في هذه الأيام المباركة ونحن مقبلون على أيام الحج الشريف، وما يحدث فيه من تغيير لكسوة الكعبة، وهي عادة جَرى عليه المسلمون منذ زمن بعيد، أنْ يتم استبدال وتغيير كسوة الكعبة سنويًا في موسم الحج.
وبتلك المناسبة، نريد أن نتناول بعض المعلومات العامة حول كسوة الكعبة، ولعل أبرز مَنْ كتبوا في هذا الباب، العلامة المرحوم أ.د. السيد محمد الدقن في كتابه الماتع «كسوة الكعبة المُعظَّمة عبر التاريخ».
ولقد مَنَّ الله علينا بقراءة هذا الكتاب الرائع، حين تكرَّمت مجلة الأزهر بطباعته وتوزيعه مع عدد ذي القعدة 1443هـ في جزأين.
ويمكن تلخيص أبرز ما جاء في هذا الكتاب في النقاط الآتية:
1- تعددت الروايات حول أول مَنْ كسا الكعبة قبل الإسلام، فقيل: سيدنا إسماعيل عليه السلام، وقيل: عدنان الجد الأكبر للنبي ﷺ، وقيل: مَلِك حمير أبو كرب أسعد والمعروف باسم «تُـبَّـع».
والراجع عند الكثير من المؤرخين أنه «تُـبَّـع» ولهم في ذلك أدلة كثيرة.
2- ثم ظل خلفاء «تُـبَّـع» يكسون الكعبة بالجلد و«القباطي» (وهو القماش المصري) زمنا طويلا.
3- أما عن كسوتها بالديباج (الحرير المنقوش)، فيُذكر أنَّ «خالد بن جعفر بن كلاب» هو أول مَن كساها بالديباج من الرجال، وأما من النساء فيذكر أنَّ «نتيلة بنت حبان - والدة العباس بن عبد المطلب» هي أول مَنْ تشرفت بذلك.
4- أما في عصر الإسلام:
فقد كساها الرسول ﷺ الثياب اليمانية، وقيل: أنه كساها «بالقباطي» (من القبط، وهو ثوب أبيض رقيق كان يصنع في مصر).
ثم كساها سيدنا أبو بكر «بالقباطي» أيضًا.
ثم كساها سيدنا عمر أيضًا بالكسوة المصرية القباطية.
أما سيدنا عثمان فلم يقتصر في كسوته للكعبة على «القباطي» فقط، بل كساها أيضًا «البرود اليمانية» في إحدى السنوات، ليكون في ذلك أول مَنْ وضع على الكعبة كسوتين.
أما سيدنا علي بن أبي طالب، فلم يذكر أحدٌ من المؤرخين أنه اهتم بكسوة الكعبة، وقد برَّر المؤرخون ذلك بانشغاله بالفتن التي نشبت في عصره.
5- أما عن الوقت الذي كانت تكسى فيه الكعبة:
فروي أن الكعبة كانت تُكسى في كل عام كسوتين؛ كسوة ديباج، وكسوة قباطي.
أما الديباج فتكساه يوم التروية؛ حيث يُعلَّق القميص على نصف الكعبة ويُدلى ولا يخاط، وكأنها في حالة إحرام، كما هي العادة اليوم، فإذا أتمَّ الناسُ حَجهم وصدروا من منى خِيطَ القميص، وتُرك الإزار حتى يذهب الحاج لئلا يخرقوه.
فإذا كان يوم عاشوراء علقوا عليها الإزار؛ ليوصل بالقميص، فلا تزال هذه الكسوة الديباجية حتى يوم 27 من رمضان فتكسى بالكسوة المصرية لاستقبال عيد الفطر.
إذن كانت الكعبة تكسى مرتين: مرة في عاشوراء، ومرة في موسم الحج.
6- أما في العصر الأموي:
فقد اهتم خلفاء بني أمية بكسوة الكعبة اهتماما بالغا، فكان سيدنا معاوية يكسو الكعبة كسوتين في العام؛ كسوة القباطي المصرية، وكسوة أخرى من الديباج، فكانت الديباج يوم عاشوراء، وتكسى القباطي في آخر شهر رمضان ابتهاجا واستعدادًا لعيد الفطر.
وبهذا سار الخلفاء والولاة على نهجه.
وظلت الكسوة ترسل من مصر إلى الكعبة المشرفة في العام مرتين حتى نهاية العصر الأموي.
7- أما في العصر العباسي:
فكذلك اهتم الخلفاء العباسيون بكسوة الكعبة، وكانوا يصنعونها من أجود أنواع الحرير، وكانت تصنع في مدينة «تنيس» المصرية، التي كانت لها شهرة عظيمة في صناعة المنسوجات، وهي مدينة قديمة كانت تقع شمال دمياط، تهدَّمت في الحروب الصليبية أيام الملك الكامل.
وكانت الكعبة تكسى أيام العباسين عدة مرات في العام الواحد، كما ذكر (الأزرقي) بأن الكعبة كانت تكسى في العام الواحد أربع مرات: في أول رجب، وفي 27 رمضان، وفي يوم التروية، وفي يوم عاشوراء.
(( وللحديث بقية إن شاء الله ))