"حمدي البراموني"، والد مروة، رجل أعمال ناجح، لم يشعر بالرضا أبدًا. أراد المزيد من المال، المزيد من القوة، المزيد من كل شيء. في سعيه المحموم، اتجه للسحر والشعوذة ، والدجالين.
بحث عن كتب للسحر، واشتراها بمبالغ خيالية .
عثر حمدي على كتابه، غلافه ممزق، وخطوطه باهتة. قرأ التعويذات بلهفة، وتمنى ثروة لا حصر لها.
في البداية، بدا له أن السحر يعمل. ازدادت ثروة حمدي ، وأصبح من رجال الأعمال الناجحين في المدينة. لكن سرعان ما بدأ الظلام يتسلل إلى حياته.
فى ليلة رعدية ممطرة ، اتجهت ابنته نحو شرفة المنزل وكأنها مسحورة، تلبي نداء ما، وقفت ساعات تنظر للبحر الهادر ،وترى شبحا على هيئة إمرأة تتجسد أمامها فى وسط البحر ، تسير على أمواجه فى ثبات وهى تتجه إليها ببطء.
ثم شعرت مروة بحرارة شديدة فى جسدها و صرخت..
احتضنها والدها ودلف داخل المنزل ، يحاول أن يهدىء من روعها ، ويحيطها ببطانية ثقيلة.
أصيبت مروة، ابنته الوحيدة، بمرض غامض. عانت من نوبات صرع وكوابيس رهيبة، وتحدثت بكلمات غريبة لا يفهمها أحد. شعر حمدي بالخوف والذنب. أدرك أن السحر قد لعنه، وأن ابنته كانت تدفع ثمن طموحه، وأنه فتح بوابة ما ليخرج منها الشر ليقترن بابنته مروة.
توسل حمدي إلى الله طلبًا للغفران، وبدأ البحث عن طريقة لفك السحر عن ابنته. سافر إلى بلاد بعيدة، واستشار المشايخ والعلماء، ولكن دون جدوى ..
مرض وأنهكه التعب، حاول التأقلم مع الوضع ويتناسى ما حدث ..
أحرق كل الكتب الملعونة، ولكن ابنته مازالت غامضة، مخيفة.
تكبر، ويكبر معها الشر..
حتى جاء عماد ..
رأى والدها أنه من الأفضل أن يلقي كل العبء عليه ويفر من لعنتها..
بكل أنانية ، رمى على عماد كل أخطائه، وسلمه ابنته بكل شرورها ولعناتها..
وشياطينها..
*****************
ظل عماد صامتا ، ينظر له فى غضب ، ثم هز رأسه قائلا:
- أنت شخص أناني، لماذا لم تخبرني، لما أدفع أنا ثمن ما اقترفته من آثام؟
ظل والدها صامتا، ينظر إلى أرض الغرفة.
_ سأطلقها.
نظر له والدها فى خوف وقال:
_ وهل ستتقبل هى ذلك بهدوء؟ مت الممكن أن تصب عليك لعنة ما، أو تتسبب فى أذى والدتك. أنت لا تدرى ماذا تفعل عندما تغضب؟
سخر منه عماد :- لا أدري! والدليل شقتي المتفحمة!
عاد والدها للصمت..
اجتاحت الحيرة مشاعر عماد..
هل يتقبل هذا الوضع مثلما تقبله والدها، ويحاول تجنب غضبها، وألا يخرج ما بداخلها من شر غاضب؟
أسئلة كثيرة عصفت به دون إجابة..
************
مر عام كامل..
وكإنسان يحاول السير على جمرات من نار، عاش عماد هذا العام معها ، يحاول السيطرة على كلامه، أفعاله، لا يخرج معا إلا نادرا، اكتشف أنها لا تصلي، وبالطبع لا تصوم، مرت عليه كل المواسم الدينية وهو يؤديها بمفرده، وفى الخفاء، مثلما فعل المسلمون فى بداية الدعوة.
حاول مرة واحدة أن يأتي بشيخ سمع عن كرماته فى هذا المجال ، ولكن الشيخ انهار ، وجرى هاربا من المنزل، تلاحقه نظرات مروة النارية ويرتجف جسد عماد وهو يهتف ويوعدها بعدم تكرار الأمر.
بدأ عماد فى الانهيار، وبدأ الوضع يسبب له الألم والقلق، حتى جاء فى هذا اليوم وهو يطلب منها أن ترتدى أفضل مالديها للعشاء خارج المنزل ..
بدت مروة فى كامل أناقتها، متوهجة كشمس ساطعة، وارتدى هو أيضا أفضل ما لديه .
فى لحظات كان عماد يقود سيارته وبجانبه مروة .
عماد:_ مروة ، لقد تحملت ما يفوق طاقة البشر خلال هذا العام، ولابد من نهاية لكل هذا.
مروة:_ ماذا تقصد؟
عماد:_ أعلم أن طلاقنا سيزيد غضبك ومن الممكن أن تسببي لوالدتي أذى، وسيمتد غضبك للآخرين، ومن الممكن أن تتزوجي مرة أخرى وتحطمين مسكينا آخر.
بدأ عماد يشعر بحرارة شديدة تنبعث من جسد مروة، ويشعر بخوار يخرج من أنفاسها.
زاد عماد من سرعة السيارة للسرعة القصوى.
صرخ وهو يقول:
- من الأفضل أن نرحل معا.
ثم اصطدم بصخرة كبيرة على جانب الطريق، فطارت السيارة فى الهواء، ودارت حول نفسها عدة دورات لتستقر على الأرض وحولها عاصفة من الرمال.
*************
للمرة الثانية يشعر عماد بثقل شديد على جفونه وهو يحاول فتحها، ويرى حوله والدته و ممرضة .
كان فى مستشفى ما ، يستلقى على سرير معدني، ويرى أغلب جسده وقد لفه الشاش والجبس.
فى إعياء تام حاول التحدث:
- أين أنا؟ ماذا حدث؟
قالت والدته والدموع تنهمر من عينيها:
- حمدا لله على سلامتك.
قال لها عماد فى قلق:
_ ومروة ؟ ماذا حدث لها؟
صمتت الأم ثم بكت مرة أخرى وهى تقول:
- المهم صحتك الآن و...
- ماذا حدث لمروة؟
_ الأعمار بيد الله يا عماد ..
لم تلمح والدته نظرة الارتياح والابتسامة التى ارتسمت على وجه ابنها ..
قال فى حزن مصطنع:
- مروة ! إنا لله وإنا إليه راجعون..
ربتت والدته على كتفه وهى تقول:
_ ولكن حكمة الله كبيرة ورحيمة، لماذا لم تبلغني بحمل زوجتك ؟! لقد أخرجوا منها ابنتك الجميلة فى صحة وعافية ، كل مافيها يحمل ملامحها ونظراتها، وروحها ..
لا تحزن يا عماد ، زوجتك ستظل موجودة حولك دائما!
تمت