هل هي زيارتك الأولي ؟دليل الزيارة الأولي

آخر الموثقات

  • الفهم الخاطئ للمساواة بين الجنسين
  • أستاذ فلان ... رغم الدكتوراه
  • تفسير توقيت مصادقة موسكو على الاتفاقية الإستراتيجية مع طهران...
  • ترامب وبزشكيان في الرياض
  • الحرب الإيرانية الأمريكية : خطأ المحللين
  • طريقة إيران المبتكرة للتفاوض مع أمريكا
  • العرض المالي الإيراني لترامب .. إختراق غير مسبوق
  • إيران ووالد زيزو
  • مجابهة كل هذا القدر!
  • ضع الآتي حلقة في أذنيك
  • أنا البهية الفاتنة
  • ثقافة الاعتذار بين الأصدقاء… الكلمة اللي بتبني العمر من جديد
  • شكراً ... حضرة المدير 
  • أخاف أن أعود...
  • كذابة
  • سر القلوب النبيلة
  • دائما أشتاق إليك..
  • راقي بأخلاقي 
  • من دون سبب..
  • لحظات آنيه..
  1. الرئيسية
  2. مركز التـدوين و التوثيـق ✔
  3. المدونات الموثقة
  4. مدونة حاتم سلامه
  5. الدكتور محمود عمارة العالم النبيل والمعلم الإنسان

 

حدثني مؤخرًا فضيلة العالم الداعية الدكتور يسري خضر وكيل كلية أصول الدين والدعوة بطنطا، وهو شيخنا وأستاذنا ومن مفاخر قسم الدعوة والثقافة الإسلامية بكلية أصول الدين.

دار الحديث بيننا حول أستاذه وأستاذنا فضيلة العالم الجليل الراحل الدكتور محمود محمد عمارة رحمه الله.

أخذني الدكتور يسري معه وهو يتجول في ذلك الزمن البعيد، زمن التلمذة على يد العالم الجليل رحمه الله، والذي كان يجلس أمامه ويرمقه ببصره أو يسلطه عليه كما تسلط الشمس أشعتها على الدنيا.

الدكتور يسري وهو يحكي عن شيخه، ليس مجرد شخص يحكي بعض الأمور التي شاهدها أو عاصرها وعاينها، وإنما يبدو من نغمة حديثه ولهفة صوته وشجن عباراته، أنها حكايات الطالب الذي فتن بأستاذه، واستطاع هذا الأستاذ القدوة أن يأسر قلب تلميذة، ليعطي النموذج الأمثل للمعلم المثالي أو العالم الرباني الذي يعبر عن قيم الدعوة التي كان يدرس مناهجها.

يقول الدكتور يسري: 

إن الدكتور عمارة كان كتلة من الإنسانية تمشي على الأرض

كان إنسانا بكل ما تحمله الكلمة من معان

شاهدت وعايشت معه مواقفه التي لا يمكن أن يمحوها النسيان من الذاكرة.

تعلمنا منه الرحمة ورأينا فيه منهج النبوة مطبقا أمام أنظارنا.

لا أنسى أبدا حينما تعرض بعض العمال في الكلية للعقاب من العميد بالخصم من مرتباتهم، ولما سمع شيخنا بما حدث استدعى الحسابات وسأل عن المبلغ المخصوم وقرر لكل منهم ما خصم منه شريطة أن يعطى إليه مقدمًا.

ووجد يوما طالبا قد ضاع منه مبلغا من المال والطالب يبكي، فأخذ يسأله ما يبكيك ما يبكيك فامتنع الطالب عن الجواب، فأعد له المال وقال: لعله كان يريد أن يشتري به دواء أو يقضي به حالا ملحًا.

ويسترسل العالم الجليل الدكتور يسري خضر في سرد موقف حدث بينه وبين شيخه فضيلة الدكتور محمود عمارة رحمه الله حيث قال: 

كنت وقتها طالبًا في الدراسات العليا، وكنت آتي من قريتي كفر الحمام مركز بسيون محافظة الغربية إلى شبين الكوم خاصة في فصل الشتاء وكان الجو ممطرا مطرا شديدا وكنت لكي أستطيع المشي وسط هذه الأوحال الطينية كنت أرتدي حذاء - بلستيكيا- برقبة الذي يعرف بـ –الكزلك- مما يرتديه العمال وأصحاب الحرف والمهن الشاقة، وكنت أحمل معي حذائي الجلدي في لفافة، ولما قربت من الكلية وبجوارها خلعت – الكزلك- وارتديت حذائي، وأخذت أنظفه مما علق به من طين ببعض القش والأوراق الملقاة على الأرض، وفجأة يمر علي الدكتور عمارة ليرى هذا المشهد ويبصرني بهذا الحال، وإذا به يقول لي: أنت لا تأتيني أبدا.. يشير إلى أن أمكث في بيتي وأستريح لأذاكر مجنبا نفسي عناء السفر وجهد التنقل ومكابدة المشاق للحضور من قريتي إلى المنوفية.

ومما يذكره الدكتور يسري من سمو الدكتور محمود عماره وعفته ورقي نفسه، أنه الأستاذ الذي لا يمكن أبدا أن يستغل طلابه فيتسلط على جهدهم ووقتهم ومالهم بحجة أستاذيته لهم واحتياجهم له وتلمذتهم على يديه، فيشق عليهم ويكلفهم ما لا يطيقون.. حيث قال لي: كان الدكتور عمارة في شرحه وكتبه مفتونًا بالشيخ علي الطنطاوي وكثيرًا ما يردد أقواله ونصوصه، ولم يكن الشيخ معروفًا في مصر، وإنما شهرته كانت مدوية في المملكة العربية السعودية، وكان لي أخ يعمل هناك، فاتصلت به وأوصيته أن يشتري لي كتب الشيخ علي الطنطاوي، فكان كلما ظهر كتاب اشترى منه نسختين وأرسلهما لي، وأبادر أنا فأهدي الدكتور محمود عمارة نسخة مما أرسل إلي، كان يفرح بها كثيرًا ويثمن هذا لي، ويوما ما وكنا في الامتحان النهائي فوجئت به يضع مظروفا في جيبي، وفيه خطابا مكتوبا ومعه بعض النقود، يطلب مني في الخطاب بطريقة مثالية مهذبة أن أشتري كتابا قد ظهر حديثا وأقوم بتلخيصه، كان المال الموضوع يتخطى ثمن الكتاب بكثير، فقد أراد أن يعطيني ثمن ما أهديته له بطريقة مقبولة مهذبة، لا أجد معها مجالا للرفض. 

ذكرني هذا الموقف العفيف الشريف السامي السامق بما كان من فضيلة العالم المفكر الكبير دكتور عبد الجليل شلبي حيث رأى كتابا صغيرا في يد تلميذ له، فسأله عنه فقال التلميذ هو كتاب يتناول حياة الشيخ رفاعه الطهطاوي من إصدارات مكتبة الأسرة، وشعر التلميذ وقتها برغبة أستاذه الكبير فعرضه عليه بسماحة نفس، لكن الشيخ رفض أن يأخذه إلا أن يحصل تلميذه على ثمنه، وكان ثمن الكتاب زهيدا للغاية نحو خمسة وعشرين قرشا في ذلك الوقت، يقول التليذ: ولا أنسى ما قاله لي وقتها وهو يدفع لي ثمن الكتاب: ربما أسمح لنفسي أن أستغل قوتك وشبابك وقدرتك على الحركة، لكني لا أستغل مالك حتى ولو كان قليلا"

لقد كان الدكتورة عمارة سمح النفس كريما سخيا ودودا ذكيا مهذبا أنيقا رحيما يحب تلاميذه ويعاملهم باحترام لم يتجبر على أحدهم يوما ولم يستغله لنفعه الخاص، وفي الوقت الذي نسمع فيه عن أساتذة ملكتهم دناءة النفس وسيطرت عليهم الرغبة في ابتزاز طلابهم، حتى سمعت أن أحدهم وصل الأمر به أن يطلب من تلاميذه كل ما يحتاجه من مراجع وكتب باهظة الثمن فيشترونها له دون أن يعطيهم ثمنها، كما وصل الأمر ببعضهم أن يطلب منهم شراء ما يحتاج بيته من طعام ومؤونه..

فما أهون العلم الذي لم يهذب أصحابه ويرتقي بأرواحهم وهممهم. 

لقد كان الدكتور عماره وأمثاله كالدكتور شلبي، أناس يعيشون للدعوة وترتبط قلوبهم بالله، ونذروا أنفسهم لدعم الفضيلة والخلاق الكريمة التي تعبر عن معنى العالم المسم الذي ينتسب إلى الأزهر وينطق بالقرآن.

التعليقات علي الموضوع
لا تعليقات
المتواجدون حالياً

554 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع