هل هي زيارتك الأولي ؟دليل الزيارة الأولي

آخر الموثقات

  • الفهم الخاطئ للمساواة بين الجنسين
  • أستاذ فلان ... رغم الدكتوراه
  • تفسير توقيت مصادقة موسكو على الاتفاقية الإستراتيجية مع طهران...
  • ترامب وبزشكيان في الرياض
  • الحرب الإيرانية الأمريكية : خطأ المحللين
  • طريقة إيران المبتكرة للتفاوض مع أمريكا
  • العرض المالي الإيراني لترامب .. إختراق غير مسبوق
  • إيران ووالد زيزو
  • مجابهة كل هذا القدر!
  • ضع الآتي حلقة في أذنيك
  • أنا البهية الفاتنة
  • ثقافة الاعتذار بين الأصدقاء… الكلمة اللي بتبني العمر من جديد
  • شكراً ... حضرة المدير 
  • أخاف أن أعود...
  • كذابة
  • سر القلوب النبيلة
  • دائما أشتاق إليك..
  • راقي بأخلاقي 
  • من دون سبب..
  • لحظات آنيه..
  1. الرئيسية
  2. مركز التـدوين و التوثيـق ✔
  3. المدونات الموثقة
  4. مدونة نجلاء لطفي
  5. الحب الافتراضي

 

المقدمة

الاختفاء خلف شاشة الحاسب غامض ومثير وكثير ما يكون خادع، فكل إنسان يظهر بالشكل الذي يريده وليس على حقيقته، لذلك أصبح اسمه العالم الافتراضي.

كل شيء في هذا العالم افتراضي حتى الحب ومن هنا جاءت فكرة تلك الرواية وجزء منها كبير حقيقي فلا يخدعنكم الواقع الافتراضي ببريقه المُزيف.

نجلاء لطفي

الفصل الأول

 لن أنكر بعد اليوم أني أحبه، لا بل أعشقه بجنون، ولكن لن أبوح له بذلك قبل أن أتأكد من مشاعره تجاهي فأنا لا أحتمل في الحب أية إخفاقات ولا أوجاع ولا صدمات. عشت حياتي كلها في انتظار حب يزلزل كل كياني، حب ينتشلني من أحزاني حتى جاء هو وكانت كلماته بلسمًا لجراح الروح ، وماءً عذبًا لقلب اشتد ظمأه، وشمسًا لقلب لم يعرف النور يوما.

 نشأت بين أبوين لايعرفان معنى الحب إنما يعيشان معا لأجل تربيتي أنا وأخي الأكبر فقط، هما يؤديان واجبهما ليس أكثر، كأنهما آليان مُبرمجان على أداء أدوارهما بإتقان وبلا مشاعر. طوال حياتي لم أسمع أيهما يقول للأخر كلمة حب أو يشتاق إليه، حتى عندما أصيب والدي في حادثة سيارة رافقته والدتي في المستشفى، كانت تؤدي الدور المطلوب منها تأديته وليس لأنها ملهوفة عليه أو تخشى الحياة بدونه. لم أكن أريد حياة مثل حياتهما لذا رفضت أن أتزوج بالطرق التقليدية ،فلن أتزوج إلا بعد قصة حب كبيرة وإلا فلن أتزوج أبدًا فأنا متعطشة للحب الذي لم أعرفه طوال حياتي . هربت في مراهقتي من برودة حياتي لدفء المشاعر في الروايات التي من خلالها أدمنت القراءة في كل مجال، كنت أدخر مصروفي لأشتري القصص والكتب القديمة من بائع الجرائد بسعر قليل وعندما لا يكون لدي نقود كافية كنت أقترضها منه مقابل مصروف يومي لأختلي بها في حجرتي وكأني على موعد سري مع الحبيب.

  تخرجت من كلية الأداب قسم اللغة الإنجليزية وأتاحت لي دراستي القراءة في الأدب الإنجليزي مما أثرى ثقافتي. لم أجد عملا فعملت مترجمة بالقطعة حتى أجد عملًا مناسبًا فكنت أقضي معظم وقتي على الإنترنت لأنجز عملي وأحيانًا أتحدث مع زميلات الدراسة لكن معظم وقتي كنت أقضيه في الجروبات الثقافية أستمتع بقراءة إبداعات أعضاءها من شعر وقصص وخواطر. نادرًا ما كنت أعلق على إبداعات أي عضو حتى قرأت ما كتب أحمد عماد من شعر. كانت قصيدة بديعه توقفت أمامها عدة مرات أقرأها وكل كلمه فيها تخترق قلبي حتى كتبت له تعليقا فرد علي بكلمات رقيقة. صرت أتتبع منشوراته ودائما ما أعلق عليها فيرد علي بكلمات تذيب قلبي. أصبحت كل يوم أتفقد الجروب بحثًا عن منشوراته ، حتى أدمنته وكأن كلماته موجهه لي .

 كنت أفتقده عندما يغيب وأفرح بعودته وأغار من تعليقات النساء على منشوراته وإعجابهن به ،وأغار أكثر من رقة كلماته معهن. ذات مره تعمدت أن أكتب تحليلا دقيقا لما كتب فأبدى إعجابه بما كتبت وصارت بيننا مناقشات كثيره حتى أرسل لي يوما على الخاص قصيدة لا يراها جيدة ويريد أن يعرف رأيي فيها قبل أن يضيفها لديوانه الجديد. سعدت جدًا لاهتمامه برأيي، وبدأت بيننا مناقشات عديدة كلها حول القصيدة، ثم تطرقنا إلى حياتنا الشخصية واهتماماتنا. صار الحديث على الخاص بيننا شبه يومي عرفت عنه كل شيء، هو يكبرني بنحو عشر سنوات ويعيش في بلد مجاور لبلدي. حكيت له عن نفسي وصرنا نتحدث كل يوم بل وأحيانًا أكثر من مرة في اليوم حتى أدمنت الحديث معه فقد صار أقرب إلي من نفسي.كنا ندعي أننا أصدقاء فقط يجمعنا حب الأدب والثقافة، لكني الأن أعترف أنني أذوب فيه عشقًا ، أعشق نبرات صوته الحنونة وأعشق نظرات عينيه - التي رأيتها في أكثر من صورة وعندما فتحنا الكاميرات لنرى بعضنا- وأعشق رقة كلماته ورُقي إحساسه ، لكني لا أعرف حقيقة شعوره نحوي.

دخلت كعادتي على صفحته الشخصية لأكون قريبة منه أكثر فوجدت أخوه ينشر صورة لأحمد مع فتاتين صغيرتين ويكتب تحتهما (عيد ميلاد سعيد لابنتيك أخي الحبيب وبارك الله لك فيهما) شعرت بالصدمة. أعدت القراءة عدة مرات، أحمد متزوج ولديه توأم؟لمَ لم يخبرني من قبل؟هل كان يتعمد أن يخفي عني هذا؟ إذا فحبه محرمٌ علي؟ هل أنتزعه من زوجته وابنتيه؟

قررت أن أنقطع عن الحديث معه فهذا تعدي على حياة امرأة أخرى ولست أنا من تفعل ذلك. مرت الأيام علي كئيبة ثقيلة اعتزلت فيها كل شئ. لم أخرج من غرفتي لثلاثة أيام إلا للحمام فقط، ولم أتحدث مع أحد إلا وسادتي التي تعرف كل ما بي وهي وحدها تجفف دموعي. انقطعت عن العالم الافتراضي على النت حتى عملي لم يكن لدي رغبه في استكماله. فقدت الحياة معناها بدونك فقبلك كنت أعيش وأنا أنتظر الحب أما الأن فأنا ميته بدونك وكيف أحيا وروحي وقلبي معك وحدك؟ ليتني ماعرفتك، ليتني ماتعلقت بك، ليت قلبي لم يخفق لحروفك ونبرة صوتك، ليت عقلي تصدى لي بقوة ولكن أية قوة كنت أملكها أمام نظراتك القاتلة؟وكلماتك التي اخترقت حصون قلبي و احتلته احتلالًا و ياله من احتلال.

تعجبت والدتي من حالي لكنها لم تعرف له سببًا وبعد أسبوع من العزلة لملمت بقايا نفسي وخرجت من قوقعتي فقد جاءني اتصال هاتفي من إحدى المدارس يرغبون أن أجري مقابلة بخصوص عملي كمعلمة معهم. ذهبت بلا اكتراث ولا حماس حتى ملابسي كانت كئيبة ورغم ذلك قبلوني. كانت تلك الوظيفة كنسمة منعشة في صيف قائظ شديد الجفاف فأنعشت نفسي قليلا.

 بدأت أستعد لعملي الجديد و تفحصت ملابسي فأخترت منها ذات المظهر الجاد أمام التلاميذ، وفي خلال عدة أيام بدأت تدريب قبل العمل ثم كان علي خلال أسبوع أن أستعد للعمل الحقيقي. خصصت لي المدرسة فصول الحضانة والصف الأول الإبتدائي لأنني بلا خبرة وكان ذلك مصدر سعادتي لأني أعشق الأطفال. كانت لمدرسي اللغة الإنجليزية حجرة صغيرة في الدور الأرضي فكنت أجلس فيها لأصحح كراسات الطالبات. كان زميلي هاني يكبرني بنحو خمس سنوات يثبدي إعجابه بي فهوغير متزوج رغم وسامته إلا أن ظروفه المالية كانت سيئة. فمن ستتزوج مدرسًا لا يملك سوى راتبه من المدرسة و دخل من بعض الدروس الخصوصية ؟ كان هاني يحاول أن يتقرب مني ولما لاحظ أني قليلة الكلام فكان يتحدث معي بخصوص المنهج أو أن يستبدل معي بعض حصصه أحيانًا، حتى نشأت بيننا ألفه بحكم الزمالة. أحببت عملي كثيرا وخصوصًا مع أطفال الحضانه فأنا أعشق الفتيات ورقتهن وبرائتهن ،حينها مرت ببالي صورة ابنتي أحمد وأردت أن أراهما عن قرب أكثر. فتحت النت ودخلت إلى صفحته وأعدت فتح الصورة وتأملتهما إنهما تشبهانه كثيرا بتلك العيون السوداء ولهما ذات النظرات ،وإن كان شعرهما أسود ناعما أما شعره فمجعد، ولهما نفس البشرة البيضاء والابتسامة الخلابة.فاجئني برسالة على الماسنجر ويقول :

-فريدة أين أنت؟

خفق قلبي بشده فقد كنت أشتاق إليه بجنون، لكني تمالكت نفسي و كتبت:

-موجودة

-لكني لم أجدك على الماسنجر ولم أجد مشاركاتك على الجروب لم اختفيتِ؟

-لا شئ فقط انشغلت بالوظيفة الجديدة

-لما لم تخبريني بها؟

-ولمَ أخبرك؟

-ألسنا أصدقاء؟

-ألأننا أصدقاء أخفيت عني أنك متزوج ولديك توأم؟

-لم تأتِ مناسبة لأخبرك

-وهل تحتاج لمناسبة لتخبرني أنك متزوج؟

-وماذا يضيرك إن كنت متزوجًا أم لا فنحن مجرد أصدقاء؟ألسنا كذلك؟

-بلى ولكن ماذا لو كنت أنا متزوجة أو أرملة أو مطلقة وأخفيت عنك ألم تكن لتغضب؟

-لم أكن لأغضب إلا لو كنت أحبك أو أرغب في الزواج بك فقط يافريدة فهل أنت هكذا؟

-بالطبع لا لكن المفروض أن تكون هناك صراحة بين الأصدقاء وهل تقبل زوجتك أن تكون لك صديقات؟

-وما شأن زوجتي؟ إنها لاتهتم سوى بالطعام والبيت والبنتين أما أنا فلا شأن لها سوى بملابسي وطعامي أما أفكاري وأشعاري فلا تعيرها انتباها ولم تقرأ يوما بيت شعر لي

-إذا لمَ تزوجتها؟

-هي ابنة عمي ويتيمة وأنا أكبر أبناء عمها وعاداتنا تفرض علي أن أتزوجها ففعلت ونعيش معا منذ نحو عشر سنوات وهي مازالت في قلبي مجرد ابنة عمي

-إذا لمن تكتب كل تلك قصائد الحب؟

-أكتبها لامرأة في خيالي

-ولم تقابلها بعد؟

-دعك مني وأخبريني تفاصيل عملك.

وجدت نفسي أعود للحديث معه كأننا لم ننقطع وكأني لم أكن غاضبة من زواجه ،ولم أعد أعتبر صداقتي له خيانة لزوجته، فقد أقنعت نفسي أننا قد نظل مجرد أصدقاء . لكن هل يمكن للحب المشتعل أن يصبح صداقة؟ هل يكتفي العاشق بدور الصديق؟ هل أستطيع إقناع قلبي أن يتوقف عن حبه والتعلق به؟

الفصل الثاني

استمرت الصداقة بيننا حتى اتصل بي أحمد ليخبرني أنه في بلدي لديه حفل توقيع لديوانه الجديد غدًا وأنه يجب أن أحضر حاولت الرفض فلم يترك لي الفرصه وحقًا لم أرغب في الرفض فأنا متلهفة لرؤيته. قضيت الليل كله أختار ما سأرتديه ليظهر جمال بشرتي البيضاء وعيوني المُلونة، و جمال جسدي المتناسق. أخرجت تقريبا كل ما في دولاب ملابسي وارتديته حتى اقتنعت أخيرا بارتداء جاكيت طويل بلون زيتوني على بنطلون أسود وقررت أن أجعل شعري البني الفاتح على شكل ذيل حصان. انتصف الليل وأنا مازلت مستيقظة أفكر فيم سأقول له وكيف سأتعامل معه .فكرت أن أحضر له علبة شيكولاته كتهنئة له على توقيع كتابه . ذهبت للمدرسة قدمت اعتذارًا عن إكمال اليوم ثم أذهب لشراء الشيكولاته ثم ذهبت إليه ووصلت لدار النشر حيث حفل توقيع الكتاب وقلبي يدق بعنف فتلك أول مرة سأراه في الواقع, دخلت القاعة فوجدته يتوسطها بقامته متوسطة الطول لكنها أكثر سمنة مما توقعت وابتسامته الخلابة التي تأسر الجميع. ما إن دخلت حتى تركزت نظرته علي واتسعت ابتسامته فاقتربت ومددت يدي المرتجفة لأصافحه فقال:

-مرحبا فريدة كنت أنتظر قدومك بفارغ الصبر

فقدمت له الشيكولاته وقلت له:

- أهنئك على الديوان ودائما موفق إن شاء الله

-بل التهنئة لك أنتي ملهمتي

ابتسمت وخفضت نظري خجلًا وأردت أن أسحب يدي من يده لكنه ظل ممسكا بها حتى اختار لي مقعدًا قريبًا منه وأجلسني عليه، أردت أن أنصرف بعد عدة دقائق فقال:

-لن تهربي مني اليوم فأنت ملكي اليوم كله حتى أسافر على طائرة السابعة مساءً

كانت الساعة ماتزال الثانية ظهرًا والناس تتوافد لتهنئته ونيل توقيعه. بعد ساعه انتهى حفل التوقيع وانصرفنا فجذبني من يدي ودخلنا مطعم قريب وقال:

-أنا جائع جدا اختاري لي أشهى الأكلات ببلدكم

-أحمد أخشى أن يرانا أحد

-لا تفكري في أحد وأنت معي

-لكن..

وضع يده على شفتاي وقال:

-بلا لكن لنعش تلك اللحظات وبعدها نفكر

جلسنا في المطعم وطلبت له الطعام وقلت :

-لم أكن أعرف أنك مجنون

-أنت السبب لقد أضعتي الباقي من عقلي

-أنا؟

-نعم ملهمتي منذ أن اختفيتِ فجأة وبلا أسباب شعرت بوحدة كبيرة وأن هناك شئ هام ينقصني حتى الشعر لم أعد قادرا على كتابته حتى وجدتك فجأة فصممت أن أتمسك بك حتى لا تختفي مرة أخرى واليوم خفت أن أتركك من يدي فتختفي ولا أجدك وأصبح ضائعا بدونك.

-أحمد نحن مجرد أصدقاء وأنت رجل متزوج

-تلك كذبتنا الكبيرة نحن لسنا مجرد أصدقاء وأنت تعرفين هذا جيدا ، نحن روحين تآلفا حتى صارا شيئًا واحدًا لكن منقسم في جسدين ما بيننا أكبر من أن تصفه الكلمات

-أحمد أنت بارع في الكلام لأنك شاعر ولكنك تنسى الواقع أنت متزوج ولديك أطفال

-وماعلاقة هذا بمشاعري؟

-وهل سنظل نتبادل المشاعر عبر الإنترنت ونتقابل خلسة كالمراهقين طول العمر؟

-وهل يقتل الحب سوى الزواج والروتين؟

-أنا لم أطلب منك الزواج فقط لنظل مجرد صديقين

-لن نستطيع أن نعود صديقين لقد تخطينا تلك المرحلة

-إذا فلينتهي ما بيننا هنا لأني لن أقبل باسم الحب أن أرتكب الأخطاء

-هل تقدرين على البعد؟

قالها ونظر في عيني بعينيه السوداء الواسعة كالبحر العميق الذي أعشق الغرق فيه ولن أطلب النجاة أبدًا، فلم أستطع الرد فقال برقه:

-وهل يهون عليك أن تكسري قلبي؟

تاهت مني كل الكلمات ونسيت كل حروف اللغة وبقيت عيناي معلقتين بعينيه حتى قال:

-أنا عندي الحل

-ما هو؟

-ستعرفينه غدا، هيا سأوصلك لبيتك ثم أذهب للمطار

-لا يمكن إن رأنا أحد ستسبب لي ألف مشكلة

-قلت لك لاتخافي ولا تفكري بأحد وأنت معي

-أحمد أنا..

-كفي عن المجادلة يا حبيبتي فأنا لن أتراجع

-حبيبتك؟

-ألا تعلمين بعد أن كل قصائد الحب في ذلك الديوان كانت لك؟

أمسك بيدي وقبلها فإرتجف جسدي كله ولكني كنت سعيدة بمشاعره واعترافه بحبي و أشعر أني أحلق فوق السماء مع العصافير من فرط سعادتي ،لكني أفقت عندما ركبنا تاكسي وقال لي أخبريه بعنوانك، فأخبرته وبقينا متجاورين ويدي بين يديه وأتمنى أن تبقى هكذا لأخر عمري،لا بل كانت روحي هي التي بين يديه. وصلنا قبل بيتي فطلبت من السائق أن يتوقف على الناصية حتى لايراني أحد و ودعته بكلمات لم أتبينها من فرط اضطرابي فابتسم ولوح لي بيده.

غادر وأنا لا أعرف أأحزن لسفره وبعده عني وافتقادي له؟ أم أفرح لاعترافه بحبي وأنه لا حياة له بدوني وأني ملهمته؟ قضيت ليلتي وأنا أتأرجح بين الحزن والفرح ، بين الخوف والاطمئنان ، أتذكر نبرة صوته فأذوب شوقًا وأتذكر نظرات عينيه فأغرق عشقًا،وأتذكر لمسة يده فيغمرني إحساس بالأمان والدفء وأفكر في واقعنا المؤلم فأرتعد خوفا من أن يتصدى لحبنا ويحطمه على صخور قسوته.

في اليوم التالي بعد عودتي من المدرسة ناداني والدي –وهذا أمر نادر الحدوث - وقال:

-اتصل بي شخص اسمه أحمد وطلب مني موعدا اليوم لأنه يريد أن يخطبك هل تعرفين أحدًا بهذا الاسم؟

-لا أعرف ربما يكون شقيق إحدى زميلاتي

-عمومًا لقد أعطيته موعدا في السادسة مساءً استعدي لمقابلته

-لكن..

-بعد أن تقابليه قولي رأيك

هكذا كان والدي كلامه قليل لكنه أمر لا يمكن رده، قلت لا بأس سأفعل معه كغيره وأرفضه فأنا لن أكون سوى لحبيبي حتى لو بقيت بلا زواج ولن أخبره حتى لا يظن أني أمارس ألاعيب البنات للضغط عليه. لم أستعد لاستقبال العريس إنما نمت قليلا و غسلت وجهي وارتديت ملابس عادية حتى لا ألفت نظره.جاء الضيف وجلس مع والدي في غرفة الصاون ثم نادني والدي لأجلس معه، كنت أشعر بالضجر من تلك الجلسات وأشعر كأني سلعة معروضة للبيع وعلى المشتري أن يفحصها جيدا. دخلت باستياء ولم أرفع رأسي لأنظر للعريس المزعوم فقد كنت أنوي رفضه بلا مقدمات فلن أرتبط بأحد غير أحمد.

كان أبي هو من يتحدث عندما دخلت وبمجرد جلوسي قال العريس:

-أهلا يا آنسة فريدة كيف حالك؟

الصوت أعرفه جيدا ونبراته حركت أوتار قلبي مستحيل أن يكون هو، رفعت رأسي ببطء فتلاقت أعيننا وابتسم بخبث وقال:

-أحب أن أعرفك بنفسي أنا أحمد عماد موظف بإحدى الهيئات الحكومية ببلدي وشاعر صدر لي ديوانان وعمري خمسة وثلاثون عاما هل لديك أي تساؤلات بخصوصي؟

فقال والدي وقد شعر بخجلي:

- سأذهب للصلاة وأعود فورا

تركنا وخرج وعلامات الذهول مرتسمة على وجهه وهو مازال مبتسما وقال:

-أين لسانك؟ هل فقدت النطق؟

-أمجنون أنت؟ماذا تفعل هنا؟ ليس هذا مجالا للهزل

-لمَ؟ هل من الجنون أن أتي لأطلب يدك من والدك؟

-طبعا من الجنون وأنت متزوج

-إذا كان الشرع يبيح التعدد هل ستحرمينه أنتِ؟

-وهل قلت لوالدي أنك متزوج؟

-نعم وحكيت له أن هذا الزواج فُرض علي وأني لن أطلقها لأنها ابنة عمي وأم بناتي وأني سأؤجر لك بيتًا بنفس مدينتي لنقيم فيه معا

-وماذا قال؟

-تعجب مثلك في البداية ثم قال هذا شأنها إنها قبلت بك فهي حرة ولكنها رفضت من هم ظروفهم أفضل منك كثيرا فأشك أنها ستقبلك، والأن الكرة في ملعبك أنا أريدك زوجة فهل تقبلين؟

-أنت مجنون هل تتخيل أني سأستطيع أن أمنحك ردي حالا؟

-ليس أمامي سوى الغد وسأسافر بعد غد فجرًا لقد أجلت سفري من أجلك حتى تعلمي أني جاد في حبك ولست بعابث

-أحمد لقد فاجأتني مفاجأه زلزلت كياني كله

-اسألي قلبك وسأنتظر ردك غدا

غادر أحمد وأنا مازلت مذهولة حتى دخل والدي وأغلق باب الحجرة وقال:

-اعطيني تفسير لما يحدث فليس من المعقول أن يأتي رجل من بلد أخر ليتزوج فتاة لا يعرفها وهو متزوج

حكيت لوالدي باختصار كيف تعارفنا من خلال أحد الجروبات الثقافية وصرنا أصدقاء وأنه دعاني بالأمس لحفل توقيع ديوانه وأني لم أكن أعرف بنيته ، سكت والدي للحظات وقال:

-لا يوجد رجل عاقل يفعل هذا ويورط نفسه في زواج أخر إلا إن كان عاشقًا ولكن ليس على العشق وحده يُبنى الزواج فأنت ستتركين أهلك وبلدك وعملك من أجله فهل تقدرين على ذلك ؟ وهل هو يستحق؟ الإجابة عندك وحدك و لن أجبرك على شيء.

خرج والدي وذهبت لغرفتي فدخلت والدتي ورائي وقالت:

-لن أنصحك ككل الأمهات ولكن سأحكي لك قصة حقيقية كانت هناك فتاه لم تبلغ العشرين أحبت جارها حبًا جمًا وأحبها لكنه كان أفقر منها وأقل اجتماعياً، اجتهد حتى أصبح طبيبا وبمجرد تخرجه جاء تعيينه في قرية بعيدة عن المدينة وكان هذا التعيين سيوفر له سكنًا وراتبًا معقولًا ووعدها عندما تتحسن ظروفه سيجلب لها كل ماتريد، أهلها رفضوا الزواج لأنها جميلة ومن عائلة كبيرة وتستحق من هو أفضل منه وهي استسلمت لهم ولم تدافع عن حبها ورفضت أن تحتمل ظروفه وتزوجت ابن عمها حتى لايذهب ميراثها للغريب.

-وهل شعرت بالسعادة معه؟

-إنها أنا وأعيش كما ترين جسد بلا روح فلم أنسه يوما ولم أتمتع بالسعادة ولا أنا استطعت إسعاد والدك، لن أقول لك ماذا تفعلين ولكن عندما تختاري عليك تحمل نتيجة اختيارك وتعلمي أن تختاري ما يسعدك أنت لا مايجب ولا مايسعد غيرك

نظرت لحياة أمي وأبي وتخيلت أن أحمد يعيش نفس الحياة وأنا سأكون طوق النجاة الذي سينقذه من بحر التعاسة، كما أنني ربما لن أجد من أحبه ويحبني مثله بل والأهم من له مثل اهتماماتي وأفكاري، لكني كنت أخشى أن أكون سببا في المشاكل مع زوجته وابنتيه. ظلت الأفكار تؤرقني طوال الليل حتى غفوت قليلا وأفقت على صوت المنبه فاستيقظت و وجدت أحمد قد أرسل لي قصيدة نزار قباني (صباحك سكر). أحمد هو الوحيد القادر على رسم ابتسامة على شفاتاي وإدخال السعادو لقلبي، وهو من يفهم فيم أفكر ويعجبه إختلافي عن باقي النساء وطموحي الشديد وتمردي على العادات والأفكار البالية. لذا قررت أن أوافق على الزواج منه، فأرسلت له وقلت (موافقة) فأرسل لي قصيدة يتغزل فيها بجمالي ويصف لي فيها حبه.

بقدر سعادتي بأني أخيرا سأكون له ، بقدر خوفي من تلك المغامرة التي قد تنجح أو تفشل لكن ما طمأنني أننا عاشقان وسنتصدى بقوة لأي فشل، وحبنا ورغبتنا في النجاح أكبر ضمان لنا. أخبرت والداي بموافقتي فاتصل والدي بأحمد وأخبره بموافقتي وطلب منه أن يأتي مساءً ليتفقا معا على كل الإجراءات. جاء أحمد لوالدي وجلسا معا وصارح والدي بكل ظروفه وأن حالته المالية ليست جيدة ولا سيئة فسكت والدي للحظات وقال:

- ستؤجر لها شقة وتؤثثها أنت وستكتب لها مؤخر صداق كبير، أما الشبكه فتلك هديتك لابنتي

وافق أحمد وحددا موعدا للزواج خلال ثلاثة أشهر، بقي أحمد معي في بيتنا حتى وقت متأخر وخرج من عندنا مع أخي ساهر للفندق ثم أوصله للمطار، وعندما عاد ساهر قال لي:

-بقيت معه حتى دخل للداخل وودعته، يبدو شخصا جيدا ولكن هل أنت واثقة من أن سعادتك ستكون معه؟

أومأت بنعم ولم أنظر في عينيه خجلا فرفع عيناي إليه وقال:

-ربما أخطأت كل السنوات الماضية أني لم أقترب منك وأكن صديقا لك وانشغلت بدراستي وعملي عنك لكن تأكدي إن شعرتِ بالندم والرغبة في التراجع في أي وقت حتى لو بعد الزواج أني سأكون بجوارك فلا تخشي أحدا فأنا كل ما أريده أن تكوني سعيدة ولن أسمح لأي شخص أن يحزنك.

قبلني أخي في رأسي وتركني، تلك المرة الأولى التي أشعر فيها أن لي أخ ، فكلانا جزيرة منعزلة مُحاطة بألف سور لا يمكن لأحد اختراقه، والأن شعرت أن لي أخ يحبني ، وكأن الزمان أراد أن يعوضني عن برودة كل السنوات الماضية بلحظات دفء .

الفصل الثالث

سافر أحمد ورغم حزني لبعده إلا أن سعادتي كانت فوق الوصف لأني خلال عدة أيام سأكون معه للأبد، سنكون معًا بلا حواجز ولا مسافات ولا خوف ، سنكون مجرد عاشقين ليس إلا، سننهل من بحر العشق ولن نرتوي أبدا ، سأجعله يعرف معنى السعاده حينما أغمره بحبي الذي ادخرته كل تلك السنوات العجاف من أجله، ستكون قصة حبنا خالدة على مر الزمان ويتحاكى بها العشاق في كل مكان.

كانت كل مخاوفي من كره ابنتيه لي ولكني تجاوزتها بأني سأحبهما لأنهما جزء من أحمد . لم أجعل مخاوفي تقف عقبه في طريقي، بل صرت شديدة التفاؤل ومحبة للحياة كما لم أكن من قبل. لاحظ هاني تغيري وسألني عن السبب فأخبرته أني خُطبت لمن أحب فبُهت للحظات ثم هنأني و انصرف .في الأيام التالية أصبح يتجنب الكلام معي وتحولت ابتسامته المشرقة لنظرة حزينة ولا أعلم لذلك سببا لأني كنت مشغولة بالإعداد للزواج وأحلق في سماء السعادة وأنا أعد الأيام حتى يأتي يوم اللقاء. خلال مدة الثلاثة أشهر جاء أحمد لزيارتي مرة ولم تنقطع اتصالاتنا التي كان يبثني فيها حبه وغرامه، بل وكتب أروع قصائده في الحب والغرام وكلما اقترب موعد الزواج تزداد سعادتي حتى اتصل بي مغمومًا وقال:

- أشعر أني مقصر في حقك فلم أستطع توفير سوى شقة صغيرة بالإيجار في حي عادي وأثثتها بأثاث بسيط لا يليق بملكة قلبي فأنت يليق بك أجمل قصور الأرض لكن ما بيدي حيلة

-أهذا ما يحزنك؟ ألا تعلم أن قصري في قلبك؟ ويكفيني أني سأكون معك للأبد؟ ألا تعلم أن كنوز الدنيا لا تساوي شيئا أمام نظرة من عينيك؟ ألا تعلم أن حبك عندي أغلى ما في الكون؟

-حبيبتي وملكة قلبي صارت شاعرة

-لا إنما هي نبضات قلبي حاولت أن أترجمها لكلمات فلم تجد ما يناسبها من كلمات اللغة.

-حبيبتي كم أنتظر لحظة أن تكوني لي لننهل معا من نهر العشق .

لم أخبر أهلي بشئ وحمدت الله أنهم لن يأتوا لزيارتي سوى بعد شهر من زواجي وعندها سأكون أصبحت زوجته وصاروا أمام الأمر الواقع.

 مرت الأيام وجاء أحمد لعقد القران وكان في البيت الذي اكتظ بالأهل والجيران فارتديت فستان أبيض كفستان سندريلا وارتدى أحمد بدله سوداء و فكان شديد الوسامة. بعد عقد القران جلست بجوار أحمد الذي ظل ممسكا بيدي وابتسامته الساحرة لا تفارقه.انطلقت الزغاريد والموسيقى والرقص ثم قامت أمي بتوزيع الحلوى على الجميع وعند العاشرة مساءً غادرنا البيت للمطار ومعي أبي، أما أمي فرفضت الحضور لأنها لاتقدر على لحظات الفراق فودعتني في البيت. انطلقنا للمطار بسيارة أخي ساهر الذي ابتسم عندما رأني سعيدة وممسكة بيد أحمد كأنني طفل صغير يتشبث بوالده ليشعر بالأمان. وصلنا للمطار وخفقات قلبي تتعالى حتى يكاد يسمعها الجميع، فأنا على بُعد خطوات من السعادة. قبلني أبي و احتضنني لأول مرة في حياتي ونظرت في عينيه فلمحت أثار دموع فتعجبت من ذلك الرجل القوي دائما هل يحمل لي مشاعر حقا ككل الأباء؟ وفاجئني أكثر عندما قال لأحمد:

-لقد أخذت أغلى ما أملك في الدنيا فحافظ عليها جيدا

وقال له ساهر:

-إياك أن تظن أنها وحدها أو أن هناك مسافات تبعدني عنها فتغضبها فأنا سأكون بجوارها متى احتاجتني فتذكر ذلك جيدا

فابتسم أحمد وقال:

-لن يقل حبي لها وحرصي عليها عن حبكما لها لا تخافا عليها ستكون بعيني وقلبي

ودعتهما وأنا أحلق أسرع من الطائرة لبيتي الجديد وحلم السعادة الأبدية مع مالك قلبي وعمري أحمد، الذي كان طوال الرحلة يهمس في أذني بكلمات الحب. وصلنا للمطار بعد منتصف الليل وطلب لنا سيارة أجرة سارت بنا في شوارع المدينة الهادئة الغارقة في ظلمة الليل حتى وصلنا إلى بيتنا في أطراف المدينة. دخلنا الشقة وبمجرد أن أغلق بابها حملني إلى غرفة نومنا وأنا متعلقة برقبته ودقات قلبي صاخبه من سعادتي، وضعني على السرير برقه وقال:

-كم حلمت بتلك الليلة وظننت أنها بعيدة المنال ولكن هاهو الحلم يتحقق وصرتِ لي

-أنا لا أصدق كل تلك السعادة وأخشى أن يكون حلمًا جميلصا وسرعان ما أفيق منه

-ليس حلما بل هو واقع نحن معا وسنظل للأبد

قضيت معه ثلاثة أيام في الجنة كنا ننعم في جنة الحب ونرتوي من كل صنوف العشق ، وفي اليوم الرابع استيقظ قرب الفجر ودخل الحمام ليغتسل وعاد ليتردي ملابسه فقلت مذهولة:

-إلى أين ؟

فقبلني على رأسي وقال:

-لقد استنفذت كل أجازاتي ولابد أن أعود للعمل

-بتلك السرعة؟

-هكذا اللحظات الجميلة تنقضي بسرعه كما الأحلام ولابد أن نعود لأرض الواقع، ستجدين بجوارك خط موبايل محلي حتى أتمكن من التحدث إليك ، سأتصل بك لأطمئن عليك، أغلقي الباب خلفي ولا تفتحي لأحد أبدا

-لا تتأخر عني

-أرجوك لا أريد أن أرى سوى ابتسامتك قبل أن أغادر

احتضنته وأوصلته حتى باب الشقة ثم قبلني وخرج وأغلقت الباب، أمامي ساعات طويلة ماذا سأفعل بها؟ سأغتسل أولا وأتناول إفطاري ثم أضع خط الموبايل وأعيد ترتيب البيت وأعد له الطعام حتى يعرف أني سيدة بيت أيضا. وضعت خط الموبايل وسجلت رقم أحمد وعندما أردت تشغيل النت وجدت الرصيد به غير كاف فقلت

- ربما نسي أن يضع فيه رصيد كاف عندما يتكلم سأذكره

كان اليوم طويلا جدًا والدقائق تمر ببطء ، أنهيت ترتيب البيت ودخلت المطبخ –كان أحمد قد ملأ الثلاجة بكل ما قد أحتاجه- واحترت ماذا أطهو وماذا يحب هو، فاتصلت به وقلت بدلال:

-أفتقدك كثيرا

فرد بخشونه:

-هل هناك شئ؟

 أذهلني رده وجفافه فقلت :

-مابك لقد اشتقت لسماع صوتك

فقال بصوت منخفض:

-هنا مكان عمل لا يصح أن نتبادل الغرام في الهاتف أمام الناس

صدمتني كلماته فمن قبل كنت أحدثه في أي وقت ولم يقل لي هذا أبدا، لكني تمالكت نفسي وقلت:

-أردت أن أعرف ماذا تريد أن تأكل على الغداء

-لن أتي سأذهب هناك فأنا غائب عنهم منذ عدة أيام ولابد أن أطمأن عليهم ، سأحدثك أنا لا تطلبيني

نزلت كلماته على قلبي ككتلة صخر هوت به لأعماق نفسي، من هذا؟ هل هو أحمد الذي كان يهفو لسماع صوتي في أي وقت ومكان؟ أهو الذي كان يطاردني بمكالماته وشعره؟ ماذا حدث هل تغير عندما امتلكني؟ هل من المعقول أن يتركني ولم نكمل معا أسبوعًا؟ كيف سأبقى في بلد غريب وبيت غريب وحدي؟ لابد أنه سيأتي ليلًا، هكذا طمأنت نفسي . لم أجد شهيه لصنع الطعام أو تناوله حتى الخامسة عندما شعرت بالجوع صنعت ساندويتشا وكوب من الشاي وجلست أمام التليفزيون أتجول بين قنواته التي لا أعرفها حتى وجدت قناه أعرفها فجلست أشاهده حتى أصبحت الساعة الثامنة مساءً ولم يتصل أو يأتي فلم أعرف ماذا أفعل فاتصلت به فرد بصوت منخفض وقال:

-نعم؟

-ألن تأتي؟

-لا

-لكني أخاف أنا أنام وحدي

سكت ولم يجب ثم قال :

-حقا لا أستطيع فابنتي مريضة والطبيب عندها

-لا بأس عليها أعذرني فلم أتعود بعد على واقعي الجديد

فقال هامسا:

-سأعوضك

-إلى اللقاء

أغلقت الهاتف وانخرطت في البكاء فقد أنستني سعادتي بقربه أنه لن يكون لي خالصا أبدا فقلبه مقسم على أربعه وأنا نصيبي الربع فقط وقد اخترت وعلي أن أرضَ وأتحمل نتيجة إختياري. لم أنهض من مكاني بل بقيت أتمدد على الأريكه أمام التليفزيون حتى غفوت واستيقظت صباحا على صوت رنين الموبايل وأجبت وأنا نصف نائمة:

-نعم

-صباحك سكر حبيبتي

-أحمد هل عدت؟

-عدت من أين؟

-لا أعلم يبدو أن أحدا اختطفك أمس ووضع مكانك شخصا جافًا أحزنني ولكن الحمد لله هاقد عدت

ضحك وقال:

-يا طفلتي الصغيرة كفي عن مشاكستي وأعدي لي ماتحبين من طعام فسأكون لديك في تمام الثالثة

-حقا؟أنا أنتظرك من الأن

-إلى اللقاء يا حبيبتي

جعلتني مكالمته أحلق على جناح الشوق فقمت من مكاني سعيدة واغتسلت وتناولت إفطاري وانشغلت بإعداد الطعام ولكني أدركت أنني لا أستطيع صنع سوى مكرونة وبطاطس مقلية وبيض مسلوق، لو كان لدي نت لأعددت وجبة جيدة لكن لا بأس لن أنشغل بالطعام كثيرا بل سأنشغل بزينتي أفضل. قبل الموعد أعددت المكرونة والبطاطس وسلقت البيض وأعددت السلطة وهي الصنف الوحيد الذي كنت أجيد صنعه وبأشكال متنوعه من أجل الريجيم. نظرت لزينتي مرة أخرى وبقيت أنتظره حتى جاء في الثالثة والنصف جريت عليه لأقبله فقال متأففا:

-انتظري حتى أستحم فأنا لا أطيق أن ألمس أحدا بكل هذا التراب

شعرت بالضيق لصده لي لكني تجاوزت عن ذلك وأعددت له ملابسه وقبل أن يستحم قال:

-أعدي الطعام لأني أتضور جوعا

أعددت الطعام و جاء ليجلس على المائدة وقال مندهشا:

-أين الطعام؟

-إنه أمامك

-هذا ليس طعاما إنه تسلية حتى يأتي الطعام

قالها وضحك لكن تعليقه ألمني فقلت لها :

-لا تنسى أني لم أكن أطهو في بيتنا وكنت منشغلة بدراستي وعملي

- لاتبالي ستتعلمين سريعا سأحضر لك كتابا يعلمك فن الطهي

-يمكن أن أجد أفضل وصفات الأكل على النت إن وضعت لي رصيدا يكفي لتشغيل النت

تناول الطعام وتجاهل كلماتي وبعد قليل قام فقلت:

-إنك لم تأكل

فاقترب مني وقال مبتسما:

-سأكلك أنت

مر بنا الوقت في فراشنا حتى دقت الساعة السادسة فقام ليغتسل ويرتدي ملابسه فقلت له:

-إلى أين؟

-إلى بيتي

-أوليس هذا ببيتك؟

-بيتي وبيت حبيبة قلبي ولكن ابنتي مازالت مريضة ويجب أن أتواجد هناك

-أحمد لم ينقضِ على زواجنا أسبوعًا وأنت تتركني وحدي هكذا

قبلني وقال:

-سامحيني يا حبيبة القلب ولكن أنت تعلمين أن لي بيتًا أخر ولكن مكاني هنا بجوار مالكة عقلي وروحي، سأبيت معك غدا أعدك بذلك

تركني وأغلق الباب وأنا أتأمل الجدران وحدي وأتساءل ماذا فعلت بنفسي؟ هل حقا هذا هو الحب الذي كنت أهفو إليه؟ هل تلك هي الحياة التي كنت أحلم بها؟ لا لابد أن هناك خطأ ما ولابد أن نضع النقاط على الحروف من البداية حتى نحدد شكلا واضحا ومعالم محدده لحياتنا.

 نمت ليلتي أيضا على الأريكة أما التليفزيون وفي الصباح استيقظت أيضا على رنين الموبايل فأجبته فقال برقة:

-لم أستطع النوم بدونك أمس فقمت وكتبت تلك القصيدة

وأسمعني كلمات من أرق ما سمعت في الحب أذابت قلبي ومحت الغضب من نفسي ونسيت كل شيء وتذكرت فقط أني أحبه.وعدني أن يأتي لي في الثامنة مساءً،أمامي النهار ماذا سأفعل به؟ تناولت افطاري وجلست بتكاسل أما التليفزيون أقلب بملل في قنواته حتى غلبني النوم مرة أخرى وأفقت فوجدت الساعة مازالت الثانية ظهرًا فنهضت واغتسلت وأعددت ملابسي وأنا أمني نفسي بليلة عشق ليس لها مثيل.الوقت يمر بطيئا ، وبينما أنا أرتب غرفتي وجدت في أحد الأدراج كراسة وقلمصا فجلست أكتب بعض الخواطر وقررت أن تكون يومياتي وأن أضع لها تاريخًا وتوقيتًا حتى أتسلى.انشغلت بالكتابة حتى السادسة مساءً ، فقمت وتناولت طبقا من السلطة وبدأت في إعداد نفسي لموعده. حضر في الثامنة إلا الربع فاحتضنته بشوق وقلت له:

-أشعر أنك غبت عني ألف سنة

-سامحيني حبيبتي لذا سأعوضك عن غيابي بالبقاء معك ليومين

قلت فرحة كالأطفال:

-حقا؟ هذا أجمل خبر

مضت الليلة في سعادة وفي الصباح استيقظ مبكرا وأعد لي الشاي والإفطار وجاء ليوقظني بقبلة على وجنتي وقال مبتسمًا:

-مولاتي الملكة خادمك المطيع أعد لك إفطارك

ضحكت وقلت:

-لا تدللني وإلا سأعتاد ذلك

-ملكة قلبي تأمر وعلي التنفيذ

قمت واغتسلت وتناولت إفطاري وهو يطعمني بيده و بعد الإفطار قلت له:

-ألن نخرج؟أريد مشاهدة المدينة

-هل مللتِ مني؟

-ولو بعد مائة عام لن أمل منك ولكن كيف أعيش في مدينة لم أرها

-ألا تكتفين بي من كل العالم كما أكتفي بك؟

-نعم ولكنك تخرج وترى الناس وتتحدث معهم بينما أنا حبيسة الجدران أحتاج أن أغير مشهد الجدران

-لكني لا أستطيع الظهور بك أمام الناس؟

فقلت بدهشه:

- ولمَ؟

-لأن..زوجتي لم تعلم أني تزوجت بأخرى

-ألم نتفق على أن تخبرها قبل زواجنا؟

-لقد حاولت لكن مشاعرها رقيقة جدا وخفت عليها من الصدمة فهي لن تحتملها

-أتخاف على مشاعرها ولا تخاف على مشاعري وأنت تتسلل إلي كأني عشيقتك؟ هل سيظل هذا الوضع مستمرًا؟ أنا العشيقة بعقد رسمي ولكن في الظل وهي الزوجة وأم البنات أمام الناس؟ أمن أجل هذا طلبت أن نؤجل الإنجاب حتى لا تعلم هي؟ وأنا صدقتك حين قلت أنك تريدني لك وحدك؟ يالقسوة قلبك وأنانيتك

-أنا لا أقسو عليك بل أرفق بك حينما أجنبك مشاكل وعاصف لا قبل لك بها، حينما أخفي حبنا ليعيش بعيدا عن غيرة النساء وكيدهن وعن ألسنة الناس وتدخلاتهم، أنا لست أناني حينما رغبت بقدر من السعادة لي ولك، بلحظات نسرقها من عمر زمن لن يرحمنا ، أنا أحبك وأريدك لكن ظروفي تمنعني وأنت لاتُعينيني على ظروفي بل أنت تزيدين من وطأتها على قلبي، كنت أظنك ستكونين القلب الحنون الذي يغمرني بحبه، بر الأمان الذي أرمي همومي عليه وأنسى كل أحزاني، لكنك تتهمينيني بالقسوة والأنانية ، أنت لاتعلمين كيف أتمزق بينكما لأسعدك ولا أشعرها بأي تقصيررغم أني لا أحبها.

ساد الصمت بيننا لدقائق واكتست ملامحه بعلامات الغضب فلم يقدر قلبي على إغضابه فاقتربت منه وأحتضنت ذراعه وقبلت وجنته وقلت:

-أنا أريدك لي كلك فهل تلومني على ذلك؟ ألا تعلم أني أغار عليك؟

-أنا أيضا أريد أن أكون لك وحدك ولكن ظروفي أقوى مني وأنت تعلمينها جيدا، لكن من أجل ملكتي سأحاول أن أمهد لها الموضوع حتى تتقبله وأيضا سأدبر في أجازة الأسبوع القادم وقتا لنذهب للعاصمة بعيدا عن الجميع لنستمتع بوقتنا.

فرحت كثيرا كطفله وعدها أبوها بنزهه، طلب لنا الغداء وتناولناه وفي الثامنة مساءً هم بالانصراف فقلت برقة:

-لن أقول لك أن سأفتقدك وأشتاق إليك فأنا مشتاقة من الأن ولكني سأطلب منك أن تدخل لي خدمة الإنترنت حتى أستطيع التواصل معك ومع أهلي وفي غيابك أنشغل بعملي على الأقل

قبلني وقال:

-سنتناقش في الغد يا عصفورتي ، أحبك أكثر مما تتصوري

تركني وذهب وبقيت أنا وأريكتي مع التليفزيون وبرامجه التافهة حتى استيقظت على صوته يقول:

-حبيبتي سامحيني لن أستطيع الحضور اليوم فلدي ظرف عائلي يجب أن أحضره ضروري سأحدثك غدا

-أحمد أنا أشعر بملل فظيع والوقت يمر ببطء سأموت قهرا من وحدتي

- فداك نفسي حبيبتي غدا سأحل لك كل مشاكلك

بكيت كثيرا ثم تذكرت كراستي فأعددت كوبا من القهوه ووجدت أغنية أم كلثوم للصبر حدود فجلست أستمع لها بقلبي وأنا أكتب يومياتي بدموعي قبل أناملي.

الفصل الرابع

 لم يتصل أحمد طوال اليوم ومر اليوم طويلا كئيبًا والفراغ يكاد يقتلني حتى نمت باكية أمام التليفزيون وسمعت رنين الموبايل ورفضت أن أجيبه فأنا غاضبة منه لأننا لم نتفق على تلك الحياة ولا تلك المعاملة، فأنا لست عشيقة إنما أنا زوجة ولي كل الحقوق. اتصل عدة مرات طوال اليوم ولم أجبه حتى جاء إلي في الواحدة ظهرًا وقال غاضبًا:

-لقد ظننت أن مكروهًا حدث لك

-لقد حدث لي مكروهًا لقد ضاعت مني نفسي وفقدت احترامها لأنني صرت مجرد عشيقة لا زوجة

-هل هذه وسيلة لعقابي؟

- لا بل لعقابي أنا

-فريدة أرجوك لا تفعلي هذا بي وبحبنا حتى لايموت في مهده

-وأنت لاتفعل هذا بي تتركني حبيسة أربع جدران في بلد غريبة لا أعرف فيها أحدا بلا إنترنت ولا أستطيع حتى التواصل معك في أي وقت هل تظن أن هذا سيجعل حبنا يكبر؟ هل هذا عدل؟

-ومن يضمن لي إن تركت لك الإنترنت ألا تنشغلي بكلمات رجل أخر؟

شهقت من هول كلماته ونظرت إليه غير مصدقة وجريت على غرفتي وارتميت على سريري ودفنت رأسي في وسادتي وبكيت كما لم أبكِ من قبل، بعد عدة دقائق جلس بجواري ومسح على شعري وقال:

-أنا أسف يافريدة لقد كنت في قمة غضبي ولم أدرِ ماذا قلت

-الإنسان يقول أصدق الكلمات التي تعبر عن نفسه وقت الغضب وقد قلت ما تفكر فيه وهو ما لم أتصوره يوما لكني سأريح قلبك رغم الألم الذي أشعر به، كنت أجلس على النت قبل أن أعرفك وحاول عشرات الرجال طلب ودي أو حتى صداقتي ولم أعر أيهم اهتمامًا، أنت نفسك أخذت كثير من الوقت حتى تكتسب ثقتي كصديق ووقت أكثر حتى أتحدث معك على الخاص، أما إن كنت تحبسني في بيتك وتمنع عني النت لعدم ثقتك بي فأحب أن أخبرك أن المرأة إذا أرادت أن تقع في الخطيئة فلن تمنعها الأبواب ولا حتى ألف سور، وإن أرادت أن تحافظ على نفسها من أجل من تحب فلن يستطيع أن يفتنها ألف رجل بكلماته الناعمة ولا نظراته الفتاكة، إن لم تكن تثق بي فلننفصل أفضل

وضع يده على شفتاي وقال:

-لا تقوليها فأنا لا أقوى على الحياة بدونك فأنا أثق بك ولكني أخشى أن تضيعي مني

-لا تخشى شيئا فالعاشق حقا لا يرى ولا يسمع ولا يستجيب إلا لحبيبه فقط أما باقي البشر فليس لهم وجود في نظره، أنا ستقتلني الوحدة والملل يا أحمد

-سأشترك لك في باقه النت لكني سأظل قلقا عليك

-لا تقلق فليس في الكون سوى أحمد واحد يملك قلبي وروحي ولتطمئن سأعطيك كل باسووردات حسابي على الفيسبوك وإيميل الشغل وتستطيع الدخول إليهما في كل وقت لترى ماذا أفعل في غيابك ومع من أتحدث

ابتهج وقال :

-موافق ولكن أقسمي أنك لن تكون لك أية حسابات أخرى لا أعرفها

نظرت إليه وكأني أرى شخص لا أعرف، شخص ثقته بنفسه مهتزة و لا يثق في حبي، أين هذا من أحمد الذي كانت ثقته تقارب الغرور؟ أحمد الذي لم يكن يخشى من صداقتي للأخرين لأنه واثق من تأثيره على قلبي ونفسي؟ هل أحمد في العالم الافتراضي وهم خلقته في خيالي وما أراه الأن هو الحقيقة؟ أفقت على صوته وهو يقول :

-ألن تقسمي يا فريدة؟

-أقسم بحبك أني لن أخونك ولن أغضبك

-بل اقسمي بالله أنك لن تكون لك أية حسابات على النت لا أعرفها

أقسمت له وأنا أرى صورة الحب تنقشع وتحل محلها صورة الواقع ،إذا فهو كغيره يغار على نفسه ولا يغار علي، يخشى أن يعجبني غيره ولا يدرك أني لم أكن أرى في الكون سواه، ألا يثق في حبي؟ هل أنا مجرد وسيلة لمتعته بلا التزامات؟ هل تلك حقيقته التي أخفاها ببراعة أم أن عين المحب لا ترى إلا ماتريد؟

ودعني ووعدني أن يشترك لي بالنت مساءً وأنه يحضر لي مفاجأة غدا،انصرف وبقيت وحدي أسترجع كل ماحدث بيننا منذ أن عرفته وكتبته في يومياتي لعلي أضع يدي على موضع الخلل فلم أستطع. فقدت شهيتي للطعام ولم أتناوله طوال اليوم ونمت على أريكتي وصحيت منهكة ، حاولت النهوض لكن الدوار أعادني للأريكة وعندها رن موبايلي فأجبته بوهن فقال:

-صباح الخير حبيبتي

-صباح الخير

-مابك؟

-اشعر بدوار شديد ورغبة في القىء

-هل تتناولين حبوبك بانتظام؟

-نعم

- في الثانية تماما سأكون عندك حاولي النهوض وتناولي بضع تمور

هكذا فقط؟ أعندما أحتاجه لن أجده ولن أجد أحدا معي؟ أي رجل هذا؟ ماذا لو كنت مريضة وأحتاج لطبيب؟ هل لو كانت زينب زوجته الأولى هي من اتصلت به هل سيكون رد فعله هكذا؟ غلبتني دموعي ونمت مكاني ولا أدري كم من الوقت مر علي لكني استيقظت على رنين الموبايل فأجبت وأنا نصف واعية:

-نعم

-هل مازلت نائمة؟

-أجل

-كفاك كسلًا انهضي وأعدي الطعام

-لا أستطيع

-هل مازلت متعبة؟

-نعم

-سأحضر لك فورا

قمت من مكاني وانا أقاوم الدوار واغتسلت وعدت لأجلس على الأريكة وبعد دقائق جاء أحمد ملهوفًا وقال:

-مابك؟

-لا أعلم أشعر بدوار شديد ولا أستطيع رفع رأسي

-لقد أحضرت لك اختبار حمل فقد يكون هو سبب الدوار

-لا أظن ولكني لم أكل شيء منذ أمس

إنفجر في غاضبًا:

-ماهذا الاستهتار هل أنت طفله مدللة؟ تمتنعين عن الأكل وتجعليني أترك عملي وأتي ملهوفًا لأنك تحتاجين من يطعمك؟ ألا تدركين أن وضعك تغير؟ لقد صرتِ زوجة أي مسئولة عن بيت وزوج وعليك تدبير أمورك بنفسك، لن أستطع في كل مرة تتدللي فيها أن أترك كل شيئ وأتيك مسرعًا

نظرت إليه بضعف وحاولت منع دموعي فلم أستطع،فنظر إلي حانقًا وقام إلى المطبخ وأعد لي إفطارًا وكوبين من الشاي وقال :

-هيا تناولي طعامك أمامي

مسحت دموعي وتناولت طعامي مرغمة ولا أنكرأني شعرت بشىء من التحسن وجلس هو يتناول الشاي ويدخن سجائره وبعد أن انتهيت من تناول طعامي نزل وتركني بدون أية كلمة وبعد ساعة عاد ومعه كرتونة كبيرة وقال مبتسمًا:

-حتى لا تشعري بالفراغ أحضرت لك مجموعة كتب في كل المجالات التي تحبينها لتقرأي كما تحبين كما أحضرت لك أشهر كتاب في وصفات الطهي لترحميني من المكرونة

-شكرا لك يا أحمد وأسفة لأني أزعجتك وأخفتك

اقترب مني وقال برقة:

-لقد شعرت بالرعب من أجلك وخفت أن يحدث لك شيء ولا أستطيع التصرف

-لا تخف سأعتني بنفسي من الأن ولن تحمل همي

-هاتي موبايلك

أعطيته الموبايل فقام بشحن رصيد لي واختار لي باقة نت واشترك لي فيها وقال مبتسمًا:

-هل أنت راضية؟

-نعم على الأقل سأنشغل في غيابك بعملي

-بعملك فقط، سأنصرف الأن وغدًا أريد طعامًا جديدًا بمناسبة الكتب الجديدة

قبلني وانصرف وقمت بوضع الكتب على الأرفف فوق الدولاب الذي يحتوي التليفزيون وبعد أن انتهيت فتحت موبايلي وحملت تطبيق واتس أب وفيس بوك وأرسلت لأحمد باسوورد ايميلي وحساب الفيس على الواتس أب ، ثم أضفت أرقام أمي وأبي وساهر وأرسلت لهم رسالة أطمئنهم علي. دخلت على إيميلي وأرسلت لمكاتب الترجمة التي كنت أتعامل معهم أنني كنت أعاني مشكلة في النت وتم حلها وأن يرسلوا لي إن كان لديهم عمل لي.

 قمت لأعد الغداء لي فلم أجد لدي شهية فتذكرت ما فعله معي أحمد في الصباح فقمت وأعددت غداءً بسيطًا لأني لو مرضت لن أجد من ينقذني أو يتحملني، عندها تذكرت أمي وعنايتها بي وكنت أظنها بلا قلب لكني أدركت أنها كانت تخاف علي أكثر من نفسها فهي ليست محتاجة للكلمات لتعبر عن حبها إنما يكفيها الأفعال التي لا يمكن لغيرها أن تقوم بها. كنت كلما أصاب بالدوار تهتم بي حتى تطمئن أني تحسنت، أمي وهل في الكون مثل أمي؟!

تناولت طعامي ودخلت على حسابي على الفيسبوك تصفحته ودخلت على الجروبات الثقافية وخاصة الجروب الذي تعارفت على أحمد فيه فتصفحته ولكن لم أبدِ إعجابي بأي منشور ولم أعلق عند أحد، وسرعان ما شعرت بالملل فيبدو أن الأيام الماضية خلصتني من إدماني للفيسبوك أو أني كنت أغرق فيه لأقضي على وحدتي أما الأن فلم أعد وحيدة إنما هناك من يملأ حياتي.

 رنت تلك الكلمات في أذني جيدا وتساءلت هل حقا لم أعد وحيدة؟ نظرت حولي وقلت كفى سخافة يا فريدة لقد اخترتِ حياتك وأنت تعرفين أنه لن يكون لك وحدك فلا تضغطي عليه، يجب عليك تعلم الرضا والتأقلم على تلك الحياة. ذهبت لأبحث عن كتاب أقرأه فوجدت رواية دعاء الكروان فالتهمتها حتى نمت لأول مرةعلى الأريكة بدون التليفزيون.

صار لحياتي روتين يومي أقضي اليوم وحدي فيأتي لي أحمد إما بعد العمل ونتناول الغداء معا أو يأتي إلي في السادسة وينصرف في التاسعة ويوم الخميس بعد العمل و الجمعة كله يقضيه معي وينصرف مساءً لأن زينب والأولاد يقضون ذلك الوقت عند والدة زينب. طوال ثلاثة أسابيع لم أخرج يوما من البيت منذ أن جئت من المطار ولا أعرف ملامح الشارع الذي أسكن فيه أو المدينة وكلما طالبت أحمد بالخروج تهرب من طلبي ،حتى اتصل ساهر وأخبرني أنه سيأتي لزيارتي هو وأمي لمدة ثلاثة أيام وقال أنه سيحجز في فندق فأقسمت أنهما لابد أن ينزلا في بيتي.

 طرت فرحا فرغم أن صلتي بساهر كأصدقاء قد انقطعت منذ أن تجاوزنا مرحلة الطفولة ولم أشعر يوما أني أحتاج إليه إلا أني اليوم أحتاج لوجوده معي حتى لو كان بلا كلمة واحدة فمجرد وجوده سيمنحني الأمان. أما أمي فأنا أحتاجها بشدة حتى لو تضمني لصدرها دون أن تخبرني أنها تحبني فأنا متيقنة من حبها وإلا لما تكبدت عناء السفرجواً وهي تكره السفر بالطائرات. أخبرت أحمد على الواتس بموعد قدومهما فرحب بذلك وقال:

- ستجدين من يشغل وقتك حتى عني

-أنا لا يشغلني عنك أحد كما أنهما سيأتيان في الأيام التي يصعب عليك المبيت فيها معي

انشغلت بإعداد البيت لاستقبالهما وأعددت لساهر مكانا للنوم أما أمي فستنام معي في غرفتي، أعتذر أحمد عن الذهاب للمطار لاستقبالهما لأنه لا يستطيع الحصول على إجازة من عمله ولكنه سيأتي لتناول الغداء معهما. قبل وصولهما بيوم جاءني أحمد وقال:

-لقد أحضرت لك هدية

-حقًا ماهي؟

-ثياب

-لكني لدي ثياب كثيرة، لا بأس أرني إياها

فأخرج من الحقيبة البلاستيكية عباءة سوداء وطرحة ونقاب فقلت بذهول :

-لمن هذه؟

-لك

-لكنك تزوجتني وأنا حتى لست محجبة بل لم تشترط علي الحجاب حتى فكيف تريدني أن أرتدي نقاب؟

-سأحدثك بصراحة أنا شديد الغيرة وفي الأيام الماضية لم أستطع الخروج معك بسبب ملابسك وكنت أعلم أنك سترفضين ارتداء مثل تلك الملابس لكن الأن سيأتي أهلك ولابد أنك ستخرجين معهما فكان لابد أن أحضر لك تلك الملابس فهذا شرطي لخروجك معهما

نظرت إليه بذهول وقلت:

-هل أنت أحمد الذي عرفته من قبل؟ أم أنك كنت تمثل علي وتدعي أنك شخص أخر؟ أنت تعرفني جيدا لا أقبل أن يفرض أحد علي شيء حتى لو كنت أنت

فقال غاضبا:

-هل تريدين أن تخرجي بملابسك الفاضحة تلك وكل رجل ينظر إلي جسدك ويتأمل في ملامحك؟ أنا لا أحتمل هذا أنا رجل غيور

-وكيف كنت تحتمله من قبل؟

-لم تكوني زوجتي وكنت أظن أنك ستوافقين على رغباتي لأنك تحبينني

-الحب ليس معناه الإذعان والرضوخ تماما للحبيب ، الحب ليس معناه أن تمحي إرادتي لتفرض إرادتك

-كفاك أفكارا غير واقعية هل تظنين أن الكلمات الرنانة التي يتشدق بها الرجال على وسائل التواصل عن حرية المرأة هي ما يؤمنون به حقا ؟ إنها مجرد أفكار للتباهي و معظمهم فيفكرون ويعيشون كأجدادهم وأباءهم ويلتزمون بعادات المجتمع، هذا أنا وإما أن تنفذي رغباتي أو لن تخرجي من البيت أبدًا

-أنت تعلم جيدا أنني لست كزينب واخترتني لأني مختلفة

-ليتك مثل زينب على الأقل لا تتعبني بمجادلاتها إنما تطيعني وهي مذعنة وتسعى لإرضائي قبل أن أتكلم لا لمخالفتي دائما وإغضابي كما تفعلين

-ألم تحبني لأنني مختلفة عنها؟ إن كانت تعجبك فلم تزوجتني ؟

-هل كلما طلبت منك شيئا سندخل في مناقشات وجدال لا ينتهي؟

-أنت لا تطلب إنما تأمر فمن يطلب يتوقع القبول أو الرفض ومن يأمر فلا ينتظر سوى الإذعان

-يا الله لم تزوجت تلك المثقفة المجادلة؟ أخر كلام لدي إما أن ترتدي تلك الملابس أو تظلي حبيسة البيت

قالها وخرج وصفع الباب، يا إلهي من هذا؟ لقد تزوجت (سي السيد) لكنه يرتدي بدلة حديثة ويضع قناعا ليخفي به حقيقته، يريد أن يأمر وينهي وكأنه اشتراني، أين أفكاره المتحررة؟ أين مناصرته لحرية المرأة في التفكير؟ لما تزوجني إن كان يريد أن يستنسخ زينب ؟ لماذا يتشدق الرجال في العالم الإفتراضي بكلام براق وواقعهم يختلف تمامًا؟

الفصل الخامس

بالطبع لم يسمح لي بالذهاب لاستقبال أهلي بالمطار فانتظرت قدومهما بفارغ الصبر وفي الواحدة ظهرًا وصلا رحبت بهما كثيرا ودخلا وألقيا نظرة على الشقة والأثاث الذي لم ينل إعجاب أمي لكنها لم تتكلم إنما قالت:

-لقد أحضرت لك كل الأكلات التي تحبينها ووضعت لك كل وجبة في كيس خاص بها لتضعيها في الفريزر وتخرجيها على التسخين فقط

فقال ساهر ضاحكا:

-لقد وفرت ملابسها وأحضرت حقيبة كاملة بالمأكولات التي تحبينها منذ أسبوع وهي تعدها لك وكأنك تعيشين في المجاعة

ضحكنا معا وقلت له:

-لقد عرفت قيمة أمي عندما دخلت المطبخ وحدي وأحرقت معظم المأكولات

قمت أنا وأمي لنضع الطعام في الفريزر وتركت أصناف في الثلاجة كطعام للأيام القادمة، أما طعام اليوم فقد أصر أحمد على إحضاره بنفسه من أحد المطاعم وهو قادم للترحيب بهما. وصل أحمد في الثالثة ورحب بهما كثيرا وتناولنا الطعام وبعد الطعام جلس مع ساهر يتحدثان ودخلت أمي معي المطبخ لإعداد الشاي وقالت:

-كيف حالك؟

-بخير

-أعلم أن الغربة مؤلمه والأكثر إيلاما أن تشاركك امرأة أخرى في زوجك لكن المهم أن تكسبي قلب زوجك وتجعليه متعلقًا بك ، في العام الأول ستكون حياتكما صعبة لاختلاف العادات والشخصيات لكن مع الوقت ستعتادين طبعه.

 ثم أضافت هامسة:

- كل الرجال أطفال صغار يسهل الضحك عليهم المهم أن تعرفي مفتاح قلبه.

ابتسمت ولم أجب فتلك المرة الأولى التي تنصحني فيها أمي بشيء، وتعجبت لمَ لم تستخدم منطقها مع أبي؟

خرجنا لنجلس معهما وأحمد يتبادل الضحك مع سامر لكنه يتجنب الحديث معي وفي السابعة استأذن متحججًا بأنه سيتركهما لينالا قسطًا من الراحة فقال له ساهر:

-أية راحة أنا جئت لأشاهد البلد سأخرج معك لمشاهدة معالمها

فقلت لساهر :

-انتظر قليلًا أريدك في أمر هام

فأدرك أحمد أني أنقذه من الحرج فقال:

-سأنصرف أنا لأن لدي موعدًا هامًا

وبعد نزوله قلت لساهر:

-إنه ذاهب لمنزله ولن يستطيع أن يذهب معك لأي مكان

دخلت أمي لتبدل ملابسها وتؤدي صلاتها فقال لي ساهر:

-كم ليلة يبيتها معك؟

سكت ولم أجبه فقال:

-لاأريد التطفل على حياتكما إنما أريد أن أطمأن عليك، هل يعدل بينكما؟

-يحاول بقدر استطاعته

-أشعر أنك غير سعيدة

-إنه فقط تغيير المكان والحياة الواقعية تختلف عن قصص الحب على الفيسبوك و تُظهرالطباع الحقيقية

-وهل ظهر في طباعه ما يضايقك؟

-لا ولكني لست معتادة عليها بعد

-مع الوقت ستعتادين عليه ولكن لو لديك ماتريدين أن تحكيه لي تذكري أني موجود

ابتسمت وأعطيته المفتاح حتى يعود في أي وقت يريد، خرج ساهر وبدأت أسئلة أمي ولما لم تجد إجابات خلدت للنوم وجلست بجوارها على سريري أكتب يومياتي حتى غرقت في النوم لأول مرة على سريري بدون أحمد.

في الصباح استيقظت مبكرة على رائحة طعام أمي ونهضت فوجدتها أعدت الإفطار ونهض ساهر وقال:

-استعدا فسنذهب للعاصمة اليوم

-لكني لم أخبر أحمد بعد

-لقد أخبرته أمس ووافق وطلب مني أن تكلميه قبل نزولك

-سأفعل

اتصلت بأحمد فقال:

-لا خروج بدون تنفيذ شروطي

-يومان لم تكلمني فيهما وعندما أتصل بك يكون هذا ردك؟ أكففت عن حبي؟

-لا ولكن أريدك أن تثبتي حبك لي

-سأرتدي العباءة والطرحة كما تريد أما النقاب فلا فأنت تعرف أني مصابة بحساسية في صدري ولا أحتمل أي شيء يكتم نفسي

فأجاب على مضض:

-موافق ولكن اتصلي بي بإستمرار

-بالطبع يا حبيبي

كنت أشعر بالسعادة كطفلة صغيرة أخرجوها من محبسها لترى العالم الخارجي. وضعت العباءة فوق ملابسي وأخفيت شعري ، فنظرت لي أمي متعجبة وقالت:

-الحمد لله أن هداكِ يا ابنتي

فقال ساهر:

-سأذهب مع فريدة لمشوار لمدة ربع الساعة ونعود وعندها تكوني ارتديت ملابسك يا أمي

جذبني من يدي ونزلنا وأنا أتأمل الشارع والبيوت ووجوه الناس فسألني ساهر عن الشارع الرئيسي وكيف الوصول له فلم أجبه فقال:

- هل أرغمك على تلك الملابس أم أنها رغبتك؟

لم أجبه فقال:

-ألا تخرجين؟

فقلت بخجل:

- تلك أول مرة

سكت غاضبًا حتى وصلنا لأحد البنوك ودخل وقال:

-ستفتحين حسابا باسمك هنا تحولين فيه أجرك من عملك وهذا البنك له فرع في مدينتنا ووالدي سيضع لك مبلغًا شهرياً ، مهما تكن الظروف لا تمسي ذلك المال إلا عند الضرورة القصوى ، أتفهمين؟

أومأت بنعم وبدأنا الإجراءات و فتحت الحساب وحصلت على كارت الائتمان الخاص بي، ثم عدت لبيتنا لاصطحاب أمي وذهب ساهر لاستئجار سيارة تنقلنا للعاصمة. ركبنا السيارة وأنا أتأمل المناظر من حولي وكأني سجين اُطلق سراحه حالا وهو سعيد بحريته .

 قضينا اليوم في التجول في المدينة وأسواقها وتناولنا طعامًا شعبياً وقررنا أن نبيت في أحد الفنادق واتصل ساهر بأحمد وأخبره بمكاننا. ذهبنا بأمي للفندق لترتاح ونزلت أنا وساهر نتجول في المدينة الصاخبة ليلًا واستمتعت كثيرًا لدرجة أني نسيت أن أتصل بأحمد الذي أرسل لي على الواتس يقول( من يجد أحبابه ينسى أصحابه) فقلت (قلوب المحبين لا تنسى بسهولة إنما قد تبتعد قليلا لتختبر حب الأخرين لها)فقال (أحبك أكثر من روحي واشتقت لك كثيرا هلا عدتِ لتردي لي قلبي الذي غادرني إليك؟) أرسلت له قلوبا تدل على حبي.

في اليوم التالي فضلت أمي الجلوس في شرفة الفندق بينما خرجنا في جوله لمشاهدة المعالم السياحية وعدنا في موعد الغداء وبعدها عاد بنا ساهرلبيتي وفي قلبي شيء من الحزن لانتهاء لحظات الحرية. كنت سعيدة بعودتي لأحمد لكن ما أفظع السجن حتى لو كان مع من تحب؟ الحب يكبر وينمو ويزهر كلما أسقيته الحرية ومنحته الثقة وهذا ما أفتقده مع أحمد.

وصلنا للبيت في السابعة مساء فوجدنا أحمد في انتظارنا -وهو شيء نادر الحدوث طبعا- رحب بنا كثيرًا وبقي معنا حتى تناولنا العشاء الذي أعدته أمي ثم استأذن بحجة أن يتركنا بحريتنا في أخر ليلة لنا مع بعض. انصرف وأنا أتساءل لمَ كنت سعيدة بدونه؟ هل بدأ حبي له في الخفوت؟ لم أجد إجابة. نمت في حضن أمي لأول مرة في حياتي وأمسكت بيدها كطفل صغير يخشى أن يتوه في العالم بلا أمه، كم كنت أظن نفسي قوية ولا أحتاج لأحدا ولكني أدركت أني مهما كبرت سأظل أحتاج لأمي. في الصباح بعد أن تناولنا إفطارنا استعدت أمي وساهر للسفر فشعرت بالحزن و قبلتني أمي وقالت هامسة:

-تحتاجين لطفل يؤنسك ويوطد وجودك في حياة زوجك

بينما قبلني ساهر وقال هامسًا:

-إن احتجت لأي شيء اتصلي بي وأجلي فكرة الإنجاب حتى تتضح لك الرؤية و تتأقلمي مع حياتك

-كل ما أريده أن تكرر تلك الزيارة مرة أخرى

ابتسم لي مودعًا واصطحب أمي وغادرا وعدت لوحدتي حتى تذكرني أحمد باتصال أخبرني فيه أنه آت لتناول الغداء معي لاأعرف لمَ لم أشعر بتلك اللهفة السابقة. أخرجت من الثلاجه بعض الطعام الذي تركته لي أمي و استعددت لمجىء أحمد فأخرجت رداء نومي ونظرت في المرآة وتذكرت قصص العشيقة في الروايات القديمة عندما كان يأتيها الحبيب لممارسة الحب فقط والتخلص من روتين حياته وهمومه ثم سرعان ما يرتدي شخصيته أمام المجتمع ويغادرها، ما الفارق بيني وبينها؟ مجرد عقد؟ ولكني أظل العشيقة السرية التي يخجل منها ولا تشاركه حياته. جاء أحمد وبمجرد أن همس في أذني بكلمات عشقه نسيت غضبي وغرقت في بحر حبه.

مرت بي الحياة على روتين واحد لا يتغير بين لحظات سعادة مسروقة وبين ساعات وحدة تجمدني برودتها وأحاول قتلها ببعض العمل أو القراءة لكني كنت أتوق للحظة حرية فقد بقيت حبيسة البيت لشهر أخر وكم رجوت أحمد أن نخرج معا فكان يرفض . وذات يوم بينما أنا منهمكة في ترجمة بعض المقالات العلمية دق جرس الباب فتعجبت فهذا ليس موعد أحمد فشعرت بالخوف ولم أعرف ماذا أفعل. قررت أن أنظر من العين السحرية أولًا،وجدت امرأة شابة ترتدي نقابا فخفت أن تكون لصة فاستجمعت شجاعتي وقلت:

-لابد أنك مخطئة بالعنوان

-لا لم أخطىء أنا زينب زوجة أحمد عماد لا تخافي

فتحت الباب وأنا متوجسة من تلك الزيارة فدخلت ووقفت للحظات تتأملني ورفعت نقابها فرأيت ملامحها فهي في الثلاثين تقريبا و ذات جمال شرقي تذكرت أني مازلت بملابس البيت الكاشفة لجسدي فدخلت لأضع علي روب يستر جسدي وعدت لأجلس أمامها بلا كلمة كفتاة مذنبة تجلس أمام والدتها وهي تنتظر العقاب.تأملتني للحظات ثم كسرت الصمت بقولها:

-طبعا تتعجبين من سر تلك الزيارة

-لا أبدا أهلا ومرحبا بك ماذا تريدين أن تشربي؟

-لاوقت لدي لقد جئت لسببين، الأول أن أرى تلك الفتاة التي استطاعت أن تجعل أحمد عماد يتزوجها رغم فشل كل من قبلها في ذلك، والسبب الثاني سأحكي لك كيف تزوجت أحمد طبعا تعلمين أني ابنة عمه وكان عمي والد أحمد أفقر أعمامي حيث أنفق كل ماله على مشروعات فاشلة حتى مات مفلسًا وتولى أبي وأعمامي الإنفاق على أحمد وأختيه حتى أنهى أحمد تعليمه وتزوجت أختاه، ثم عينه عمي الأخر في وظيفة حكومية محترمة ، كنا نعيش في بيوت متجاورة فكنا نعرف عن بعضنا كل شيء وكانت إحدى جارتنا هي حب أحمد الأول لكنها كانت أغنى منه وكانت فتاة مرحة، منطلقة ،محبة للحياة، وطموحها بلا نهاية ، فلما باح لها بحبه سخرت منه و رفضته وقالت له كيف يفكرفي الزواج من مثلها وهو أقل منها في كل شيء، شعر بالصدمة والإهانة وانغمس في عالم الكتابة والشعر ونجح في نشر بعض قصائده في إحدى الجرائد المحلية، حينها مات والدي وكنت طالبة متفوقة في السنة الثانية في الجامعة، وقرر عمي الكبير أن أتزوج أحمد لأنه أكبر أبناء عمومتي وهو وحده من سيرعى مالي لأني وحيدة ، حاولت الرفض فلم أستطع لأن والدتي كانت تؤمن أن ظل الرجل أفضل من ظل الحائط وأن البنت يجب سترها سريعا. تزوجت أحمد وأنا في عالم مختلف عن عالمه ، كان يعاملني بمودة واحترام لكنه أصر على عدم إكمالي لتعليمي وبقائي في البيت لتلبية طلباته وتولى هو إدارة مالي وكان يضع لي الأرباح في حساب بالبنك ، حاولت كثيرا أن أدافع عن حلمي فتصدى لي بقوه وشكاني لعمي الذي أرغمني على طاعته وساندته أمي فاستسلمت لكل رغباته، أرغمني على إرتداء النقاب بحجة الغيرة فوافقته، فبعد ضياع حلمي بالتفوق الدراسي والزواج بشخص أحبه ويحبني لم يعد هناك شيء يستدعي الجدل. أنجبت توأمتي بعد عامين من زواجنا ، لم أكن أكرهه لكني لم أحبه بل اعتدت على وجوده في حياتي أما هو فلم يمل من البحث عن الحب خاصة بعد أن ساعدته على نشر ديوانه الأول بمالي فنال قدرا من الشهرة جعلته محل اعجاب الفتيات ، وأنشأ له حسابا على الفيسبوك وحرمه علي لسنوات طويلة وأنا مستسلمة ومستكينة، فقد فقدت رغبتي في الحياة إنما ما يبقيني فيها فقط إبنتي ساره وسلمى فهما كل أملي في الحياة أحرص على تعليمهما وأن أجعلهما صاحبتا شخصيتين قويتين ومستقلتين وأتمنى أن أفلح في ذلك، أما هو فكان ينتقل من قصة حب لأخرى ، كنت أسمعه يقضي الليالي متحدثا عن عشقه وهيامه لفتيات كثيرات بل ويكتب فيهن قصائد الشعر حتى إذا نال حبها وصارت ملك يديه هجرها وانتقم منها كما فعلت به حبيبته الأولى، لم أشعر يوما بالغيرة من أية فتاة م لأني لا أحبه ولأني أعلم أنه يبغي الانتقام لنفسه فقط . حتى ظهرت أنت في حياته فتبدل حاله وتغير، كنت ساعتها قد أنشأت حساب لي على الفيسبوك باسم وهمي لايعرفه ودخلت كل الجروبات التي ينشر فيها شعره من باب الفضول، ورأيت ملاحقته لك وصدك له حتى لم يجد أمامه مفر من أن يتزوجك فقد كنت- كما فهمت من خواطره وقصائده- عصيه عليه وهو يعشق التحدي فكنت أنت أكبر تحدي قابله ويبدو أن نجح لى حد ما في ترويضك وسيظل وراءك حتى يُخضعك تماما له.

-كيف عرفت مكاني؟

-نحن في مدينة صغيرة وقد شاهده أحد الجيران يتردد على ذلك البيت وعندما سأل صاحب البيت أخبره أنه يؤجره لأحمد من أجل زوجته الثانية التي لم يرها أحد فأخبر زوجته التي أخبرتني ظنًا منها أني غافلة لكنهم جميعا لا يعلمون أني متغافلة

-ألا تخشين أن أخبرأحمد بزيارتك وبالتالي سأسقط حجته في غيابه عني وسيضطر لتقسيم الأيام بيننا بالعدل؟

-بل أتمنى أن تفعلي ذلك ولكني أفضل أن تلحي عليه في إخباري بزواجكما وانتظري رد فعله

-ولماذا لايكون الغرض من زيارتك هو أن غيرة النساء تمزقك وجئت لتكيدي لي؟

-الغيره تكون على المحبين فقط، وحتى لو أحببته يوما فتكرار الخيانه تُميت الحب في مهده

-هل انتهيت من زيارتك؟

-نعم لكن لي رجاء عندك لاتستلمي مثلي ولا تتخلي عن كيانك وحلمك ووجودك مثلي وإلا صرتِ حطام امرأة

لم أجبها إنما أوصلتها حتى الباب وأغلقته وفكرت هل أخبر أحمد أم أخفي عنه، قررت أن أنتظر حتى أرى ماذا ستفعل.

الفصل السادس

 ظلت كلماتها تؤرقني وأضاءت لي لحظات كانت مظلمة في ذاكرتي فقد تذكرت كم كان رقيقًا مع كل الإناث على الجروب وكم ثارت عليه بعضهن وشهرن به فكان يلتزم الصمت ليبدو كضحية. تذكرت أنه كان يتتبع منشوراتي ليعلق عليها ويكتسب صداقتي وثقتي.

أفقت من شرودي على صوت الموبايل فأحمد يخبرني أنه آت على الغداء، أعددت الطعام في شرود وبعد أن تناولنا الطعام قلت له:

-أفكر في الدراسة على النت لأشغل وقتي

-لماذا ألايكفيك عملك والقراءة؟هكذا لن يبقَ لي من وقتك شيء

-بل سيبقى الكثير لأنني أعاني من الفراغ وحدي

-هل عدنا لتلك الكلمات مرة أخرى؟

-أنت لاتخرج معي خوفا من أن يرانا أحد ويخبر زوجتك؟ ولا تبيت معي حرصًا على مشاعر زوجتك؟ وتأتي إلي في الخفاء احترامًا لمشاعر زوجتك؟ إن كانت هي زوجتك فمن أكون؟

-حبيبة قلبي وملكة فؤادي

-أوليس للملكة قليل من الحقوق؟

-بل كل الحقوق

-إذا هيا نخرج معا

-لا أستطيع فأنا مرهق

-إذا يوم الأجازة

سكت ولم يجب فقلت بغضب:

-أنا لست ملكة فؤادك بل أنا سجينة حبك على الأقل دعني أدرس على النت

-وماحاجتك للدراسة؟ أنا أكفي كل طلباتك بل أني تركتك تعملين فقط لملء وقت فراغك أما العمل والراتب فلا نحتاجه

-إذا دعني أنجب طفلا يؤنس وحدتي

انتفض غاضبا وقال:

-مابك؟ هلى تبحثين عن النكد فقط كباقي النساء؟ لاخروج ولا دراسة ولا أطفال إما أن ترضي بحياتك كما هي أو أن أتركك حبيسة تلك الجدران وأحرمك حتى من زيارتي؟

-أحمد هل حقا ستفعل بي ذلك؟

أمسك بذراعي بقوة وقال والغضب يشتعل في عينيه:

-أنت لا تعرفينني بعد

خرج وتركني أقول :

-حقا أنا لا أعرفك من أنت؟ هل أنت من كنت تشجعني على أن يكون لي مكتبي الخاص للترجمة؟أم أنت من كنت تشجعني على إكمال دراستي العليا؟ هل أنت هو أم أنت شخص أخر؟ ألم تكن تعشق تمردي وشخصيتي المستقلة؟ لماذا تريدني لك خاضعة؟ لماذا تريد كسري وأنا حبيبتك؟ألا تعلم أن كسري لن تجبره أية كلمات بل سيشرخ حبنا؟ لماذا تبذل كل جهدك لتدمير الحب بيننا؟ هل حقا أحببتني؟ أم أنك كما قالت زينب وجدتني عصية عليك فلم تجد غير الحب والزواج لتكسرني وتحولني لزينب أخرى؟ من أنت؟

في الصباح جاءني اتصال من ساهر يخبرني أن والدي مريض جدا وفي المستشفى وأن أيامه في الدنيا قليلة ويرغب في رؤيتي ، بكيت كثيرا واتصلت بأحمد لأخبره برغبتي في السفر لرؤية والدي ففاجئني برفضه وقال لي:

-ليس لدي أجازات لأسافر معك ولن أتركك تسافري وحدك يكفيكِ أن تتحدثي معه يومياً أو مع والدتك

-لكنه يحتضر ويرغب في رؤيتي

-لن تطيل رؤيتك عمره أو تقصره كما أنكما كما أعلم لم تكونا على وفاق أبدا

-أحمد أرجوك

- انتهى الكلام ولدي عمل كثير سأحدثك فيما بعد

كانت تلك الكلمات هي القاصمة فغضبه أعمى قلبه ، لم يبال بمشاعري إنما كل همه أن ينتقم مني ويكسرني، ويجعلني خاضعة له، ألم يعد أبي أن يحبني ويصونني؟ ألم يتعهد لي بالسعادة الدائمة وبالحب الأبدي؟ أين ذهبت كل وعوده؟ هل كانت مجرد كلمات؟ لملمت شتات نفسي وقررت أن أذهب لرؤية أبي سواء أراد أم لا فإن مات أبي دون أن أراه فلن أسامح نفسي أبدا، فمهما كانت علاقتنا باردة فسيظل أبي، وسأظل طول عمري أكره أحمد لمنعه لي عن أبي. اتصلت بساهر وطلبت منه أن يحجز لي تذكرة في طائرة اليوم فأخبرني أن هناك طائرة بعد ساعتين فطلبت منه أن يحجز لي ويرسل لي رقم التذكرة على الواتس آب ، أعددت ملابسي وأخذت معي بطاقة ائتماني وجواز سفري وطلبت من موبايلي سيارة أجرة- دفعت أجرتها ببطاقة ائتماني – للمطار وسافرت لأبي.

عندما وصلت اتجهت مباشرة بحقيبتي للمستشفى وجريت على أبي قبلته واحتضنته فقال بوهن:

-كنت أخشى أن أموت قبل أن أراك وأن أطلب منك أن تسامحيني لأني لم أكن أبًا جيدًا فلم أدللك وأصادقك كما يفعل كل الآباء

-لا تقل هذا لقد منحتني الحياة وكنت دومًا لي ظهرًا وسندًا وضحيت بسعادتك الشخصية من أجلنا ولم تفكر يومًا إلا في تلبية احتياجاتنا ، لم أعرف قيمتك إلا عندما ابتعدت عنك، الحب يا أبي قد يحتاج لبعض الكلمات الجميلة والحنان لكنه أيضا يحتاج لكثير من الأفعال وأنت فعلت لنا الكثير

ابتسم بوهن وقال:

-الحمدلله

فقبلت يده وأمسكت بها فأغمض عينيه وشعرت بتراخي قبضته عن يدي ، صرخت وناديت ساهر الذي جاء مسرعًا ونادى الأطباء لكن أبي قد فارق الحياة. انهرت باكيه وأنا أقول:

- سامحني يا أبي على تقصيري وقسوة قلبي.

 جذبني ساهر لخارج الغرفة فوجدت أمي فاحتضنتها وبكيت وقلت لها :

-سامحيه يا أمي

-على ماذا؟ هو شريك العمر الذي لم يهينني مرة، ولم يتوان عن تحقيق رغباتي مهما كانت بسيطة أو كبيرة، ولم يتحدث إلي بسوء يوما فعلام أسامحه؟ رحمه الله وغفر له.

كان علينا أن نجهز نفسنا لإجراءات الدفن والعزاء فذهبنا للبيت لإبدال ملابسنا بأخرى سوداء وبدأ توافد الجيران والأقارب. خلال كل تلك الأحداث اتصل أحمد عدة مرات ولم أسمعه ولكني اتصلت به فيما بعد فأجاب هادرًا:

-سافرت بدون إذني أتتحدينني؟

-أبي مات

-وأنت أيضا ستموتين مائة مرة طالبة عفوي ولن تناليه

أغلق الهاتف في وجهي ولم أعرف أأبكي لموت أبي أم لموت حبي؟ يالقسوة قلبه إنه حتى لم يفكر في تعزيتي إنما كل ما فكر فيه هو انتقامه مني، ما أقسى القلوب حين يعميها الغضب والحقد . مضت أيام العزاء والكل يتغامزون علي لأنني بمفردي ولم يحضر زوجي العزاء وبعد انتهاء أيام العزاء كنا نشعر بالإرهاق الشديد وكان لدينا العديد من الإجراءات للقيام بها. انتهت كل الإجراءات وجلس معي ساهر وأمي وقال لي:

-لماذا لم يأتِ زوجك أو على الأقل يتصل بي هاتفياً؟ أريد الحقيقة كاملة

حكيت له عن حياتي مع أحمد بأدق تفاصيلها استمع منصتًا ثم قال:

-والأن ماذا هو قرارك؟

-قلبي يقول امنحيه فرصه وعقلي يقول لي أن أنجو بنفسي

-ومن ستتبعين؟

فقالت أمي:

-تزوجت أبوك رحمه الله بدون حب مني أو منه لكن كان بيننا تفاهم واحترام لذا دام زواجنا واستمر وكنت كل يوم أشعر بالندم لأني لم أتزوج من أحب لكن عند مرض والدك مر شريط حياتنا أمامي بأفراحه وأحزانه فأدركت أني لم أنصفه فقد كان يفعل كل ما يرضيني ويحترم رأيي ورغباتي ويحترمني في وجودي وغيابي ويتقي الله في كل كلمه أو فعل، أدركت حينها أنني كنت مخطئة فالحب ضرورة لكنه وحده ليس كافياً لقيام زواج ناجح واستمراره

سكت للحظات وقلت:

-لقد اخترته بقلبي والأن جاء دور عقلي سأطلب الطلاق

-إذا دعي الأمر لي ولكن هل هذا قرارك النهائي؟

-أجل فأنا لا أحتمل رجل لايريد الاعتراف بي كزوجة و يهينني ويحبسني كسجينة ويهددني بأشد العقاب، لا أحتمل الغضب الذي يعمي البصائر ويطغى على القلوب.

بدأ أخي بالتحاور مع أحمد الذي رفض الطلاق وهدد وتوعد عندئذ قال له ساهر:

-افعل ما تريد ولكني سأجعلها ترفع دعوى خلع عليك وعندها ستكون مادة دسمة لكل الصحف والفضائيات التي سأتواصل معها وتعلم أنها تعشق فضائح المشاهير ، حقا ستزداد شهرة ولكن بشكل جديد

بدأ أحمد في التراجع وتفاوض مع أخي على إجراءات الطلاق فطلب أن أعفيه من مؤخر صداقي ونفقتي فوافقت وتم الطلاق بسهولة وسرعة،مما فاجئني فكنت أظنه سيرفض لتمسكه بي وبحبي. كنت أتخيل أن يحاول التحدث إلي واستمالة قلبي، كنت أتمنى لو اعتذر وحاول إرضائي وقال إنها نوبة غضب، لكنه لم يفعل بل فضل الانفصال. يبدو أن زينب كانت تعرفه أكثر من نفسه ومني. تذكرت تلك البائسة التي تحتمله وأشفقت عليها وتذكرت أنني وجدت في ملابسي النقاب الذي أرادني أن ألبسه مع العباءة فأرسلتهما له في طرد وقلت له:

-لم يعودا مناسبين لي

لم أتخلَ عن حجابي إنما ارتديته لإرضاء الله وليس امتثالا لأمر رجل يريد أن يخفيني لأنه يغار على ممتلكاته. بقيت فترة طويلة حزينة على قلبي الذي انخدع بأوهام الحب. اعتزلت ذلك العالم المزيف على الفيسبوك وعدت لعملي بالمدرسة، لم أعد فريدة التي غادرت إنما عدت إنسانة أخرى لم تعد تؤمن بالحب ولا بالوفاء. قررت أن أبدأ حياتي من جديد ورغم أني أحمل لقب مطلقة وهو بمثابة وصمة عار لكني لم أهتم فمن اليوم سأعيش بعقلي وأسعى لتحقيق طموحي وأتجاهل قلبي الذي ضيعني ، وأدركت اليوم أن حب العالم الافتراضي وهم كبير وعندما نقترب منه نجده سراب خادع.

تمت

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

التعليقات علي الموضوع
لا تعليقات
المتواجدون حالياً

831 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع