هل هي زيارتك الأولي ؟دليل الزيارة الأولي

آخر الموثقات

  • على كتف أبي معلقة ..
  • الفهم الخاطئ للمساواة بين الجنسين
  • أستاذ فلان ... رغم الدكتوراه
  • تفسير توقيت مصادقة موسكو على الاتفاقية الإستراتيجية مع طهران...
  • ترامب وبزشكيان في الرياض
  • الحرب الإيرانية الأمريكية : خطأ المحللين
  • طريقة إيران المبتكرة للتفاوض مع أمريكا
  • العرض المالي الإيراني لترامب .. إختراق غير مسبوق
  • إيران ووالد زيزو
  • مجابهة كل هذا القدر!
  • ضع الآتي حلقة في أذنيك
  • أنا البهية الفاتنة
  • ثقافة الاعتذار بين الأصدقاء… الكلمة اللي بتبني العمر من جديد
  • شكراً ... حضرة المدير 
  • أخاف أن أعود...
  • كذابة
  • سر القلوب النبيلة
  • دائما أشتاق إليك..
  • راقي بأخلاقي 
  • من دون سبب..
  1. الرئيسية
  2. مركز التـدوين و التوثيـق ✔
  3. المدونات الموثقة
  4. مدونة غادة سيد
  5. مركز الإبداع (قصة)


عند الإشارة في شارع فؤاد أحد أقدم شوارع  مصر والذي تعود نشأته إلى عهد البطالمة. بدأت السيارات في الحركة عند تبدل الاشارة المضيئة من الأحمر إلى الأخضر. في نهاية المبني الرخامي الأبيض ذو التصميم الإيطالي الفريد؛ يقف هذا الباب الخشبي الطويل على قمة بضع درجات من سلم المدخل الجانبي لمركز الإبداع الذي كان نادي محمد علي في أوائل القرن التاسع عشر وكان ملتقى للجاليات الأجنبية.
المكان يبدو موحشا. الأضواء خافتة. الشمعدانات النحاسية العتيقة على حوائط السلم الداخلي ذو الزوايا الحادة مطفأة، وظلال السيارات المتحركة تنعكس على الحائط من فتحة الباب مع أصوات اقترابها بنفيرها المزعج  الذي يقتلع صداه القلوب.
أين الأمن؟ أين الموظفون؟ ألا يعلمون بموعد الندوة؟ أم تغير الموعد ولم يخبرني أحد؟ إن كان الأمر كذلك فلابد أن يكون هناك ثمت فعاليات أخرى خلف هذه الأبواب المغلقة في الطرقات والأروقة التي تشكل متاهة داخلية تحمل على جدرانها صورا عملاقة داخل أُطر خشبية فخمة لأعلام الإسكندرية النابهين.
بخطوات متثاقلة، اقتربت من قاعة توفيق الحكيم؛ المكان المعتاد لمثل هذه الندوات. كان الباب مفتوحا والمكان مظلما. نظرت إلى ساعتي فلم أجدها حول معصمي. ربما نسيتها. على كل حال هي لا تعمل. أخرجت هاتفي المحمول على عجل لكنه سقط على الأرض وأضيئت شاشته لتملأها الساعة الرقمية. بالفعل لقد أتيت مبكرا. هل قطع الترام المسافة من مصطفى كامل إلى محطة الرمل في عشر دقائق؟ امر مستحيل. هل قطعت المسافة سيرا من المحطة إلى مركز الإبداع بشارع فؤاد مرورا بشارع النبي دانيال في خمس دقائق؟ هذا أيضا مستحيل. كيف اختصر الوقت بهذا الشكل العفاريتي؟ 
ربما يجدر بي أن أحتسي القهوة في الكافيتريا في آخر الممر. أكره ذلك الموقع الذي يعزلني تماما عن كل من حولي، لكن لا حل آخر حتى يمضي الوقت. يبدو أن لا أحد بالداخل، فالباب مغلق. اقتربت قليلا ووضعت أذني على الباب فسمعت صوت أزيز الماء في الغلاية الكهربائية. جيد على الاقل عاملة البوفيه بالداخل. انفتح الباب فجأة وكدت أسقط على الأرض فقد كنت أستند على الباب بقوة دون أن أدري عجبا! المكان خالي. الشباك الفارع الطول يقف شامخا امام القسم. كان مفتوحا ويصدر صريرا بفعل حركة الهواء بين فتحات الخشب القديمة. جلست على أحد المقاعد وخلفي هذا الحائط المتحرك الذي يفصل الكافيتريا عن غرفة أشبه بالمخزن ولا أعلم من محتواها إلا ما يظهر من خلف الحائط القصير. لكن أصوات تحركات مريبة أرعبتني عند اقتراب الحائط مني وكأن هناك من يدفعه من الجانب الآخر نحوي، غادرت مسرعة إلى الرواق المؤدي إلى القاعة مرة أخرى.  وانا لا أعلم إن كان ماحدث حركة غير معتادة ام هكذا خيل إلي؟
طاردتني أعين كل الشخصيات على الجدار. ربما كانت تحرسني. وصلت  إلى القاعة بسلام. كانت مضاءة فقد اقترب موعد الندوة وبدأ التجهيز لذلك. تأملت صورة توفيق الحكيم التي تتوسط الحائط خلف المنصة في مواجهة المدرج الذي أجلس في الصف الثاني منه رغم أني أول الحاضرين. تأملته وهو يضع يده على خده يشغله أمر الثقافة والأدب المعاصر.
أشعر بأجواء مسرحية أهل الكهف. بدأت الحركة تدب في الرواق. أرى من الباب المفتوح ظلال لخيالات قادمة من الجانب الأيمن. كيف؟ يأتي الضيوف  عادة من الجانب الأيسر جهة المدخل. هو خيال لمخلوق يسير على اربع. لعله حمار الحكيم. لكن ما الذي أتى به إلى هنا؟
تسللت ببطء وأخرجت رأسي  من الباب لأتبين ما يحدث فلم أشاهد شيئا. علت صوت الحشود في الخارج. كان مشهدا مهيبا موكب كبير تتقدمه الخيول ثم السيارات العتيقة ببريقها الساحر. الكل يرتدي الحلل الرسمية الموشاة بالذهب و طرابيش قانية على الرؤوس وهناك بعض الفرنسيين والايطاليين والأرمن يصطفون بقبعاتهم الانيقة بطول شارع شريف وشارع رشيد كما كتب على اللوحات المعدنية عند التقاطع. توقف الركب عند كلوب محمد علي ونظر أحدهم إلى أعلى موجها بصره تجاهي. انزويت إلى الداخل وتواريت بسرعة عن الأنظار خلف المقاعد العليا، فربما ظن هؤلاء أني أحد المتسللين للقيام بعمل عدائي أحمق ضد أحد الشخصيات الهامة.
لازالت الحركة على قدم وساق بالداخل. لم أتبين  حقيقة ما يحدث فقد كان الباب شبه مغلقا إلا من شق صغير تظهر منه صورة سيف وانلي بسيجاره الأنيق الذي بدأت تتصاعد منه ألسنة ناعمة من الدخان وصل عبقها إلى حيث أختبئ. واخترقتني نظراته الحادة تساومني أنه قد يشي بمكاني.
انفتح الباب قليلا بفعل الحركة الدؤؤب وكثرة الحشود. كان مشهدا صادما لم تصدقه عينايّ الجاحظتان. فقد نزلت كل الشخصيات من على الحوائط وهي لازلت متمسكة بأطرها الخشبية بعد أن نبتت لها اطراف . تبادل الجميع التحايا. البعض يشاهد زميله للمرة الأولى وآخرون التقوا أو سمعوا عن تلك الشخصيات وتمنوا اللقاء. وهاهم يتجولون سويا في الأروقة والقاعات البعيدة التي تزينت بأفخر الأثاث الفرنسي لحقبة نابلويون الثالث. وبين الفينة والأخرى يلتفت إلى أحدهم بنظرة خاطفة حادة ثم يكمل المسير. مما جعلني أغلق الباب تماما محاولة تهدئة انفاسي المضطربة.
لم ألحظ أن الغرفة أظلمت تماما وقد أعتم الجو بالخارج  بعد مغيب الشمس، حتى صوت الحشود هدأ ولم يعد يسمع إلا صوت فحيح قادم من الحوائط الخشبية الجانبية وبدأت ألواحها تصطق فيما بينها وتضاء بضوء أحمر قاتم يومض وينطفئ من خلف مئات الثقوب التي تزينها. وصدى ضحكات عميقة يقترب. هي نفس ضحكات المتجولين في الرواق. أستطيع تمييزها. حتى سجائرهم والغلايين بدأت تنفث دخانها من تلك الثقوب. امتلأت الغرفة بضبابها حتى تلاشت من خلفه صورة الحكيم.
كدت اختنق من الخوف الذي ملأ رئتي بدخانه المعبأ برائحة التبغ وحبوب البن المحمصة. حاولت النهوض من مكاني والخروج من الباب ايا كان ما سأوجهه بالخارج.فلن الوي على شيء بل سأنطلق بأقصى سرعة ولن يتمكن أحد من الإمساك بشخص مرعوب يعدو هربا. سأطلق العنان لساقيّ التي طالما فازتا في سباقات العدو بالنادي، لكن لم تفلح محاولتي التي ما أن تكررت حتى تكرر الفشل.
صرت أغلق أذني بيدي لأتقي تلك الضحكات العابثة  وقد تلاعبت بهدوئي حتى تركتني فريسة الأنفاس اللاهثة خلف ذرة أكسجين شاردة لتمسك بها وتستنشقها وتعيد إليها الحياة التي كادت تتسرب ببطء من بين أصابعي، لكني لم أحاول أبدا أن أغمض عيني. فلا أستطيع المواجهة بعينين مغمضتين. لم يكن بمقدوري سوى الانتظار خلف المقاعد الخلفية المرتفعة. في انتظار الباب لينفتح ويدخل منه قدري المرسوم مسبقا.
زأر الباب الأخضر زأرة أطفأت ما تبقى من وميض أحمر خلف الثقوب وابتلعت الحوائط ما علق بها من دخان لكنها زادت نبضي اضطرابا وتلعثمت الأنفاس فخرجت تتهته متقطعة.
إنه أستاذ وليد. لم يكن يحمل جواله كعادته، فلم يكن هناك ما يقوم بتصويره بعد، لكنه كان يحمل ذلك الكنز الفريد  بين يديه محاولا تعليقه مكانه على الجدار. انه توفيق الحكيم بجلاله  وقد زادت صورته ألقا في إطارها الجديد.
بدأ المهتمون بالثقافة في التوافد إلى القاعة لمتابعة أحداث الندوة التي شارفت على البدء.
أخرجت رأسي من زاوية مقعدي لتتسلل إلى الصف الأول. كان سيف وانلي لازال يطل من لوحته المرسومة بعناية بشعره الذي اعتقد انه شاب في أمسية كأمسيتي هذه بعد أن لفظ سيجاره آخر انفاثه وتوقف عن الزفير. تركت حقيبتي على المقعد لأحتفظ بمكاني واخرجت قدمي من الباب لاستكشف الأمر. كانت قدمي الاخرى  لازالت بالداخل تؤنس رأسي التي أبت المغادرة إلا بعد أن دفتعها دفعا إلى الخارج.
عجبا.. كل شيء يبدوا اعتياديا. الطرقات، مرتادوا المركز، والعاملون. حتى الصور لازالت على الجدار.  غير أنها ليست بنفس الترتيب السابق. 

التعليقات علي الموضوع
لا تعليقات
المتواجدون حالياً

963 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع