هل هي زيارتك الأولي ؟دليل الزيارة الأولي

آخر الموثقات

  • لو قبيحة .. شبيك لبيك
  • أتعلم تكون أنانى 
  • على كتف أبي معلقة ..
  • الفهم الخاطئ للمساواة بين الجنسين
  • أستاذ فلان ... رغم الدكتوراه
  • تفسير توقيت مصادقة موسكو على الاتفاقية الإستراتيجية مع طهران...
  • ترامب وبزشكيان في الرياض
  • الحرب الإيرانية الأمريكية : خطأ المحللين
  • طريقة إيران المبتكرة للتفاوض مع أمريكا
  • العرض المالي الإيراني لترامب .. إختراق غير مسبوق
  • إيران ووالد زيزو
  • مجابهة كل هذا القدر!
  • ضع الآتي حلقة في أذنيك
  • أنا البهية الفاتنة
  • ثقافة الاعتذار بين الأصدقاء… الكلمة اللي بتبني العمر من جديد
  • شكراً ... حضرة المدير 
  • أخاف أن أعود...
  • كذابة
  • سر القلوب النبيلة
  • دائما أشتاق إليك..
  1. الرئيسية
  2. مركز التـدوين و التوثيـق ✔
  3. المدونات الموثقة
  4. مدونة غادة سيد
  5. الرفيق اللدود ( قصة قصيرة .. سيكولوجي)

٦_ الرفيق اللدود

كان يصر أن يلتقيه كل صباح فيقف أمامه مذعنا بلا حراك يستمع إليه وهو  يوبخه و يؤنبه و يضعه وجها لوجه أمام كل جوانبه المظلمة المخفاه. فيعريها و يسلط عليها وميضا مستعرا من الانتقادات  تشوه  بقسوة كل خلية منه. كأنما سياط كلماته الحادة تترك آثارها المحرقة على ظهره العاري من الدعم والسند. فتترك علامات لا يمكن محوها، لكنه يتغاضى عن كل ذلك ويذهب إليه بإرادته في لقاء يومي متجدد.
لم يكن يستطيع الذهاب إلى عمله الذي لا يدري إن كان يحبه أم يكرهه دون أن يرى رفيقه اللدود حتى ينال هذه الجرعة المكثفة من الاهانات والتسفيه فتتبلد مشاعره وتصبح أكثر قدرة على تحمل حماقات زملاء العمل المملين المتملقين دون أن تثير أفعالهم البغيضة أعصابه.
و بعد كل لقاء يصبح أكثر  حرصا على  أن يعدل من هندامه بحركة خفيفة من  اطراف اصابعه التي تبدو واثقة لكنها  تخفي وراءها الكثير من التوتر و الضيق. فتتنقل برشاقة بين خصلات شعر مقدمة رأسه وبين رابطة عنقه تعدل  و تربت   مؤكدة على تمام الأناقة. ثم في النهاية يختتم الطقس الصباحي بنفض ذرات الغبار الغير مرئية من على كتفيه ويغلق أزرار سترته الزرقاء الداكنة الأنيقة.
كانت روحه تئن تارة و تصرخ أخرى فيُسمع لها صفير و دندنات حتى يخيل للرائي انها تتمايل سكْرا من فرط النشوة لسماع مزامير الطرب الشجي.
بينما ينطلق إلى سيارته الحديثة ليتمم على نظافة كراسيها الداخلية  وهي تبدو أشد لمعانا من طلائها القاني البراق. يدير محركها ثم ينطلق ببطئ بسرعة  الثلاثينيات متخليا عن سبعين بالمائة من كفاءة المحرك القوي. ومع أول توقف له في إحدى الإشارات الضوئية لا يشعر إلا وقدمه تنتقل من المكابح إلى دعاسة  البنزين بحركة آلية مبرمجة لينطلق بأقصى سرعة متجاوزا مقر عمله مما يجعله يضطر في كثير من الأحيان  إلى الدوران للخلف من المنحنى القريب و إعادة الطريق  مرة أخرى مع تركيز أكبر هذه المرة. 
لم تشغله يوما نظرات المحيطين الفضولية فهو يكره الفضوليين للدرجة التي تجعله لا يراهم جميعا فكلهم متطفلون.
لا يبتسم عادة و هو يلقي تحايا الصباح على مسوخ متحركة لا يميز هوياتها فكلهم عنده سواء و كأنهم مستنسخون  لا فرق بين ملمح أو لون أو جنس. فهو يتعامل مع وظائف لا موظفين. هنا قسم العمليات المصرفية وهناك يجلس رئيس قسم الإتمان وإلى جواره غرفة  الخزينة و في الواجهة مدير  خدمة العملاء و هو كمدير للبنك الأقليمي يتابع كل ذلك  من بعيد. لاتضطره الظروف إلى التعامل مع الجمهور إلا في القليل النادر، مما يبقى ذلك الجمهور كيانا جامدا خاليا من التفاصيل و الأفراد معظم الوقت.  و هذا أكثر ما يريحه في مهام وظيفته. دائما ما يجد نفسه بين القروض و الضمانات والودائع  والأسهم والسندات و حالة البورصة  و سوق العملة. هؤلاء هم عالمه الذي يجد فيه نفسه .حبذا لو كان هذا العالم خاليا من الأشخاص قائما على الآلات والأوراق فقط فيظل حبيس الأرقام لا يمل من أُنس حديثها إليه لا يخرجه منها إلا بعض الاجتماعات الدورية السمجة.  و قد تخلت زوجته عن حياتها معه وقطعت كل حبال الود فارة بنفسها و ولديها من جحيم بيت العنكبوت التي كانت مقيدة معه في شباكه الخانقة رغم وهنها. هذا المنزل الذي تعشش فيه وطاويط الوحدة و الفتور ، أخيرا تنسمت حريتها هواء نقيا خاليا من ملوثات الروح بجمودها و حزنها. كان خروجها شهيقا عميقا محملا بالأوكسيجين المعبأ بكل أنواع العطور الصباحية المشرقة.  لم يكتمل لها شعورها بالحرية والراحة  إلا بعد أن تركت العمل بالبنك وانتقلت لفرع آخر خالي من الطاقات السلبية التي كان يبثها دائما فيمن حوله بتجهمه و عبوسه.
لم يُلق يوما بالا لزواج أو انفصال. لم تختلف حياته عندما كان بمفرده عنها بعد الارتباط، فلا معنى لكلمة شريك في عرفه إلا  من خلال ما يعرفه من قوانين الشركات من أجل تسوية الأمور الضريبية وتحديد نسبة كل شريك وحصته. لم يكن يريد  أطفالا تحمل اسمه، فاسمه لابد أن ينتهي حتى تنتهي معه المعاناة. فلا معنى أن نأت للحياة بأجيال يعانون كما نعاني نحن فيكرهونا كما نكره نحن أنفسنا.

كان  يحتاج أن يروح عن نفسه و يستجم بعيدا في أماكن  مفتوحة .كان لابد أن يدع عينيه ترى شيئا غير الحوائط الخرسانية والزجاجية وتسمع أصواتا غير أزرار الحواسيب و النداء  الآلي على ارقام  العملاء . كانت الأشجار  الباسقة منتشرة يمتزج خضارها بزرقة السماء والطيور المهاجرة  وصوت موج البحر و ضحكات الأطفال  تناديه. لكنه لم يلب يوما النداء.. 
عاد إلى المنزل في التوقيت اليومي المعتاد بعد أن تناول غذاءه في مطعمه المفضل. فهم يطهون أصنافا شديدة الاتقان والفخامة كما أنهم لا يثرثرون و يكتفون بالقليل من كلمات الترحيب و ربما كان ذلك مصحوبا بابتسامة عملية باهتة. مارس كل الطقوس الروتينية  المعتادة وبعد مساء قضاه كالعادة بين الأوراق والأرقام و موسيقى الألمانيين  باخ و الاندماج مع مقطوعته الشهيرة المعروفة باسم " رائعة باخ " وهي المفضلة لديه بعد مقطوعة "الحركة الأولى " لبتهوفن. كان يستمتع بهما كثيرا رغم انهما كانا يثيران جنون زوجته، فلم تجد فيهما أي راحة أو استرخاء بل كانا يحملانها إلى عالم من التوتر الشديد، لا سيما أنه  لم يكن يسمع إلا هاتين المقطوعتين ويعيد تشغيلهما مرارا. الآن هو ينعم بطقوسه دون اعتراض من أحد و بلا تدخل أو حكم على ذوقه الرفيع.
كان الخادم قد  انهى كل مهامه من نظافة و طهي ثم غادر المنزل ولن يأتي إلا في الصباح كما يفعل كل يوم.وفي خلال تواجده بالمنزل  ينهي عمله دون الحديث أو التفوه بأي كلمة حتى وان كان حديثا إلى نفسه. فهو أمر غير مسموح به في هذا المنزل.
بعد ليلة حافلة بدراسة المشروعات المختلفة، أطفأ مصباح المكتب الكلاسيكي ثم أخذ حماما دافئا أعده الخادم  قبل أن يغادر.
انطلق إلى غرفة النوم حيث الكرسي الهزاز الوثير  بجوار النافذة الطويلة  قام بسحب كتابا موجودا على  المنضدة الصغيرة المجاورة. كانت رواية " الجريمة والعقاب "  تركها  من يده وقد قرر أن يعاقب خادمه حتى لا يعبث بترتيب الروايات مرة أخرى أثناء قيامه بالتنظيف. ظل يقلب في باقي الكتب والروايات ليختار أحدها. " الأخوة كرامازوف "، " في قبوي ". " الشياطين  " كلها روايات للروائي الروسي فيودور دوستويفيسكي فلا يقرأ لغيره . نحاهم جميعا جانبا و التقط رواية " ذكريات من منزل الأموات " فهي ضالته التي يبحث عنها فلها منزلة خاصة  عنده متعلقة بظروف كتابتها بعد سنوات منفى الكاتب في سيبيريا و التي كانت تخفيفيا لحكم بالإعدام  أُصدِر ضده لاتهامه بالانتماء لجماعة ليبرالية  لكنه نال من قيصر روسيا عفوا  واستُبدل الإعدام بالنفي مما كان له أثره الواضح في نظرته للحياة  قام بتصويره في روايته هذه.
كان فراشه هو المحطة الأخيرة  ليومه المنقضي بعد أن غلب النعاس عينيه. لكن ما أن وضع رأسه على الوسادة حتى دق جرس هاتف المنزل 
فهو يغلق جواله عندما تطأ  قدميه غرفته بعد عناء يوم عمل مضني.
_ لكن من يجرؤ على الاتصال بي على الهاتف الأرضي في هذا التوقيت المتأخر؟

ألو..  من معي؟ جاءه الصوت سريعا متقطعا :
_ ابنك مريض جدا. التهاب حاد متكرر في اللوزتين وأنا الآن معه بالمستشفى المركزي سيجري جراحة الآن.
كانت هذه الكلمات القليلة آخر ما سمعه قبل أن يغلَق الخط على الجانب الآخر، بينما ظلت سماعة الهاتف  في يده للحظات  إلى أن سقطت من يده وغاب عن الوعي و بدأ يغط في نوم عميق  و كأن شيئا لم يكن.
استقيظ غي الصباح  مبكرا كعادته  وقد نسي كل شيء حدث بالأمس إلاَّ جواله و أوراقه.
تحضر استعدادا للعمل و قبل المغادرة لم ينس أن يلتقيه كعادته اليومية.
ليجده اليوم  وعلى غير عادته قد أحرق الغضب كبده  ينتظره و يتعجل مجيئه بفارغ الصبر. ما أن رآه حتى انفجر غضبا بادئا وصلة جديدة من التأنيب لكنها اليوم أقسى من كل مرة.
بدأها بما لم يكن يتوقعه مع تلك النبرات الحادة: هل تسمي نفسك ناجحا؟ هل تعلم أن العمل لا يمثل إلا جزء من حياتنا رغم أهميته؟ أنت وإن كنت المدير فأنت الزوج والأب أيضا وقبل ذلك.. الإنسان. لم تكن يوما آلة مفرغة من المشاعر و النبض إن كنت لا تدري فها أنا أخبرك. فلتعلم أن كيانك لا يتحدد بارتقائك الوظيفي فحسب  فمهما بلغت من قمم وحققت من أحلام فستظل فردا في عالم السبعة مليار.  لكنك الوحيد بالنسبة لزوجتك واولادك. بل أنت لهم كل شيء أنت لهم السبعة مليار مجتمعين.
فشلَك في تحملك مسؤولياتك غير المتعلقة بالعمل هو فشل لشخصك لا لجزء منك. كيف تشعر وانت تتخلى عن استثمارك في رأس مالك الحي وقد جلبته إلى الحياة بقرار منك وتعطي الحق لنفسك لتسستثمر في أموال الآخرين؟ أم إنك فقدت الشعور كلية؟.. ظل يكيل له الاهانات  ويوصمه بأفظع التهم. حتى تملك منه الغضب و أفقده السيطرة تماما فلم يشعر بنفسه إلا وهو يحمل مطفأة السجائر ويقذفه بها في وجهه ليخرسه كي يتوقف ولو قليلا عن أهانته.
لكنه لم يصمت  وظل يضحك ضحكات هستيرية مرددا  فاشل فاشل.. أنت فاشل. ناوله لكمه في وجهه سالت بسببها الدماء من يده وتعلقت بأنسجتها قطع الزجاج المكسورة الحادة.  بينما تحول الصديق اللدود إلى عشرات الصور المشوهة المنعكسة من اسطح المرآه المتكسرة رغم أن بعضها لا يزال متماسكا على الجدار. فبعد أن كان يقف أمامها طويلا كل يوم يحدث نفسه قبل الذهاب إلى العمل. هاهي الدماء تسيل بغزارة  على الأجزاء المبعثرة على أرض الغرفة و قطرات أخرى تناثرت على ما تبقى من أسطح لاتزال معلقة على الحائط تحاول التماسك بصعوبة قبل أن تهوي في كل مكان  لتفقد المرآه صمودها الذي ظلت محتفظة به لسنوات. فبرغم ما تلقته من دفعات و هزات ظلت كما هي ثابتة إلى أن  انهارت اليوم وتحطمت.

بينما أشلاء رفيقه اللدود تحاول أن تراه من بين الحطام لتكمل سخريتها من فشله نظر  هنا و هناك في إحدى الزوايا الحادة المحطمة  على الأرض شاهد  والداه منهمكان كل في أوراقه و أبحاثه لايتحدثان إلى بعضهما و لا يشعران بهذا البرعم الصغير  الذي يحاول التفتح ولا يجد من يسقي أوراقه العطشى إلى الحب والحنان فتستسلم لواقع فرض عليها  أن تكون حبيسة الوحدة منغلقة على نفسها تأبى التفتح و تنفس  النور.

تعلق بصره بتلك الزواية وهي تتأرجح يمينا و يسارا  محاولة الحفاظ على موقعها وسط البقايا المحطمة على الجدار  يطل منها طيف زوجته الجميلة زميلة الدراسة المتفوقة المحبوبة. تساءل كيف ذبلت هكذا و انطفأ بريق عينيها  وخبت الهالة حولها و سط عتمة المسؤولية التي حملتها منفردة بعد تخليه هو عن دوره في حملها.

نظر والرعب يطل من فؤاده وهو يلوذ بالحائط الخلفي مبتعدا عن المرآه دافعا الفراغ بينه وبين اجزاء نفسه المحطمة الدامية ليتقي سهام نظراتها الجارحة.اختلطت الدموع بهستيريا البكاء. وامتزجت الدموع بالدماء و قطع الزجاج. خارت قواه رغم استناده إلى الجدار فانهار و سقط أرضا مغشيا عليه.
كان وقت العمل قد فات وحان موعد وصول الخادم الذي صعق حين رآه على هذه الحالة.أسرع بإحضار حقيبة الإسعافات وضمد جراحه بعد أن طهرها وأعاده بصعوبة إلى غرفته ثم قام برفع قطع الزجاج حتى عادت الغرفة كما كانت في السابق لكن بدون المرآه.
ظل جالسا بجوار سريره  لساعات حتى عاد إليه وعيه و بدأ في فتح جفونه وتحريك  يديه .شعر بالارتياح قليلا  لكنه لم يجرؤ أن ينطق بكلمة.
نظر هو إلى الخادم الصامت ثم سأله:  ماذا حدث؟ ااه نعم نعم أذكر كل شيء. أخبرني أرجوك ما رأيك بي ؟ لم تصله أي إجابة و مرت لحظات خرساء  عاود  خلالها حديثه قائلا: هل أنا فاشل؟ تحدث إليّ لم تصمت هكذا؟ أجبني عن أسئلتي. تكلم.
نظر إليه بدهشة وقال بتردد: هل استطيع الحديث فعلا سيدي؟
حينها أدرك كم كان دكتاتورا متسلطا. لا يتحدث ولا يستمع إلا لنفسه التي كانت تجلده كثيرا حتى يتوهم أنه قد فعل كل ماهو مطلوب منه، فيكفيه تأنيب الضمير لكن دون اتخاذ حلول اوخطوات جادة للتغيير.
ربت كتف خادمه بحنان بالغ لأول مرة وقال بهدوء: نعم تستطيع الحديث.  أريد رأيا صريحا وإجابة صادقة لسؤالي.
_ انت لست فاشل سيدي فضميرك حي لكن ينقصك فقط ارادة اتغيير.والسبب في ذلك أنك لا ترى القيمة الحقيقية لأشياء هامة في حياتك سوى العمل.
_ تعني زوجتي و اولادي
_ بل و جيرانك وزملائك في العمل أيضا.
_ بل وأنت ايها الرجل الطيب لقد تحملت حماقاتي كثيرا و بقيت بجانبي دون أن تشكو فماذا تقترح على أن أفعل؟
_ سيدي .. أنت تتخذ قررات يهتز لها سوق المال و الأعمال.
_ لكني مبتدئ عديم الخبرة  في أمور الحياة.
_ لابد أن ينبع التغيير منك انت وإن كنت اقترح أن تبدأ بالأسرة فالأقربون أولى بالمعروف.
استأذن منه ليقوم بأداء ما عليه من أعمال المنزل وتركه لأفكاره. كان يبتسم و هو  يراقبه من بعيد وهو يتجهز للخروج  بعناية فائقة اليوم   ورائحة عطره تملأ المكان. انطلق مسرعا ولأول مرة منذ سنوات يرتدي ملابسا رياضية أنيقة في غير أوقات التريض الاسبوعية.
 انهمرت من عينه الدموع  حين كان يقود سيارته وهو يحسب كم مر من سنوات على زواجه ليعلم كم أصبح عمر ولديه الآن.
_ألهذه الدرجة كنت أنانيا؟
في طريقه إلى المستشفى لم يمر على متجر إلا واشترى منه  الكثير حتى امتلأت السيارة بالهدايا واللعب و الزهور والشوكولاتة و كان آخر ما اشتراه خاتما من الألماس دسه في جيبه مصحوبا بابتسامة أمل.
لم يكن محتاجا أن يطرق باب الغرفة فدقات قلبه كانت أقوى و أعلى.
_ تفضل.. أتى صوت زوجته عذبا رغم الإرهاق الواضح.
لم يصدق أحد المشهد. الأب الشارد يعود و تعلو وجهه تلك الابتسامة التي تشرح الصدر. قفز الابن الأصعر في حضن ابيه بينما منعت أخيه المحاليل المعلقة في يده من النهوض.
تبادلوا العناق و القبلات و  وتجددت مشاعر الأبوة لديه أو نبتت و نمت في قلبه  من جديد. و بينما الصغيران يلهوان بالألعاب والهدايا.
حمل باقة الزهور وقدمها لحبيبته التي تمناها يوما وهم زملاء دراسة ثم اقتناها كما يقتني أي شيء ليهملها زميلة عمل و زوجة و أُمًا وتفرغ هو بكل كيانه للعمل و أعطاه كل وقته محتفظا بمسافته الآمنة بعيدا عن الزملاء والعملاء  كانت قبلة على جبينها وكلمة اعتذار مع تلك الباقة الجميلة كفيلة لتعيد الأيام الخوالي إلى سيرتها الأولى.
نظرت بقلق إلى كفه المغطى بالضمادات. وقالت: أهذا ما أخرك؟ قال بل هذا ما أتى بي.
هل تقبيلن بي في حياتكم من جديد؟ سألها ولم ينتظر الإجابة و أخرج الخاتم من علبته وألبسها إياه ووعدها وهي تعلم مدى وفائه بالوعود ألا يحزنها بعد اليوم وأن يكون الأب المثالي و الزوج والحبيب.
عانقها كم لم يعانقها منذ سنوات و سرح بخياله في أيام ضائعة انقضت وتمنى لو يستطيع تعويض ما فات سريعا. تعجب من القدر وأفعاله فقد يكون انكسار نفسك السلبية سببا في ولادة نفسك الجديدة بايجابيتها  وقدرتها على احداث النغيير المطلوب بقرار حاسم منك وإن صاحب ذلك ألما و دماء فهو ثمن بسيط لعودتك للحياة.

التعليقات علي الموضوع
لا تعليقات
المتواجدون حالياً

1399 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع