المذهب الحنفي ما قام في عهد أبي حنيفة على الحديث والأثر، ولكنه اعتمد العقل وجعل منه منهجه الأكبر في الاجتهاد، وليس معنى هذا أنه هجر النص، وجافى السنة.
ولكن حفاوته بالعقل، كانت هي الغاية التي يتفنن فيها، ويبني عليها رأيه في أحوال البلاد والعباد.
حدث بعد ذلك انقلاب خطير في المذهب الحنفي بعد موت الإمام أبي حنيفة، فلم يعد العقل وحده هو عمدة المذهب، وإنما قوي فيه مطلب الحديث بأثر ظاهر، ويعود الفضل في هذا إلى الإمام محمد بن الحسن الشيباني أحد أبرز تلامذة الإمام الثلاثة بعد زفر والقاضي أبو يوسف صاحب كتاب الخراج.
لقد رحل الشيباني إلى المدينة المنورة ورافق الإمام مالك وأخذ عنه العلم، ونقل عنه رواية الموطأ، ورجع إلى العراق مسلحا بعلم الحديث، فقوي المذهب وكملت عدته.
ما فعله الشيابني كانت خدمة جليلة للإسلام، ووفاء لإمامه العظيم، وكان بمثابة من قدم الري للظامئين، بل كان دعما قويا اشتد به عود المذهب، وزاد رونقه وتجمل به مساره.
نعم هذا هو بيت القصيد.. العلم بالسنة.. والرجوع إلى النصوص، لتكون هي الحاكمة في دين الله، لا الهوى والمزاج.
يتألم قلبي اليوم، وأنا أرى بعض الجهلاء من مشائخ الصوفية، يعظون الناس وهم يغترفون من الأحاديث الواهية الموضوعة المكذوبة، ويتربعون على كراسي العلم، وهم جهلاء بسنة النبي صلى الله عليه وسلم وقوله وآثاره.
ينسبون إليه أشياء وأقوالا لم يقلها، ولم يكلفوا خاطرهم بالبحث عن متونها والنظر في صحتها أو كذبها.
وهو مسلك خطير يضر بالإسلام، حينما لا يهم المحاضر إلا أحاديث العاطفة المبنية على النصوص الواهية.. فما يهمه هو أن يسمع مصمصة الشفاة من أصحابها الذين خشعت قرائحهم وخضع وجدانهم لله.. حتى ولو كان على الكذب.
ثم تتعجب أكثر، حينما ترى أساتذة الحديث من أساتذة الأزهر المتصوفين، وهم يصمتون على الهوس الذي استشرى في البيئة الصوفية، ولا تأخذهم الغضبة في النكير والاعتراض.
والتصحيح والتعديل.
إن تصدر بعض شيوخ الصوفية لمنابر الدرس والتوجيه، فيه خطر كبير على السنة النبوية، ويمهد الطريق لاستشراء الكذب والافتئات على الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم