من سنن الله في الكون أنْ خلقه الله في صورة متوازنة، لا نقص فيه ولا اختلال، وهذه من عجائب قدرة وإتقان الخالق سبحانه وتعالى ﴿ٱلَّذِیۤ أَحۡسَنَ كُلَّ شَیۡءٍ خَلَقَهُ﴾ [السجدة 7]

وهذا التوازن نراه في كل شيء حولنا في الكون، فنراهُ في النبات والحيوان والإنسان والجماد وكل عناصر البيئة التي نعيش فيها.

فهيا بنا نستقرأ بعض صور الاتزان الإلهي في الخلق والكون؛ لندرك عظمة الخالق جلت قدرته، ونحن مأمورون بالنظر والتفكر في الكون للوصول لهذه النتيجة، ﴿قُلِ ٱنظُرُوا۟ مَاذَا فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰ⁠تِ وَٱلۡأَرۡضِۚ وَمَا تُغۡنِی ٱلۡـَٔایَـٰتُ وَٱلنُّذُرُ عَن قَوۡمࣲ لَّا یُؤۡمِنُونَ﴾ [يونس 101].

1- توازن الكتلة والمكان:

انظر إلى موقع الكوكب الأرضي بالنسبة للشمس، هل تعلم أنه لو كان أقرب للشمس مما هو عليه لكنا نموت حرقًا!! وهل تعلم أنه لو كان أبعد عن الشمس مما هو عليه لتجمدنا من البرد!!

هل تعلم أنَّ الأرض لو كان وزنها أصغر مما هي عليه لانعدمت الحياة عليها بسبب انعدام الماء والهواء وما عليها لضعف الجاذبية!!

وهل تعلم أن لو كان وزنها أكبر مما هي عليه؛ لكانت الجاذبية كبيرة جدًا، وما استطعنا المشي والحركة إطلاقا!!

سبحان الله!! إذن موقع الأرض بالنسبة للشمس هو أنسب المواقع، ووزن الأرض هو الوزن المناسب، مَنْ الذي قدَّر هذا التقدير المتزن؟ إنه الله ﴿ٱلَّذِی لَهُۥ مُلۡكُ ٱلسَّمَـٰوَ ٰ⁠تِ وَٱلۡأَرۡضِ وَلَمۡ یَتَّخِذۡ وَلَدࣰا وَلَمۡ یَكُن لَّهُۥ شَرِیكࣱ فِی ٱلۡمُلۡكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَیۡءࣲ فَقَدَّرَهُۥ تَقۡدِیرࣰا﴾ [الفرقان 2]

2- توازن كيماويات الدم وعناصره:

خلق الله جسم الإنسان من مجموعة من المعادن الكيميائية (الزنك، الكالسيوم، الماغنسيوم، الحديد، المنجنيز، ...)، بنسب متزنة، لو زادت هذه النسب عن أصلها؛ تحدث مشاكل صحية وخيمة، ولو نقصت عن هذه النسب المحددة تحدث أيضًا مشكلات صحية وخيمة، فمن الذي قدَّر هذا؟ إنه الله ﴿ٱلَّذِیۤ أَتۡقَنَ كُلَّ شَیۡءٍ﴾ [النمل 88]

3- حركة العضلات:

خلق الله العضلات بدرجة معينة من التوتر بين الشد والإرخاء، بحيث لو (توتر العضلة) انخفض؛ يصبح الإنسان في حالة ارتخاء دائما، ولو زاد هذا التوتر عن أصله؛ يحدث للإنسان شدّ عضلي لا يستطيع مع الحركة والعيش، فسبحان مَنْ لَطَفَ بعباده وأكرمهم بهذا التوازن والتقدير الدقيق الرحيم.

4- النظام البيئي:

خلق الله النبات والحيوان والإنسان، بحيث لا يسطيع الإنسان العيش بدون النبات؛ إذ إن النبات هو مصدر الأوكسجين الذي يتنفسه الإنسان، ولا يستطيع العيش بدون الحيوانات، فهي مصدر اللحوم والبروتينات والدواب التي يُحمل عليها، فإذا ما حدث أن فُقدَ أحد هذه العناصر الثلاث؛ يحدث اختلال لنظام الكون.

5- نظام الكون كلها في حالة اتزان:

هل غابت الشمس يوما فلم تُشرق؟ هل تأخر الليل يوما فلم يغشى؟ هل توقفت الأرض يوما عن الدوران حول محورها لتوليد فصول العام وحول الشمس لتوليد اليوم والليلة؟ كلا والله، ﴿لَا ٱلشَّمۡسُ یَنۢبَغِی لَهَاۤ أَن تُدۡرِكَ ٱلۡقَمَرَ وَلَا ٱلَّیۡلُ سَابِقُ ٱلنَّهَارِۚ وَكُلࣱّ فِی فَلَكࣲ یَسۡبَحُونَ﴾ [يس 40]

6- كل التفاعلات الكيميائية التي تحدث في النباتات وفي داخل الإنسان وفي باطن الأرض وفي الهواء وفي الشمس وفي كل الكون؛ تفاعلات متزنة!!.

واجبنا حيال هذه السنة الكونية؛ أن نحترمها وألا نعبث فيها وألا نحاول تغييرها، وكما يقول الحق سبحانه وتعالى: ﴿وَٱلسَّمَاۤءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ ٱلۡمِیزَانَ ۞ أَلَّا تَطۡغَوۡا۟ فِی ٱلۡمِیزَانِ﴾ [الرحمن 7-8]

لأن الله هو الحق، ومقتضيات الحق الميزان الحق، قال تعالى: ﴿وَٱلۡوَزۡنُ یَوۡمَىِٕذٍ ٱلۡحَقُّۚ فَمَن ثَقُلَتۡ مَوَ ٰ⁠زِینُهُۥ فَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ ۞ وَمَنۡ خَفَّتۡ مَوَ ٰ⁠زِینُهُۥ فَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ ٱلَّذِینَ خَسِرُوۤا۟ أَنفُسَهُم بِمَا كَانُوا۟ بِـَٔایَـٰتِنَا یَظۡلِمُونَ﴾ [الأعراف 8-9]