(المكان: متجر صغير متهالك، رفوفه مليئة بالبضائع القديمة، وتنتشر فيه رائحة القهوة والبهارات. صفية، سيدة في منتصف الستينيات، تجلس خلف الطاولة الخشبية وهي تراقب الشارع من النافذة.)
صفية: (بصوت هادئ متأمل) الحي بيتغير... بس مش عارفة إذا كان للأحسن ولا للأسوأ.
(يدخل حسام، شاب ثلاثيني يعمل في شركة التطوير العقاري، يحمل حقيبة سوداء.)
حسام: مساء الخير، يا حاجة صفية.
صفية: (بنبرة متحفظة) مساء النور، يا ابني. عاوز إيه المرة دي؟
حسام: (يجلس أمامها، يضع عقدًا على الطاولة) الشركة رفعت العرض، ربع مليون جنيه، ومحل في المول الجديد. ده أكتر بكتير من اللي يستحقه المكان.
صفية: (تضحك بسخرية) يستحقه المكان؟ يا ابني، المكان ده مش مجرد حيطان، ده عمر وذكريات.
(يدخل عادل، رجل مسنّ، أحد زبائن المتجر الدائمين.)
عادل: (مقاطعًا) المشكلة مش في الفلوس، المشكلة إننا هنخسر آخر حاجة بتربطنا بالحي القديم.
حسام: (بإصرار) بس يا عم عادل، التطوير مش حاجة وحشة. بدل البيوت القديمة اللي بتقع، هيبقى في أبراج، ومستشفيات، ومولات. ده المستقبل.
صفية: (بهدوء حاد) والماضي؟ الماضي بيروح فين؟ الأماكن دي مش مجرد طوب، دي أرواح ناس عاشت هنا، وتعبت هنا، وحلمت هنا.
******
(المكان: الشارع أمام المتجر، حيث اجتمع بعض سكان الحي. البعض يؤيد التطوير، والآخر يخشى ضياع الهوية. حسام يتحدث بحماس، بينما صفية وعادل يستمعان.)
حسام: (ينظر للجميع) اسمعوني، أنا مش ضدكم، بس إحنا محتاجين نتحرك لقدام، بدل ما نفضل متعلقين بالماضي.
منى (شابّة تعمل في الحي، بغضب): "قدام" بالنسبة لك يعني نبقى مجرد أرقام في شقق استثمارية؟ إحنا عشنا هنا، ده مش مجرد حي، ده بيتنا.
عادل: (مخاطبًا حسام) وانت، يا ابني، عارف إن والدك كان بييجي هنا كل يوم؟ كان يقعد على الكرسي ده، يشرب شايه، ويحكي عن أحلامه؟
حسام: (يتردد للحظة) عارف… بس… بس الحياة ما بتقفش عند الذكريات.
صفية: (بهدوء) بس ما ينفعش كمان نمحيها.
*******
(المكان: المتجر ليلاً. صفية تجلس وحدها، تتأمل صورة قديمة على الحائط لزوجها الراحل أمام المتجر.)
صفية: (بصوت خافت) يا أحمد… أنا تعبت. بس مش هبيع، عارف ليه؟ عشان الحكايات اللي حصلت هنا تستاهل تعيش أكتر منا.
*******
(صفية تجلس داخل المحل المظلم، تشعل مصباحًا زيتيًا، تنظر إلى الرفوف القديمة، إلى البضائع التي لم تعد تُباع كما كانت، إلى الصور المعلقة على الجدران… أصوات خطوات تتعالى بالخارج.)
(يدخل حسام، هذه المرة ليس وحده، بل برفقة رجل في الأربعينات، يرتدي بدلة رسمية ويحمل أوراقًا في يده. إنه المهندس فؤاد، المسئول عن مشروع الهدم.)
المهندس فؤاد: (بهدوء رسمي) الحاجة صفية… دي آخر فرصة. لو مضيتي العقد دلوقتي، ممكن نخلي ليك محل داخل المول الجديد. لكن لو صممتي على الرفض، هنبدأ الإجراءات القانونية، وهتمشي غصب عنك.
صفية: (تبتسم بسخرية) غصب عني؟ الأرض اللي قضيت فيها عمري، والناس اللي بتقولي صباح الخير كل يوم، والكرسي اللي كان بيقعد عليه جوزي الله يرحمه… عاوزين تاخدوا كل ده غصب عني؟
حسام: (بصوت متردد) الحاجة صفية… يمكن لو شوفتي الموضوع من زاوية تانية، تلاقي إن التطوير مش سيئ…
(يقطع حديثه صوت باب يُفتح بقوة، ويدخل عادل ومعه مجموعة من أهالي الحي، بينهم منى وآخرون، يحملون لافتات مكتوبة بخط اليد: "لا لهدم تاريخنا"، "المتجر ليس للبيع".)
منى: مش هنسمح لكم تاخدوا المكان ده!
المهندس فؤاد: (يضحك باستهزاء) مجموعة ناس واقفة في الشارع مش هتعطل مشروع بملايين الجنيهات.
صفية: (بهدوء، ولكن بثبات) طيب شوف لو تقدروا تمحوا التاريخ ده برقم في ورقة.
(المهندس فؤاد يلوّح بالأوراق، بينما تتصاعد التوترات. حسام ينظر إلى كليهما، بين الواجب والماضي، بين مستقبله الوظيفي وصورته التي بدأ يراها في أعين هؤلاء الناس.)
(هدوء ثقيل يخيم على المكان. لحظة مواجهة حقيقية. الخير والشر يتقابلان… لا أحد يتحرك.)
(في الخلفية، صوت أذان الفجر يرتفع، يختلط مع أنفاس الجميع الثقيلة. عادل ينظر إلى حسام، حسام ينظر إلى فؤاد، وفؤاد يتأمل أوراقه. الصفحات ترتجف بين أصابعه، وكأنها لم تعد تملك نفس السلطة التي كانت لها قبل دقائق.)
صفية: (بصوت خافت) كل اللي ناقص دلوقتي… معجزة.