه خالتها قائلة "لا شأن لك بما أفعل"
وهنا هوت الخالة على وجه الصغيرة بصفعة أفزعتها.
تسمرت رئيفة في مكانها مذهولة، للمرة الأولى "والأخيرة"يرفع شخص أيا كان سنه وصفته يده أمام "رئيفة" التي هرولت باكية فوضعت"روب دي شامبر" على ملابس البيت دون أن تهتم بتغيير ملابسها واستقلت"تاكسي" رمح بها في الشوارع الخالية نحو بيت أمها ف حي"الظاهر".
يتبع