سُبحانَ مَن بيدهِ الخير وهو على كُلّ شيءٍ قدير!
غريبةٌ هي الحياة، نعيشُها في تسلسُلٍ دائم؛ فنَحنُ اليوم وغدًا ذرارينا وبعد غدٍ حفدتنا، وهكذا تستمر إلى أنْ يشاء الواحد الأحد.
استوقفتني مقولة "اللي خَلّف ما ماتش"، كثيرًا ما سمعتها في صِغري دونَ أنْ أعي معناها، حتّى كَبُرَتُ وعَلِمتُ معناها جيّدًا؛ فمَن يترك ولدًا صالحًا نافعًا لنفسهِ وغيرهِ لا يموت وإنْ رَحَلَ عن عالَمنا، إذ أنَّ بقاء اسمهُ مقرونًا ببقاءِ صلاح ونفع ولدهِ، ثُمَّ حفدتهِ بعدَ ذلك.
ما دفعني لأنْ أسطُر هذهِ الكلمات هو خبر وفاة عمّي الغالي أبا أُختي الحبيبة الغالية زينات مطاوع رَحِمَهُ اللَّهُ وغفر لهُ وجعل لهُ في الفردوس الأعلى من الجنّةِ مقعدًا، وسائر موتى المُسلمين.
تفكّرتُ في تلكَ المقولة حينَ عَلِمتُ الخبر، فوجدتها مُطابقةً لحبيبةِ مريم زينات؛ فهي الصالحة، الخَلوقة، المُجتهدة، العالِمة بدينها، السامقة بأدبِها، الكريمة بخِلالها، الأصيلة بطبعها.
زينات هي ذِكرى أبيها الحبيب رحمهُ اللَّهُ وغفر لهُ، فحينَ تراها تجد لسانكَ يلهج بالدُعاءِ لأبيها نظيرَ تربيتهِ لها وكذا أُمّها العزيزة الغالية.
وفضّلتُ أنْ أقولَ أباها ولا أقول والدها، إذ الفرق شاسع بينهما؛ فالأبّ هو الذي يُرّبي ويُعلّم، ويجتهد في زرعِ الخير في بَنيهِ، بل هو الذي يجعلهم استثمارهُ الثمين وكَنزهُ الدفين، فيتقي اللَّهَ فيهم ويحفظ للَّهِ الأمانة؛ فلا يجور على حقوقهم ولا يدّخر جُهدًا في تربيتهم، أمَّا الوالد فهو مَن كانَ دونَ ذلك.
أعودُ بالحديثِ عن عمّي الغالي أبا زينات، ذلكَ الرَجُل السامق، الشَهم، النبيل، البسيط، المُتواضع، العفوي، الحيّي والحَسن الخَلوق، رُغم أنَّ اللَّهَ لم يُقدّر لي أنْ ألتقيهِ في الدُّنيا إلَّا أنَّني عَرِفتَهُ من بضعتهِ زينات، فلنِعمَ البضعةُ هي، ولنِعمَ الأبّ هو، فرَحِمَهُ رَبّي وغفر لهُ وأسكنهُ أعالي الجِنان.
أرى أنَّ الأبناء هُم صدقة أبويهم الجارية ما داموا صالحين؛ فكُلّ خيرٍ يفعلونهُ يَكُن لأبويهم حظًّا منهُ في الأجرِ، وكُلّما حافظوا على أخلاقهم وتمّسكوا بدينهم كانَ لأبويهم حظًّا في الأجرِ كذلك؛ لأنَّهما الأصل في التربية وزرعِ الخير في نفوسِ أبنائهما، ومن هذا المُنطلق أرى حبيبة مريم زينات هي صدقة جارية لأبيها الحبيب، رَحِمَهُ اللَّهُ وغفر لهُ، وجعل لهُ في الفردوس الأعلى من الجنّةِ مقعدًا.
اللهمَّ يا غافرًا يا غفورًا ويا غفّار اغفر لعبدٍ خرجَ من ضِيقِ الدُّنيا إلى سعةِ رحمتك، ومن دارِ الباطلِ إلى دارِ الحقّ، ومن الكَبَدِ إلى النعيمِ بفضلك.
اللهمَّ آنس وحدتهُ، وأنِر قبرهُ ووسّع لهُ في مُدخلهِ مدَّ البصر.
اللهمَّ تفضّل عليهِ بالعفوِ والمغفرة.
اللهمَّ ارحمهُ برحمتكَ الواسعة التي وسعتْ كُلّ شيء.
اللهمَّ أكرِم نُزلَهُ.
اللهمَّ تجاوز عنهُ.
اللهمَّ اجعل زينات ابنتهُ وسائر ذُرّيّتهُ خير خلف لخيرِ سلف، اللهمَّ اربط على قلوبهم، اللهمَّ ألهمهم الصبر والسلوان، اللهمَّ بارك فيهم ولهم وعليهم، اللهمَّ اجعلهم سببًا لزيادةِ حسناتهِ.. اللهمَّ آمين وصلِّ اللَّهُ وسلَّمَ وبارك على سيدنا مُحمّدٍ وعلى آلهِ وصحبهِ أجمعين.