هل هي زيارتك الأولي ؟دليل الزيارة الأولي

آخر الموثقات

  • خيرٌ في الناس تفجَّر،، كبسولة
  • أواهُ يا أنا !! من أنا؟!
  • من هو عروس القيامة ؟
  • أحب القمر 
  • الحويني و حلمي بالوطن
  • النبوءة
  • هكذا كنت أراها
  • ظلال المدينة القديمة: الفصل الرابع والأخير
  • عند الموت
  • سُقُوطِي الحُرَّ
  • بخل الزوج بالنفقة هل يسقط حقه الشرعي في المعاشرة ؟
  • الفطر لأجل حضور المحاضرات ، هل يجوز ؟ 
  •  أرجوحة 
  • مع خواطر روح آية الدسوقي
  • ذكرى توجع
  • البيض و البشر
  • بين أرطغرل وصلاح
  • لحظة للحب
  • صنع الله
  • عربة القطار
  1. الرئيسية
  2. مركز التـدوين و التوثيـق ✔
  3. المدونات الموثقة
  4. مدونة محمد شاهين
  5. ظلال المدينة القديمة: الفصل الرابع والأخير

الشاهد 

---

 

كان الظل لا يزال واقفًا هناك، في العتمة، يتأرجح بين الواقع والخيال، لكنني لم أعد واثقًا أيّنا كان الحقيقة وأيّنا كان الوهم.

 

"أنا لم أقتل أحدًا."

 

سمعتُ صوتي، لكنه بدا هشًّا، خائفًا، كاذبًا.

 

ضحك الظل، تلك الضحكة التي عرفتها منذ زمن، لكنني لم أدرك حتى الآن أنها كانت تخصني.

 

"حقًا؟" قال بصوت هادئ، لكنه كان يحمل شيئًا آخر… شيئًا يشبه الحقيقة القاسية التي كنت أهرب منها. "ألم تجد الجثث؟ ألم تلمس برودة الموت على جلودهم؟"

 

بدأتُ أرتجف، ليس من البرد، بل من الذكرى التي بدأت تنبثق من ظلام ذهني.

 

كنتُ هناك. كنتُ في تلك الغرفة حين ماتوا.

 

لكن كيف؟ كيف لم أتذكر؟

 

كارم كان لا يزال واقفًا عند الباب، صامتًا، منتظرًا أن أواجه نفسي.

 

التفتُّ إليه، عيني تحاول البحث عن إجابة في وجهه المتعب.

 

"قل لي الحقيقة."

 

لم يتكلم. فقط مشى ببطء نحو جدار الغرفة، ومد يده إلى إحدى اللوحات القديمة المعلقة هناك، ودفعها جانبًا.

 

وخلفها… كان هناك مرآة.

 

لكن سطحها لم يكن واضحًا، بل متشققًا كأنه يحمل ندوبًا من ماضٍ منسي.

 

نظرتُ إليها، ورأيت نفسي.

 

لكنني لم أرَ الطبيب الشرعي الذي اعتقدتُ أنني كنتُه.

 

رأيتُ رجلاً آخر، بملابس مريضة بالية، عينين مرهقتين، ويدين لا تزالان تحمل آثار القيود.

 

كنتُ أنا.

 

المريض.

 

"هذا كان… مستحيلًا…" همست، لكن صوتي لم يكن يحمل أي يقين.

 

ثم، بدأ كل شيء يتداعى من حولي.

 

جثث النزلاء… الرجل ذو النظارة السميكة… المرأة التي حذرتني… حتى كارم نفسه…

 

لم يكونوا مجرد غرباء وجدتُهم في هذا المكان.

 

كانوا أطباء… ممرضين… مرضى آخرين…

 

وكنتُ بينهم، منذ البداية، جزءًا من هذه القصة التي خدعتُ نفسي بتصديقها بشكل مختلف.

 

"لقد حاولنا مساعدتك، ياسين." قال كارم أخيرًا، بصوت مغموس بالحزن. "لكن عقلك كان أقوى من أي علاج."

 

"لا… لا، هذا خطأ…" تراجعتُ إلى الخلف، لكن ظلي الآخر بقي ثابتًا، يبتسم لي كأنه كان ينتظر هذه اللحظة.

 

ثم همس لي:

 

"لقد قتلتهم جميعًا، يا ياسين… وأنت من جعل البنسيون يبدو وكأنه مسكون…"

 

شهقتُ.

 

لا.

 

"لا، لا، لا. وكيف خرجت من هنا "

هز رأسه نفيا:

- لم تخرج من هنا أبدا، أنت هنا منذ سنوات. عقلك هو الذي يغادر المكان ، تقنع نفسك بأنك الطبيب الشرعي المعروف. كل من حولك مرضى وأطباء وليس نزلاء.

 

لم أصدق.. 

 

لكن الحقيقة كانت أمامي، محفورة في المرآة المشروخة، في الدماء التي التصقت بيديّ، في صرخاتهم الأخيرة التي كنتُ أسمعها الآن بوضوح.

 

كنتُ المريض.

 

وكنتُ القاتل.

 

 

كان لا يزال هناك، يراقبني بنفس الابتسامة الهادئة، كأنه يعرف أنني لن أهرب هذه المرة.

 

"ماذا الآن؟" سألتُه، لكن صوتي خرج ضعيفًا، شبه هامس.

 

اقترب، حتى أصبح وجهه أمام وجهي تمامًا، ثم قال:

 

"الآن… عليك أن تتذكَّر كل شيء."

 

في لحظة، كأن العالم سقط إلى داخلي، وانهالت عليّ الذكريات دفعة واحدة، قاسية، واضحة، بلا رحمة.

 

رأيتُ نفسي… لكن هذه المرة لم أكن طبيبًا شرعيًا، لم أكن محققًا، لم أكن حتى نزيلًا في بنسيون.

 

كنتُ رجلاً مقيدًا إلى سرير معدني في غرفة باردة، بلا نوافذ، تحمل رقمًا على بابها:

 

17

 

رأيتُ الأطباء يتحدثون عني.

 

"حالته تدهورت، لم يعد قادرًا على التمييز بين الواقع والخيال."

 

"يعتقد أنه طبيب شرعي الآن. إنه يبني قصصًا ليهرب من ماضيه."

 

"ولكن… هل يعرف ما فعله؟"

 

"لا. عقله أنشأ هذه القصة لحمايته. إنه يؤمن بها بالكامل."

 

ثم رأيتُ الدماء…

 

رأيتُ نفسي واقفًا في ممر المستشفى، يدي تقبض على مشرط طبي، أنفاسي متسارعة، وجهي مشوه بالخوف…

 

وأمامي، على الأرض، كان هناك جثمانان…

 

أحدهما كان ممرضًا كنتُ أراه كل يوم. الآخر… كان طبيبي.

 

كانوا يحاولون إعادتي إلى الغرفة رقم 17.

 

لكنني لم أرد العودة.

 

عقلي لم يستطع تحمُّل الحقيقة. لم يستطع احتمال الذنب.

 

فأعاد بناء العالم من جديد.

 

لم يعد المستشفى مستشفى، بل أصبح بنسيونًا قديمًا.

 

لم أعد قاتلًا، بل أصبحتُ طبيبًا شرعيًا يحقق في جريمة قتل.

 

المرضى الآخرون؟ لقد جعلتهم نزلاء غرباء، جعلتهم مجرد شخصيات في قصتي، لكي لا أتذكر من كانوا حقًا.

 

لكن شيئًا ما ظل يحاول إيقاظي… الباب المغلق، الهمسات، الكتابات على الجدران…

 

وها أنا الآن، أقف أخيرًا أمام الحقيقة التي لطالما هربتُ منها.

 

رفعتُ رأسي ببطء، نظرتُ إلى ظلي، لكنه لم يعد يبتسم.

 

بل كان ينظر إليّ بأسف.

 

"ماذا الآن؟" سألتُه مجددًا.

 

لكن هذه المرة، لم يأتِني الرد منه.

 

بل من الصوت القادم من خلفي، صوت خطوات ثقيلة تقترب.

 

استدرتُ ببطء…

 

ورأيتهم.

 

رجالًا يرتدون المعاطف البيضاء، يحملون حقنًا، وأعينهم تفيض بالقرار الأخير.

 

لم يكونوا هنا لإنقاذي.

 

كانوا هنا ليعيدوني… إلى الغرفة رقم 17.

 

وحينها، فهمتُ.

 

هذه لم تكن قصتي.

 

كنتُ أنا… مجرد فصلٍ أخير في قصة انتهت منذ زمن بعيد.

تمت

التعليقات علي الموضوع
لا تعليقات
المتواجدون حالياً

2149 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع