في اليوم دَه وصلت كافيتيريا الجامعة قبل كريم، ولأنه كلّمني وقال إنه هيتأخر حوالي نُص ساعة؛ قُلت أسلّي نفسي في أي حاجة. فتحت تليفوني ودخلت على الفيس بوك، أول بوست قابلني كان بيتكلّم عن فيلم أجنبي من فئة أفلام الجريمة، ورغم إني من هواة الماورائيات أكتر وببحث في ما هو وراء الطبيعة، لكن لقيت نفسي مشدود للفيلم، يمكن عشان الغلاف جاذب للانتباه، لأن اللي صمِّمه أبدع فيه حرفيًا.
عملت سيرش عن الفيلم ووصلت لُه، وبعدها بدأت أتفرَّج عليه، كان فيلم روتيني مفيهوش أي جديد، مجموعة أصحاب في رحلة تخييم، وبيتقتل منهم واحد في ظروف غامضة، والباقي بيتحوّلوا لمتّهمين، وعلى مدار أحداث الفيلم، كان في شخص منهم بيتقتل، ومع كل جريمة دايرة الاتهام كانت بتصغر، والشَّك بينحصر في باقي الأشخاص، وهكذا، لحد ما بيتم كشف القاتل في النهاية..
بالمناسبة، أنا معرفتش التفاصيل دي من الفيلم نفسه، لأن كريم كان وصل بعد نُص ساعة وقفلت الفيلم، لكن فهمته من الملخص اللي مكتوب في وصف الفيلم، ده غير إني اتفرَّجت على جزء كبير من الفيلم، كان كفيل إني أربط بينه وبين الملخص وأوصل للتفاصيل اللي حكيتها، لأن زي ما قُلت لكم، الفيلم روتيني جدًا والفكرة اتهرست قبل كده.
-أنت ناوي تغيَّر نشاطك ولا إيه؟
ده السؤال اللي خلاني أقفل الفيلم، لأني اتفاجئت إن كريم واقف ورايا وضارب عينيه في تليفوني، وشافني على غير العادة بتفرَّج على فيلم جريمة، وهي دي مناسبة السؤال اللي خلاني قفلت الفيلم وجاوبته:
-ولا تغيير نشاط ولا حاجة، كل الحكاية إني منتظر سعادتك وعيني لطشت في إعلان الفيلم.
ساعتها كريم شد كرسي وقعد، وكان لسَّه شوية وقت على المحاضرة، وبعد ما طلبنا القهوة بتاعتنا قال:
-بَس شكلك بيقول إن الفيلم مش عاجبك.
-دي حقيقة؛ لأن فكرته مهروسة، بس كنت بحرق وقت لحد ما تيجي.
-أنا كمان ماليش في أفلام الجريمة، لكن تخيَّل، أبويا ليلة امبارح كان قاعد بيتفرَّج على فيلم جريمة، وكان مشدود جدًا للأحداث، ومسابنيش غير لما قعدت أتفرج معاه.. الفيلم كان عادي جدًا مفيهوش جديد ونهايته كانت مفتوحة كمان.
-يلا يا عم تعيش وتاخد غيرها.
بعد ما شربنا قهوتنا دخلنا المحاضرة، ولمَّا اليوم انتهى، خرجنا وكل واحد رجع على بيته، والمشوار انتهى بيّا كالعادة في أوضتي.. التوقيت كان قبل أذان المغرب بدقايق، يعني كان معايا وقت أفتح اللاب توب، ولمَّا الشمس غابت كانت صفحة الموقع ظهرت، لكنها كانت باللون الأسود، مكانتش بتعرض أي شيء..
ويادوب ثواني؛ وسمعت خليط من الأصوات، خطوات ناس بتتحرك، ومعاه كان في هَمس وضحك، زي ما يكون في ناس بتتكلم مع بعضها كلام جانبي، وبعد شوية تركيز، قدرت أعرف إن ده صوت بنات، وبمجرد إدراكي للمعلومة دي؛ لقيت نفسي واقف في مكان فاضي، الوقت كان بَعد الفَجر بشوية، والمكان كان عبارة عن أرض فيها عُشب أخضر، ومن كل اتجاه كان في أشجار بتحاوط المكان، ومن ورا الأشجار كان في جِبال، أما المكان نفسه، فَكان موجود فيه خِيام، وساعتها أدركت إن دَه مُخيَّم، بَس يا ترى مُخيَّم إيه دَه؟
دَه السؤال اللي سألته لنفسي بمجرَّد ما عيني قرأت تفاصيل المكان، لكن قبل ما أفكَّر كتير، لقيتني بركّز مع خيمة بعيدة عن باقي الخيام، بالمناسبة كانت أكبرهم، ساعتها بابها اترفع وخرجت منها بنت، عُمرها لا يتجاوز العشرين سنة، وقفت شوية قدام الخيمة وكان في إيدها ورقة، كانت بتبُص لها باستغراب زي ما تكون مصدومة من اللي فيها، ساعتها سمعت صوت من ورايا:
-مين دي وبتقرأ إيه؟
كان سؤال من كريم اللي اتفاجئت إنه موجود، بصّيت له وكنت بقول في سرّي: يا ترى أنت سَبب الحَدفَة اللي اتحدفناها دي ولا أنا السبب؟ لكن لقيتني بجاوب على سؤاله وبقول:
-دلوقت هنعرف كل حاجة.
بمجرد ما جاوبته؛ لمحت بنت خارجة من خيمة تانية، كانت بتقرَّب من البنت اللي في إيدها الورقة وبتسألها:
-إيه الورقة دي يا صوفيا؟
رفعت عينها من الورقة وبصَّت ناحيتها وقالت:
-يادوب وصلنا المعسكر ودخلت خيمتي، وبدأت أرتِّب هدومي وأغراضي، وبفتح علبة الهدايا اللي كانت في الخيمة لقيت الورقة دي، مكتوب فيها: "الكاتب هيقتل 3 فتيات من خيمة واحدة!".
في اللحظة دي البنت ردَّت عليها وقالت:
-صوفيا؛ أنتِ رئيسة المعسكر، مينفعش تبقي متوتّرة لمجرَّد إنك لقيتي ورقة مكتوب فيها العبث ده، متنسيش إن معسكر الكشَّافة ده قديم، عُمره بيتجاوز القرن، وبقى مصدر إلهام لمؤلفين كتير بيكتبوا رعب وجريمة، جايز حد دخل المُخيّم وإحنا مش موجودين وحَب يعيش تجربة تساعده في الكتابة، وساب الورقة دي من باب الهزار، أو عشان يخلّي فريق الكشافة يعيش جَو الرعب والغموض، وبعدين لمَّا تبقي متوتّرة بالشكل ده، البنات اللي في المعسكر يعملوا إيه؟!
الوقت اتبدّل؛ لكن مكانش فات وقت كتير، يادوب ساعة تقريبًا لأن الشمس كانت لسَّه بتشرُق، كانت صوفيا واقفة وقدامها كذا بِنت واقفين صَف واحد ولابسين لِبس الكشافة، أعمارهم كانت صغيَّرة، فهمت ساعتها إن دَه طابور الصباح في المعسكر، وبعد ما الطابور انتهى، كل كام بنت اتجمعوا مع بعض كفريق عمل، وبدأوا يعملوا أنشطة واضح إنهم متكلّفين بها مُسبقًا.. لكن مع الوقت الشَّجر بدأ يتهَز وهبَّت رياح مفاجأة، وساعتها صوفيا رئيسة المعسكر طلبت من البنات إنهم يدخلوا خيمتهم، وميخرجوش غير لما العاصفة تهدا.
بعد طلب صوفيا المعسكر كان فاضي، لكن الوقت فات واليوم انتهى، الليل كان دخل والعاصفة كانت بنفس القوة، وده اللي منع إن حد يخرج من خيمته، وفضلنا على الحال ده لحد ما الوقت اتبدّل، لكنه اتبدّل على صدمة، كل الخيم كانت أبوابها مرفوعة، والبنات كلهم كانوا برَّه، وشوشهم كان باين عليها الخوف، عيونهم كانت رايحة ناحية خيمة معيَّنة، ولما بصينا ناحيتها؛ اتفاجئنا إن قدامها أفراد من الشرطة ومعاهم كلاب بوليسية، وكان معاهم صوفيا رئيسة المعسكر، لكن في ناحية تانية؛ وبعيدًا عن مكان الخيام، كان فيه تجمّع تاني لأفراد الشرطة، وكان هناك 3 عربيات إسعاف.. المكان دَه بالتحديد كان متحاوط بشريط أصفر من اللي بيحدد مسرح الجريمة، وبمجرد ما شُفته لقيت كريم بيسألني:
-مَسرح جريمة.. مُش كده؟
هزّيت راسي بالإيجاب وقُلت:
-فعلًا؛ وغالبًا يا صاحبي السبب أفلام الجريمة الفَكسانة اللي اتكلمنا فيها وإحنا في الكافيتيريا.
-عندك حق، إحنا في كل مرة بنتكلم فيها عن حاجة بحلم بالأحداث وأنت بتشاركني الحلم.
معلَّقتش على كلامه كالعادة، لكن كنت بقول في نفسي: "أيون؛ هوَّ كريم".. بعد حواري معاه لقينا نفسنا بنقرَّب من مسرح الجريمة، اللي كان فيه 3 جثث لـ 3 بنات، أعمارهم كانت متقاربة.. الجثة الأولى كان نُصَّها التَّحتاني بدون ملابس، جِسمها كان ظاهر فيه كدمات وكان في حَبل نايلون ملفوف حوالين رقبتها، والجثّتين الباقيين، كانوا بكامل ملابسهم، لكن بدون ما يكون في حَبل حوالين رقبتهم، بَس وشوشهم كان باين عليه آثار ضرب عنيف!
بمجرَّد ما المشهد اكتمل قدامنا؛ لقينا نفسنا قدام الخيمة اللي قدام منها تجمّع أفراد الشرطة والكلاب البوليسية، كنّا قريّبين لدرجة إننا شايفين الخيمة من جوَّه، كان في 3 مناشف لونهم أبيض، كل منشفة كان عليها دَم، زي ما يكون في حد ماسح إيده فيهم، دَه غير إن كان في نضّارة حريمي بلاستيك مرمية في الأرض، ومن كلام رئيسة المعسكر مع الشرطة، فهمنا إن الخيمة كان فيها 3 بنات، ومفيش واحدة منهم بتستعمل النضارة، دَه غير إن أرضية الخيمة كان فيها كلوب نور، وكان متطبَّق في قاعدته ورقة مقطوعة من مجلة، ومن الحوار اللي داير بين الشرطة وبين رئيسة المعسكر، قدرنا نفهم إن المعسكر مفيهوش الأنواع دي من الكلوبات، ولا بيستخدموا فيه مناشف باللون الأبيض، ولحد هنا لقيت كريم بيسألني:
-الحاجات دي هتكون الخيط اللي هيوصَّل للمجرم، مُش كِدَه؟
ساعتها ردّيت عليه وقُلت:
-القاتل مَسح الدم اللي كان على إيده من أثر ضرب الضحايا في مناشف من برَّه المعسكر، وساب الكلوب عن قصد في الخيمة، عشان كده دَه خيط قوي يوصَّل لمُرتكب الجريمة، برغم إني شاكك في الحكاية أصلًا.
-شاكك في إيه بالظبط؟
-خلينا منسبقش الأحداث.
لما انتهينا من كلامنا، لقينا البنات متجمّعين جنب خيمة رئيسة المعسكر، وفي الوقت ده، كان أفراد الشرطة بيخلّوا الكلاب البوليسي تتعرَّف على ريحة المناشف وكلوب النور، ومعاهم النضارة البلاستيك الحريمي وورقة المجلة اللي متطبّقة في قاعدة الكلوب، وده إجراء طبيعي عشان الكلاب توصل لأي مكان فيه من أثر الريحة اللي اتعرَّفت عليها..
بعد ما أفراد الشرطة سابوا الكلاب، لقيناهم بيجروا وبيخرجوا برَّه المعسكر تمامًا، كانوا رايحين ناحية الجَبل اللي ورا الأشجار، وطبعًا كان وراهم أفراد الشرطة، لحد ما اتفاجأوا إن الكلاب بتطلع فوق الجبل، وبتوصل لحد كَهف وبتدخل جوّاه، وبمجرد ما الكلاب دخلت، اتفاجئنا إننا جوَّه الكهف، ساعتها لقينا شخص بيصرخ بمجرَّد ما شاف الكلاب اقتحمت عليه الكهف، وبمجرّد ما أفراد الشرطة دخلوا قبضوا عليه، كلبشوا إيده وراه ضهره، واتنين منهم أخدوه وخرجوا، أما باقي أفراد الشرطة، فبدأوا يفحصوا محتويات الكهف، اللي كان فيه ساعات بلاستيك حريمي، وكلوب نور من نفس نوعية الكلوب اللي كان في خيمة البنات اللي اتقتلت، ومناشف من نفس النوع اللي لقوها في خيمة الضحايا، دَه غير إنهم لقوا المجلة اللي اتقطع منها ورقة واتطبَّقت في قاعدة الكلوب!
ده كان بالنسبة لأفراد الشرطة دليل قاطع إن الشخص ده هو مرتكب الجريمة، لأن اختباؤه في الوقت ده وفي المكان دَه بالقُرب من المخيّم، ومعاه نفس الحاجات اللي تم العثور عليها في الخيمة، يعني الأحراز وتواجده في الكهف هيكونوا دليل إدانة قوي.
في قاعة محاكمة، كُنت واقف أنا وكريم، الشَّخص اللي اتقبض عليه في الكهف كان في القَفص، وكان حاضر ناس كتيرة من بينهم رئيسة المعسكر، في اللحظة دي كان القاضي بينطق بالحكم في القضية، اللي لما قال رقمها وتاريخها عرفت إنها في السبعينيات، وكان ده زيادة تأكيد لأن موضة لبس الناس اللي في القاعة كانت قديمة زيادة عن اللزوم، لكن القاضي حكم ببراءة المتهم في قتل الـ 3 بنات لعدم كفاية الأدلة، في وسط اندهاش من كل الحاضرين، ومع ذلك تم حبس المتهم لأنه في الأساس كان هربان من عقوبة الحبس على ذمة قضايا سطو من الدرجة الأولى، وتُهمة الاغتصاب.
التفاصيل مكانتش واضحة قدامنا، لكن مكدبش عليكم؛ مكنتش متفاجئ من الحكم، وده لأن كان جوايا إحساس قوي إن الشَّخص دَه، واللي بالمناسبة اسمه أدريان، مُش هو القاتل الحقيقي!، ولحد هنا لقيت القاعة فاضية ومفيش فيها غيري أنا وكريم، وساعتها عرفت إن الجلسة انتهت وكل واحد راح لحال سبيله، وسمعت سؤال كريم اللي كُنت متوقّعه:
-معناه إيه الكلام ده؟
-معناه يا صاحبي إن مُش دَه القاتل، وأنا مُش متفاجئ لأسباب بسيطة، أولًا؛ مفيش قاتل بالسذاجة اللي تخليه يسيب وراه أدلة تدينه بالطريقة العبيطة اللي كانت في الخيمة، القاتل بيحاول على قد ما يقدر إنه يمحي آثاره، سواء بقى بصمات أو آثار جزمته، وبيلبس كاب فوق راسه عشان لو عنده تساقط شَعر مفيش شعرة منه تقع في المكان، حتى العَرَق اللي بيحصل من المجهود اللي بيبذله مع الضحية بيحاول يمحيه، فما بالك دَه مَسح إيده من الدم في مناشف تخصُّه، وساب النضارة البلاستيك الحريمي وكلوب النور، وحَط فيه ورقة مقطوعة من مجلة عشان يلفت الأنظار أكتر.. دَه غير إن الشخص ده متخفّي في كهف قريِّب من مكان الجريمة، ولو هو اللي عاملها كان زمانه خلع من المكان كله، لأنه هيبقى على يقين إن الكلاب البوليسية هتوصل له بكل سهولة بعد كل الأثار اللي سابها دي، وده دليل إنه ميعرفش أصلًا بالجريمة كلها، وإن القاتل الحقيقي عارف بوجود الشخص ده في الكهف، وقدر يوصل لأغراضه وياخد منها ويحطها في الخيمة، عشان أصابع الاتهام تشاور على حد بعيد تمامًا عن القاتل الحقيقي.
-أومال اتحبس ليه؟
-ما هو أنت لو ركزت شوية في اللي القاضي قاله بعد حكم البراءة، هتفهم إن الشخص ده هربان من عقوبة الحبس في قضايا سطو واغتصاب، وجريمة الاغتصاب دي مبرر قوي للنضارات الحريمي اللي كانت معاه، جايز تكون النضارات دي أخدها من الضحايا بتوعه، أو جايز عنده خلل عقلي وحابب يلبس نضارات من النوع ده، ووجوده في الكهف مكانش له مبرر غير إنه مجرَّد تخفّي عشان البوليس أكيد بيدوَّر عليه.
-وتفتكر مين القاتل؟
-هنعرف أكيد.
كلامنا اتقطع فجأة لما لقينا نفسنا في معسكر الكشافة، الخيام كانت مقفولة والدنيا ليل ومفيش أي إضاءة في المكان، وده معناه إننا كنا في وقت المعسكر كان مقفول فيه، ولمجرد وجودنا هنا، عرفت إن ده طرف الخيط، لأني اعتبرت وجودنا في المكان قبل بداية الجريمة إسقاط على بداية الأحداث، واتأكدت من تخميني لما لقيت شاب بيدخل من بين الشَّجر وبيقرَّب من الخيام، ورغم إنه كان ملثّم وشُّه لكن كان باين عليه إنه في العشرينات.. بدأ يقرَّب من خيمة رئيسة المعسكر، ولما وصل عندها رفع بابها ودخل الخيمة، لكن قبل ما يدخل الخيمة حَط إيده في جيبه وطلَّع منها ورقة، ولحد هنا رجعت بالذاكرة لأول مشهد في الأحداث، لما ظهرت رئيسة المعسكر وهي بتقرأ ورقة في إيدها وكانت مصدومة، وفي اللحظة دي عرفت إن الشخص ده صاحب الورقة اللي كان مكتوب فيها إن الكاتب هيقتل 3 فتيات من خيمة واحدة.
بعدها المشهد اتبدّل، لقينا نفسنا واقفين قدام كهف، لكنه كان كهف مختلف عن اللي الكلاب البوليسية اكتشفت فيه الشخص اللي اتبرَّأ من قضية قتل الـ 3 فتيات..
لما دخلنا الكهف؛ اتفاجئنا بهيكل عظمي، كان متكوّم في ركن من أركان الكهف، الوضعية اللي كان عليها كانت بتقول إنه مات وهو خايف من شيء، وده بيفسّر وجود الهيكل في زاوية من زوايا الكهف، لأن أي شخص بيخاف بيفضل يبعد عن سبب الخوف لحد ما بيوصل لركن أو زاوية من زوايا المكان.
بعدها لقينا نفسنا قدام مكتبة صغيَّرة على رصيف، كان مفروش قدامها كُتب وجنبها طاولة فوق منها جرايد، وكان أغلب الجرايد مسيطر على الصفحة الرئيسية فيها خبر بعنوان "اختفاء إدوارد"، وساعتها كريم سألني:
-تفتكر مين إدوارد؟
ردّيت وعيني كانت على الجرايد وقُلت:
-أكيد الشخص ده هو الهيكل العظمي اللي كان في الكهف.
-تفتكر إنسان مات واتحلل ولسَّه بيتكلموا عنه، حتى لو مكانوش لسه وصلوا لمكانه.
-في تفسيرين لوجود الخبر، وهو يا إما إن الزمن اللي إحنا فيه مش بعيد عن توقيت اختفاء الشخص ده، وخبر اختفاؤه لسَّه طازة وشاغل رأي الناس، أو إن الشخص ده مشهور إلى حد ما، ومش بسهولة إن الناس تنساه، عشان كده لسه بيكتبوا عنه.
-وإيه علاقة دَه باللي شُفناه في المعسكر؟
-أكيد في رابط بين الأحداث، الحكاية عاملة زي البازل، كل قطعة منها بتكون في مكان غير مكانها، وفي النهاية كل القطع بترجع لمكانها والصورة بتوضح.
مفاتش ثواني ولقينا نفسنا في أوضة، أو عشان يكون وصفي دقيق؛ كُنا في مكتب، وساعتها شُفنا اللي قاعد على المكتب من ضَهره، كان واقف وبيبُص من الشباك، ومكنتش محتاج كتير عشان أعرف إن الشخص ده، هو نفس الشخص اللي كان داخل خيمة رئيسة المعسكر، أي نعم كان ملثّم وشُّه، لكنه نفس الهيئة من الضَّهر!
قرَّبنا من المكتب وهو كان لسَّه شارد في الشباك، وساعتها عيني وقعت على الأوراق اللي فوق المكتب، وكان مكتوب في أول ورقة "رواية-دماء من أجل لوسيفر"..
تصنيف الرواية اللي مكتوب تحت العنوان كان رعب، وفي اللحظة دي لقينا الشخص ده بيسيب الشباك وبيقرَّب من المكتب، وطبعًا مقدرتش أطابق بين الملامح، لأن الشخص اللي دخل خيمة رئيسة المعسكر كان مُلثَّم، لكن المقارنة من الضَّهر كانت كافية، وفي اللحظة دي قعد على كرسي المكتب، انتظرته يقلِّب في الأوراق، لكنه مَد إيده وفتح درج من أدراج المكتب وطلَّع منه كتاب قديم، كتاب عيني عمرها ما تغلط في محتواه أبدًا، لأني شُفته قبل كده وعارف إنه كتاب سِحر وبيتكلّم عن تسخير الأرواح الشيطانية، ولما فتح الكتاب وبدأ يقلّب فيه، لقيته بيُقف عند صفحة فيها طريقة تسخير كيان شيطاني، كان بيقرأ في الطريقة وبيكتب ملخص عنها في ورقة قدامه، واللي باختصار كانت عبارة عن تقديم أرواح 3 فتيات عذراوات في بينهم رابط من أجل لوسيفر، وبعد تقديم أرواحهم يتم إفقاد عذرية الضحية الأولى.
كريم كان بيبُص لي وهو مصدوم، وساعتها قال لي:
-مش ملاحظ إن في تشابه بين اللي مكتوب وتفاصيل اللي حصل في المعسكر؟
-ملاحظ طبعًا، المكان ده هو المطبخ اللي انطبخت فيه الجريمة، لكنها اتنفّذت في المعسكر، واللي قدامنا بيثبت إن الشخص ده هو اللي كتب ورقة وقال فيها إنه هياخد 3 فتيات من خيمة واحدة، كمان الاعتداء اللي تم على الضحية الأولى بعد موتها، كده أو كده الجريمة حصلت، لكن إيه الدافع اللي يخلّي كاتب ومثقَّف يعمل حاجة زي دي؟
-تفتكر أنت إيه الدافع؟
كنا بنتكلم والشخص ده لسَّه قاعد على المكتب بيقرأ في الكتاب، وبرغم كده جاوبت كريم وقُلت:
-جنون العظمة يا كريم هو السبب، فِكرة إن الشخص عاوز يبقى عظيم ومشهور ومفيش حد زيه بتخليه يعمل أي حاجة، لما الشعور دَه بيوصل معاه لدرجة المرض بيخليه يقتل أو يسرق أو يرتكب أي شيء عشان يرضي رغباته، ومن الواضح إن الشَّخص دَه عاوز يعمل حاجة متفرّدة وخارجة عن قدرات البشر، عشان كده لجأ للسِّحر، لأنه القوة الأكبر من قدرات البشر، وهي الوحيدة المتاحة وممكن أي حد يتعامل معاها.
بمجرَّد ما جاوبت كريم على سؤاله، لقيت الوقت اتغيَّر، كنا في نفس المكتب لكن الشَّخص ده كان لابس عباية لونها أسود؛ وملثّم وشُّه بِشَال من نفس قماشة العباية، لكنه كان قاعد على ركبه في الأرض وضامم إيديه لبعضها قدام وشه، وباصص ناحية تمثال لكلب متحنَّط فوق ترابيزة، وكان بيردِّد ويقول: "لوسيفر.. امنح خادمك إدوارد كائن القوة؛ وجالب الأفكار، من أجل رواية الدماء، أرواح الفتيات الثلاثة في طريقهم إليك، امنحني الكائن فإنّي بحاجة إليه...".
الغريبة إني لمحت وِش الكلب وهو بيتحرَّك، ولحد هنا صوت الشَّخص ده بدأ يغيب عن المَشهد، عشان نلاقي نفسنا في مشهد تاني، ونشوف نفس الشخص قاعد على المكتب وهو بيكتب في ورقة قدامه بخط عريض "معسكر كشافة البنات.. كل خيمة بها ثلاث فتيات.. الموعد العاصفة القادمة.. المُرتكب أدريان الهارب.. الكهف المجاور للمعسكر".
في اللحظة دي شُفنا نفسنا في الكهف اللي أدريان كان متخفّي فيه، لكن اللي كان موجود كان إدوارد، وغالبًا استغل غياب أدريان عن الكهف لسبب ما، ودخل عشان ياخد منه الكلوب والنضارة البلاستيك الحريمي والمناشف؛ ويقطع ورقة من مجلة كانت في أغراض أدريان، وبعدها بيخرج من الكهف قبل رجوع أدريان.
بعدها لقينا نفسنا قدام مسرح الجريمة، شُفنا من تاني الـ 3 فتيات مقتولين، وبعدها لقينا نفسنا في المعسكر، لكن الخيام اللي فيه كانت ملمومة في الأرض، وساعتها عرفنا إننا في توقيت ما بعد الجريمة، واللي شُفناه قدامنا معناه إن المعسكر اتقفل بعد الجريمة اللي حصلت فيه، ولحد هنا كريم قال:
-يعني المتهم اتحكم عليه بالبراءة والقاتل الحقيقي محدش يعرف عنه حاجة؟
-مفيش حد بيهرب من جريمته يا كريم.
-أنا لحد دلوقت مش قادر أعرف إيه الدافع اللي يخلّي إدوارد يرتكب الجريمة دي!
-لكن أنا عرفت.. الحكاية زي ما قلت لَك جنون العظمة والتفرُّد، كاتب واضح من الورق اللي قدامه إنه بيكتب رواية رعب، وعاوز يعمل رواية مفيش حد كتب زيها، ومن كلامه إنه حاول يسخَّر كائن سُفلي من خدم إبليس عشان يساعده في ابتكار أفكار جديدة محدّش فكَّر فيها قبل كده، الكاتب ده مؤمن بفكرة إن لكل فكرة شيطان بيوحي بيها، وإنها مش بتحضر في راس الكاتب من نفسها، عشان كده قرَّر يسخَّر خادم من خدم إبليس أو لوسيفر زي ما هو بيقول عليه، عشان يوحي له بأفكار جديدة ويكون قدِّم حاجة محدّش قدمها قبل كده، وأنت عارف إن في تسخير بيتم عن طريق القرابين، وهو ده اللي دفعه لارتكاب الجريمة، وبالنسبة للكلام اللي كتبه وذكر فيه اسم أدريان، فأحب أقول لك إن أخبار هروب المجرمين بيكون متسلَّط عليها الضوء، وصورهم بتتنشر في أماكن كتير وبيتكتب تحتها "مطلوب"؛ وكاتب زي ده وارد جدًا يكون تابع هروب أدريان وبطريقة أو بأخرى وصل للكهف اللي هو متخفّي فيه، والصدفة خدمته إن الكهف قريّب من مخيم الكشافة، اللي كان متوفِّر فيه الـ 3 قرابين اللي محتاجهم، عشان كده قرَّر وخطَّط ينفذ جريمته في ميعاد العاصفة، اللي أخبار الطقس بسهولة بتحدد ميعادها مسبقًا، وطبيعي كله هيكون جوَّه خيمته في الوقت ده، وفي لحظة الصفر دخل المعسكر ومعاه الأغراض اللي سرقها من كهف أدريان، وطالما كان مخطط لكل حاجة فأكيد كان عامل حساب مواجهته مع الـ 3 فتيات، ووارد جدًا يكون رَش غاز مخدّر عليهم في الخيمة عشان يفقدوا الوعي وينفذ جريمته بكل سهولة، ويسيب في الخيمة آثار من كهف أدريان عشان يشاور على الجاني الوهمي، قبل ما يسحب الجثث في مكان بعيد عن الخيام عشان يكمل طقوسه بعيد عن أي حد ممكن يكتشفه، لأن الوقت دايمًا أثناء ارتكاب الجريمة مش بيكون في صالح الجاني، وارد جدًا يتم اكتشافه في أي لحظة.
-تصدَّق تحليل منطقي، لكن معنى كده إن إدوارد هرب من العقاب.
-بالعكس، الخبر اللي بيتكلم عن اختفاء إدوارد، واللي وقع قدامنا بالصدفة بيقول إنه أخد عقابه، لكن لسَّه محدش عارف إيه اللي حصل معاه، أصل ببساطة لو مكانش أخد جزاؤه، إيه اللي مانعه من رجوع بيته واستكمال حياته بشكل طبيعي؟
-وتفتكر أخد عقابه إزاي؟
-الهيكل العظمي يا كريم، بنسبة كبيرة هو ده إدوارد.
في اللحظة دي؛ لقينا نفسنا في نفس الكهف اللي فيه الهيكل العظمي، لكن اللي قدامنا كان إدوارد، كان نازل على ركبه بنفس الطريقة اللي كان بيتكلم فيها مع لوسيفر، لكنه كان بيطلب إنه يبعد عنه الكائن اللي استحضره عشان يساعده في كتابة الرواية، لكنه مكانش بيطلب ده بشكل صريح، ده كان بيطلب إنه يبعد عنه اللعنة اللي حضرت وقلبت حياته جحيم، وفي اللحظة دي، شُفنا لون وشه وهو بيتغيَّر للون الأزرق، وبوقه وهو بيتفتح، وسمعنا صوت الحشرجة وهو طالع منه، وساعتها لقيناه بيزحف من الخوف ناحية نفس الركن، ولما وصل هناك، السِّر الإلهي خرج منه وهو في نفس الهيئة اللي شُفنا فيها هيكله العظمي! وفي اللحظة دي قُلت لكريم:
-عرفت يا صاحبي، السِّحر لازم في النهاية ينقلب على الساحر.. هي دي العدالة الإلهية، مهما المجرم حاول يهرب لازم يشرب من نفس الكاس، أصل الجزاء الوحيد اللي يستحقه هو الموت، وسواء بقى أخد جزاؤه بقانون الأرض أو بقانون العدالة الإلهية مش هتفرق، المهم إنه حصل.
الوقت اتبدّل ولقينا نفسنا قدام الهيكل العظمي، وفي اللحظة دي سمعنا خطوات داخلة الكهف، ولما بصينا لقيناهم مجموعة أشخاص، كان واضح من هيئتهم إنهم من هواة التخييم.. أول واحد دخل الكهف منهم كان بيصرخ لما شاف الهيكل العظمي، ولما بلغوا الشرطة ووصلت، الهيكل العظمي اتنقل لمشرحة، ولأن خبر اختفاء إدوارد كان لسه منتهاش بعد الفترة الطويلة دي، بلغوا والدته تعمل تحليل الحمض النووي، وبعد تحليل الحمض النووي للهيكل، اكتشفوا إنه إدوارد، وللمصادفة، كان نفس الحمض النووي لمجموعة شَعر سقطت من راس إدوارد في الخيمة وهو بيرتكب جريمته، لأن الحمض النووي وقت الجريمة مكانش يخُص أدريان، وهو ده السبب في عدم كفاية الأدلة اللي اتبرَّأ بسببها، وبالمناسبة، أدريان مات بعد ما رجع السجن بسنة واحدة، لكن إدوارد القاتل الحقيقي ظهر في 2008 بعد ما تم العثور على هيكله العظمي، عشان يتعرِف بعد 31 سنة مرتكب جريمة معسكر كشافة البنات، لكنه اتعرِف بعد ما أخد جزاؤه، أصلها دايرة ومقفولة، مفيش حد بيعرف يخرج منها، ومهما القاتل حاول يهرب، بينسى إنه هيفضل جوَّه الدايرة.
بعد الرحلة دي لقيت نفسي قاعد قدام اللاب توب، بس بمجرد ما رجعت لأوضتي لقيت تليفوني بيرِن، كان الاتصال الموعود من كريم بعد كل رحلة، ولما رديت عليه لقيته بيكلمني بصوت كله نوم:
-حلمت بأحداث شبه الفيلم اللي اتفرجت عليه مع أبويا، أصل الفيلم كان بيتكلم عن بنات في مخيَّم، مات منهم 3 بنات والقاتل اتمسك قبل نهاية الفيلم، لكن الفيلم انتهى إن القاتل ده طلع بريء وإن القاتل الحقيقي مجهول، وجاري البحث عنه.
أخدت نفس عميق وأنا بقول له:
-وبعدين؟
-في الحلم أنت كنت معايا، وحصلت نفس الحكاية، لكن أحداث الحلم وصَّلتنا للقاتل الحقيقي، لكن القاتل اتعرِف وهو هيكل عظمي، وأنت في الحلم قُلت إن القاتل لازم ياخد جزاؤه سواء بقانون الأرض أو بقانون العدالة الإلهية.
مكنتش حِمل رغي كتير من كريم، لأني لو طلبت منه يحكي كالعادة، هيحكي نفس أحداث الرحلة اللي كان فيها معايا، عشان كده قُلت له:
-عارف دَه معناه إيه يا كريم؟
-معناه إيه؟
-بعد كده لما نشوف فيلم نهايته مفتوحة، أو نقرأ رواية نهايتها مفتوحة، إننا وارد جدًا نكمّل أحداثها ونقفلها في حِلم من الأحلام.
وقفلت المكالمة، بعد ما حسِّيت من كريم إنه فعلًا مقتنع بإن اللي هو فاكرها أحلام تقدر تكمّل أحداث الأفلام والروايات المفتوحة، بالظبط زي ما هو مقتنع إن الرحلات اللي بيطلعها معايا تبع الموقع، عبارة عن أضغاث أحلام، هو بيشوفها وأنا بكون مشاركه فيها!
تمت...