"يتوسدون المياه والأوحال ويلتحفون الزمهرير"
صورة توقفت عندها أنفاسي.. دقات قلبي.. وتوقف الزمن من حولي..
صورة فقدت معها كل ما دون الألم من المشاعر..
وما دون الصدمة والتيه والخرس..
وتساؤلات لا نهاية لها تعصف بذهني..
أين كانت أمهما وهما مغموران بغطاء تشبع من دموع السماء وأنات الأرض؟
ماذا كان وقع ذلك الشعور بالعجز من الكبار حيال الصبية الصغار الجائعين العطشى المجمدين من البرد والخوف والألم؟
سمعنا عن مجازر التاريخ.. ومحارق السابقين.. وغدر المحتلين والمستعمرين..
ولكن أن تسمع ويروى لك من الحكايات هو شيء.. وأن ترى بعينيك وتعاصر الأحداث بعجزك وتكبيل صوتك وعزيمتك وأنفاسك لهو شيء آخر..
شيء حارق.. مهلك.. ومهين..
شرعت يومًا في كتابة مجموعتي القصصية والتي كان الحظ الأوفر فيها لسلسة "فنجان قهوة" والتي عرضتها على هيئة رواية قصيرة أو مجموعة قصص قصيرة متصلة منفصلة.. ولم أكن حينها على علم بما تخبئه لنا الأيام..
حتى قامت الأرض في السابع من أكتوبر وتضرجت الرمال بدماء طاهرة حين تناثرت شظاياهم فوق حبات الثرى.. فأبيت إلا وأن يكون لي صوت بينهم يشاركهم كفاحهم ويخلد مع الأيام حكاياتهم..
تصفحت مشاهد البطولات العديدات.. ما بين آهة انبهار وألم.. وأنا أحاول انتقاء إحداها لتكون لسان حالي.. حتى اخترت ذلك البطل وشرعت في كتابة قصته بتصريفي وسيناريو مختلف يرسم القصة في سطور..
لم أتوقف حتى أنهيت آخر حرف يرسم مشاهد البطولات ومشاهد الخذلان ومشاهد صرخات القلوب والحناجر..
لبيت وراء أكف الداعين بضراعة للمولى طالبين النصر والمدد منه وتحقيق الوعد..
مع كل يوم يمر كنت أرى الجهاد والمقاومة وأستمع لآراء المتابعين ما بين بائس ويائس وعاجز.. وآمل..
واليوم أبكي من قلبي مع كل توغل ومواصلة للإبادة السافرة.. والتي رسمتها للأسف في مشاهد قصتي..
وكأنني حينها ألقيت بكلماتي اللعنة على ذلك الشعب الصامد لتتحقق تلك المشاهد واحد تلو الآخر..
سامحيني يا أقصاي فلم أقصد ذلك.. ولا حيلة لي ولنا جميعا سوى الدعاء..
سامحيني يا غـــــــزة الروح.. ليت ترابك يتوسد رفاتي فأفخر وأسعد وأخلد حينها مع الخالدين..
ولكن على الرغم من لكنة الانكسار ولهجة اليأس المهيمنين على كل الأحداث.. رسمت راية الأمل مرفوعة خفاقة في نهاية قصتي المؤلمة..
قصة "الملثم"..
في مجموعتي القصصية "فنجان قهوة"
وكان فخر لي أن شاركت أيضًا مع مجموعة من المبدعين في بركان آخر من كلمات انفجر على هيئة طوفان أسميناه وبكل عزة.. "طوفان العزة"
****مقال للذكرى رغم الألم والانقطاع المحبط عن العالم..