آخر الموثقات

  • الفهم الخاطئ للمساواة بين الجنسين
  • أستاذ فلان ... رغم الدكتوراه
  • تفسير توقيت مصادقة موسكو على الاتفاقية الإستراتيجية مع طهران...
  • ترامب وبزشكيان في الرياض
  • الحرب الإيرانية الأمريكية : خطأ المحللين
  • طريقة إيران المبتكرة للتفاوض مع أمريكا
  • العرض المالي الإيراني لترامب .. إختراق غير مسبوق
  • إيران ووالد زيزو
  • مجابهة كل هذا القدر!
  • ضع الآتي حلقة في أذنيك
  • أنا البهية الفاتنة
  • ثقافة الاعتذار بين الأصدقاء… الكلمة اللي بتبني العمر من جديد
  • شكراً ... حضرة المدير 
  • أخاف أن أعود...
  • كذابة
  • سر القلوب النبيلة
  • دائما أشتاق إليك..
  • راقي بأخلاقي 
  • من دون سبب..
  • لحظات آنيه..
  1. الرئيسية
  2. مركز التـدوين و التوثيـق ✔
  3. المدونات الموثقة
  4. مدونة حاتم سلامه
  5. حروفي لا تعبر عني

 

عرفت سيدة كانت كلما أرادت أن تعرف شخصية إنسان وطبيعته وميوله وأخلاقه ونوازعه وأفكاره، ظنت أن الطريق إلى ذلك سهل ميسور ، فما عليها إلا أن تفتح صفحته في الفيس لتقلب فيها وتنظر وتتأمل ومن ثم تُكون انطباعها عنه، وبهذا توهمت أن الطريقة السحرية لمعرفة الأشخاص ومغاليق ذواتهم صارت ملك اليد والعين والعقل.

كنت أناقشها في الأمر وأجزم لها أن ما يكتبه أي إنسان، ليس بالضرورة أن يعبر عن حاله ويشرح مآله، ويبين عن نوازع وجدانه، فربما يكتب أحدنا عن الحزن وهو سعيد، أو يكتب عن القوة وهو ضعيف، أو يكتب عن الشجاعة وهو جبان، أو يكتب عن الطاعة وهو من أهل المعصية، أو يكتب عن الكرم وهو أبخل خلق الله.

فإذا التقطت كلماته وبنيت عليه ضللت طريقك إليه وأخطأت في حكمك عليه، لأن أغلب الناس يَظهرون في صفحات الفيس التي تعرض مكتوباتهم واهتماماتهم، على غير ما تكون حقيقتهم، ومن حاول مجتهدًا أن يكّون رأيه عن الناس عبر سطورهم فقد أخطأ كثيرا وجعل نفسه أسير الوهم.

فإذا أردت الحكم على أحد فلا يكفي أن تقرأ ما كتب، بل عليك أن تخالطه في الحياة، لتنظر ما هو وكيف يكون؟، لأن الكتابة أحيانًا ما هي إلا مظهر من مظاهر الخداع التي قد يتزيا بها من أراد أن يتعامى الناس عن حقيقته.

فما أسهل الكلام لو كانت القضية كلاما.

هل تتخيل أن يكون هذا الرجل العملاق الذي أشاعوا عنه الحدة والبأس والعنف والقسوة كان ألين الناس حسًا وأرقهم فؤادًا وأرفقهم رحمة وشفقة؟!

نعم هكذا كان العقاد الذي ظلمه الناس وظنوه جبارًا عنيفًا قاسياً جافاً.! ظنوا عنه وفيه أنه لا مكان للقلب والعاطفة في نفسه ووجدانه، لأن الذي سيطر عليه إنما هو المنطق والتفكير، فهذه حياته يقضيها في جد صارم، لا تفتر شفتاه ببسمة أو ضحكة واحدة إلا بعد استغفار وأوبة.!

أما هو فقد أقسم بأن هذا الذي يراه الناس إنما هو رجل لا يعرفه ولم يره ولم يعش معه لحظة ولم يلتق به في طريق، بل إنه كما يقرر أن نقيض ذلك هو الصواب، فهو رجل مفرط في التواضع ومفرط في الرحمة واللين، رجل لا تلفت لحظة واحدة من ليله أو نهاره من سلطان القلب والعاطفة.. إنه العقاد الحساس الذي لم يكن يدرك الناس أنه كان قمة في هذا الميدان.

والناس لا يلامون على ذلك فهذا ما جناه عليه قلمه وحدته في معاركة وخصوماته التي أعطت هذا الانطباع للناس، فكان من نظرتهم له ما كان.

بل هل تتخيل أن يكون الدكاترة زكي مبارك الذي ما عرف أحد في معاركه مع خصومه بمثل ما عرف شراسة وكبرًا وغرورًا وتيهًا وتعاليًا، حتى تتخيل أنك لو لقيته في الطريق، فإنك تجد العُجب الغرور والكبر يتساقط منه، وله من آثاره ما يدل عليه.

لكن هل تتخيل أن من المفارقات في شخصية هذا الأديب، أنه كان عنيفًا في مناقشاته وحملاته القلمية، ولكنه في التحدث مع الناس لم يكن كذلك، بل كان يتلطف برغم ذلك التعاظم.

كنت أتذكر ما قيل لي قديمًا من أحد الدعاة أيام الحقبة الناصرية والاحتلال الإسر..ائيلي لسيناء أن الدكتور عبد العزيز كامل وزير الأوقاف في ذلك الوقت أمر بطباعة رسالة الدكتوراه للباحث محمد سيد طنطاوي، وكانت عن بني إسرائيل في الكتاب والسنة، وكانت الرسالة تطبع وتوزع على الأئمة والخطباء، وتذهب إلى جبهات القتال، وكان الناس وقتها يتخيلون أن محمد سيد طنطاوي وحسب ما يشاع وما فرضته ظروف الرسالة المكتوبة، أنه عالم شجاع مغوار من طراز العلماء العظام كالعز بن عبد السلام وابن تيمية وغيرهم من الجهورين بالحق والمناضلين فيه، وبعد ظهوره في الإعلام ومعرفة الناس به، رأينا أنه لم يكن كما ظنناه من هذا الطراز الذي يمكن أن يجهر بالحق في وجه أي خطأ. 

يمكن لي أن أكتب لك أحسن كتاب في الثبات والشجاعة والوفاء والكرم، لكن لا تلزمني أن يكون هذا المكتوب تعبيرًا عن حالي، أو أنني أمثله، فأنا قد أحسن الكتابة والتعبير، لكني لا أحسن التنفيذ والتحقيق.

وليس ما أتكلم عنه الآن هو قانون الحياة والقاعدة العامة التي يسير عليها الناس، فأنا أريد القول: إن من يكتب شيئا لا يعني بالضرورة أن يكون تعبيرًا حيا عنه.

وهناك لا شك من يكتبون ما يعبر عنهم ويشرح حالهم، من أهل المبادئ والصدق والقلب النقي السليم، فنحن لا نشيطن العالم من حولنا، ولكننا نلفت أن الاحتكاك بالناس في الواقع العملي، هو أصدق نتيجة وأصوب انطباع ومعرفة للبشر إن أردنا أن نعرفهم.

التعليقات علي الموضوع
لا تعليقات
المتواجدون حالياً

403 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع