لن أبدأ بتحليل ما جاء في كتاب (عاشق الكاميرا ) من الناحية الشكلية كما هو معتاد،بل سأبدأ بموضوع الكتاب أولا لأن جوهره هو ما شدني كثيرا إلى كل كلمة كتبت فيه أكثر من أي شيء آخر ، وكأن الكاتب فتحي الحصري أراد إيصال رسالة نبيلة من خلاله إلى كل قارئ متبصر .
لن أتردد لأجزم أن الصداقة هي المحور الرئيسي للكتاب إضافة طبعا إلى مواضيع أخرى كالإخلاص في العمل وفعل الخير وغير ذلك .
الصديق هو الصادق الذي يحبك لشخصك وتصرفاتك أيا كانت ، وليس المجامل ، الأناني .
الصديق هو من يساندك وليس من يوهنك ويتعبك .
يكون الصديق عادة هو السبب في الراحة والهدوء والسلام مع النفس وليس الساخط المتذمر من شيء ومن لا شيء.
ــ 2 ــ
الصديق يستمع إليك ويتعامل مع ما تقوله وتفعله بواقعية لا أن يسخر ويتكبر، إنه المتسامح المتصالح وليس قاسي الطباع والقلب .
الصديق الحق من يلتمس لك الأعذار وليس من يترقب لك زلة ، لينقض عليك .
يتساقط الأصدقاء كأوراق الشجر في الخريف ، ولا يبقى منهم إلا الصادق المخلص العفيف .
بصفة عامة ، الأصدقاء هم أصدقاء الروح والقلب .
هذا ما يتضح بادئ ذي بدء من تصفح الكتاب ، والتمعن فيه ، وهذا قد يبدو للقارئ العادي لكني عدت لأركز على عنوان الكتاب لاكتشف بانبهار أن الصديق الحقيقي للكاتب فتحي الحصري هي كاميرته والتي ظلت ملاصقة له لكل السنوات الماضية كما جاء على لسانه ـــ الجزء الذي لا يتجزأ مني ـــ
هناك أيضا قلمه اللاذع والرائع الذي هو الصديق الحق الذي لم يفارقه لحد الآن ، رغم أن الرداءة طالت كل الميادين على حد سواء فأصبح واقع الأمس زمنا جميلا بالنسبة لنا نتحسرعليه فقط .
ــ 3 ـــ
لا أريد أن أكون قارئا متشائما لكن هناك أشياء لا يعوضها الزمن وربما لن تعيش ولن تعرف الأجيال القادمة ذلك الاعتزاز بالنفس والفخر بالفن سواء كتابة صحفية أو فوتوغرافيا سينمائية أو فنانين على اختلاف مشاربهم إناثا وذكورا ،مادام الزمن الحالي لا يجود علينا بعباقرة مثل هؤلاء الذين جاؤوا في كتاب فتحي الحصري بل هل يمكن أن يجود علينا بعبقري كاميرا وعاشق لها مثله ؟؟
إنه الكاتب الذي زاوج بين الأخلاق الحميدة وممارسة مهنته في التصوير السينمائي وفي الكتابة الصحفية وقد أحبها وعشقها ولم يهتم للجانب المادي بها بل على العكس ، لم يتوانى عن الأخذ بيد كل الموهوبين إلى مصاف الفنانين الكبار معتمدا على خبرته وتجربته وحنكته بالأصوات وبكل حيثيات العمل الفني فلا ننس أنه حافظ للقرآن الكريم ومجود له .
من جهة أخرى ، لابد لي من الإشارة إلى رافد آخر من روافد نجاحه فهو كان سباقا إلى العمل الخيري بشتى أصنافه ، ويحث عليه كل أصدقائه والمقربين منه فهولا يأل جهدا في تقديم العون لذوي الاحتياجات الخاصة في كل مناسبة متاحة وكذلك إحياء عيد القمح
ــ 4ــ
برفقة ثلة من الرفقاء والأصدقاء، هذا كله له دلالات كبرى على شخصية الكاتب التي حنكتها التجارب .
إنها دلالات تقفز إلينا من بين سطور الكتاب التي يحكي بواسطتها وبكل صدق وإخلاص وبذكر أسماء من مر به من أصدقاء وغير الأصدقاء بحرية وأريحية .
والقارئ المتيقظ سوف ينتبه إلى ما وراء كل كلمة كتبها والتي توحي بضرورة فعل الخير والتشبث بكرم الأخلاق وكرامة الإنسان الشيء الذي دافع عنه في كل وقت وحين برقته وماله وإنسانيته التي لا حدود لها كل ذلك بعزم وحزم و نظام وتنظيم منقطع النظير ، حتى أنه يتحتم السؤال عن كيفية تنسيق الكاتب لنشاطاته وأشغاله الكثيرة في حياة مليئة مثل تلك التي يعيشها .
لا يسع المتأمل والممعن في الكتاب إلا أن يقول إن تلك موهبة لا يمنحها الله تعالى لأي كان .
من الناحية الشكلية :
لا يمكن تصنيف كتاب ( عاشق الكاميرا ) على أنه من نوع السيرة الذاتية فلهذه الأخيرة شروط معينة يجب اتباعها بل لا يمكنني في تحليلي المتواضع هذا إلا أن
ــ 5 ــ
أسميها شذرات وذكريات من حياة الكاتب وهي تتعلق بمهنة الكاتب على الخصوص ،وكيف بدأها وكيف انتهى به الحال إلى القيام بمهرجان همسة الدولي للآداب والفنون الناجح .
كل ذلك من خلال لغة نقية ،خالية من الشوائب وأسلوب صادق ، صاف لا تكلف فيه لأي نوع من التعابير المعقدة ولذلك فإن القارئ تصله أفكار الكاتب ممهدة ، واضحة لا يعتريها أي غموض أو التباس بأسلوب سلس، ممتع .
إضافة إلى أن الكتاب لا يخلو من وصف جميل للأماكن دون تنميق مع مراعاة الكاتب الانتقال بالقارئ من موضوع إلى آخر ومن شخصية إلى أخرى بشغف ومهارة وكأنك ترى الأحداث والوقائع بأم عينيك .
عاشق الكاميرا ،
ليست نوعا من السرد القصصي بل إنها كقصيدة تأخذك فيها أحاسيس الكاتب الجارفة بميدان عمله وهو التصوير الفوتوغرافي السينمائي وكذلك الكتابة الصحفية فتنقل لك مشاعره على اختلاف تموجاتها مع وقائع الذكريات فتأسف لأسفه وتفرح لفرحه ( دقات
ــ 6 ــ
القلب تتسارع وأنا أنتظر نتيجة التحميض....) وتفخر لفخاره واعتزازه بنفسه فيزيدك ذلك كقاريء احتراما لشخصيته وشخصه .
ولو أنني ناقدة متخصصة لقلت :
( إن الكاتب فتحي الحصري قد ابتدع أسلوبا جديدا ونوعا آخر في الكتابة ، فهو يسرح بك عبر ذكرياته المهنية دون أن تطغى عليه حياته الخاصة ولم يتجاوز ذلك إلا حدثين أو ثلاثة ليس إلا ).
حقا ، شيء مثير جدا للقارئ الذي لا علاقة له بالفن السينمائي إلا مشاهدة الأفلام على التيليفزيون أوفي السينما فهو يأخذك بأسلوبه الشيق المتزن ، البارع إلى الكواليس ، ليس كواليس الأفلام بل كواليس تصرفات الفنانين وأخلاقهم وأمزجتهم من خلال ممارسته لمهنته في الواقع ، ولهذا أهمية كبيرة بالنسبة للقارئ المتبصر الذي سيفهم أن الكاتب يرمي إلى أن توصيل رسالته للقراء كيفما كان نوعهم وهي التمسك بالأخلاق الحميدة والمبادئ السامية التي هي أساس كل نجاح والتسلح بالصبر والالتزام .
ــ 7 ــ
كل ذلك من خلال أسلوبه السهل الممتنع وسحر الكتابة الخلاقة ،المتميزة .
وإذا أضفنا سحر عشق الكاتب للكاميرا وما تم سرده عن تجاربه التي تبدو لأول وهلة عادية للبعض إلا أنها تنطلق بك كقارئ لاكتشاف عالم مبهر ، متموج لا يتبث فيه إلا من يتمتع برسوخ وهدوء وحب وعشق كامل لعمله .
إن الكتاب ككل ، هو رسالة من الأهمية بمكان كما يتوخى الكاتب تماما ، وعملا فنيا ، فيه كل المقومات التي تجعل منه عملا إبداعيا كبيرا بكل ما في الكلمة من معنى ، وبكل ما يمكن استنباطه من خلاله من حكمة يفتقدها مجتمعنا العربي ككل .