لم أكن أريد أن أجعل ما بيننا كلمات على ورق ،
لكنني اقتنعت أن كل كلمة أكتبها عنا ستظل خالدة ، مقدسة ، مخطوطة بماء الحياة .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لك كل شيء ، وكلماتي النابعة من كل مسام جسدي .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كنت أتفحص جسدك بسرعة ، حتى لا تضبطني نفسي في حالة الخيانة العظمى ،
وحينما أشارت الساعة إلى ما لانهاية ، صدرت أوامر بالانسحاب ،
لكن ليس منك ، ولكن إليك ، وهكذا فوجئت بنفسي الضائعة منذ زمن حول جسدي ، تطوف ضواحيه وبراريه ، غاضبة .
فوجئت بها ترتمي فيك ، بكل ثقلها ، خشيت عليها من هول سقطتها فيك ، لكنني عحينما أطللت عليها داخلك ، وجدتها مرتاحة ، هادئة ، تنتظر عشقك الكبير ، توقك ، غابات حبك الشااسعة ، تسوح فيها ,
كيف ارتضت نفسي لنفسها ذلك ؟ لست أدري .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كانت العزلة تدم كل ما يشدني إلى هذه الحياة ،
وكانت الوحدة تمزق روحي عبر هذه الليالي الكثيرة ، الباردة .
كان أملي مقطوعا في أن أجد قطرة ماء في هذه الأرض القفر ،
كنت كالحيوان التائه ، الجائع ، أسير ، أبحث في كل الظلام ، عن عشب أخضر ،
كانت كل الأعشاب يابسة ..
وبعد كل هذا السير المضني ، أجدك عشبي الأبدي ، ضيائي الشارد ، هذياني الجميل ، داليتي أتسلقها ، ترضعني رحيق أغصانها المتنامية إلى السماء العالية ،
قمري المختفي يبزغ لتملأ أشعته السحرية كل الفراغ .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لما انخرطت يدانا في عناقها الحار ،
علمت أن المرأة الحزينة ، المشتتة في ، يجب أن أضللها في أعماق الصحراء حتى تتلاشى وتندثر،
تلك المرأة التي كانت تفيض مرارة واشمئزازا من خبث وقذارة
هذا العالم .
علمت أنط يجب أن تمثل بالنسبة لي الجانب الأخر الرائع من هذا العالم.
علمت حينئذ أنه يجب أن أتحرر من هذه الطاقة الكبيرة الحاقدة على كل شيء .
علمت أنك ستكون خارج السائد والعادي القاتل .
ويصعد في شهيق ، إعصار رعب يهب في أعماق نفسي المنطرحة خوفا من اقتلاع أشجارك وصخرك وظلالك الوارفة .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
منذ اللقاء الأول ،
كنت كالإبرة التي تعيد اتوازن إلى بوصلة اتجاهي ،
كنت هدوءا أصاب هذا الهدير والضجيج الذي كان يرافقني طول حياتي.
قد أوقفت تلك الاهتزازات الدائمة التي كانت تسيطر على كياني وكان جسدي يرتج لها باستمرار،
منذ اللقاء الأول ،
لم أستطع أن أسلط عليك فخامتي المعتادة،وتصرفاتي الاستعراضية ولم أود أن أناقشك بأبهة امرأة واثقة من جسدها,
لم أكن أريد أن أمارس عليك اجتياحي ، السلاح الذي كنت استعمله كلما اقتضت الحاجة ذلك ، ولكنك أنت ، بهدوئك الكبير ، جعلتني أطرح ىكل أسلحتي ، وغمرني وهجك إلى العظم ،فأحسست وكأنني طفلة صغيرة مازالت تتعلم الكلام والحركة .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مرات كثيرة ،
تساءلت :
هل تحلمين ؟وإذا خيبك هذا أيضا ؟
وكثيرا ما سألت نفسي :
وإذا تمزق حلم الطفلة الصغيرة ، كطائرة من ورق في الهواء ؟
تساءلت كثيرا :
هل يمكن أن يحدث لي مثل هذا أنا بالذات؟ كيف تصبحين طفلة ؟
كيف يحاصرك فجره ، شمسه ،تلقائيته ، ضبابه ؟ وكيف ، كيف تكشفين له عن جراحك وتنحدرين إليه ؟كيف تنحنين ليلثم جراحك الفظيعة ؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في هذا الليل من التيه والغربة ، وآلامي بحجمهما ، وآلامي بحجمهما .
وكل دقيقة من زمن هذا الليل الناري ضيقة ،تخنق أنفاسي .
وما كان أحد بريئا من عرق جبينه المتصبب ، ولا من صرخات كل أعضاء جسده التي تسام كل عذاب هذا الليل وتختنق مسامها بلسعات نارية جارحة .
لماذا كان الإحساس بك يساوي إحساس الأعمى بالنور ؟
لماذا انتشر ذلك الإحساس في بسرعة البرق ؟
لماذا تملكني صدرك الذي يشبه صدر إله إغريقي ؟
يا ليت صدرك يحتويني إلى الأبد ، فألمي متواصل ونزيف جرحي دائم ونفسي يائسة،
وأنا لم أعش أبدا على النصف الآخر المضيء من هذه الكرة الأرضية ، لقد زلت قدمي وتدحرج جسدي ليستقر منذ زمن على النصف الآخر المظلم ..
وكان هذا الإحساس بك هو الإضاءة ،
وفي هذا الليل من الوحدة والحيرة ، أخشى على هذا البصيص من النور أن يندثر .
وأكاد أمد يدي لأقبض على أشعة سرمدية .
وأكاد أصرخ لماذا ؟ لماذا هذا العذاب ؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لا أيد أن يكون حبك فتاتا ، التقطه كطير جائع لأيم معدودة ..
أريد أن يكون حبك كيرا ، كبيرا يرتد يني ، يرتاح فيه هوسي ، جنوني ، أحزاني ، تألقي ، عذابي ، خطيئتي ، حناني وأشواقي ، صمتي وتعاستي ، يحترف كل صخبي ، عنفي ، كل سحري ، و الألوان والاشتهاء والإباء ، والأحضان ، وكل ألمي ، خجلي ، كل الخوف والمستحيل وذاكرتي ،
أريد أن تنزلق كلماتك علي حريرية ، أضمك نارا ، رمادا ، أمطار ، عشبا أخضر ، كل حياتي .
أريد أن تكون كل الأهواس ،كل الأنفاس ، كل الناس .
أريدك جسرا ، يمر بي من كل هذا العذاب ، والانكسار والإيقاعات الملحة ، كل هذه الساعات ،
أريدك نجاتي منهم ، من حواجزهم ، من التوجس والإدانة والانتهاك اليومي وكل هذا الرعب والقهر المريرين .
وأخشى من خطواتنا السريعة الرشيقة نحو بعضنا .
أخاف ،
أخاف من تصدع ، من زلة قدم ، فسقطة ، صدمة يرتج لها ما تبقى لي من أمان و حماية .
أخاف منك ، وعليك ،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
منذ ذلك اليوم ، كتبت لك عشرين رسالة في الدماغ ، كغن صمتك رافدها الأساسي ، فلم تكن تخرجة عنه إلا لكي تحاول أن تكتشفني ،
وقد قمت باكتشافي عدة مرات .
وقد أفرحني ذلك كثيرا ، وأعجبتني محاولاتك أن تفهمني .
كنت دائما أسخر ممن يحاولون ذلك ، لأنهم لن يستطيعوا ذلك أبدا ، فأنا غريبة ، غامضة غموضا طاغيا ، عنيفا لا، يصفع كل من يحاول أن يكتشفني كما فعلت أنت ..
ولكنني تقبلت كل آرائك بارتياح وهدوء ، لست أدري ، ربما لأنك كنت تحاول صادقا ، صريحا ، غير ممالق أو كاذب .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
غربتي تكتنفني ، فتصبح بمرور الوقت غرابتي ، وقد كانت حالتي يومئذ عبارة عن مزيج من الغربة والغرابة .
كنت في أقصى حالات انفلات الغربة ، مني ، فتحولت إلى غريبة في أعين الناس وفي أفكارهم .
وأثناء ممارستي اللعب الكلامي معك،كنت أفضل أن أبرز لك غرابتي وغموضي الذي لا يفهم ، على أن أبرز لك غربتي ، لا أدري كيف تمكنت من الإحساس بغربتي وأفسدت لعبتي .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أتدري أن كلامك وصمتك وحركاتك اغتربت في ، وتداخلت مع غربتي وغرابتي فتقمصتني بعض كلماتك ، فتمنيت فعلا أن تكون حقيقيا في الغربة الفظيعة مثلي وقلت بيني وبين نفسي : ( لم لا ؟) ما دمنا نعيش زمن الغربة والوحشة هذا ؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كنت جريئا لما عرضت هلي حبك ..
كنت تغامر ، أليس كذلك ؟
كان ذلك النوع من المغامرة العنيدة الرعناء المفاجئة لك ولغيرك ،
إنك لا تعرف أنني لم افاجأ بعرضك فقط بل إنني اندهشت ..
فالرجل في بلدنا ، لا يهمه الارتقاء إلى الأحاسيس والمشاعر النبيلة من حب وصدق وكرامة وإخلاص .
الرجل في بلدنا أناني بطبعه .
لا يطلب ، بل يأمر ويأخذ ولا يعطي .
الرجل في بلدنا ، لا يستقر على حال ،
وتبادرت إلى ذهني فكرة ، أنك ربما تكون قد طلبت من غيري أن تحبك في زمن ما ، لذلك انزاحت على شفتي ابتسامة حطمتها الغربة والوحدة ولكنك بنظرة منك مسحت الابتسامة المريرة وطلبت مني أن أثق بك ؟
أي الرجال أنت ؟ هل أثق بك ؟