آخر الموثقات

  • أستاذ فلان ... رغم الدكتوراه
  • تفسير توقيت مصادقة موسكو على الاتفاقية الإستراتيجية مع طهران...
  • ترامب وبزشكيان في الرياض
  • الحرب الإيرانية الأمريكية : خطأ المحللين
  • طريقة إيران المبتكرة للتفاوض مع أمريكا
  • العرض المالي الإيراني لترامب .. إختراق غير مسبوق
  • إيران ووالد زيزو
  • مجابهة كل هذا القدر!
  • ضع الآتي حلقة في أذنيك
  • أنا البهية الفاتنة
  • ثقافة الاعتذار بين الأصدقاء… الكلمة اللي بتبني العمر من جديد
  • شكراً ... حضرة المدير 
  • أخاف أن أعود...
  • كذابة
  • سر القلوب النبيلة
  • دائما أشتاق إليك..
  • راقي بأخلاقي 
  • من دون سبب..
  • لحظات آنيه..
  •  ثقافة الاعتذار بين الأزواج… حين يطيب الحب بكلمة
  1. الرئيسية
  2. مركز التـدوين و التوثيـق ✔
  3. المدونات الموثقة
  4. مدونة حنان صلاح الدين
  5. "رحيمة" - "الجزء الرابع والأخير"

شعرت، وكأن نقاط ماء تسقط على يدي، تبدو كدموع الوردة، و أنين بكاء يشبه صوت أمي، استقامت الوردة، وطالت، أصبحت بمواجهة وجهي تمامًا، وتحدثت الوردة لكن بصوت جدي
-"حتى وإن احترقت "
ظل يردد الجملة مرارًا بغضب، بصوت عال لم أسمع نبرته من جدي من قبل، حتى شعرت بالألم بأذني فوضعت يدي عليهما، لتمتد أوراق الوردة، وتكبر، وتلتف حول يدي، وتفرقهما عن أذني عنوة، لأسمع آخر جملة
-"عد طالما تستطيع"
استيقظت على صوت منبهي كالعادة، لا أستوعب جيدًا إن كنت بالفعل استغرقت في النوم أم لا، يهشمني الشعور بالإرهاق الشديد وكاد ألم رأسي يفتت جمجمتي، وأول ما عبر ذاكرتي من الليلة السابقة كان مكالمة زوج أمي فشعرت بالاختناق الشديد، أحاول أن أكون جيدًا لكن داخلي هذا الشيطان كلما حاولت تغليله.
يعاندني ، شعرت بانتكاسة شديدة بهذا اليوم، وكنت على علم بوجود تلك الشقة يا رحيمة التي يجتمع بها بعد أصحاب المال والسلطة ليلًا للسهر، داعبت الفكرة رأسي، حاولت نفضها مرارًا، لكن انتصر كعادته شيطاني وكان القرار بقضاء ليلتي بتلك الشقة، لم تكن لدي أي رغبة بالذهاب للعمل ، أنا بحاجة للهرب فقط الهرب.
ذهبت إلى الحمام ونظرت إلى المرآة، وجه مرهق، مُتعَب كأنني لم أنم لأسابيع فتذكرت حلم جدي، يبدو أنني على الطريق لأكون المسخ الذي رأيت بالحلم، تقلصت معدتي مع شعور بغثيان شديد، ودوار بسبب ألم رأسي، تحاملت على نفسي وغسلت وجهي،
، بدلت ملابسي وخرجت من غرفتي، الفطور معد على الطاولة لكن دون رقية، لن أكذب يا رحيمة حمدت الله أنها لم تنتظر لكن تساءلت كذلك عن سبب ذهابها دون التأكد أنني بخير كعادتها، من منا يتحاشى الآخر!!!، لكن لم أفكر كثيرًا رضيت بأن يمر صباح اليوم دون مواجهة معها، وليلًا لن أعود باكرًا.
دق الهاتف كان رقم خالتي الحنون فرددت مشتاقًا إليها، خالتي هي مرفأ الأمان لي تلك السيدة الخمسينية التي لم تحظ بفرصة زواج وعائلة كانت تعتبرني بمثابة ابنها، خالتي أنوار وهو اسم لها حظ منه بملامحها النورانية الهادئة
-"جميلتي اشتقت كثيرًا إليكِ"
جاءني صوتها على غير العادة متردد ومهموم
-"ابني الغالي كيف حالك؟ وكذلك أنا اشتقت لك"
انزعجت لصوتها وانتابني القلق عليها
-"نونا ..ما بك خالتي الغالية.. صوتك ليس على ما يرام."
ساد الصمت قليلًا ثم أكملت والدموع تعرقل حروفها
-"ابنى، والدتك متعبة للغاية ولأصدقك القول سأفصح عما حاولت لثلاث سنوات إخفاؤه عنك، والدتك مريضة سرطان وكانت ترفض العلاج، وتكتفي بالمسكنات حتى تدهوت حالتها، وخاصة بعد مقاطعتك لها وإغلاق أبوابك بوجهها، راضي أنت لم تكن ابنًا لها فحسب إنما حياة بأكملها لا تعلم ما عانته، ولا ما مر بها من مر الحياة وعنائها لأجلك."
ارتعش نبض خافقي وتذكرت أمي حنون وكم انشغلت بي، وبكل أحوالي، وكم كانت درعًا واقيًا، كنت أود أن أقول هذه الكلمات لخالتي، أخبرها عن معاناتي فأنا لم أستطع رغم علاقاتي المتعددة أن أرتبط ويدق قلبي لفتاة لأنني دومًا أبحث عنها، وعن حنانها في قلوب الأخريات، لكن تغلب شيطاني عليَّ كالعادة ووجدت نفسي بكل قسوة كحصان لم يروض يومًا، ولم ترق له حياة السكينة؛ فبعثر كل الأشياء من حوله ونال من الجميع وجاء ردي على خالتي كحد سكين تعمق في الجرح أكثر
-"لا يعنيني من أمرها شيئًا، ذهب كل ما فعلته هباءً لا أتذكره، ولا أريد أن أتذكر تلك التي باعتني واشترت رجلًا بعمري، ضربت بكرامتي عرض الحائط؛ فعلت فعلة مشينة ذهبت بكل الجميل الذي فعلته، اعتذر منكِ خالتي لابد أن أنهي المكالمة لأذهب للمستشفى ...طاب يومك".
لم أسمع خلال حديثي الجنوني سوى أنفاس خالتي المتلاحقة كأنها تحاول أن تتنفس، انكشف جحودي لها يا رحيمة، تلك التي تراني الابن والسند، أَغلقت الهاتف دون أن تنبس بكلمة، وأنا لم يرف لي جفن كأن قلبي تحول إلى صخرة لا أمل أن تحمل بين صدوعها الأخضر يومًا.
استغرقت في العمل طوال اليوم رغم الإرهاق الشديد الذي كان يعتريني وجفوني المثقلة، أنهيت عملي وتوجهت إلى شقة القمار بعد مكالمة مع أحد روادها من رجال الأعمال والذي تعرفت عليه صدفة بالطائرة عندما جئت من القاهرة لتسلم عملي بالصعيد وأخبرني عن الشقة بثقة ودون خوف لأنه بمكانة تحصنه من الخوف،
ذهبت إلى الشقة وكما تعلمين كانت تحوي كل ما تشتهيه تلك النفوس الضعيفة، التي اختبأت في الظلام لتمارس أسوأ ما فيه، بنهاراتهم أشخاص وبمساءاتهم أشباح هائمين بلا هدف، بالطابق الأخير بتلك البناية العالية وحول حمام السباحة الصغير بتلك المساحة المفتوحة تأملت الفتيات، يتمايلن على الأغانى الشعبية وكان النبيذ من أفخر الأنواع يقفز في الكؤوس ورائحة الحشيش والمرجوانا عالقة بالهواء، والأفيون يتنقل من هنا لهناك، ورجال تتراوح أعمارهم بين نهاية العقد الثالث إلى العقد السادس، وطوابع الهذيان تلصق على الجبين كقُبلة من الضياع لعالم لا عودة منه، تخبط عشناه معًا تلك الليلة يا رحيمة قبل تعارفنا بتوقيت انهياري.
صافحني الرجل، الذي قدم لي الدعوة، شربنا بعض الكؤوس معًا، لا تتلاعب الخمر برأسي سريعًا لفرط ما شربت ومنذ سن صغير، كان شعوري مختلف كأنني لست بالمكان، أقف بعيدًا أراني مترنحًا متخبطًا بوسط هذا العالم، أرقص وأتجرع الكأس تلو الآخر، أسمع صدى لضحكتي كأن الشيطان يضحك مستهزأ من أفعالي، أعانق فتيات لا أعرفهن أشعر بشوك ينغرز بصدرى كلما اقتربت مني إحداهن، لكن هذا الألم الذي أشعر به لم يكن يزعجني كنت كمن يضغط بقوة على جرحه و ينام بأحراش الألم مستمتعًا به.
وأشكر هذياني وألمي يا رحيمة لأول مرة فهو أوقعني حينها على اعتابك، تلفين حول كتفيك ذراعي، و تقبضين بذراعك حول خصري، صغيرة أنتِ يا رحيمة لكن قوية.
تدخلينني إلى الحمام وتضعين رأسي تحت الماء البارد وكأن القرار إغراقي كي أنجو، وتعلمين الباقي لكن دعيني أهذي، رفعت رأسي بالكاد أتنفس، جففت شعري المشعث ووجهي بمنشفة قريبة، لأرى وجهك،جميلة كصباح هادئ، بيضاء يزين وجنتيك حبات بنية رقيقة، وشعرك الأحمر المجعد، عيناك خضراء كأرض طيبة لا تعطي إلا خير لا تضعين أي مساحيق تجميل كأنكِ ولدتِ للتو.
أذكر رغم تأثير الخمر بنطالك الجينز وقميصك الأبيض بأكمامه الطويلة المطوية لتصل إلى رسغك ممشوقة جًدا و..و رائعة... عطرك هادئ جميل ناعم كأنتِ، بادرتك حينها
-"من أنتِ؟"
ليزداد جمالك أضعافًا أثملني أسرع من الخمر، وأنتِ تُسجين رأسك لأسفل خجلًا
"رحيمة"
"ما الذي أتى بكِ إلى هنا يا رحيمة؟"
كانت تلك المرة الأولى بحياتي التي أشعر فيها نبضًا عاشقًا بيساري حينما رفعتِ عينيكِ الخضراوتين التي تلألأت بالدموع لترمي على قلبي سحرًا انساب بهدوء ليحتل مكانًا لم يطرقه أحد من قبل وقلتِ بصوت أكثر عذوبة ورقة مازال يتهادى بدلال بسمعي
-"أنا أعمل لدى دليدا الراقصة.. أساعدها.. أعتذر لك أنني وضعت رأسك تحت الماء رأيتك تسقط فقدمت فقط المساعدة اسمح لي"
واستدرتِ لتفتحي الباب
تذكرين ماذا فعلت؟؟ تمسكت بكِ كطفل صغير صائحًا
"انتظري أيمكن أن نذهب معًا من هذا المكان يا رحيمة؟"
رفعتِ رأسك بكبرياء وأزحتِ يدي، تحولت الخجولة لنمرة قوية لا تروض، لأجد عينيكِ ازدادت بريًقا، تطلقين كلمات نافذة
-" أنا لست كما تظن، أحاول أن أحيا بجحور الفئران العفنة تلك حتى لا أموت واخوتي جوعًا محافظة على كرامتي رغم أنفك وأمثالك، لا أذهب مع أحد يا هذا لخمس سنوات أدفن ذئابًا تحت قدمي وتحميني داليدا، راقصة لكنها أفضل منكم جميعًا".
لم أفلتك وتمسكت أكثر بذراعك
-"رحيمة لا أنتوي أذيتك كنا سنذهب لمقهى معًا لبعض الوقت، أحتاج أن أتحدث فقط، أصرخ، عيناكِ تكفي لتكون مقامًا طاهرًا أتبرأ في محرابه من أثامي"
دفْعتك لي كانت قوية ومحتدة أذكر عنفوان كلماتك
-"هنا الصعيد أي مقهى هذا الآن! أحذرك أن تهزأ بي يفكر الرجال بهذا الرخص عادة، من تقدم معاملة طيبة، لابد أنها تحتاج مقابل، لم أقابل رجلًا واحدًا جميعكم ذكور تفكروا بجزء واحد من أجسادكم."
مهلًا لا أذكر ما الذي حدث بعد ما أنهيتِ كلماتك تلك، صور مهتزة، وكأنني وجدتك ببيتي لكن كيف دخلتِ وكيف عرفتِ منزلي !! رأيت وكأنك تحملين الوردة بين يديك، عيناك غاضبة للغاية، أقذفتِ فعلًا بالأصيص الممتلئ بالطين باتجاه رأسي لأتلقى ضربة قوية؟! أراني أهوي بقوة لتصطدم مؤخرة رأسي ولا أشعر بعدها إلا بظلام دامس.
-"راضي ..راضي"
-"رحيمة"
-"أنتَ بخير؟؟"
-"أنتِ!!"
-"لا بأس يا راضي ستتذكر كل شيء سينتهي الأمر بعد أن تحدثت بما يؤلمك ويقض راحتك"
تغوص رأسي بالوسادة كأنها مدفونة بلوح إسمنتي، جسدي ثقيل كأننى أزن أطنانًا، حاولت جاهدًا أن أدفع بالكلمات خارج شفاهي
-"أين أنا؟؟؟"
تقتربين أكثرشعرت بإحدى حواسي أخيرًا تستجيب لعطرك الحنون، لتضعي بضع كلمات بأذني
-"بالمشفى لتشفى يا راضي"
شعرت لأول مرة بالاستسلام وعدم الرغبة في الهرب
-"من جديد عدت؟"
-"نعم يا راضي فقدت وعيك بالشقة المشؤومة ساعدني دكتور رفعت من رواد المكان لكنه أفضل الجميع، هو طبيب نفسي ومالك لهذا المشفى وقدم لي العون لاستكمال دراستي كطبيبة نفسية، وأحضرتك هنا وبعدها كنت بحالة هذيان، تفيق لتحكي لي حكايا عجيبة ثم تغفو"
-"ليست بالعجبية يا رحيمة "
قالها من دخل عبر الباب بهدوء مبتسمًا وأكمل
-"هو ضميره الحي رغم محاولاته المضنية لقتله يا رحيمة"
أفسحت له رحيمة مرحبة
-"مرحبًا دكتور رفعت"
الذي أكمل و وهو يطالع أوراق بيده
-"ما الوردة إلا من أذيتهم يا راضي، والدتك، سحر، وابنتكما الرضيعة التي أجبرت سحر أن تتركها بدار أيتام، وجارتك اللطيفة واستغلالك لمشاعرها، كل خطياك اجتمعت بوردة بصقت بوجهك كل أفعالك لتعود "
استجمعت نفسي بالمشفى، وشعرت كأنني أولد من جديد لأشهر قاومت لأتعافى، أتناول المهدئات مع كل وجبة، أهرب من جلد ضميري، كيف أُصلح ما فعلت وقد رحلت أمي قبل أن أخبرها أنني غبي أًحب امتلاك أمه ففقدها، وسحرأخذت ابنتي وتزوجت برجل حملت اسمه وستناديه "بابا"، ورحل بهما حيث لا أجدهما، حُرمت طفلتي وأمي وصفح سحر للأبد، ورقية رحلت.
-"وكيف خسرتها؟"
-شعرت على الأغلب يا رحيمة، تألمت حتى توقف نبض الأمل بها، انهارت ملامحها وهي تحاول ادعاء الابتسامة للمرة الأخيرة...كانت تشعر أنني لا أحبها، استشعرت تهربي من نظرة عيني عندما أخبرتني بالزواج كانت بالنقاء لتعلم من أنا مجرد وغد"
-"ألا تفكر أن تعود لها ؟؟"
-لم أكن هناك لأعود، بعد خروجي من المشفى، قصدت بابها فلم أجده، تلمست عطرها ليعيد لي أنفاسي، فوجدت قوارير العطروكأنها كسرت وما بقي ولو قليلًا منه عالق بأرضها ...تأخرت إلى حد تلاشي العطر والملامح وروحها ...و.....أنا.. لم أحبها....أنا اعتدتها وأردت فقط الاعتذار.

مشلول الحركة والمشاعر، فقدت كل من أحببتهم وأحبوني بحماقاتي، أستحق هذه النهاية، ملقى كنفاية، تركتِ يا رحيمة نظرات الشفقة خلفك، ورحلتِ لليوم فقط لتعودي كل يوم، بقيتِ رحيمة دلالة على رحمة الله التي لا أستحقها.
،،تمت

التعليقات علي الموضوع
لا تعليقات
المتواجدون حالياً

606 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع