آخر الموثقات

  • الفهم الخاطئ للمساواة بين الجنسين
  • أستاذ فلان ... رغم الدكتوراه
  • تفسير توقيت مصادقة موسكو على الاتفاقية الإستراتيجية مع طهران...
  • ترامب وبزشكيان في الرياض
  • الحرب الإيرانية الأمريكية : خطأ المحللين
  • طريقة إيران المبتكرة للتفاوض مع أمريكا
  • العرض المالي الإيراني لترامب .. إختراق غير مسبوق
  • إيران ووالد زيزو
  • مجابهة كل هذا القدر!
  • ضع الآتي حلقة في أذنيك
  • أنا البهية الفاتنة
  • ثقافة الاعتذار بين الأصدقاء… الكلمة اللي بتبني العمر من جديد
  • شكراً ... حضرة المدير 
  • أخاف أن أعود...
  • كذابة
  • سر القلوب النبيلة
  • دائما أشتاق إليك..
  • راقي بأخلاقي 
  • من دون سبب..
  • لحظات آنيه..
  1. الرئيسية
  2. مركز التـدوين و التوثيـق ✔
  3. المدونات الموثقة
  4. مدونة فاطمة البسريني
  5. العصفور المسحور

أيام عصيبة، تلك التي مرت بها، وقاهرة.
هي لم تعد كما كانت منذ وفاة والدها، تغير سلوكها شيئا فشيئا،
كانت تشع مثل الشمس، كانت أنوارها في كل مكان.
كم عذبت من قلوب، وهي مستمتعة جدا بتعذيبها لهؤلاء الحمقى الذين تستطيع أن تغويهم بنظرة، بحركة.
لكن اليوم، أصبحت تزور يوميا المقبرة، وتجلس إلى قبر والدها تفكر، وتفكر فقط .
تغيب أحيانا في أجنحة عصافير المقبرة، هذه الطيور العاجزة الصغيرة ، تتخبط من أجل قطرات ماء في الإناء المغروس في أسفل شاهدة ا لقبر، تغمس منقارها الصغير في الماء غايتها الوحيدة أن تبل ظمأها وتشبعه دون خصام أو شجار.
إنها ترجو من نافورة الحياة هذه ألا تكون الدموع التي تسيل من عينيها هي ما يملأ هذا الإناء.
على الأقل هذا ما خيل إليها أنها سمعته من منقار ذلك العصفور الرمادي الغامق ذي الريش المنفوش والنظرات الحادة العنيفة تجاهها.
لم تهتم له منذ الوهلة الأولى، لكنه لم يذهب إلى حال سبيله لما بادلته نفس النظرات الشزراء.
ظلت نظراته مسمرة تجاهها، لم تحد عنها،
شعرت بالقلق والاضطراب،
سمعت صوته الصغير يدندن في دماغها،
(لن تعرفي طمأنينتك أبدا، إلا معي.).
أصابها رعب شديد، ارتعش جسمها كله،
بادرته قائلة:
( ماذا تريد أيها المنفوش، اشرب واذهب.)
سمعت قهقهته الصغيرة,
رفرف بجناحيه الصغيرين، أحنى رأسه تجاه حافة القبر وأومأ لها بوجود شيء عند قدميها.
قهقه عدة مرات، وانصرف.
تساءلت وقد أخذ منها الفزع كل مأخذ (ماذا يريد مني؟ وهل حقا كان يوميء لي؟ )
نظرت جيدا إلى موطئ أقدامها، تبين لها أن هناك شيئا ما مدفونا في الأرض،
(ربما أنني في مكان خاطئ )تمتمت بينها وبين نفسها.
ابتسمت داخلها، وهي تحرك رأسها علامة التعجب والدهشة،
(عصفور منفوش يفعل بي كل هذا.)
(هل جننت؟ أم إنه هو المجنون؟).
اعتقدت منذ مدة أنها اللغز الوحيد الذي ينتظر الحل، لكن هاهو المنفوش يؤكد لها عكس ذلك.
تعرف جيدا أنها إذا أرادت التخلص من كل هذا عليها أولا بقبوله.
نظرت حولها،
رأت الفأس الصغير الذي تزيل به الأعشاب عن قبر والدها، أخذته على الفور، وبدأت بالحفر.
كل من يطلق عليهم مجانين، لا تعتقدوا أنهم مجانين.
التجول في أروقة العقل لاكتشاف وتعلم أشياء جديدة، كان ذلك كل اهتمامها، لكنها لم تتمكن من ذلك، لأنها كانت تخاف الجميع في مقارنة ذاتية مع أرواحهم.
( إنه صندوق حديدي صغير ومزخرف ).
نزعت عنه ما علق به من تراب، كان متآكلا قليلا وقد طاله القليل من الصدأ والقدم،
وقد زخرف بطيور متنوعة الأشكال،
انتظروا،
إنه المنفوش هنا، رسمه واضح على غطاء الصندوق.
(ما هذا؟ أليست هذه العصفورة في الجانب الآخر تشبهها.).
أخذت الصندوق الصغير وغادرت مسرعة في اتجاه بيتها.
جلست تنظر إليه بتمعن وتوجس:
( ترى ماذا بداخله؟.).
(لماذا كلما لمسته، سرت في جسمها رعدة شديدة، وقفز قلبها في مكانه بعنف؟).
قلقت جدا، ساورتها شكوك كثيرة، (من رسم صورة وجهها على رأس العصفورة على ذلك الصندوق، إنه أمر لا يصدق ).
احتارت أشد الحيرة وأخذت تروح جيئة وذهابا في غرفتها وهي تفكر.
أحست وكأن هناك من يراقبها،
اقتربت من النافذة،
كان المنفوش قابعا على غصن الشجرة المجاورة، وقد انكمش على نفسه وهو ينظر إليها باستعطاف ومن عينيه انبعثت أحاسيس اقشعر لها بدنها.
رفرف ناحيتها،
ارتطم بزجاج النافذة،
صعقت، أصابها رعب شديد،
(كيف لهذا المنفوش أن يفعل ذلك، ألم يلاحظ أن النافذة مغلقة؟ ).
ظنت انه يكون قد مات، اندفعت مهرولة إلى الخارج،
وجدته مجندلا وصدره يعلو ويهبط بسرعة فائقة،
دون تفكير، حملته بين كفيها، برفق وهدوء،
وضعته على الطاولة قرب الصندوق، وذهبت لتجلب بعض الماء،
لما عادت، كاد قلبها يتوقف عن الخفقان، وكادت تسقط الكوب من يدها وهي ترجع إلى الخلف وقد نال منها الفزع والدهشة.
كان هناك رجل وسيم، في مقتبل العمر، يجلس إلى الطاولة،
نظر إ ليها، وعلى فمه ابتسامة جذابة، وقع قلبها لها.
( كيف؟.ماذا حصل؟ )
خانها صوتها، فلم تستطع الكلام.
تراجعت أكثر إلى الخلف، وهو يتوجه نحوها، أخذت مزهرية إلى جانبها وهددته بها.
توقف وقال لها بصوت أجش تغلغل إلى أعماقها:
( أنت؟ كيف تنعثينني بالمنفوش؟)
وابتسم لها برقة،
كانت تريد أن تختفي من أمامه،
تلعثمت وهي تسأله:
(من أنت؟ وكيف؟ .).
ضحك، وقال بصوت جهوري:
( أنا المنفوش ههه يا منقذتي.! )
ثم استطرد:
( إنه الصندوق، كان يحتوي على مخطوط لعنة أصابتني بها إحدى الساحرات وحولتني إلى المنفوش الذي كنته لسنوات عديدة
وأنت أتيت لتجعلينني أعود إلى طبيعتي البشرية.
كان يجب أن أرى ذلك المخطوط السحري لأعود إلى آدميتي! .)
كانت الدهشة تعقد لسانها:
( كيف يحدث كل هذا؟)
نظرت إليه مرات عديدة وقد تملكتها عدة أسئلة، لكنها بادرته:
( لكن لماذا صورتي هناك على الصندوق السحري أيضا؟ لماذا؟)
أجابها باستعجال:
( لا تفتحي الصندوق مرة أخرى، وإلا قد تتحولين إلى... إلى منفوشة، لا يجب أن يبقى عندك قومي بدفنه في الخارج حالا، حالا، لا تفتحي الصندوق أبدا .أبدا.
أنا سأغادر، الساحرة عرفت بأمري وسأعود في القريب العاجل، سأعود . هيا، هيا ، إلى اللقاء.)
وخرج مسرعا قبل أن تتمكن من النطق بأية كلمة،
ذهبت بالصندوق الملعون إلى الخارج وقامت بدفنه قرب الشجرة دون أن تتوانى لحظة واحدة.
مرت أيام وليالي، وليس في عقلها وقلبها سوى المنفوش.
( أين هو يا ترى؟ ماذا يفعل؟ وماذا حدث له؟ هل سيعود كما وعدها؟. )
كانت كل هذه الأسئلة لا تبارحها أبدا.
عادت من المقبرة اليوم كعادتها،
ولما دخلت البيت، وجدته هناك، جالسا إلى طاولتها،
أحست بقلبها يرتعش داخلها ويخفق بشدة، لكن هذه المرة ليس من الفزع، بل من شيء آخر لم تستطع تحديده.
بادرها:
(قد عدت كما وعدتك، لأشكرك فقد أنقذت حياتي،
أنا ابن حاكم القرية المجاورة،
ثم نظر إليها طويلا، نظرات حدثتها بكل ما يخفيه، والمشاعر المتأججة التي تملؤه.
وقال أخيرا:
(هلا تقبلينني زوجا؟! ).

التعليقات علي الموضوع
لا تعليقات
المتواجدون حالياً

359 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع