أقسى أنواع الجراح التي تُدمي القلوب هي جراح من تحب فأنت تتوقع منه أن یكون بلسما
لجراحك لا أن یقتل روحك بجراح لا تُشفى.
الفصل الأول
الیوم أسعد یوم في حیاتي فهو یوم خطبتي على من أحب علاء الشخص الوحید الذي استطاع اقتحام قلبي وهدم كل الأسوار التي أحصنه به، والیوم أُتوجه ملكا على عرش قلبي فهو أثبت لي أنه جدیر بحبي واحترامي. علاء هو جارنا منذ نحو خمس سنوات وحاول كثیرا أن یكلمني لكني كنت أصده كغیره من العابثین لإقتناعي أن الفتاة یجب أن تصون نفسها و لا ینبغي أن تسلم قلبها إلا لزوجها فقط حتى تعیش سعیدة فمن تتمتع بعلاقات الحب والصداقة قبل الزواج تظل تعیسة بعد الزواج لأنها تظل تعقد المقارنات بین زوجها ومن عرفتهم. لم أكن أرى في علاء سوى شاب وسیم مغرور كل هدفه إیقاع الفتیات في غرامه خاصة وأن ثراء والده صاحب معارض السیارات یجذب الفتیات له ولسیاراته التي یبدلها مع ملابسه فكان علاء یستمتع بملاحقة الفتیات له و
یغیرهن كما یغیر سیاراته.
كنت الوحیدة التي رفضت حتى مجرد التعرف علیه مهما فعل بسبب تربية أمي الصارمة لي بعد وفاة أبي فقد كانت تخشى علينا أنا وأختي من كلام الناس،لكنها كانت تتهاون قليلاً مع أختي أما معي فكانت صارمة، لذلك كنت جادة في تعاملي مع كل الشباب. لم يتغير شئ بالنسبة لعلاء حتى عندما أتى لكلیتي عدة مرات بمختلف الحجج لم أعره اهتماما فقد كنت على یقین أنه یتلاعب بي كغیري، وعندما تقربت أخته الصغیرة نهلة مني أنا
وأختي لمیس كنت أتعامل معها بحذر شدید بینما لمیس سارعت للتعرف علیها والتقارب معها فقد كانت مبهورة بثراؤهم وترید أن تعیش مثلهم ، رغم أننا لم نكن فقراء إنما كنا متوسطي الحال حتى بعد وفاة والدي إلا أن لمیس كانت دائما تتطلع للمزید ولكل ما هو أكثر فقد كانت ترى أنها تستحق كل ماهو أفضل في هذا العالم.
لم یكل علاء من متابعتي ومحاولة إبهاري و
كنت أصده باستمرار لكن ذلك لم یمنع أن إصراره أسعدني وجعلني أشعر بأنوثتي أكثر. دعتنا نهلة لحفل خطبتها في أحد الفنادق الكبیرة وألحت علینا لنحضر وكادت أمي أن ترفض فقد حرمت على نفسها كل
الحفلات والأفراح بعد وفاة والدي، كما أنها كانت تخاف علینا كثیرا وخاصة من ألسنة الناس التي لا ترحم أحدا، لكنها وافقت عندما أخبرتها جارتنا طنط رحاب أنها مدعوة هي وابنتها شیرین وستصطحبنا معها في سیارتها وتُعیدنا معها، عندها فقط وافقت أمي.
كانت المعضلة الثانیة أننا لا نملك فساتین تلیق بمكان كهذا وكذلك لا یمكننا إهدار مبلغ كبیر من المال على شراء فستانین للسهرة فأخرجت أمي من دولابها عدة فساتین سهرة قیمة جدا یمكننا إعدادها لتناسبنا وخاصة أن أمي تُجید التفصیل رغم أنها تعمل كمُعلمة علوم إلا أنها لم تتوقف عن ممارسة هوایتها فقد كانت فنانة بحق.اخترت فستانا بنفسجیا
من الدانتیل ملتصقا بجسمي كأنه تم تفصیله من أجلي فابتسمت أمي وقالت:
-أبوكي اﷲ یرحمه كان بیحب الفستان ده أوي وبیقول لي لونه بینور وشك لأني بیضا زیك، بس عارفة محتاج أكمام شیفون من نفس اللون وكمان ممكن نضیف له جزء شیفون فوق الجیبه ونخلیه یتركب ویتشال حسب رغبتك
فقبلتها فرحة وقلت لها:
-ﷲ علیكي یا فنانة
فقالت للمیس:
-وانتي اخترتي إیه؟
فقالت بامتعاض:
-ولا حاجه من دول عجبتني كلهم موضة قدیمة أنا عاوزة فلوس وهاشتري فستان بمعرفتي.
فقالت أمي بحزن:
-طول عمرك ما فیش حاجه بترضیكي، خدي الفلوس أهي بس ماتشتریش حاجه عریانة وإلا ورحمة أبوكي ما هتروحي الفرح.
فقالت هامسة باستياء:
-یا ساتر على اسطوانة كل مرة
فقلت لها:
-بلاش مناكفة انزلي وانتي ساكتة فأخذت الفلوس وخرجت وقالت أمي بحزن:
-أنا مش عارفة البنت دي طالعة لمین دایما باصة لفوق وطموحها مالوش نهایة أنا خایفة علیها.
فقلت له لأطمئنها:
-ماتخافیش ده بس عشانها لسه صغیرة بكرة أما تتخرج وتشتغل هتعقل.
فقالت أمي:
-ما أنتي أهو یا حنان عاقلة من قبل ما تتخرجي ولا تشتغلي.
فقلت :
-یا ماما كل واحد له شخصیة وطبع غیر التاني ادعي لها بس
فقالت برجاء:
-ربنا یهدیكم ویستركم
انشغلت بمذاكرتي فأنا في العام النهائي في كلیة التجارة الشعبة الإنجلیزیة وتخصصت في المحاسبة وأرغب في الحصول على تقدیر عال . حان موعد الخطبة وأعدت أمي الفستان فكان یبدو رائعا، كما طرزته تطریزا خفیفا واخترت له طرحة بلون كریمي فاتح (أوف وایت) مع ماكیاج هادئ فقد اكتفیت بالكحل البني لیتناسب مع لون عیوني العسلیة و أحمر شفاه بلون موف فاتح جدا. أما لمیس فقد ارتدت فستانا أحمر بلا أكمام وصدره مفتوح على شكل مربع ونصفه السفلي واسع ولكنه لا یتجاوز ركبتها مع حذاء أحمر بكعب عال مع ماكیاج أحمر ناري على خدودها وشفتیها وأطلقت لشعرها العنان فكان لون فستانها مع بشرتها القمحیة وعیونها السوداء صاخبا وكأنها فتنة تمشي على الأرض. حاولت أمي الاعتراض على شكلها لكنها أخبرتها أن تلك هي الموضة ولن تكون أقل من أي فتاة في الحفل، أنقذنا من الجدال قدوم طنط رحاب وابنتها فانصرفنا بعد إصرار أمي أن تضع شالا على كتفیها.
دخلنا الحفل في فندق فخم والقاعة كانت رائعة حتى أن طنط رحاب قالت:
-ودول لما يعملوا الخطوبة في مكان فخم زي كده أمال هیعملوا الفرح فین؟
بمجرد دخولنا جاء علاء و والدته طنط أمینة تلك السیدة المتعجرفة فسلمت علینا بتعالي بینما رحب بنا علاء كثیرا و أرشدنا إلى منضدتنا و تركتنا أمه بلا أي اهتمام مُصطحبة علاء معها وكأنها تخشى علیه منا.
بمجرد جلوسنا على المنضدة بدأت زفة العروسة فجرت شیرین ولمیس لحضورها بینما بقیت مع طنط رحاب التي قالت:
-قومي مع البنات ماتتكسفیش
فقلت لها:
-مابحبش الدوشة وأدینا هنتفرج علیهم في الشاشات المعروضة وأكید مافیش جدید هو اللي بیحصل كل فرح.
وبالفعل انغمس الجمیع في الرقص مع العروسین حتى دخلوا القاعة وبدأ الصخب من جدید ولم یكف العرسان ولا علاء ولا أحد من الشباب عن الرقص والصخب وعندما جاء علاء یدعوني للرقص معه على الموسیقى الهادئة رفضت فجذبته إحدى الفتیات لیرقص معها فرقص معها وهو یسلط نظراته علي فقالت لي لمیس:
-انتي هبلة؟ ترفضي ترقصي مع علاء اللي سایب البنات كلها وجایلك؟
فقلت باستياء:
-لأ أنا مش هبلة وعارفة إنه جاي لي عشان یثبت لنفسه وللكل إنه دنجوان الحفلة ومافیش واحدة مش غرقانة في حبه بس للأسف أنا مش غرقانة في حبه وكمان ما ینفعش واحد غریب یقرب مني بالشكل ده ویلمس جسمي حرام طبعا.
:فقالت شیرین ساخرة:
-سیبك من الشیخة حنان وتعالي نفرفش إحنا
انصرفتا وقالت طنط رحاب:
-ما تحبیكهاش أوي خلیها ساعة لقلبك وساعة لربك
فقلت بتعجب:
- بس ده مش معناه إني أخالف تعالیم ربنا عشان حد
فقالت بسرور:
-ربنا یكملك بعقلك
:جاءت والدة علاء للجلوس معنا وقالت بعنجهیة:
-عقبال بنتك یا رحاب
فقالت طنط رحاب بايتسامة ودودة:
-میرسي یا أمینة هانم
ثم نظرت إلي أمينة هانم وقالت بغرور:
-وانتي یا..قولتي لي اسمك إیه؟
فقلت بابتسامة صفراء:
-حنان
فقالت بلا مبالاة:
-أه وأنتي مش زي أختك مفرفشة لیه؟ ولا انتي معقدة عشان لسه ما اتخطبتیش؟
فقلت بثقة مفرطة:
-لا أبدا أنا لسه صغیرة ومش بافكر في الخطوبة قبل ما اتخرج واشتغل كمان
فقالت بدهشة:
-كده هتعنسي
فقلت بيقين:
- الرزق بینادي على صاحبه ولو لیه نصیب مع حد هاخده
فقالت محذرة:
-بس یاریت ما تبصیش لفوق أوي وتحلمي على أدك عشان ما تقعیش تتكسر رقبتك.
فقلت بهدوء:
-ماتخافیش علیه یا طنط وبعدین الوقعات بتقوي الإنسان وتعلمه یقف تاني أقوى
فقالت بامتعاض:
-واضح إنك مغرورة أوي بس على إیه لا مال ولا جمال؟
ابتسمت ابتسامة صفراء وقلت:
-وجهات نظر یا طنط
فانصرفت بغل وغيظ وتركتنا فقالت طنط رحاب:
-هي مالها ومالك؟ انتي اتعاملتي معاها قبل كده؟
فقلت بدهشة:
-خالص دي أول مرة أشوفها حتى عید میلاد نهلة ما رحتوش مش عارفة مالها ومالي
فقالت بتحذير:
-بس واضح إنها حطاكي في دماغها.
حان وقت الطعام فاتجه الجمیع لقاعة الطعام بینما خرجت من القاعة لأتحدث مع أمي التي سألتني عن موعد عودتنا فأخبرتها أننا مرتبطتین بطنط رحاب فتأففت وندمت أنها لم تحدد معها موعدا للرجوع.
بعد ان انتهیت من المكالمة فوجئت بعلاء خلفي وقال لي مبتسماً:
-كنتي فین؟ ما دخلتیش البوفیه لیه؟
فقلت له:
-ما لیش في الزحمة وكمان ما باكلش باللیل
فنظر إلي متفحصا وقال:
-عشان كده جسمك مثالي
فقلت بغضب:
-من فضلك مابحبش الطریقة دي في الكلام
ودخلت وتركته فأمسك ذراعي وقال هامساً:
- أمال بتحبي أنهي طریقة؟
فقلت بغضب وأنا أنتزع یدي منه:
-إیاك تلمسني تاني فاهم؟
فقال وهو يترك ذراعي:
-طیب بس اهدي أنا مش قصدي دي حركة عادیة باعملها مع أي حد
فقلت له بتحدٍ:
- بس أنا مش أي حد
نادته أمه فتركني وانصرف ورمقتني هي بنظرات قاتلة بقیت مكاني حتى قررت طنط رحاب المغادرة فاتجهنا
لنهلة لنبارك لها فوجدنا علاء بجوارها وقال:
-عقبالكم یا بنات
:فلم أنظر إلیه وسلمت أمه علینا بنفس التكبر وقالت:
-مع السلامة وعقبالكم
ثم خصتني بالقول:
- وعقبالك بعد ما تتخرجي وتشتغلي
فقلت لها بهدوء:
-میرسي
انصرفنا وأنا صامتة بینما لم تتوقف لمیس وشیرین عن الحدیث وأمنیتهما بفرح مماثل وعریس ثري مثل عریس نهلة ولم أتفوه بكلمة حتى وصلنا .
بمجرد دخولنا إلى حجرتنا قالت لمیس:
-یا محظوظة علاء ما كانش مهتم بحد زیك، كان بیسیب كل البنات ویجیلك انتي بس هي السنارة غمزت؟
فقلت بدهشة:
-سنارة إیه بس؟ انتي عبیطه هیبص لنا على إیه؟ أمه قالتها صریحة إحنا لا مال ولا جمال
فقالت بغضب:
- ولیة زي العقربة ومنفوخة على الكل حاجة تقرف
فقلت لها :
-اللي زي دول مش هیبصوا لنا، ده بس مستغرب إني ما جریتش وراه، انسیه وركزي في مذاكرتك
فقالت متسائلة:
- یعني أفهم من كده إنه مش عاجبك؟
فقلت بتأكيد:
-أنا مش بافكر غیر في تخرجي اللي بعد شهرین وبس
فقالت باستياء:
- طیب براحتك بس افهمي الدنیا كویس الفرصة اللي زي علاء بتیجي مرة واحدة بس ومش هتتكرر تاني و فعلا احنا لا مال ولا جمال فاللي زیه هیجروا ورانا لیه؟ إلا إذا كانوا شایفین فینا حاجه تانیة.
لم أهتم بكلام لمیس فهي لا یهمها علاء أو أي شخص كل ما یهمها ذاتها وتحلم بالعیش في رغد وترف مع من لا یهم المهم أن تتمتع هي فقط، هكذا كانت لمیس لاتحب سوى نفسها فقط.
نسیت ما حدث وانشغلت بمذاكرتي ولكني فوجئت كلما ذهبت لأي مكان بعلاء یتبعني ویحاول الحدیث معي وعندما أصده لا یغادر إنما یقف بعیدا حتى أعود لبیتي. استطاع بتتبعه لي أن یشغل تفكیري وكنت في كل مكان أتلفت حولي باحثة عنه ورغم غضبي الظاهر إلا أني كنت سعیدة لأنه أشبع غروري الأنثوي وشعرت معه أني مرغوبة، لكن أخر مرة عندما حاول الحدیث معي قلت له بحدة:
-إحنا مش هنخلص بقى؟
فقال مبتسماً:
-هنخلص لما تریحیني
فقلت بغضب:
-هاریحك، انت واحد مغرور بفلوس أبوه وشایف إن أي بنت لازم تكون معجبة بیك وتركع تحت رجلیك وده محصلش مني فمخلیك مصمم تصاحبني عشان تثبت لنفسك وللكل إني زیي زي غیري، انت عاوز واحده
تصاحبها وتتسلى بیها وأنا مش بتاعة لا صحوبیة ولا تسلیة.
فقال باستعطاف
-حرام علیكي ظالماني ولیه ما تقولیش إني بحبك؟
فقلت بتھكم:
-بتحبني؟ وهو اللي بیحب واحدة بیطلع لها في كل حتة ویتكلم معاها في الشوارع ویخلي سیرتها على كل لسان؟ اللي بیحب واحدة بیخاف علیها وبیصونها وبیدخل البیوت من أبوابها وانت ما تعرفش غیر النط من الشبابیك، عن إذنك إحنا طریقنا مختلف أنا عندي امتحانات ومش فاضیة لك.
مشیت وتركته بعد أن أشفقت علیه من قسوة كلماتي ،لكن كان لابد منها ویبدو أني كنت أقولها لنفسي قبل أن أقولها له حتى أشفى من تعلقي به ، وبالطبع من یومها لم أره ورغم تأثري بذلك كثیرا إلا أني حاولت تركیز كل جهدي في مذاكرتي وامتحاناتي.
انتهت الامتحانات بمشقة وقد استهلكتني تماما وفي الیوم الأخیر قررت أن أعود للبیت لأغرق في النوم لعدة أیام لأعوض أیام السهر والأرق وعندما عدت وجدت أمي تستعد لاستقبال ضیوف وطلبت مني مساعدتها ولكني قبلتها في وجنتها واعتذرت بأني مُرهقة وأحتاج للنوم فقالت لي:
-طیب خشي ارتاحي شویة ولما الضیوف ییجوا هاصحیكي
فقلت بارهاق:
- إن شاء اﷲ ویاریت تسیبیني نایمة
استیقظت بعد ساعتین واغتسلت وصلیت فقالت لي أمي:
-البسي یالا الناس على وصول
فقلت بتعجب:
مین دول؟ وأنا لازمتي إیه؟
فقالت مبتسمة:
- لما ییجوا هتعرفي فقالت لي لمیس:
-شكله عریس جایلك لأن ماما مش بتستقبل ضیوف ما نعرفهمش
فقلت مندهشة:
-عریس؟
فقالت وهي تغمز بعينها:
- طبعا أمال ماما فرحانه لیه؟ روحي بقى البسي الحتة اللي على الحبل.
دخلت غرفتي وأنا مرتبكة فلم یكن في حسباني فكرة الزواج حالیا، لكن قلت لنفسي وكیف سأتزوج بغیر تلك الطریقة؟ ارتدیت فستانا باللون الأزرق الفاتح و وضعت غطاء رأس بدرجة أغمق ودخلت عندما نادتني أمي ووقفت لعدة لحظات مذهولة فقد كان الضیف علاء، فقال علاء:
-ازیك یا حنان؟
فقلت مرتبكة بصوت منخفض:
- الحمد ﷲ
وجلست بجوار أمي أتصبب عرقا حتى قال علاء:
یا طنط أنا جاي النهاردة عشان أطلب إید حنان ولو وافقتم المرة الجایة هاجیب أهلي وعاوزك تعرفي إن كل طلباتكم مُجابة.
فقالت أمي بسرور:
- أنا عن نفسي ما عندیش مانع بس الرأي في الأول والأخر لحنان
فقال برقة:
-رأیك إیه یا حنان؟
نظرت إلیه بارتباك ثم أخفضت بصري سریعا فقالت أمي:
أنا هاروح أعمل لك قهوة
خرجت أمي وازداد ارتباكي فقال علاء:
- أنا أثبت حبي أهو ودخلت البیت من بابه یاترى هتفتحي لي الباب ولا هتقفلیه في وشي؟
فاستجمعت نفسي وقلت:
- لیه أنا؟ لأنك ما قدرتش توصلي غیر بالجواز؟
فقال وهو ينظر في عيناي:
-ولیه ما یكونش لأني بحبك
فقلت مندهشة:
- برضه لیه أنا؟ لا أنا جمیلة بشكل ملفت ولا أنا غنیة زیكم،احنا اتنين مختلفين.
فقال هامساً بهيام:
- لما القلب بیدق ما بنسألوش لیه؟ ویمكن لأنك مختلفة عن أي بنت قابلتها.
فقلت بحسم:
- بس أنا مش هاقبل بوجود أي بنت غیري في حیاتك یا ترى هتقدر على كده؟
- فقال بجدية:
-لما فكرت اتجوزك ده معناه إني مستغني عن أي بنت تانیة ومش عاوز غیرك
فقلت بتحذير:
-بس لازم تعرف إني لو عرفت إنك یوم خُنت هیكون أخر یوم في علاقتنا
فاقترب مني وأمسك بیدي وقال:
-ده معناه إنك موافقة؟
سحبت یدي من یده وأنا أرتجف وقلت:
- اعمل حسابك مش هاسمح بأي تجاوزات في الخطوبة
فقال وهو يغمز بعينه مشاكساً:
-وأنا مش هاعمل خطوبة إنما كتب كتاب عشان نبقى براحتنا، بحبك یا أحلى حاجه في عمري
والیوم أنا على موعد مع السعادة التي طالما حلمت بها ، فقد أسعدني علاء بحبه وخاصة عندما أقنع والداه
برغبته في وأصر على خطبتنا رغم معارضة والدته القویة، وهاهو الیوم یثبت لي بالفعل حبه لي وتمسكه بي
الفصل الثاني
أصرت أمي على أن یكون حفل عقد القران في قاعة ویقتصر على الأقارب والقلیل من الأصدقاء وعندما
أرادت أم علاء أن تقیم حفلا كبیرا على نفقتهم قالت أمي بحسم:
-الخطوبة على العروسة وإحنا هنعملها حسب امكانیاتنا اللي انتم عارفینها من الأول وفي الفرح اعملوا اللي انتم عاوزینه.
فقالت أم علاء بغرور:
-بس إحنا مش فقرا عشان نعمل لابني الوحید حفل في قاعة.
ده اللي عندي لو مش موافقین نلغي الموضوع كله-
:فقال علاء بهدوء
یا طنط ما تاخدیش الموضوع بحساسیة ماما ما تقصدش وخلاص نعمل الخطوبة زي ما انتي عاوزة والفرح- .زي ما احنا عاوزین وخاصة إن الفرق بین الاتنین مش كبیر لأن شقتي جاهزة فعلا
والأن أجلس في بیتنا أنتظر عمي الذي سیصطحبنا لقاعة المسجد الكبیرة التي حجزتها أمي لعقد القران، تأملت نفسي في المرآة بفستاني الوردي الفاتح (الروز) ذو النصف العلوي المطرز بحبات لؤلؤ من نفس اللون مع أكمام شیفون وكذلك النصف السفلي وحذاء بكعب عال من نفس اللون هو وغطاء الرأس وحرصت على أن تكون زینتي بسیطة ورقیقة . أفقت من أفكاري على صوت عمي حسین وترحیب أمي به وجاءت لمیس :لتخبرني بقدومه هو وابنه سامر وقالت بامتعاض
أنا عارفة جایب الرذل ده معاه لیه؟-
لأنه ابنه مثلا أولأنه هو اللي هیسوق العربیة، یابنتي الولد بیحبك ومستقبله كویس مهندس بترول وبیشتغل في- شركة أجنبیة ومرتبة حلو عاوزه إیه تاني؟
عاوزة واحد غني یلبي لي كل طلباتي قبل ما أطلبها زي علاء كده-
ربنا یرزقك باللي تتمنیه-
دخلت أمي لتصطحبنا حیث الحفل، سلمت على عمي وهنأني سامر فشكرته وذهبنا معا للقاعة، كان قلبي یخفق بقوة فأنا خائفة من علاء وعالمه المختلف عن عالمي وطریقة تفكیره التي تنحصر في المال والمظاهر ولكني
.قلت لنفسه ربما لأني لا أعرفه جیدا وستتیح لنا فترة الخطوبة التعارف الجید
دخلت مع عمي القاعة وكان في انتظارنا علاء ووالده الحاج عبد اﷲ الرجل الضخم في كل شئ في جسده وفي ماله ونفوذه ورغم ذلك لم یكن متكبرا كزوجته، ربما لأنه بدأ حیاته من الصفر حتى وصل لما هو فیه بعكس زوجته ابنة التاجر الثري التي تتفاخر على الجمیع بثراء أبیها ثم زوجها. رحب بنا الحاج عبداﷲ واصطحبنا للداخل بینما كانت زوجته تجلس مع قریباتها وصدیقاتها ویبدو علیها الغضب ولم تأتِ للترحیب بنا بل أنها
:أشاحت بوجهها عندما رأتنا فقالت أمي بحدة لعلاء ووالده
هي والدتك یا علاء مش راضیة عن الخطوبة دي؟ ولا شایفانا أقل منكم؟-
لیه بتقولي كده یا طنط؟-
لأن الأصول لما تشوفنا تیجي ترحب بینا مش تدور وشها، عموما إحنا لسه على البروأنا ملاحظة من زمان- تصرفاتها مع بنتي وطریقة كلامها وباقولك من الأول لووالدتك مش موافقة مش هاكمل الجوازة لأني مش هاقبل على بنتي تدخل عیلة مش راضیة عنها أو بتتكبر علیها أنا بنتي مش قلیلة واحنا ما جریناش وراك انت .اللي جیت بنفسك
:فقال الحاج عبد اﷲ
ما تقولیش كده یا أم حنان دي حنان غالیة عندنا بأدبها وأخلاقها وتربیتها العالیة وطالما أنا راضي عنها- ماحدش یقدر یزعلها ولا حتى علاء نفسه وان كان على أمینة هي بس تلاقیها غیرانة شویة عشان علاء وحیدها وهي بتحبه جدا وحاسة إنها ما بقتش أهم حد في حیاته زي ما اتعودت
:ثم استدار إلیها وقال بقوة
أمینة.. تعالي سلمي على عروسة ابنك ووالدتها-
:جاءت متأففة ونظرت إلي وقالت
إیه اللي انتي لابساه ده ما لقیتیش فستان أغلى شویة وأشیك من ده تلبسیه بدل ما تضحكي الناس علینا ؟ ولا- أمك استرخصت وفصلت لك أي حاجه وخلاص؟
:فقال الحاج عبد اﷲ بحدة
أمینة ده كلام یتقال ؟- :ثم نظر إلي وقال حنان هي اللي بتزین أي فستان تلبسه وهي اللي بتدي له قیمة-
:فقال علاء
الفستان جمیل ولایق علیكي یا حنان-
:فقال عمي
یا جماعة المأذون جاهز كفایة كلام ویالا عشان كتب الكتاب-
وأمسك عمي بیدي وأجلسني بجواره على المنضدة ویلیه المأذون ثم علاء وأبوه، كنت أشعر باضطراب وزادته طنط أمینة بسخافتها والأن أنا حائرة كیف سأنتمي لتلك الأسرة وهي تكرهني بهذا الشكل؟ لكن ما طمأنني مساندة الحاج عبداﷲ وعلاء لي. انتهت إجراءات عقد القران وهنأني عمي واحتضنتني أمي وهي تبكي :وقالت
الحمد ﷲ إني عشت لحد ما شفت الیوم ده-
ربنا یدیكي الصحة یا ماما- :وقبلتني لمیس وقالت هامسة
مبروك بالعند في الحیزبونة-
: فضحكت وقلت لها
عقبالك بس من غیر حیزبونة-
:وجاءت نهلة وهنأتني وقبلتني وقالت هامسة
ماتزعلیش من ماما هي بس غیرانة على علاء مش أكتر-
لا مش زعلانة ومقدرة مشاعرها- :وقال الحاج عبداﷲ وهو یهنئني
النهاردة بقى عندي بنتین نهلة وحنان-
شكرا یا عمي ربنا یخلیك لنا-
:فجاء علاء وأمسك بیدي وقبلني في وجنتي واعتراني الخجل وارتجف جسدي وخفق قلبي بقوة فهمس قائلا
مبروك یا حبیبتي-
:فقلت بخجل
اﷲ یبارك فیك-
وقفنا معا لنتلقى تهنئة الجمیع ثم حان موعد الانصراف فاستأذن منعمي ووالدتي أنه سیصطحبني للعشاء وحدنا فوافقا بشرط ألا أتأخر. جذبني من یدي وكأنه یرید أن یخطفني من كل العالم لأكون له وحده، وركبنا سیارته
:ویده تمسك بیدي فقبلها وقال
أخیرا بقیتي معایا لوحدك من غیر كسوف ولا صد-
علاء بس احنا في الشارع والناس بتتفرج علینا-
یعني أخطفك دلوقتي لشقتي ونبقى لوحدنا؟-
:جذبت یدي بفزع وقلت
ماتخوفنیش منك، أنا وافقت على كتب الكتاب عشان نقرب لبعض براحتنا ونتعرف على بعض أكتر مش- عشان اللي في دماغك :أمسك یدي برقة وقال
ماتخافیش مني أنا بس باهزر معاكي، أنا عازمك على العشا في مكان هیعجبك جدا-
بالفعل اتجهنا لأحد المطاعم الفاخرة جدا واختار مائدة في ركن بعید عن الناس وجلسنا وظل یغمرني بحبه
ومشاعره المتدفقة حتى مر الوقت دون أن أشعر به من فرط سعادتي حتى اتصلت أمي تطالبني بالعودة لأننا تجاوزنا منتصف اللیل. انصرفنا وهو على یقین أنه امتلك قلبي وأنا على یقین بأنه فارس الأحلام الذي أراد اﷲ .أن یعوضني به غیاب أبي
الفصل الثالث
خلال شهرین أعد علاء شقة الزوجیة وأثثها بأفخر الأثاث الذي اخترناه معا، فقد كان طوال الشهرین یتحدث معي عدة مرات في الیوم ولابد أن نتقابل یومیا لاختیار وشراء كل ما تحتاجه الشقة الفاخرة في الحي الراقي التي حسدني علیها الجمیع حتى لمیس. رغم حبي وتعلقي بعلاء بشدة إلا أني كنت أشعر بشئ من الخوف من مشاعره الفیاضة وتحقیقه لكل رغباتي بدون اعتراض، فلم أستطع في فترة الخطوبة التعرف على شخصیته الحقیقة فأنا لم أعرف ما یغضبه أو یضایقه، ولم أعرف ماذا یحب أو یكره، لم أعرف ماهي میوله أو حتى
.أفكاره بصفة عامة فقد كان كل كلامه عن الحب ورغبته الشدیدة في أن نكون معا
بعد أن انتهینا من إعداد شقة الزوجیة حجز علاء القاعة الفاخرة التي اختارتها أمه على ذوقها بحجة إرضائها لأنه ابنها الوحید فلم أعترض ولكني فوجئت بها ذات یوم أثناء تناولي للغداء في بیتهم اختارت لي فستان الزفاف دون أخذ رأیي وكان لا یتناسب مع ذوقي حیث كان عاري الصدر والظهر كما أنها أصرت على أن :أخلع حجابي لتتباهى بي أمام معارفها فرفضت بشدة وهي تصر على رأیها وعلاء صامت حتى قالت لي
انسي بقى حیاتك اللي فاتت انتي بقیتي شایلة اسمنا ولازم تعیشي حیاتنا وتبقي مناسبة لمجتمعنا-
وهو أنا مش هاناسب مجتمعكم غیر لما اتعرى قدام الناس؟ ساكت لیه یا علاء إنت مش غیران؟-
:فقالت أمه
یغیر لیه وعلى مین؟ هو انتي عمرك هتلاقي زي علاء؟ انتي اللي مفروض تغیري علیه وتحاولي تملي عینیه- وتبطلي التعقید اللي انتي فیه ده
:نظرت إلیه وهو صامت وقلت بحدة
أنا مش هاتعرى قدام حد ولا هالبس على ذوق حد ولا هاعیش على طریقة حد ولو ده مش مناسب لكم تقدروا- تنهوا الحكایة دلوقتي
:قال علاء بحدة وهو یمسك بیدي
حنان انتي اتجننتي؟ عاوزه تنهي جوازنا عشان خلاف بسیط زي ده؟-
ده مش بسیط لو انت موافق والدتك إني اتعرى قدام الناس عشان تتباهوا یبقى ساعتها أنا اخترت غلط، أنا- عاوزه راجل یثبتني على مبادئي وأفكاري مش واحد یخلیني أتخلى عن أخلاقي
:دخل الحاج عبداﷲ على صوتي فقال
مالك یا حنان زعلانة لیه؟-
:فقالت زوجته
بتتبطر على الفستان الغالي اللي جبتهولها ومش عاجبها قال ذوقي وحش وده فستان عمرها ما كانت تحلم- بزیه :فقال لي
قولیلي مش عاجبك الفستان لیه؟-
لأنه مش على ذوقي مبهرج جدا كمان عریان وأنا محجبة وطنط مصممة أقلع حجابي وأعري نفسي عشان-تتباهى قدام المعازیم
وانتي عاوزة تفضلي بحجابك؟-
أه بس دي مش المشكلة المشكلة ان علاء موافق اتعرى قدام الناس-
:فنظر إلیه والده بحدة وقال لي
انزلي اختاري الفستان اللي یعجبك على حسابي ولو عاوزه تفضلي بحجابك براحتك محدش هیغصبك على- حاجه
:قالها ونظر بحدة لزوجته وقال
نسیتي یا أمینة یوم فرحك لما صممتي تشتري فستان على ذوقك وأنا وقفت واتحدیت الكل وقلت لهم العروسة- تلبس على ذوقها مش على ذوق حد؟
:ثم نظر إلى علاء ولكزه في صدرة وقال بصوت منخفض لكني سمعته
استرجل وبطل تمشي ورا كلام أمك وعنجهیتها اللي بوظتك، أنا ما صدقت اخترت بنت كویسة هتبوظ- الجوازة بسبب أمك؟
كان هذا أول موقف لي مع علاء ظهر لي فیه جانب من شخصیته ولكني تجاوزت عنه والتمست له العذر لأنه متأثر بوالدته ویرید إرضائها ولكن عندما یكون لنا بیتنا وحدنا بعید عن تأثیرها وأیضا مع تحمل المسئولیة لابد .أن یتغیر
أقاموا فرحا فاخرا في أحد أكبر الفنادق وأحیاه فنانون مشهورون وحضره نخبة من رجال الأعمال والعدید من الفتیات اللاتي تبارین في إظهار جمالهن وفتنتهن لعلاء لیدرك أنه تسرع في الإختیار، كنت سعیدة بوجودي بجانب علاء الذي غمرني بكلمات الحب لكني كنت خائفة بشدة لیس فقط من لیلة الفرح التي لا أعرف كیف ستمر وماذا سیفعل معي علاء ولكن من حیاتي القادمة فأنا وعلاء لم نتحدث فیما هو قادم ولم نضع أسس لتلك
.الحیاة بل كان كل حدیثه عن حبه لي ورغبته في إسعادي فقط
مرت اللیلة بصخبها وأصر علاء على أن نبیت في شقتنا لا في الفندق لنكون براحتنا فلم أدرك معنى ما أراد إلا عندما وصلنا بیتنا وبمجرد دخولنا حملني حتى غرفتي ثم وضعني على السریر وبدأ یغمرني بقبلاته ویده تنزع عني ملابسي ، لم یمهلني أي وقت لا للصلاة ولا حتى لإبدال ملابسي وكأنه جائع ووضعوا أمامه ولیمة فالتهمها، كذلك كنت أنا ، فكان یلتهمني بعنف وقسوة حتى أخافني حاولت صده لكن ذلك كان یزیده عنفا حتى بدأت في الصراخ فلم یتوقف إنما كان یسكتني بقبلات وحشیة حتى استسلمت له تماما وبعد أن فرغ مني استلقى.بجواري على السریر وراح في نوم عمیق بدون أیة كلمة أو لمسة رقیقة
تأملت ذلك النائم بجواري بلا مشاعر ونظرت إلى ملابسي المُمزقة على الأرض فلم یكن لدیه القدرة على الانتظار حتى أخلعهم فمزقهم بعنف، لقد رأیت اللیلة في علاء وجها لم أعرفه، شخص عنیف لا یأبه بمشاعري ولا ألامي كل ما یهمه رغبته فقط، قضیت اللیلة باكیة فلیست تلك لیلة العمر التي حلمت بها والتي حسدتني .أختي وصدیقاتي علیها، ولم یكن علاء ذلك الرومانسي الذي غمرني بكلمات الحب بل كان شخصا أخر
سمعت آذان الفجر فنهضت من السریر ودخلت لأغتسل فوجدت جسدي به العدید من الكدمات فبكیت مرة أخرى وانتهیت وخرجت لأصلى وجلست لأسبح وأدعو اﷲ أن یهدیني لزوجي ویهدیه لي، وشعرت بثقل في :رأسي فعدت للسریر ونمت ولم أستیقظ إلا على صوت علاء وهو یقبل وجنتي ورقبتي ویقول
صباحیة مباركة یا عروسة- :نظرت إلیه بخوف فقال
حد یخاف من حبیبه برضه؟-
وهو فیه حبیب یعمل كده في حبیبه؟-
:وأریته الكدمات التي في جسدي فقبلها وقال برقة
أنا أسف یا حبیبتي أنا كنت فاهم إنك عارفة كل حاجة ویعني..بتدلعي-
أنا خفت منك جدا وإنت وجعتني جدا جدا، وجعتني جسمانیا ونفسیا-
سامحیني أوعدك ده مش هیتكرر بس بما إنك ماتعرفیش حاجة خالص سیبي لي نفسك وأنا هاعلمك كل حاجه-
سامحته وصدقته وسافرنا بعد أن زارتنا أمه لتتأكد من أن ابنها قام بمهمته كما ینبغي، شعرت بالاشمئزاز منها
:ومن طریقة كلامها التي لا حیاء بها، وبعد انصرافها قلت لعلاء
من فضلك دي أول وأخر مرة تتكلم مع أي حد عن علاقتنا الخاصة دي حاجة تخصنا لوحدنا لو كررتها- هاسیبك وأرجع بیتنا
لیه بس الزعل ده؟ أنا كنت باعرف ماما إنك جامدة عشان تحبك-
إنت كنت بتعریني قدامها، من فضلك یا علاء عشان حیاتنا تنجح لازم تفاصیل حیاتنا تفضل بیننا-
خلاص ماتزعلیش یالا جهزي الشنط عشان نلحق الطیارة-
ماقلتش رایحین فین؟-
أسبانیا وإیطالیا-
أعددت الحقائب وبداخلي خوف كبیر فسلوكه معي یختلف عما كنت أظنه كذلك یبدو خاضعا لوالدته وسیطرتها بشكل كبیر مما سیهدد علاقتنا فكان لابد من تلك الوقفة حتى یعلم ما یغضبني. سافرنا واستمتعنا كثیرا بالمشاهد الجمیلة للبلدین لكني كنت أغض بصري عندما أرى مشاهد مُحرمة من عري وعلاقات خاصة في الشارع بینما كان علاء یتطلع لكل العاریات حولنا بفضول ، كما لاحظت أنه لا یهتم إن كنت أنظر لرجل أخر أولا ،كان فقط یهتم إن مدحت صفات غیره عندها كان یغضب بشدة، كذلك حاول كثیرا أن أتخفف من حجابي بحجة أننا في رحلة وعلینا أن نستمتع فسألته إن كان لا یغار علي فقال أنه واثق مني ومن نفسه فلم یغار؟ لم أفهمه ولكن
.بررت ذلك لنفسي أن اختلاف البیئتین اللتین تربینا فیهما هو سبب اختلاف شخصیاتنا وطباعنا
كان یتعجب من حرصي على الصلاة في أي وقت فسألته إن كان یصلي فأجاب أحیانا، فتعجبت لأنه كان
یحاول أن یظهر أمامي وكأنه منتظم في الصلاة أثناء الخطبة. كان أقسى ما في رحلة شهر العسل هي علاقتنا الخاصة فكنت أشعر بالرعب كلما لمسني لأن مشهد عنفه في لیلة الزفاف لم یزل حاضرا في ذهني ویتسبب في
.خوفي منه، ورغم أنه حاول أن یبدو أكثر رقة معي إلا أني مازلت أرتجف كلما لمسني رغما عني
عدنا لبیتنا وكان علینا أن نبدأ حیاتنا الواقعیة وحتى تنجح یجب أن نضع لها أسسا سلیمة فحاولت أن أعرف مایحبه ومایكرهه لكنه لم یكن واضحا ولا محددا، كذلك شرحت له أني لن أقبل أي تدخل في حیاتنا من أي أحد حتى لو كانت أمي أو أختي، وأني لن أتنازل عن التزامي لأي سبب، وبالطبع لن أقبل أن تكون هناك أخرى في حیاته. وطلبت منه أن أعمل كما وعدني في الخطبة فوافق أن أباشر حسابات معرض السیارات الذي كتبه والده .بإسم علاء فسعدت لأني سأحقق طموحي بالعمل
مضت بنا الحیاة وبالطبع ظهرت بیننا العدید من الاختلافات ولاحظت أن علاء لا یهتم بالعمل كثیرا بل یعتمد على والده الذي تجاوز الستین ومازال یعمل كشاب صغیر ومازلت طموحاته بلا حدود بینما علاء یحتاج من یدفعه للعمل دفعا وذلك بسبب أمه التي أقنعته أن لدیه من المال ما یجعله یوظف الأخرون ویكون رئیسا علیهم ولا یتعب هو من أجل أي شئ، تعجبت من منطقها كیف تشجع ابنها على البطالة؟ وكیف لا تدفعه لیكبر ویزید من مال أبیه الذي سیؤول له ولأخته في النهایة؟
كان والده سعیدا بنزولي للعمل معه وحماسي الشدید له بینما علاء لایأتي للعمل سوى ثلاثة أیام في الأسبوع فقط ویقضي الأیام الباقیة مع أمه وأصدقاؤه وكان یغضب من نزولي للعمل بینما هو متكاسل في البیت. خلال فترة بسیطة نلت ثقة والده وجعلني أتابع حسابات باقي المعارض أیضا لأنه یرى أني أكثر شخص جدیر بصیانة هذا المال لأنه مال زوجي وأولادي فیما بعد، وكلما سألني عن الأولاد أشعر بالخجل لأني لا أحب .تدخل أحد في حیاتي ولأن رغبة علاء بتأجیل الإنجاب لمدة عام حتى نستمتع بحایتنا معا كانت سرا بیننا.لاحظت أمه أني نلت ثقة زوجها وإعجابه مما جعل صورة علاء سیئة في نظر الكل فبدلا من أن تحرض علاءعلى العمل بجد ، حرضت زوجها على التخلص مني في العمل لأنه یجعلني أؤجل فكرة الإنجاب فرفض أن یتخلى عني إنما طلب مني أن أعمل من البیت وأحضر للعمل یومین في الأسبوع بصحبة علاء ورجاني أن أسرع بالإنجاب لأنه یرغب في العدید من الأحفاد. فكرت قلیلا ووجدت أنه مُحق وأننا یجب أن یكون لدینا طفلا وخاصة وأن أم علاء أشاعت لدى الجمیع أني لا انجب فكان علي أن أكذبها بالدلیل القاطع، كما أني كنت أعشق الأطفال وأتمنى أن يكون لي أولادي لأبثهم حبي وحناني،فقلت لعلاء أني .أشتاق لطفل یربطنا معا فاعترض في البدایة ثم استسلم لرغبتي
كان علاء كثیر الاعتراض على ملابسي الفضفاضة ذات الألوان الداكنة خارج البیت -حتى لا تُلفت النظر إلي- ورغم أن ملابسي في البیت كانت مختلفة تماما إلا أنه كان یرید أن یتباهى بجمالي أمام الناس فكنت أرفض وأقول أن جمالي له وحده فكان لا یعجبه ما أقول، كذلك كان یریدني أن أشارك أصحابه وزوجاتهم السهر
والحفلات التي بمناسبة وبدون مناسبة فكنت أرفض لما فیها من اختلاط وتجاوز للحدود في الكلام والسلوك وكانوا جمیعهم یروني مُعقدة وكنت أراهم مُتساهلین أكثر من اللازم فلم أنسجم معهم فانتهى بنا الأمر إلى أن علاء كان یتركني ویذهب لهم بمفرده ولما اعترضت وغضبت صار یذهب لهم دون أن یخبرني ویخترع لي أي مبرر كاذب لخروجه- وهو ما اكتشفته فیما بعد- وسهره. حاولت كثیرا أن أجذبه لعالمي وحاول أكثر أن
یشدني لعالمه وفشل كلانا فاكتفینا بأن نتشارك البیت ونحاول أن نجعل منه عالم خاص بنا، لذلك أصررت على الإنجاب فربما وجود الأطفال قد یجذبه لعالمنا ویجعله یستشعر المسئولیة وربما یتغیر، كم كنت واهمة ولم .أعلم أن الإنسان لا یتغیر إلا إذا أراد هو التغییر فعلا
في تلك الأثناء كانت لمیس تزورني باستمرار وكانت مبهورة بثراء علاء وأسرته وما یوفره لي من إمكانیات مادیة ورفاهیة في العیش، حتى أنها لامتني كثیرا على تغیبي عن حفلات أصدقاؤه ولما اعترضت بسبب :سلوكیاتهم قالت
افهمي انتي دخلتي دنیا جدیدة لازم تناسبیها وتغیري من طبعك عشان ترضي جوزك-
أرضي جوزي واغضب ربنا؟-
یاست الشیخة مش طاعة الزوج فرض زي ما یا ما صدعتینا وقولتیها ملیون مرة؟-
فعلا هي واجبه لكن لو تتعارض مع طاعة اﷲ یبقى طاعة اﷲ أوجب-
یاختاااي افضلي قاوحي لحد ما تیجي واحدة صح تاخده منك-
مافیش واحدة بتاخد احد غصب عنه ولو هو شایف إن فیه حد أحسن مني یتفضل یروح لها-
خایبة والمثالیة بتاعتك دي هتخرب بیتك-
وانتي تساهلك وطموحك اللي مالوش أخر ورغبتك إنك تكوني زي غیرك خربت عقلك ربنا یهدیكي-
طیب ممكن تخلیني أنا أروح معاه حفلة من دول یمكن أشقط لي عریس غني أنا كمان؟-
لأ طبعا-
لیه خایفة على جوزك مني؟ ولا خایفة أكون أحسن منك؟-
هبلة طبعا هاخاف على جوزي من أختي؟ كمان هو مستحیل یبص لك، والأهم أنا ما رضیتش أروح أماكن- .مشبوهة زي دي أقوم أبعتك انتي یا خفیفة العقل، یالا روحي شوفي مذاكرتك
لم تنقطع زیارتها عني فكنا رغم اختلافاتنا في كل شئ نظل نتحدث وتملأ أوقات فراغي بثرثرتها وأحاول نصحها وكانت أحیانا تجعل علاء یوصلها كلیتها لتتباهى بسیارته أمام زملائها ولم أكن أعترض فهي بمثابة
.أخته
بعد نحو شهرین كنت أقضي الیوم عند والدتي التي كانت مریضة وكنت أرعاها وأعد لها الطعام لأن لمیس المُدللة لا تعرف كیف تصنع طعاما وتنسى مواعید الأدویة فقضیت لیلیتین مع أمي وفي الیوم الثالث عندما شعرت بالتحسن بدأت أشعر أنا بألام شدیدة وقيء فأصرت أمي أن أذهب للطبیبة جارتنا التي طلبت مني إجراء بعض التحالیل ومنها اختبار الحمل الذي ثبتت إیجابیته ومن فرحتي لم أعد لأمي بل توجهت للبیت لأتشارك فرحتي مع علاء . دخلت البیت بهدوء لأفاجئه وفتحت كامیرا الفیدیو لأسجل فرحته وتظل تلك اللحظة ذكرى في حیاتنا لن ننساها- هكذا ظننت- ووجدت باب غرفتنا مواربا ویظهر منه علاء نائما على السریر ونصفه العلوي عاریا كعادته فاقتربت بهدوء وأنا أرفع الموبایل لیسجل لحظة دخولي وساعدني الظلام على ألا یراني، وبمجرد أن اقتربت شلتني المفاجأة إذ تحركت امرأة بثیاب فاضحة- تكشف أكثر مما تستر- تجاه علاء ومالت فوقه بدلال لتقبله وغرقا معا في بحر الغرام الملوث بالخطیئة. وقفت لعدة لحظات مشلولة العقل لا أصدق ما
:تراه عیني وما تُسجله كامیرا الموبایل وأفقت على صوتها وهي تقول بدلال
لحد امتى یا لولو هافضل أنا حبیبتك في الضلمة وهي مراتك في النور؟ أنا سلمتك نفسي عشان بحبك ولأنك- وعدتني بالجواز وبقالك شهرین بتلاوعني اوعى تكون بتحبها هي وبتضحك علیه؟
أحب مین دي عاملة زي العسكري أنا بحب القمر ده وبس اللي نور حیاتي كلها-
ماهو القمر كان قدامك وإنت اللي فضلتها علیه-
كنت معمي ومش شایف الفرق الكبیر بینكم رغم إنكم إخوات-
عندها لم أستطع تمالك نفسي وشهقت بقوة فانتبه الاثنان لي وظهرت ملامح الصدمة جلیة على وجه علاء أما :لمیس فلم تشعر بالخجل للحظة واحدة إنما قالت بغرور وتباهي
كویس إنك عرفتي ووفرتي علینا وقت ومناهدة، وافتكري إني نبهتك قبل كده لكن غرورك صورلك إنه-هیفضل متمسك بیكي
:تمالكت نفسي قلیلا وقلت
بتطعنیني في ضهري؟ بتخربي بیتي وتخونیني مع جوزي المتحرم علیكي عشان تثبتي إنك أحسن مني؟ ولا- عشان فلوسه؟
لنفس السبب اللي اتجوزتیه عشانه، طبعا عشان بحبه وماقدرتش أقاوم سحره، وإنتي عارفه إنه عاجبني من- زمان قبل ما یفكر حتى فیكي
أنا عمري ما تخیلت إنك تكوني بالحقارة دي-
بتلومیني لیه ما هو شریك معایا ولا أنا غصبته؟ ماهو جاي بإرادته-
هو مش من دمي فطعنته ماتوجعش زي طعنتك اللي هتقتلني-
بلاش دراما دلوقتي الوضع بقى واضح للكل-
:ثم قالت له
طلقها خلینا نتجوز-
:فقلت لها
قذرة بس العیب مش علیكي العیب علیه اللي افتكرتك أختي بجد اللي تصونني وتخاف علیه وفتحت لك بیتي،- والعیب على اللي محسوب على صنف الرجالة غلط اللي لا بیحترم نفسه ولا بیته ولا بیصون الحرمات بس .هاقول إیه أنا الغلطانة اللي افتكرته هیتغیر أتاري الطبع غلاب
:هنا تحدث علاء بغضب وقال
أنا ساكت لك عشان مقدر موقفك وغضبك لكن مش هاسمح لك تقلي أدبك علیه-
نظرت لهما باشمئزاز واستدرت لأخرج وانتبهت أن الموبایل مازال على وضع التسجیل فقررت أن أحفظ
:الفیدیو لینفعني عندما أشكوه لوالده الذي لن یصدقني إلا بدلیل. سمعت صوته من خلفي یقول
استني عندك رایحة فین؟-
رایحة لأبوك أحكي له عن ابنه المحترم وعمایله في بیتي-
:فقال ساخرا
ومش هتحكي له عن أختك المصون اللي مرمطت شرفكم في الطین؟ ومش خایفة من الفضیحة اللي هتطول-الكل؟
الفضیحة تستحقوها انتم الاتنین-
كلمتي قصاد كلمتك هاقول ما حصلش-
: هنا تدخلت لمیس وقالت بحدة
نعم؟؟ هتهرب من وعدك دلوقتي؟؟ وأنا هاقول حصل-
:فقال بغضب
وأنا هاقول إن دي لعبة انتم مرتبینها تزقي الهانم علیه عشان تلبسوني تهمة وتطلقي وتاخدي فلوس كتیر- عشان أبویا هیخاف من الفضیحة
:فنظرت له بذهول وقلت
إنت إیه شیطان؟ غلطان وبجح كمان؟ أي حد في مكانك یفكر یعتذر أو یراضیني لكن إنت بتفكر تلبسني - مصیبة وكل همك الفلوس؟؟تصدق إنت أكبر غلطة غلطتها في حیاتي أنا فعلا ما عرفتكش صح، بس أنا بقى لا هخاف لامنك ولا من عیلتك كلها وهافضحك وحقي هاخده ولو أبوك ما نصفنیش هاروح المحاكم وخلي اللي مایشتري یتفرج
:تركته وتوجهت للخارج فأمسك ذراعي بعنف وقال
خروج من هنا مافیش ومحدش هیعرف باللي حصل وإلا هاقتلكم إنتم الاتنین فاهمة؟-
:ثم قال للمیس بحدة
البسي هدمك وغوري ولو فتحتي بقك بكلمة تبقي فتحتي علیكي نار جهنم-
:فأومأت خائفة ولكني جذبت یدي من یده وقلت
أنا بقى مش خایفة منك واللي عندك اعمله أنا هاخرج-
فجذبني بعنف ورماني أرضا فارتطم جسدي بطرف السریر ورأسي اصطدمت بالأرض وبدأت تنزف ، وشعرت بدوار وبدأت الرؤیة تتشوش أمامي حتى غرقت في دوامة سوداء تجذبني للأسفل ولا أستطیع التنفس
.أو الخروج منها
:أفقت فوجدت نفسي على سریر بإحدى المستشفیات و أمي تجلس بجواري باكیة فقلت لها بصوت واهن
إیه اللي حصل؟-
كل خیر المهم إنك قومتي بالسلامة الباقي یتعوض-
هو إیه اللي یتعوض؟-
ال... بیبي نزل لما وقعتي واتخبطتي جامد-
:عندها تذكرت ما حدث فسألتها
مین اللي جابني هنا؟-
جوزك كلمني وقال إنه دخل الشقة ولاقاكي واقعة ومتعورة وكلم الإسعاف وجم أخدوكي-
كتر خیره، موبایلي فین یا ماما؟-
مش عارفة لازم في شقتك ماهو محدش كان فاضي یدور على حاجة وقتها-
:هنا دخل الطبیب وفحصني فقلت له
أقدر أخرج امتى؟-
بالنسبة للإجهاض ممكن النهاردة عادي لكن خلیكي معانا لبكرة عشان عندك ارتجاج في المخ وخایف یكون- تأثیره خطر علیكي
ممكن أخرج النهاردة وأوعدك هالتزم الراحة؟-
تفضلي نایمة في السریر بدون أي انفعال-
حاضر-
:طلبت من أمي أن تذهب معي لشقتي لأحضر بعض ملابسي فقالت
خلي علاء ولا لمیس یجیبولك اللي انتي عاوزاه-
محدش فیهم یعرف یجیبه لازم أنا عموما مش هناخد أكتر من 10 دقایق-
طب استني أتصل بجوزك ییجي یاخدنا-
مش مستاهلة هناخد تاكسي ونمشي-
استجابت لي أمي ولحسن حظي كان موبایل علاء مغلق فلم تستطع الاتصال به ، وصلنا الشقة وسألنا البواب إن كان علاء موجودا فأجاب بالنفي فصعدنا وفتحت الباب فوجدت علاء أعاد ترتیبها ومحى أثار وجود لمیس.
أحضرت حقیبة صغیرة ووضعت فیها مشغولاتي الذهبیة ودفتر حسابي في البنك وبعض الملابس التي أحتاجها وبحثت عن الموبایل فلم أجده فطلبت من أمي أن تتصل علیه فسمعت صوته یأتي من تحت السریرفمددت یدي وأخذته وقد أصیبت شاشته بكسر بسیط لكنه مازال یعمل، وضعته في حقیبة یدي وخرجت مع أمي
:من غرفتنا ففوجئت بعلاء أمامنا فرحب بنا وقال
مش كنتم تكلموني أجي أخدكم؟-
:فقالت أمي
طلبتك كتیر موبایلك مقفول-
یاااه أنا نسیت أشحنه عموما نورتي بیتك یا حبیبتي-
:لم أجبه فقالت أمي
هاستأذنك أخدها عندي على ماتخف-
ما تخلیكي معاها هنا-
: فقلت
أنا هاروح عند ماما أرتاح شویة-
: فقال بحنان مصطنع
اللي یریحك یا حبیبتي تعالوا أوصلكم-
ركبت بجواره صامتة وأمي تظن أن ذلك بسبب إصابتي وحزني على الجنین المفقود حتى وصلنا للبیت وصعد
:معنا یحمل عني الحقیبة وهو یقول
هامشي دلوقتي وهابقى أجي أطمن علیكي-
:فقالت أمي
ماتتحرمش منك ولا من حنیتك-
دخلت غرفتي وارتمیت على سریري ووضعت هاتفي في الشحن واتصلت بعمي وطلبت منه الحضور فورا لأمر عاجل فوعدني أن یصل إلى بیتنا عند أذان العشاء. أغلقت الهاتف ونمت بملابسي ولم أستیقظ إلا عندما أیقظتني أمي لأتناول طعامي حاولت الرفض لكنها أصرت فأكلت قلیلا ثم قمت فاغتسلت وبدلت ملابسي وأثناء :خروجي من الحمام قابلت لمیس التي قالت بدهشة
انتي خرجتي إمتى؟-
لم أجبها إنما دخلت غرفتي وأغلقت بابي واستغرقت في صلاتي ودعوت اﷲ أن یكتب لي الخیر وبعد الصلاة
تفحصت الموبایل فوجدت الفیدیو الذي سجلته ففتحته واستمعت إلیه للنهایة ودموعي تنهمر. عندها قررت أنهما لایستحقان بكائي وأني یجب أن أكون قویة. بكیت لیس لغدرهما بي إنما على حالي لأني لم أؤذِ أي منهما وهما لم یهتما بي، وخانتني أختي التي كنت لها دوما أختا وصدیقة وأدافع عنها وأفضلها عن نفسي وغدر بي زوجي من ظننته سیكون أماني وسندي في الحیاة، أبكي قلبا آمن بالحب والوفاء وظن أنهما حقا لهما وجود في هذا العالم. جففت دموعي ودعوت اﷲ أن یكون معي ویهدیني لفعل الصواب ، بمجرد انتهائي من الدعاء وصل :عمي فخرجت من غرفتي ووجدت أمي ترحب به قائلة
أهلا یا حاج مین اللي عرفك إنها تعبانة؟ لازم لمیس اتفضل أهلا وسهلا-
دخل عمي وطلبت من أمي الجلوس والاستماع لما سأقول وحكیت لهما الحكایة بالتفصیل وبالطبع كذبتني أمي فهي لن تصدق أن لمیس یمكنها أن تفعل ذلك، فهي مدللتها التي تبرر دائما أخطائها وتجد لها الأعذار. فتحت الفیدیو أمامهما وشاهداه وهما مذهولان وأمي تبكي :وتنتحب وأنا دموعي تنهمر في صمت وبعد لحظات استجمع عمي نفسه وقال
مالهاش حل غیر الطلاق وأنه یتجوز لمیس فورا-
:أرادت أمي الاعتراض فقال لها بحدة
عاوزه بنتك تكمل مع رجل خاین بینتهك حدود اﷲ؟ ولا عاوزة التانیة تفضل قاعدة جنبك بعد عملتها السودة؟- ما فكرتیش مین هیرضى یتجوزها؟ أنا هاتكلم مع أبوه كلام رجاله وما تدخلیش
اتصل بالحاج عبد الله الذي أتى فورا وحكى له ما حدث وأراه الفیدیو وجلس الرجل شاحبا ووضع یده على :رأسه وبعد دقائق قال
طلباتكم كلها مُجابة-
یطلقها طلاق بائن ویتجوز لمیس حتى ولو لشهر-
موافق وكل حقوقها هتاخدها-
طلقني علاء أمام المأذون واتفق عمي مع والده على أن یتزوج لمیس بعد انتهاء عدتي، وأصرت والدته على ألا تمنحني حقوقي المالیة فتصدى لها زوجها ووفى بوعده، وبعد انتهاء كل شيء أصر عمي على اصطحابي معه لبیته في الإسكندریة فهو یعلم أني لن أستطیع العیش مع لمیس في بیت واحد، وعندما أرادت والدتي :الاعتراض وقالت
تعیش عندك إزاي وسامر موجود؟-
أنا ما تفوتنیش الأصول سامر اتنقل شغله في البحر الأحمر وهو له شقته بتاعة الجواز جنبنا لما یرجع یقعد-.فیها، لكن حنان هتعیش عندي مُعززة مُكرمة
.سافرت مع عمي لابتعد عن علاء ولمیس فلم أعد قادرة على رؤیتهما ولاحتى على تنفس نفس الهواء معهما
الفصل الرابع
سافرت مع عمي للإسكندریة وأنا مُحطمة تماما قد یبدو جسدي متماسكا لكن جراح قلبي النازفة مازالت .مفتوحة وروحي مُهشمة تماما فكان على أن ابتعد لألملم شتات نفسي المكلومة بغدر أقرب الناس إلي
كان عمي خیر سند ومعین لي على تجاوز الأزمة ولكن زوجته منذ اللحظة الأولى لم تُبدِ ترحیبا بي فهي لم تنس أن عمي كان یرید الزواج من أمي في الماضي عندما كانوا جیرانا ولكنها فضلت أبي عنه، كذلك كانت تغار من اهتمام عمي الزائد بي فهو یرى أني احتاجه وأنه یعوضني غیاب أبي وهي تراني أتدلل وربما أرمي .شباكي لأتزوج سامر ولكنها لا تعرف أني كرهت كل الرجال وفقدت ثقتي في كل الناس
:قال لي عمي ذات یوم
عارفة أحسن حاجة تخرجك من اللي انتي فیه ده مش حبستك في أوضتك طول النهار ولا العیاط، لأ أحسن- حاجه بتنسي هي الشغل
أنا فعلا بادور على شغل بس للأسف معظم الفرص في القاهرة وأنا ما عندیش استعداد أرجع حالیا-
سیبیها على اﷲ وهو هیرتبها وأنا من ناحیتي هاوصي كل معارفي-
ربنا یبارك فیك یا عمي مش عارفة من غیرك كنت هاعمل إیه-
إنتي بنتي-
أرسلت سیرتي الذاتیة على كل مواقع الشغل ولكن لم یصلني رد، وعندما جاء سامر في أجازته كانت والدته في منتهى الضیق بسبب مبیته في شقته بسببي رغم أنه یمضي الیوم معنا فشعرت أني ثقیلة علیهم فقررت أن
.أقبل بأي عمل مهما كان راتبه ضئیل حتى لو كان في القاهرة سأعود وأسكن في بیت مغتربات
أعطیت سیرتي الذاتیة لسامر لعله یجد لي فرصة عمل في شركته أو لدى أحد من أصدقائه فوعدني خیرا،ولم تكن والدته تترك لنا الفرصة لنتحدث معا خوفا علیه مني، حتى حانت الفرصة حین انشغلت مع إحدى جاراتها :بالحدیث وجاءت لعمي مكالمة مهمة فقال لي سامر
عارف إن تجربتك قاسیة جدا لكن الحمد ﷲ إنك قدرتي تعدیها على خیر-
الحمد ﷲ وعارفة كمان إنها كانت مفاجأة تقیلة على قلبك ، بس احمد ربنا إنك بعید-
إنتي كنت عارفة؟-
طبعا كانت عینیك فاضحة مشاعرك بس احمد ربنا إنت تستحق الأحسن-
:عندها دخلت والدته وقالت بحدة
طبعا ده سامر یستحق ست البنات وتكون جمیلة وبنت ناس ومحترمة وأكید طبعا ما اتجوزتش قبل كده-
:قال سامر بحدة
..ماما-
:فقلت
طبعا یا طنط سامر ده أخویا وأتمنى له أحسن واحدة في الدنیا وهو یستاهل كل خیر-
أصل أنا حاطه عیني على بنت جارتنا بس هو یقول أه-
ربنا یرزقه باللي تستاهله وتصونه-
أیوة ادعي له أصلي خایفة علیه من ولاد الحرام ربنا یكفیه شرهم-
أمین تصبحوا على خیر-
:سمعت سامر یتشاجر معها ویقول
یاماما جرحتیها هي عمرها ما فكرت فیه ولا أنا فكرت فیها-
ماهو كان لازم الكلمتین دول عشان ما تفكرش أصل أبوك حنین وممكن یقولك انت أولى بیها بس عشان تبقى- فاهم عمري ما هارضى عنك لو اتجوزتها
إنتي فاهمة غلط خالص-
غلط ولا صح أدیها عرفت اللي في قلبي-
شعرت بوخزات في قلبي وأن الدنیا على اتساعها تضیق بي فلا أجد قلب یحن علي سوى قلب عمي ولا أجد
مكان یسعني بكیت ودعوت اﷲ أن یمن اﷲ علي بالفرج. مر علي شهران وأنا على نفس الحال أبحث عن عمل ولا أجد وأحتمل حنق زوجة عمي وكلماتها القاسیة التي ترمیني بها في كل لحظة ورغم انغماسي في أعمال المنزل نهارا وفي الكورسات التي التحقت بها على النت مساءا إلا أن لیلي كان طویل جدا وساعاته شدیدة
.القسوة فقد كانت تعید شریط ذكریاتي مرات ومرات
في ثالث زیارة لسامر بشرني أن صدیق له یعمل في فندق كبیر في شرم الشیخ ویحتاجون لمحاسبین حقا الراتب لیس كبیرا ولكن الوجبات والإقامة على حساب الفندق ، وافقت في الحال رغم تردد عمي وخوفه من أن :أعیش بمفردي فطمأنته وقلت له
مش هاكون لوحدي ده سكن الموظفین یعني مع أعداد كبیرة-
:وقال سامر
ماتخافش علیها أنا موصي عمر علیها جامد وقلت له دي مش بنت عمي دي أختي وحطها في عینیك وهو- وعدني، دي فرصة حلوة فندق كبیر وهتاخد خبرة ولما یتحط في السیرة الذاتیة بتاعتها بعد كده هیجیلها شغل .كتیر
:وقالت زوجة عمي
اللي زي حنان ما یتخافش علیها -
: فقال عمي بغضب
قصدك إیه؟-
:فقلت مدافعه عنها
هي قصدها إني جد وفي حالي ومش بتاعة مشاكل صح یا طنط؟-
أه طبعا-
وافق عمي في النهایة فسافرمعي حتى یطمئن علي وعلى كل ما یخصني وعندما تأكد أن العمل مناسب غادر :بعد أن أوصى عمر علي وقال لي وهو یودعني
أنا مكان أبوكي وبیتي مفتوح لك أي وقت لو احتجتي أي حاجة أنا موجود-
:قبلت یده وبللتها بدموعي وقلت
مش عارفة لو ما كنتش موجود كنت هاعمل إیه؟ إنت كنت ضهري وسندي والحضن اللي بیحمیني ربنا- یبارك في عمرك
ربنا یحفظك یا بنتي-
:اتصلت بأمي وطمأنتها على حالي كما أفعل كل یوم فقالت من خلال دموعها
یعني بدال ما بتقربي بتبعدي أكتر-
النصیب یا ماما بس لما أستقر هاخلیكي تیجي تقضي معایا یومین وتغیري جو-
ربنا یقرب البعید ویجازي ولاد الحرام-
الفصل الخامس
بدأت العمل وكنت كالعادة محل سخرية زملائي بملابسي المحتشمة الواسعة ذات الألوان الداكنة،لكني لم أبال بهم وسعدت بعزلتي عن الجميع التي منحتني الكثير من الوقت لأفكر في حالي وأتأمل حياتي
.بعد انتهاء عدتي تزوجت أختي من علاء وبعد أقل من شهرين أعلنت حملها مما يعني أنها ستظل زوجته للأبد، وإن فكر في طلاقها يوما سيظل بينهما طفل يربط بينهما لأخر العمر، فكان ذلك الخبر بمثابة صدمة لي.لقد كنت أنتظر عقاب الله لهما على خيانتهما ومكافئته لي على صبري واحتمالي وثباتي على مبادئي ولكن فوجئت بأنهما كوفئا على خيانتهما بالحياة معا وبطفل يربطهما العمر كله،بينما أقضي أنا حياتي وحدي بعيدة عن أمي وبيتي وكأني أنا المخطئة وليس هما.
تملكني ذلك التفكير حتى سيطر على عقلي وزلزل كل معتقداتي، وبدأت أفكر ماذا لو كانت هي على صواب ويجب أن أكون مثلها لأحصل على السعادة؟ فزميلات العمل اللاتي يكشفن عن أجسادهن ويضعن أطنان من الزينة على وجوههم لا يبذلن الكثير من الجهد وفي نفس الوقت يحصلن على المكافأت بينما أنا الملتزمة الغارقة في عملي وربما أبقى بعد ساعات العمل،لا أحد يقدر جهدي أو يُثني عليه بل أكاد أكون غير مرئية،إذا فالعيب في وليس فيهن.
ذات يوم قالت لى سهى زميلتي:
-مش لازم تكوني منحرفة وبتعملي حاجات غلط، لكن بلاش التزمت اللي انتي فيه ده، يعني البسي على الموضة، ألوان مبهجة،وبلاش اللبس الواسع ده ولا الألوان الكئيبة وخليكي اجتماعية، فيه حد عايش في شرم الشيخ وقال على نفسه زيك كده؟؟يابنتي فكيها شوية إحنا هنعيش حياتنا كام مرة؟ تأثرت بكلامها كثيرا وشغل تفكيري وخاصة وأن كل الزميلات والزملاء يتجنبونني مما زاد إحساسي بالوحدة.تقربت من سهى وبدأت في الخروج معها لأسواق المدينة وشراء الجديد،فاشتريت ملابس جديدة أقل اتساعا وبألوان مختلفة ونقوش متعددة، وكذلك نوعت في ألوان غطاء رأسي واشتريت أحجامها أصغر مما اعتدت شراءها.
ارتديت ما اشتريته أمام المرآة فوجدت نفسي إنسانة مختلفة، أصغر سناً ،وأقل شبابا، وأكثر جمالاً ،وتساءلت هل سيغضب الله علي بسبب مافعلته، فقلت لنفسي مبررة أنا لم أفعل شيئاً فمازالت ملابسي متسعة وساترة ولم أقصر في فروضي.
يبدو أن تغيير ملابسي كان إشارة للجميع إني بدأت في التغيير وسأصبح أكثر انفتاحا على المجتمع الذي أعيش فيه، فأصبح العديد من الزملاء والزميلات يتبادلون معي التحية وأحيانا بعض الكلمات القليلة.
كانت أولى الملاحظات على تغيير شكل ملابسي من عمر صديق سامر،حيث كان عمر رغم صغر سنه مديرا للموارد البشرية في القرية والكل يهابه بسبب منصبه بالإضافة لجديته الشديدة في العمل وفي العلاقات مع الزملاء، وهو الوحيد الذي لم تكن له علاقات مع الزميلات خارج إطار العمل.
كانت علاقته بي تنحصر في إطار العمل لذلك فوجئت بملاحظاته على ملابسي عندما قال:
-واضح إنك بدأتي تتأقلمي مع المكان وتغيري في شكلك وطبعك لكن خلي بالك وحطي حدود للتغير وماتخليش البحر يبلغك جواه.
لم أستطع الرد عليه لأن المفاجأة ألجمت لساني فالتزمت الصمت وأنا أتعجب لم يهتم بي؟لابد أن سامر ألح عليه أن يتابعني، لكني لم أعد تلك الطفلة الصغيرة التي تحتاج لمن يكون مسئولا عنها إنما أصبحت كبيرة بما يكفي لأحدد ماذا أريد بدون وصاية أحد.
انطلقت في حياتي لأنهل مما حرمت نفسي منه سابقاً،فجربت استخدام مساحيق الزينة والعطور، كما خرجت في نزهات مع الزملاء في داخل المدينة، وبالطبع كنت أقضي كل أجازتي في مقر عملي فأنا لا أريد العودة لزوجة عمي التي تكرهني وتخشى على سامر مني،كما لا أستطيع العودة لبيتنا حتى لا أضطر لمقابلة علاء ولميس وأرى نتيجة ثقتي العمياء في أختي، وإيماني بوجود حب في هذا العالم الذي لا يعرف سوى لغة المال والجسد فقط أما المشاعر فهي للحمقى فقط.
لم أرغب أن تأتِ أمي لزيارتي حتى لا توبخني على التغيير الذي قمت به في شكلي وحياتي،فقد استمعت لنصائحها العمر كله، واتبعت كل تعليماتها وكانت النتيجة هي الفشل في حياتي بسبب ما علمتني إياه. من اليوم أنا من سأقرر ماذا أريد أن أفعل وبأي طريقة، وأنا التي سأحدد كيف أعيش حياتي.
مرالعام علي وأنا أعيش بعيدا عن بيتي وأهلي وحياتي السابقة، وكل زملائي يتعجبون كيف لا أتلهف على النزول في أجازات مثلهم أو على الأقل أستضيف أهلي، فلم أجبهم فحتى أمي الأن نسيت جريمة لميس وعلاء في حقي ،وغفرت لهما بل وذهبت لتبقى مع لميس التي أنجبت طفلها محمدونسيت آلامي وأحزاني،فلم يعد لي من أهتم به فقررت أن أهتم بنفسي فقط.
أخبرتني سهى زميلتي بأن أحد معارفها ينظم رحلة 4أيام لدهب وكانت حجزت معه هي وبعض الزملاء، لكنها مضطرة للنزول للقاهرة بسبب مرض والدتها ففرحت وطلبت منها أن أحل محلها في تلك الرحلة فسعدت بذلك كثيرا حتى لا تضيع عليها فلوس الرحلة.
أعطتني رقم أحمد منظم الرحلة فاتصلت به وأخبرته أني من سأحل محل سهى فرحب بي وأخبرني أنه سيضيف رقم هاتفي على جروب الرحلة على الواتس آب. كانت الرحلة في اليوم التالي فأخبرنا على الجروب بمواعيد التحرك وبرنامج الرحلة، ولاحظت أن معظم المنضمين للرحلة فتيات وكلهن يتبادلن معه الضحك ويرفعن الكلفة تماماً،فالتزمت بموقف المشاهدة حتى أتعرف على الجميع.
في يوم الرحلة وجدت أحمد شابا تجاوز الثلاثين عاما ببشرة سمراء وعيون سوداء وشعر أسود مجعد وابتسامة لا تفارق شفتيه، تعامل معي بمنتهى الاحترام بينما لاحظت أنه على معرفة سابقة بباقي الفتيات و يتبادلون المزاح، وبمجرد انطلاق الأتوبيس انطلقت الأغاني المرحة وجذبتني الزميلات لمشاركتهن الغناء والمرح، سرعان ما اندمجت ونسيت كل تحفظاتي السابقة. بمجرد وصولنا كانت الكلفة بيني وبين كل المتواجدين في الرحلة قد زالت، ولاحظت نظرات الإعجاب في عيني ا مد، فأرضى ذلك غروري وأعاد لي ثقتي بنفسي كأنثى والتي دمرها علاء يتجاهله لي كثيراً ثم بخيانته.
بعد أن سكنا الغرف في الفندق اتفقنا جميعا على النزول للاستمتاع بالبحر قبل الغروب،وبالفعل تجمعنا ونزلنا البحر ولعبنا بالكرة، وبعد أن خرجنا جلسنا نمرح ونمارس بعض الألعاب ثم اتفقنا على اللقاء بعد وجبة العشاء للخروج للمدينة.كل لحظة كانت تمر علي كنت ألاحظ فيها نظرات أحمد التي لم تفارقني وابتسامته التي جذبتني إليه.توجهنا إلى أحد الجبال لقضاء سهرة بدوية واندمجنا في الغناء والمرح، بل أن معظم الفتيات رقصت مع أحمد وغيره لكني لم أشترك في ذلك فمازال لدي باقي حياء يمنعني.كان برنامج الرحلة حافل ولم يكن أحمد يترك لنا ولو لحظة واحدة بدون مرح وصخب ومكان جديد نمارس فيه السباحة أو الغطس ولما حاولت الرفض جذبني أحمد من يدي وقال:
-ماتخافش وأنا معاكي مش هاسيبك تغرقي
ابتسمت وأنا أتذكر وعود علاء التي لم يفِ بأي منها، لكن بالفعل لم يتركني أحمد وكان دائما بجواري، وعندما حانت اللحظة التي سيركب فيها الجميع دراجات نارية على الشاطئ رفضت لأني لا أعرف كيفية قيادتها فقال لي أحمد:
-اركبي معايا وماتخافيش لكن ماتحرميش نفسك من متعة الركوب
ترددت كثيراً في فكرة الركوب فسأكون قريبة منه جدا،بل ملتصقة بجسده وهو ما أخافني من ضعف نفسي أمام رجل شديد الوسامة مثله، وكما عرفت منه أننا متشابهان فكلانا منفصل لسبب ما،ترددت أكثر لخوفي من تعلقي به وأنا لم أعد أؤمن بالحب وفقدت ثقتي في نفسي بل وفي الجميع.أفقت من شرودي على صوته يقول برقة:
-هتركبي معايا ولا خايفة مني؟
نظرت في عينيه وقلت له:
-لأ مش خايفة منك يالا بينا
ركبت خلفه وحرصت على ترك مسافة بيننا وأمسكت بالجوانب المعدنية للدراجة ولكنه زاد من سرعته ولم تكن الأرض ممهدة فشعرت أني على وشك السقوط فوضعت يدي حول خصره، ومنذ تلك اللحظة اختلفت نظراته وطريقة كلامه وأصبح جلوسه في أي مكان بجواري، وصارت ابتسامته لي وحدي.
عند عودتنا في المساء للفندق كان ينظر إلى ويتحدث ولم يلاحظ الباب الذي فتحه أحد العمال فجأة فارتطم بجبهته وتسبب في جرحها فارتبك العامل واعتذر، فتقبل أحمد اعتذاره ووضعت منديلي على جبهته التي كانت تنزف بغزارة، واصطحبته إلى غرفته وبدون تفكير دخلت معه ،وطلبت منه أن يتمدد على الفراش حتى لا يصيبه الدوار ثم اتجهت للحمام وبللت منشفة ومسحت الدماء العالقة على جبهته.
كان ينظر إلي بصمت بدون كلمة واحدة فظننت أنه يخفي ألمه خجلا أو يشعر بالدوار فبللت المنديل بعطره لأطهر له الجرح، وفي تلك اللحظة أدركت كم أنا قريبة منه وأن أنفاسه الساخنة المتلاحقة تلفح وجنتي. أردت الانصراف لكنه جذبني إلى السرير بجواره وفي لحظات قيد حركتي وبدأ يغمرني بقبلاته، فاجئني تصرفه فتجمدت في مكاني للحظات لا أبدي أية مقاومة، فظن أن ذلك استسلام مني فبدأت يده تعبث في ملابسي عندها انتفضت وحاولت دفعه بكل قوتي ففشلت لأنه الأقوي فضربته بركبتي في معدته فتألم وخفف قبضته عني فاستطعت التخلص منه وجريت تجاه الباب. بالطبع كان أسرع مني وأمسكني بقوة من ذراعي وقال وشياطين الغضب والرغبة تمتلكه:
-إيه فجأة افتكرني إنك شريفة؟أمال من أول ما شوفتيني وعينيك مانزلتش من عليه ليه؟ وسيبتيني ليه أمسكك في البحر؟وكنتي ليه بتحضنيني وانتي راكبة ورايا؟والأهم إيه اللي جابك معايا أوضتي؟
-انت فهمتني غلط أنا ما قصدتش اللي جه في بالك ده خالص؟
-لأ يا شيخة؟انتي هتعمليهم عليه؟أنا مر عليه زيك كتير وكلهم استسلموا في الأخر
-أرجوك أما أنا مش زيهم ماليش في الحرام
-قولتيلي أمال جاية أوضتي وبتعامليني بحنيه ليه عشان نصلي التراويح سوا ؟بتعملي كل المسلسل ده عشان نتجوز؟وإيه اللي يضمن لي إني لو اتجوزتك ما تروحيش مع غيري أوضة نومه بسهولة زي ما جيتي معايا؟
لم أشعر بنفسي إلا وأنا أصفعه وأقول:
-اخرس، أنا أشرف منك ومن كل اللي تعرفهم
ففوجئت به ينهال على بالصفعات والركلات والشتائم البذيئة ثم أمسك بشعري الذي أفلت من تحت حجابي بمنتهى القوة ورماني خارج غرفته وصفع الباب خلفه.
كانت إهانة لم أتعرض لمثلها في حياتي،فلم تؤلمني جسدياً فقط إنما آلمني سوء ظنه بي ، هل معني أني مطلقة أني أبحث عن أي علاقة جسدية؟هل رخصت نفسي لتلك الدرجة بتهاوني معه ومزاحي ورغبتي في تجربة كل ما حُرمت منه؟هل يراني الجميع بنفس الصورة؟
استجمعت نفسي ونهضت وذهبت لغرفتي وحمدت الله أن شريكتي بالغرفة لم تكن موجودة،فدخلت الحمام لأغتسل وعندما خرجت ووجدت شريكتي جاءت فأصابها الذهول عندما رأت الكدمات على وجهي ويدي فأخبرتها أني سقطت أثناء الاستحمام وأني سأتناول حبة مسكن وأنام،نظرت إلي وقالت:
-لو عوزتي حاجة صحيني أنا نومي خفيف
شكرتها ونمت وأنا أفكر في مغادرة الفندق لكن تراجعت لأن ذلك سيفتح باب الشائعات، فقررت أن أكمل اليوم الباقي في الرحلة وأن أتفاداه تماماً.في الصباح غادر الجميع لرحلة بحرية فاعتذرت بسبب إحساسي بالألم بسبب إصابتي، حتى أني طلبت من إدارة الفندق أن تحضر لي الطعام في الغرفة.
بعد أن تناولت طعامي وشربت الشاي ارتديت غطاء للرأس كبير ليخفي الكدمات على وجهي ورقبتي،كما استخدمت نظارة شمسية عريضة تغطي معظم وجهي وجلست بمفردي على الشاطئ أراقب البحر وأفكر في حياتي التي انقلبت رأسا على عقب منذ دخول علاء فيها. حاولت أن أعرف الخطأ الذي ارتكبته،هل هو أن أحببته؟ام أني بذلت كل جهدي لإسعاده ومساعدته في عمله؟هل كان عيبي الإخلاص؟أم أن تربيتي الصارمة والتزامي بديني هما السبب؟لم أعرف كنت أريد مواجهته لأعرف ما العيب الذي جعله يخونني ويفضل لميس عني.حتى عندما تغيرت وأصبحت أشبه لميس في تحررها وانطلاقها لم أجد القبول والحب بل وجدت من يرغب في جسدي فقط، وكأن الكل لا يرى أني أستحق الحب
أفقت من أفكاري على رنين هاتفي الذي لم أجب عليه منذ مجيئي إلى هنا وتعجبت إذ وجدته عمر وبمجرد أن أجبت وجدته يقول غاضباً:
-إنتي فين ما بترديش على موبايلك ليه؟عمك وابن عمك غلبوا يتصلوا بيكي وفي الأخر عمك قلق عليكي وكلمني ولما ماردتيش كلمت واحدة من الزميلات فقالت لي إنك كويسة ومبسوطة على الأخر وناسية كل حاجة
صمت للحظات فقلت له بحدة:
-مين إداك الحق إنك تتجسس عليه؟وبصفتك إيه؟
-عمك اللي اداني الحق ده يوم ما جابك هنا وقالي خلي بالك من دي زي أختك
-أنا كبيرة بما فيه الكفاية عشان أقدر أرتب أموري ومش محتاجة وصايتك ولا تدخلك.
-ماهو يا كبيرة لو ماكنتش اتدخلت وطمنت عمك عليكي كان زمان الراجل الكبير عندك لأن القلق كان مموته عليكي، فياريت يا كبيرة تبطلي تفكري في نفسك وتفكري في اللي حواليكي شوية.
-وفر نصايحك الغالية دي لحد تاني، وبعدين مافكرتش يا عاقل يا رزين إنك لما تكلم زميلة تسألها عني هتفتكر إيه وخصوصاً وأنا مُطلقة يعني موضع شبهة أصلاً ؟بدل ما تطمن عليه هتخلي سيرتي على كل لسان، مش هترتاحوا كلكم غير لما أروح مكان محدش يعرفني فيه ولا يعرف يوصلي، ياريت كلكم تسيبوني في حالي مش عاوزة حد يهتم بيه ولا يخاف عليه فاهم؟
قلتها بصراخ حتى أنه صمت ثم قال بهدوء:
-أنا أسف إني اتدخلت في اللي ما يخصنيش بس بصراحة كنت فاكرك قوية وقدرتي تتغلبي على أزمة طلاقك لكن واضح إنك لسه تحت تأثيرها ويقيتي ما بتفكريش غير في نفسك، عموما أنا بلغتك الرسالة وانتي حرة ، مع السلامة.
أغلق الهاتف وتركني أفكر هل حقا يراني أنانية لا أفكر إلا في نفسي؟وضعيفة حطمتني الخيانة؟ربما حقا أنا كما لن أدع أحد بعد اليوم يتدخل في حياتي. اتصلت بعمي وطمأنته على حالي وأخبرته أني إن احتجت لأي شئ لن أتردد في الاتصال به فليس لي سواه. كما اتصلت بأمي وأخبرتها أني بخير وعندما طلبت مني العودة لأكون بجوارها وتطمئن علي قلت لها بسخرية:
-هتجيبي لي وقت منين؟انت وقتك كله للميس وابنها ،ولا هتاخديني معاكي اربيه لها؟
سكتت أمي للحظات وشعرت بحيرتها وكم آلمتها كلماتي فقلت بهدوء:
-أنا كويسة وباعرف اعتمد على نفسي ،ماتقلقيش
أغلقت الهاتف وأنا أشعر بالألم فالكل يمنح الجانية الحب والرعاية، ونالت هي كل شئ، بينما أنا المجني عليها مكتوب علي الاغتراب والعيش وحيدة بلا أهل أو أصدقاء،بل علي أن أتحمل نظرات واتهامات المجتمع لي لأني مُطلقة دون أن أجد من يدافع عني، بل يحاول الكثيرون استغلال ظروفي.
تناولت الغداء في المطعم وعدت للشاطئ لمشاهدة غروب الشمس،ثم عدت لغرفتي حتى لا أقابل أي أحد من رفقاء الرحلة ونمت مبكرا استعدادا للمغادرة في الصباح. غادرنا الفندق وتجنبت الحديث مع أحمد بقدر استطاعتي وتبادلت الأماكن مع زميلة فابتعدت عن مكان جلوس أحمد ،وبمجرد عودتنا لمكان عملنا حرصت على النزول سريعا لأهرب من أي احتكاك بيننا لكنه لم يتركني إنما ناداني ليستوقفني فوقفت وقلت له بغضب:
-خيرعاوز مني إيه؟
-اتعلمي إن اللي مايقدرش على العفريت ما يحضروش، لما انتي مش أد واحد زيي ما تشاغليهوش، وماتفتكريش نفسك أنصح واحدة وبحركاتك المكشوفة دي هتوقعيني في شباكك واضطر أتجوزك
شكرا على النصيحة بس أحب أقولك إنك مغرور جدا وإني مافكرتش نهائي إني أتجوزك
-يبقى زي ما فهمت كنتي عاوزة صحوبية وبس أومال رجعتي في أخر لحظة ليه؟
-اخرس أنا أشرف منك ومن كل اللي تعرفهم، أنا غلطت إني اتساهلت معاك في تصرفاتي وده خلاك تظن فيه ظن وحش زي اللي جوه نفسك،لأن الوحش بيفتكر الناس كلهم وحشين.
أمسك ذراعي بغضب وقال:
-بت ما تعمليهمش عليه أنا فاهمك كويس وعقابا على قلة أدبك دي هافضحك بين زمايلك وأخليهم يعرفوا حقيقتك
وقبل أن يكمل كلامه ظهر عمر ونزع يده من على ذراعي وقال بحدة:
-مش الرحلة خلصت؟يعني مالكش شغل لسه هنا، فياريت تتفضل تمشي وماتعطلش الناس
-وانت مين بقى مسئول الأمن هنا ولا البودي جارد بتاع الهانم؟
-لأ أنا اللي هاعلمك الأدب وأعرفك إزاي تحترم المكان والناس اللي بيأكلوك عيش
واتصل عمر بالأمن فاصطحبوا أحمد للخارج ونظر إلى وقال بغضب:
-تقدري اتفضلي على سكنك
انصرفت بحزن وعلمت بعدها أن عمر تقدم بشكوى للإدارة تمنع التعامل مع أحمد في تنظيم أي رحلات سواء للعاملين أو للسياح بسبب سوء سلوكه.
الفصل السادس
عدت لعملي وروتين حياتي ولكن لم تتركني الهمزات والغمزات من زملائي عما حدث مع أحمد ودفاع عمر عني، وبعد أن كنت متورطة مع رجل واحد أصبحت متورطة مع اثنين. كنت في نظر الجميع تلك المطلقة التي تسعى وراء الرجال للإيقاع بهم في شباكها والحصول على زوج بأي طريقة. تسبب ذلك في إبعاد الزميلات المحترمات عني وخوفهن من قربي حتى لا ألوثهن معي ولم تفكر أي واحدة منهن أن تسألني أو تتأكد من صدقي أو كذبي، فأنا لا أعني أي شئ لهن، لست إلا مجرد زميلة عمل.أما الرجال فتغيرت معاملتهم معي وصارت أكثر انفتاحا ومهما حاولت صد أي منهم لم أفلح لأنه يظن أني أسعى للزواج، بينما يعتقد بقليل من الإغراءات سأخضع له.شعرت بالاختناق في هذا الجو الموبوء، ولم يكن لي أحد لأتحدث معه وأشكو له همي،فتربية أمي الصارمة وخوفها الشديد علينا منعني من الصداقة مع أية فتاة في سني فأمي كانت تظن أنها كافية لنا وأننا لا نحتاج لسواها ممن قد يجروننا للخطأ. لم أدرك كيف أخطأت بحقنا إلا اليوم فقد حرمتني من التجربة والخطأ واليوم أنا أدفع ثمن مالم أفعله أو أتعلمه في مرحلة المراهقة،كما أن لميس كانت تفعل عكس أوامر أمي دون أن تخبرها وهاهي النتيجة.
فكرت أن ألجأ لعمي لكني لن أسلم من لومه وتأنيبه وكذلك من شماتة زوجته،فلجأت لله باكية فليس لي ملجأ سواه، ورغم شدة تقصيري إلا أني أطمع في عفوه وكرمه،دعوته كثيرا وبكيت بين يديه وتضرعت إليه أن يفك كربي.
بعد عدة أيام مرت على كأنها الدهر بسبب تنكر زميلاتي لي وابتعادهن عني وسخافة الزملاء معي ومحاولتهم الوصول إلى بأي طريقة فأنا في نظرهم امرأة سهلة، فوجئت. باتصال من عمر فلم أجبه فأعاد الاتصال عدة مرات حتى أجبته بحدة وقلت:
-عاوز إيه؟مش كفاية سمعتي اللي بقت في الأرض بسببك؟
-وأنا عاوز أكفر عن ذنبي وجبت لك شغل في مكان تاني
صحيح؟فين؟
هو مكان بعيد شوية بس ناس محترمين وأعرف مديرة الموارد البشرية بنفسي، في فندق في الغردقة
-موافقة
-بس..
-إيه تاني
-مافيش بس السكن هيكون على حسابك
-مش مشكلة هاتصرف
-خلاص هاكلمها دلوقتي عشان تتواصلي معاها هي اسمها سالي
فقلت بسخرية :
-واضح إن حبايبك كتير
فقال بحزن:
-انتي بتعاني من سوء الظن فبلاش تبقي زيهم
-معاك حق
-هابعتلك رقمها على الواتس وكلميها حالا
-ماشي شكرا على كل حال
-ياريت أكون كفرت عن ذنبي وسامحتيني
-ربنا يسامحنا كلنا
اتصلت بها واتفقت معها على كل تفاصيل العمل وأخبرتني أن العاملات هنا يؤجرن شقق مشتركة وأن الشركة المالكة للفندق تمتلك فندقا في مرسى علم وتحتاج لمحاسبين جدد وتوفر لهم الإقامة ولكنها تخشى علي من بعد المسافة، فطلبت منها أن ترشحني للعمل في مرسى علم فأنا أريد البعد عن البشر تماما وليس لي أحد لأذهب إليه في القاهرة فوافقت وطلبت مني أن أستعد للعمل منذ بداية الشهر. اتصلت بعمر وأخبرته بالتفاصيل فصمت ثم قال:
-إنتي هتعيشي كده في عزله
-أحسن ما أخدتش من الناس غير وجع القلب والبعد عنهم غنيمة
براحتك المهم هتقولي لوالدتك وعمك؟
-طبعا ماباعملش حاجه من غير ما تقولهم
-ربنا يوفقك
بدات إجراءات الانتقال وسط تعجب الجميع الذين حاولوا كثيرا معرفة إلى أين أنتقل فلم أخبرهم، حتى قالت إحدى الزميلات:
-إحنا بندوخ على ما نلاقي شغل وإنتي سهل كده تغيري من مكان لمكان؟!
فقالت أخرى:
-تلاقي معارفها الكتير مش بيبخلوا عليها وكمان تلاقيهم ناس مهمين مش زيك عارفه بتاع الريسبشن والشيف
ضحكتا معا ولم أجبهما وغادرت دون أن أودع أحد أو أخبر أحد بيوم مغادرتي،فليس لي أحد هنا ولا أريد أن يلاحقونني بنفوسهم المريضة وسوء ظنهم.
أرسلت لعمر عندما وصلت لمكان عملي الجديد رسالة شكر ووداع، أما أمي فلم تستمع لمعظم ماقلته لأنها كانت منشغلة في محاولة تهدئة ابن لميس الذي لا يكف عن الصراخ.وحده عمي الذي شعر بالقلق علي لبعد المسافة ولكني طمأنته.
قررت أن أعيد حساباتي في كل حياتي وتصرفاتي وتعاملي مع الناس.
الفصل السابع
بدأت عملي واعتزلت الجميع واكتفيت بالتعامل الرسمي مع الجميع،وكان معظم رواد القرية من الأجانب الروس والألمان ففكرت أن أتقن اللغة الإنجليزية ثم اتعلم لغة أخرى لأطور نفسي، وبالفعل استغليت فترة المساء في التعلم عبر الإنترنت وممارسة ما تعلمته في الحديث مع الأجانب.
سعدت بحياتي الجديدة التي لم يسأل عني فيها أحد سوى عمي وأمي أحيانا،وكانت سالي من حين لأخر تسأل عني إن كنت سعيدة في عملي أم تواجهني المشاكل، فكنت أشكرها وأخبرها أني سعيدة.
مر ثلاثة أشهر على عملي هنا وكنت أشعر بصفاء نفسي فقد اعتدت وحدتي وبعدي عن الناس حتى كانوا يسمونني المغرورة لأني لا أتحدث مع أحد في أي شئ خارج العمل،فلم أبال ِ .
وذات يوم أثناء أجازتي فوجئت باتصال من عمر فلما أجبت قال بجدية:
-انتي فين؟
-نعم؟
-باقولك إنتي فين؟
-شكلك اتجننت إنت كمان هتحاسبني على تصرفاتي وإنت بعيد
بس أنا مش بعيد
-أفندم؟من فضلك ياتقول انت عاوز إيه يا هقفل
-مش أنا اللي عاوز ابن عمك هو اللي عاوزك حتى كلميه
-ألو ازيك يا حنان
-سامر ، خير فيه حاجة؟
-لأ أبدا أنا اخدت أجازة فقلت أجي أشوف مرسى علم اللي بيحلفوا بجمالها واطمن عليكي بتعليمات من الحاج
-تسلم يارب ، قولي انت فين
-أنا في ريسبشن الفندق
-طيب ثواني وجايه
ذهبت لاستقبال الفندق وأنا مضطربة ولا أعلم ماذا حكى له عمر عني وخاصة وأن حكايا الزملاء وما أساعه أحمد عني شئ مخجل.
وصلت فوجدتهما في انتظاري وهما يبتسمان ومعهما امرأة لا اعرفها فقال سامر:
-لأ كده هتشجعيني اتنقل مرسى علم ، دي شكلها هترد الروح فيه
فضحكت وقلت:
-مكان هادئ ومريح للأعصاب جدا
.تعالي اعرفك بمديرتك الأستاذة سالي
-اهلا وسهلا يا فندم فرصة سعيدة
فقالت بابتسامة جذابة وهادئة في آن واحد:
-بلاش رسميات إحنا تقريبا في نفس السن
فقال عمر أخيرا:
-دلوقتي عندنا مشكلة أنا وسامر لقيوا لنا مكان عشان كنا حاجزين لكن سالي مالهاش مكان، كل الغرف مشغولة.
فقلت:
-ده حقيقي عندنا جروب روسي شاغل الغرف كلها، لكن لو سالي تحب ممكن تشاركني السكن بتاعي
فقالت:
-اخاف تضايقي
-لأ أبدا ده انتي تنوري
فقال سامر مبتسماً:
-كده اتحلت يالا نطلع الشنط ونبدأ يومنا مش عاوزين نضيع وقت.
قضينا اليوم معا على شاطئ البحر،ثم نال منهم التعب فذهبا لغرفتهما، واتفقنا على اللقاء في السابعة عند موعد العشاء.
ذهبت للسكن مع سالي وسألتني:
-انتي مابتنزليش اجازات خالص؟
-لأ
-ليه؟ده كل الناس بتتخانق على الأجازات.
-ماليش حد انزل عشانه، والدتي مشغولة بأختي وابنها الصغير، ووالدي متوفي
-طيب ليه ما اشتغلتيش في القاهرة؟
-ظروف
-عشان كده قبلتي بالشغل في مرسى علم.
-عاوزه أبعد عن الناس ودوشتهم وآذاهم
-حتى عن عمر؟
-عمر؟؟
-قصدي يعني حتى عمر آذاكي؟
-يمكن كانت نيته كويسة لكن برضه آذاني، وأنا مابقتش مستحمله لا آذية ولا غدر.
-ماتفتكريش انتي بس اللي عندك ظروف وحشة وتجارب سيئة، كلنا عندنا برضه لكن بتختلف من واحد التاني، حاولي تنسي وارجعي عيشي حياتك.
سكت ولم أجب ودخلت الحمام لأغتسل فخرجت ووجدتها غارقة في النوم فأخذت معي إحدى الروايات والموبايل والمفتاح وخرجت لأجلس وحدي على البحر وأستمع من موبايلي لصوت فيروز الذي يجعلني أحلق في السماء وبدأت في القراءة حتى الغروب فبقيت أتأمل ذلك المشهد البديع حيث يختفي قرص الشمس البرتقالي خلف جبال البحر الأحمرتاركا ألوانه لتنعكس على موجات البحر الناعمة .
كان مشهدا مؤثرا سلب عقلي وأثر في كل كياني ،لكني أفقت على صوت عمر يقول بهدوء:
-انتي زيي من عشاق الغروب؟
-باشوف فيه نهاية كل حاجة حلوة بتغرق في ضلمة مالهاش أخر.
-ماهو برضه الشروق عبارة عن نهاية كل ضلمة بنور يملا الكون، هي دي سنة الله في كونه،لحظات نور ولحظات ضلمة بس المهم نكون على يقين إن كل ضلمة بعدها نور.
-وكل نور بعده ضلمه تطفيه.
-بصي دايما للجانب الإيجابي في كل حاجة هتلاقي حياتك اتغيرت.
-زمان كنت زيك كده متفائلة، لحد الزمن ما علمني إن كل دي أوهام، عن إذنك هاجهز نفسي للعشا وأصحي سالي.
انصرفت وأنا أتساءل عن السر الذي يجعله يتبعني، هل هو طامع في كغيره؟ولكن هل كان سامر سيسمح له بذلك؟ماذا يريد مني؟ألا يعلم أني اكتفيت مما يسببه الرجال من آلام؟ وسئمت غدرهم؟؟
وصلت للسكن فوجدت سالي نهضت واغتسلت وقالت:
-كويس إنك جيتي كنت لسه هاتصل بيكي، يا دوب هاصلي وألبس.
-أخيرا لقيت حد بيصلي مش كل ما يشوفوني باصلي يتريقوا عليه
فضحكت وقالت:
-مش يمكن غيرانين إنك قريبة من ربنا وهم لأ؟ ادعي لهم بالهداية
عندها تذكرت سخرية علاء ولميس مني وتلقيبهم لي بست الشيخة، وكذلك سخرية زميلاتي في العمل مني واطلاقهم نفس اللقب علي وكأنه سبة وليس فخراً.
صليت فرضي وبدلا ملابسي وخرجت مع لميس وقلت لها بفضول:
-انتي مش مخطوبة ولا متجوزة؟
فضحكت وقالت:
-ليه عندك عريس؟
-لأ بس واحدة زيك وفي مكانتك وشخصيتها الاجتماعية دي ليه ما اتجوزتش؟
-اول قصة حب في حياتي فشلت بسبب ظروفنا المالية المتواضعة هو سافر واشتغل في الخليج وهناك اتعرف على ست أجنبية غنية اتجوزها وسابني ومن ساعتها فهمت إن مافيش حاجه اسمها حب، فيه توافق أو تفاهم بين اتنين، وعرفت إن شغلي وفلوسي هم سندي في الدنيا بعد ربنا وأهلي، ولحد دلوقتي مالقيتش راجل يستاهل إني أرتبط بيه ويكون بيننا تفاهم واحترام
ابتسمت وقلت لها:
-الدنيا دي مش مريحة حد
تناولنا العشاء مع عمر وسامر ثم بدأت فقرة استعراضية تقدمها فرقة متعاقدة مع الفندق وكان اليوم مخصص للرقص النوبي مما أشاع البهجة في نفوس الجميع. استمتع الأجانب بالفقرة وانسجموا معهم في الرقص، ثم طلب أحد أعضاء الفرقة منا مشاركتهم في الرقص فنهضوا جميعاً وبقيت وحدي وتذكرت يوم زفاف أخت علاء ومر أمامي شريط الذكريات المؤلمة، فنهضت وتركت الصخب واتجهت نحو الشاطئ الهادئ الذي يكاد يكون خاليا إلا من بعض الرواد الذين يبحثون عن الهدوء. جلست وحدي أتأمل البحر ودموعي تنساب على وجنتي،وبعد عدة دقائق انتبهت لعمر الجالس بجواري يقول:
-مش كفاية حزن وبكا على واحد ما يستاهلش
-وانت عرفت منين حكايتي؟هو سامر حكى لك؟
-لأ بس أنا عارف إنك مُطلقة وشايفك دايما حزينة وواخدة موقف عدواني من الرجالة، فأكيد اللي عمل فيكي كده راجل وثقتي فيه وجرحك أوي، ومن خلال معرفتي بيكي عرفت إنه مايستاهلش لأن اللي يفرط في واحدة زيك يبقى غبي
-إنت اللي بتقول كده رغم إنك عارف اللي حصل مع أحمد؟
-أنا ماعرفتش التفاصيل، بس أكيد ما عملتيش حاجة غلط وإن عملتي محدش منا معصوم من الغلط
بس أنا فعلا ما عملتش حاجة غلط يمكن غلطتي إني اتساهلت معاه شوية فافتكر إن دي إشارة له معناها إني هوافق على أي حاجة.
هو انتي ما كانش عندك اي تجارب او قصة حب قبل جوازك؟
-تربيتنا كانت شديدة بسبب وفاة والدي واحنا صغيرين وكانت أمي شابة فكانت خايفة علينا من كلام الناس اللي مارحمهاش، حتى مرات عمي اتهمتها إنها بتحاول تخطف عمي، لأنه كان بيهتم بينا بعد وفاة والدي، وده خلى أمي تقطع علاقتها بالكل وتقفل علينا الباب وتمنعنا عن الناس، وكبرت وأنا مهتمة بس بمذاكرتي والقراءة أما العالم الحقيقي فكنت باسمع عنه من خلال قصص البنات في المدرسة والجامعة،وبسبب تربيتنا الشديدة وكمان تديني وخوفي من ربنا عمري ما سمحت لزميل دراسة إنه يتكلم معايا حتى، عشان كده وقعت في أول واحد شاغلني وأوهمني بحبه وأول مابقيت مراته راح يدور على غيري اللي تمتعه لأني على رأيه ست الشيخة لا باحب السهر ولا الحفلات المختلطة واللي فيها رقص وشرب،فكان شايفني يادوب انفع أم لأولاده أكتر أما متعته فكانت مع غيري،كانت صدمتي فيه كبيرة لأني صدقت إنه بيحبني فعلا وحبيته،لحد ما فوقت على صدمة خيانته في بيتي وساعتها ياريته اعتذر ولا حاول يراضيني يمكن كنت سامحته،لكن للاسف ضربني جامد وده كان سبب في إجهاضي وساعتها بس صممت على الطلاق، وفقدت ثقتي بنفسي وبالناس وافتكرت إن السبب هو تديني والتزامي في لبسي ومعاملاتي، عشان كده بدأت أتغير واتعاملت مع أحمد بتساهل بعكس شخصيتي واتفاجئت برد فعله ورد فعل زمايلي وده خلاني أصمم أجي هنا عشان أكون لوحدي وأعيد حساباتي.
-تعرفي إنتي مشكلتك إنك بعد صدمتك كنتي لوحدك لا أصحاب ولا أهل ولا حد ياخد بإيدك،كنتي محتاجة استشارة نفسية تدلك على الطريق الصحيح،بس للأسف الكل كان شايفينك قوية وهتقدري تعدي صدمتك لوحدك لكن إنتي كنتي عاملة زي اللي فقدت توازنها ومش عارفة تعمل إيه، العيب مش في أخلاقك ولا تدينك، العيب في إنك اخترتي شخص مش شبهك، دنيته غير دنيتك،وهو كان أناني زي معظم الرجالة عاوز واحدة للبيت والأولاد وواحدة للمتعة والفرفشة، نظام سي السيد.
سكتنا قليلا وأنا أفكر في كلماته ثم انتبهت أننا نجلس ليلا بمفردنا على شاطئ البحر فنهضت وأنا مرتبكة وقلت له:
-الوقت أتأخر ولازم أنام عشان عندي شغل بدري
-مش هتيجي معانا السفاري؟
-لأ شكرا لكن هاقابلكم على العشا إن شاء الله، وشكرا على النصيحة.
انصرفت وأنا أفكر في كلامه وأفكر أكثر في اهتمامه بي وملاحقته لي هل له غرض سئ مثل الآخرين؟لا يبدو عليه ذلك ولكن رغم ذلك تعلمت ألا اثق بأحد.
عدت للسكن وجاءت سالي بعدي مباشرة فقالت:
-اختفيتي فجأة ليه في الحفلة؟
-مابحبش الدوشة وكمان فكرتني بموقف مؤلم
فربتت على كتفي وقالت برقة:
-انسي الماضي وعيشي الحاضر، الماضي مش هنقدر نغيره، لكن الحاضر بإيدنا مشكله ونرسم كمان بكرة.
-سالي كنت عاوزة أسألك عن عمر؟
-ماله؟
-ياترى هو كداب زي باقي الرجالة ممكن يعني يغش ويخدع ويأذي غيره؟
-عمر ده من أجدع الناس اللي قابلتهم في حياتي، عرفته في الشغل وفضلنا زملا لسنين لا عمره عاكس زميلة ولا اتكلم عن حد بطريقة وحشة ولا كان قليل الأدب مع حد،حقاني وجدع وأخ للكل،وجاد جدا في حياته وكلامه وتعاملاته مع الناس..بس...
-بس إيه؟
-بصراحة أنا ملاحظة اهتمامه الزايد بيكي ودي أول مرة أشوفها من يوم ما طلق مراته
-هو كان متجوز؟
-هو انتي ما تعرفيش؟كان بيعشقها وفجأة انفصلوا ومحدش يعرف السبب واللي يسأله يقول نصيب.
-فعلا كل واحد عنده جرح في قلبه بيوجعه لوحده ويفضل هو بس اللي بيتألم ومحدش حاسس بيه.
-لو فضلنا محبوسين في سجن جراحنا نبكي ونتحسر عمرنا ما هنعيش ولا نستمتع بحياتنا
نمت وكلمات سالي تتردد في رأسي، وحلمت أني كنت أسبح في البحر ثم فجأة وجدت نفسي في دوامة تبتلعني وحاولت المقاومة فلم أفلح وكدت أغرق حتى مد لي عمر يده وجذبني وأنقذني من الغرق فابتسمت له وخرجنا معا من البحر وقبل أن أصل للشاطئ فوجئت بيد تجذبني لتعيدني للبحر مرة أخرى وعمر يجذبني من اليد الأخرى وأنا ممزقة بين الاثنين فقمت من نومي مفزوعة وأنا أستعيذ بالله وسمعت آذان الفجر فقمت للصلاة التي كنت تغافلت عنها لمدة طويلة وكنت اصليها بعد شروق الشمس.
انغمست في عملي ولكن عقلي مشغول بحكاية عمر،هل حقا يعرف العشق؟ إن كان بكل تلك الصفات الرائعة لم تركته زوجته؟ الم تكن تحبه؟ ولماذا لم يتزوج بعدها؟هل مازال يعشقها؟
انتهى وقت عملي فذهبت للشاطئ في مكان بعيد عن الجميع وجلست أتأمل موجات البحر وهي تتهادى برقة ونعومة، والأسماك الصغيرة تسبح بنظام معا،وأنا أفكرفي أن كل إنسان يعاني بشكل ما ولا يوجد من يعيش في سعادة دائمة وسالي على حق يجب أن أنسى الماضي وأعيش الحاضر ولكن يجب أن تظل دروس الماضي عالقة في ذهني حتى لا أكرر أخطائي.
انتبهت من شرودي على صوت سامر وهو يقول:
-انتي إيه حكايتك مع البحر؟كل شوية تختفي ونلاقيكي على البحر؟
-بحبه، واضح وصريح لا بيكدب ولا بيغش، وبيسمعني ويفهمني
ضحك وقال:
-لأ قعدتك هنا كتير هتأثر على سلامة عقلك أنا هاخلي سالي تنقلك الغردقة
-قولي صحيح أنا شايفة كده انسجام بينك وبينها، أنا صح ولا إيه؟
-طول عمرك لماحة، فعلا عاجباني، عاقلة وهادية وفي نفس الوقت لطيفة وبيننا تفاهم.
-طيب مستني إيه؟
-أعرفها أكتر
-هتصاحبها يعني وتجربها الأول؟
-مش فكرة أصحابها بس اعرفها واقرب منها وأفهمها
-وكل ده بييجي بالخطوبة، مش انت اللي تنط من الشبابيك، انت تخش البيت من بابه، ولا ترضى لي ده؟
-لأ طبعا
-تبقي اللي ماترضاهوش لأهلك ماترضاهوش للناس
-معاكي حق هافاتحها في الخطوبة وأشوف رأيها، بس كلامك ده معناه إنها عجبتك؟
-إنسانة عملية وعاقلة، وجدعة
-يبقي توكلنا على الله
-أيوه خلي الفرح يدخل حياتنا
-وانتي مش ناوية تدخلي الفرح حياتك؟
-وهو فين الفرح ده؟ ومين عرفك إنه فرح أصلاً؟
-الفرح موجود ومستني منك إشارة
-قصدك مين؟ عمر؟
-ما انتي فاهمه أهوهو وحاسة بيه، هو كلمني من زمان بس أنا كنت مستني فرصة اقربكم فيها من بعض بعيد عن الشغل ولما جت استغليتها،إيه رأيك؟
-خايفة
-عمر ما يتخافش منه، مش زي علاء خالص وأنا شفت ده بنفسي، عمر مش معرفة سنة ولا اتنين، لأ معرفة سنين من واحنا في ثانوي، وطبعا انتي أختي ومش سهل أفرط فيكي لأي حد لازم يكون واحد يصونك
سكت ولم أجب فقال:
-عموما بكرة أجازتك وهنقضي اليوم على يخت في البحر وأهي فرصة لنا إحنا الاتنين نعرفهم أكتر وبعدها ناخد قرار.
تقابلنا على العشاء وكانت نظرتي لعمر وطريقة تعاملي معه مختلفة، فلم أعد أراه يتربص بي أو يتلاعب بي بل هو إنسان جاد كما قالت عنه سالي. تبادلنا الحوار جميعا على العشاء ثم خرجنا للشرفة وكان هناك أحد عازفي الكمان فجلسنا نستمع إليه ونستمتع بعزفه وكل منا غارق في أفكاره، حتى انتهى من عزله فقمنا وجلسنا حول حمام السباحة المُضاء بإضاءة خافتة،فقال عمر بصوت لا يسمعه سواي:
-عرفت من سامر إنه كلمك عن طلبي بس عرفت منه إنك لسه مترددة بسبب خوفك، ياترى خايفة مني ولا من تجربتك؟
-خايفة افشل تاني واتفاجئ إني لوحدي مرة تانية ومفروض أتحمل سوء ظن الناس وتنمرهم،كمان أنا ما أعرفش عنك حاجة.
-أنا من أسرة متوسطة والدتي الله يرحمها ماتت بعد ولادتي بسنة ووالدي اتجوز قريبته وكانت مطلقة وعندها بنت لسه مولوده وجوزها طلقها لأنه كان عاوز ولد، اتربينا سوا أنا ونهال وكبرنا سوا وعرفنا إننا مش إخوات وبدأت بيننا مشاعر تانية، ووالدي اتوفى وأنا في اخر سنة في الكلية فوالدتها صممت إننا نتجوز في أسرع وقت لأننا مش هينفع نعيش مع بعض كده والناس مش هترحمنا، كنت طاير من الفرحة إن حلم حياتي اتحقق بسرعة كده، لأني كنت باعشقها وباتمنى اللحظة اللي هيجمعنا فيها بيت واحد.كانت سعادتي أنا عمياني وعشقي ليها مخليني أتصور إنها كمان بتعشقني، لكن يوم فرحنا كانت أول صدمة، لقيتها بتترجاني نفضل مكتوب كتابنا بس لحد ما تخلص دراستها لأنها كانت لسه قدامها سنتين لأنها كانت في كلية فنون جميلة والكلية دراستها عملية ومحتاجة وقتها وتركيزها، رغم صدمتي وافقتها وقلت مش مشكلة المهم إنها بقت مراتي، وبكرة مع الوقت هتوافق،ربنا رزقني بشغل على طول في شركة أبو صاحبي وهناك اتعرفت على سالي بعد كده، وكان وقتي كله لشغلي ولنهال،أروح اجيبها من الكلية أو أوصلها تذاكر مع صاحبتها، أو تعمل مشروع مع زمايلها وأنا استناها عشان أرجعها، وعمري ما اخدت بالي إنها لما بتعرفني بزمايلها بتقول عمر وبس وعمرها ما قالت جوزي.خلصت دراستها بتفوق زي عادتها واتفاجئت إنها بدل ما تكافئني بإننا نحول جوازنا لحقيقة بتطلب مني الطلاق لأن جاتلها فرصة منحة دراسية عشان تكمل الماچستير في أوربا وهتقعد هناك ٣سنين وممكن تكمل الدكتوراه كمان ومش عاوزة تفضل رابطاني بيها، ولما قلت لها وحبنا، كانت المفاجأة التانية إنها ما كانتش بتحبني زي مابحبها إنما أنا مجرد أخ مش أكتر وأنا اللي كنت باوهم نفسي إنها بتحبني، ولما سألتها ليه وافقت على الجواز قالت لي إن امها ضغطت عليها حلفت إن رفضت هتطردها من البيت وعشان كده طلبت مني نأجل جوازنا، واترجتني لو كنت باحبها فعلا ما أقفش في طريق مستقبلها وطموحها، كانت صدمة كبيرة عمري ماتوقعتها،في الوقت اللي كنت بحلم فيه إن جوازنا يبقى حقيقة اتفاجئت بإنها أصلا مش بتحبني، طبعا طلقتها لأن كرامتي ماتسمحش أعيش مع واحدة ما بتحبنيش ولا عاوزاني، وبرضه ماقدرتش أعيش في نفس البيت اللي كل مكان فيه شايل ذكرياتي معاها، وخاصة وإن والدتها عايشة فيه، فبدأت أدور على شغل بعيد عن الاسكندرية، واتنقلت بين أكتر من شغلانة لحد ما استقريت في شرم الشيخ،قررت إني أقفل قلبي وأنسى الحب نهائي وأعيش بعقلي وبس،لحد ماقابلتك لقيتني من غير ما أحس مهتم بيكي الأول فسرت ده بسبب توصية سامر لكن بعد كده عرفت إني مهتم بشخصيتك، وإن ظروفنا شبه بعض، وكل ما كنت أحاول أقرب تصديني لحد مابعدتي خالص، وقتها بس حسيت إن فيه حاجة ناقصاني، وإني لأول مرة أحس إني لوحدي، مش هقولك ده حب، لكن ممكن أقولك بارتاح لك ويتكون مبسوط وأنا معاكي، وخاصة وإننا فينا صفات كتير شبه بعض، زي الجدية في أسلوب حياتنا، والتزامنا ومراعتنا للي حوالينا،وده خلاني أكلم عمر وأفكار اخد خطوة جادة، وعشان تبقي عارفة أنا عندي شقة في الغردقة ومش هاعيش في القاهرة.
ساد الصمت بيننا وقلت له:
-مش عارفة اقولك إيه بس أنا فعلا متلخبطة سيب لي فرصة أفكر وأرد عليك.
انتهت السهرة وعدنا للسكن وفارق النوم جفوني فقد كنت أفكر في كلام عمر وكم نشبه بعضنا في ظروفنا، وكذلك كنت اقارن بينه وبين علاء وبالطبع رجحت كفة عمر، فحتى لو لم أكن احبه فيكفيني أنه جدير بالاحترام بشهادة الجميع ومعه سأشعر بالأمان وربما يأتي الحب بالعشرة.
الفصل الثامن
في اليوم التالي خرجنا في الرحلة البحرية التي استمتعت بها كثيرا ورأيت من عمر جانب أخر لم أكن أعرفه وهو الجانب المرح مع سامر وسالي وسرعان ما انسجمت معهم في مرحهم، وبدأ عمر يعلمني الصيد، كما غطسنا كلنا مع غطاس محترف، ثم تناولنا الغداء وحان وقت العودة وعندها قررت أن أوافق على الزواج من عمر لكن كان على كل منا أن يترك عمله ويبحث عن عمل في الغردقة.
تقدم عمر لعمي لخطبتي الذي وافق وقال لي على الهاتف :
-أنا وافقت على عمر لأنه راجل بجد يصونك ولو مُت هاكون مطمن عليكي معاه
-وأنا ياعمي واثقة في اختيارك ومتوكلة على الله
أنا طلبت منه إن كتب الكتاب يكون الشهر الجاي عشان لما تتنقلي الغردقة وهو يتنقل معاكي ما تبقوش حاسين انكم بتعملوا حاجة غلط.
في الأجازة التالية سافرت الإسكندرية من أجل عقد القران وكان عمر وسامر قد سبقوني بالحضور، كذلك جاءت أمي قبل موعد عقد القران بنحو الساعة بحجة أنها لا تستطيع ترك لميس التي لا تستطيع رعاية طفلها بل وتهمل طعامه ورعايته فتقوم أمي بكل ذلك، بينما هي متفرغة لأصدقائها في النادي وحفلاتهم وحياتهم الفارغة التي ليس لها هدف، وصرحت لي أنها تخشى عليها منهم. حتى في عقد قراني لا تتحدث أمي سوى عن لميس ولم تسألني حتى عن عمر أو رأيي فيه، وكأنها أتت لتؤدي مهمة محددة وستنصرف بعدها.
ارتديت فستانا بسيطا من اللون البنفسجي الفاتح ومعه حذاء بكعب عالي لأقارب طول عمر الفارع، ووضعت على رأسي غطاء رأس باللون البنفسجي الغامق واستخدمت ألوان بسيطة لمساحيق الزينة. ناداني عمي لبدء عقد القران الذي أصر أن يكون في بيته لأنه قاصر على أسرتنا فقط فصممت على دعوة سالي لأنها الصديقة الوحيدة لي، وأيضا حتى يراها عمي وزوجته ويتعرفان عليها قبل أن يحدثهما سامر عنها.
خرجت من الغرفة مع سالي التي كانت سعيدة من أجلي أنا وعمر، بينما أمي كانت تنظر في ساعتها بين وقت وآخر متلهفة على عودتها للقاهرة،وتأملت عمر في بدلته السوداء التي أضفت عليه هيبة ووسامة،ولأول مرة ألاحظ أن له ابتسامة جذابة مع غمازتين،وكذلك كانت عيناه العسليتان تلمعان ببريق السعادة،وأظهرت البدلة السوداء بشرته الخمرية بشكل أكثر جاذبية.
أجلسني عمي بجواره وفي الجهة الأخرى جلس المأذون بجانبه عمر وبدأت الإجراءات ومنحته موافقتي ووقعت في دفتره، وعندها انطلقت الزغاريد من سالي وزوجة عمي التي فرحت كثيرا بزواجي مما يعني أني لن أكون لسامر.
بمجرد انتهاء الإجراءات هنأتنا أمي وانصرفت وكأني لم أغب عنها طويلا ولم أعد أعني لها شيئاً. دعا عمر الجميع لتناول العشاء في أحد المطاعم الشهيرة على شاطئ البحر فاعتذر عمي وزوجته وجاء معنا سامر وسالي،فخرجنا معا وضحكنا واستمتعنا بالعشاء وبعده تركنا سامر وسالي بحجة التمشية على شاطئ البحر قبل سفر سالي في الصباح الباكر للقاهرة لتقضي باقي أجازتها مع والديها. شعرت بالارتباك وأنا وحدي مع عمر رغم أنها لم تكن المرة الأولى، لكنها كانت أول مرة وأنا زوجته، فقال مبتسما تلك الابتسامة الجذابة:
-مبروك ياعروسة
فاحمرت وجنتاي فقال:
-ياترى لسه خايفة؟
-لأ عمي طمنني وقالي هو ده الراجل اللي هيصونك.
-يعني انتي بس مش خايفة بسبب كلام عمك.
-لأ مش بس كده لكن كلام عمي أكد على مشاعر كنت حاساها بس عاوزة أتأكد منها لأني مابقتش باثق في مشاعري.
-ومشاعرك قالت لك إيه؟
-إنك بتخاف عليه ومش هتأذيني
-تعرفي أنا مبسوط جدا بجوازنا بس خايف أفرح أوي بعدين الدنيا كعادتها معايا تحرمني من الحاجة اللي بتفرحني.
نظرت إليه وأنا متعجبة من عمر فقد كنت أظنه بلا قلب ولكني اكتشفت أن له قلبا مفعم بالمشاعر والأحاسيس الصادقة. وجدته يبتسم ويقول لي :
سرحتي في إيه؟
-فيك، كنت الأول فاكراك جامد ومعندكش قلب والمشاعر مالهاش قيمة عندك
فقال برقة:
-وبعدين؟
-اكتشفت إني غلطانة
-أول ماشفتك برضه افتكرتك إنسانة عصبية وحادة في طباعها وتصرفاتها لكن لما قربت منك اكتشفت إني غلطان واتعلقت بيكي.
-أنا كل اللي عاوزه منك إني أحس معاك بالأمان.
-أوعدك هاكون سندك وأمانك حتى لو مافيش بيننا قصة حب تكسر الدنيا زي الأغاني والروايات،كفاية إننا شبه بعض في تفكيرنا وبيننا تفاهم واحترام.
شعرت باطمئنان نسيته منذ وفاة أبي ودعوت الله أن يكون صادقا. قضينا الليل أنا وسالي في بيت عمي بينما قضى عمر وسامر الليل في شقة سامر، وطوال الليل لم تكف سالي عن الحديث وحكت لي كيف أن سامر فاتحها في موضوع خطبتهما، فقلت لها أن سامر إنسان ممتاز ورجل يُعتمد عليه،فاطمأنت ونمنا الساعات المتبقية قبل شروق الشمس وفي الصباح سافرت سالي للقاهرة بعد أن وعدتني أن تسعى بكل جهدها لنقلي إلى الغردقة. خرجت أنا وعمر لنقضي اليوم معا قبل أن يسافر غدا إلى عمله، فذهبنا إلى أحد المقاهي على شاطئ البحر، ثم لأحد المولات وتجولنا فيه ودخلنا السينما التي لم ادخلها سوى مرات معدودة مع أمي فكنت أشعر بسعادة غامرة.تحدثنا في كل شئ واتفقنا على أن أستمر في عملي حتى يرزقنا الله بالأطفال وعندها سأبقى في البيت لرعايتهم، وحكى لي عن طفولته وشبابه وعن حبه الذي انتهى بصدمة أفقدته الثقة بكل النساء، واتفقنا أن ننسى الماضي ولا نتحدث عنه مرة أخرى وأن نحيا الحاضر فقط.
سافر عمر وشعرت بالفراغ بعده فيبدو اني اعتدت وجوده في حياتي،لكن اتصالاته لم تتوقف وكان يتحدث معي في كل شئ وخاصة عشقة للأطفال ورغبته في إنجاب الكثير منهم حتى يعوض نشأته وحيدا بلا أخوة، فكنت أضحك وأقول له:
-إحنا كده هنعمل فريق كورة
وفت سالي بوعدها وبعد نحو شهر من عقد قراني استطاعت نقلي للغردقة، وكذلك وجد عمر عملا جديدا هناك.كنت أسكن مع بعض الزميلات في شقة مشتركة وكن يحسدنني على عمر عندما يأتي لاصطحابي لبدء تجهيزات الشقة و اختيار مايلزم،وكانت أمي قد تناستني ولا تكلمني إلا دقائق معدودة كل أسبوع تسأل عني بشكل روتيني وسرعان ما تنهي المكالمة بسبب انشغالها مع محمدابن لميس،لكني لم أعد غاضبة مما تفعله فوجود عمر معي واهتمامه بي يكفيني. في تلك المرة لم أسلم مقاليد قلبي تماما له إنما كنت أراه بقلبي وعقلي وأعرف عيوبه ومميزاته حتى لا أرتكب نفس الخطأ مرة أخرى.
انشغلت مع عمر في تجهيز الشقة وساهمت بجزء من المبلغ الذي حصلت عليه من علاء كمؤخر وثمن لأثاث شقتي وكذلك شبكتي، وتركت الجزء الباقي للزمن. استغرق تجهيز الشقة عدة أشهر كان سامر قد خطب سالي خلالها واتفقا على أن يؤجرا شقة في الغردقة بينما تظل شقته في الإسكندرية هي الأساسية وكانت تلك رغبة والدته فوافقتها سالي حتى لا تتسبب في مشاكل وخاصة وأني نبهتها أنها ذات شخصية قوية وأن سامر لن يسمح لأحد بأي تجاوز معها.
أنهينا إعداد الشقة وأصر عمي أن يكون الزفاف في الإسكندرية وأن أخرج من بيته فوافقته لكني رفضت أن نقيم حفلا كبيرا وخاصة وأني مُطلقة، فاكتفينا بحفل بسيط في بيت عمي كحفل عقد القران وحضرت أمي أيضا لساعات معدودة وغادرت سريعا ولم تفكر حتى أن تسألني إن كنت سعيدة وراضية أم لا،ولم تنصحني حتى كيف أحافظ على زوجي وأسعده كما فعلت زوجة عمي التي تغيرت معاملتها لي عندما أيقنت أني لن أتزوج سامر،فمنحتني العديد من النصائح حتى يستمر زواجي وينجح،فشكرتها من قلبي.
انصرفنا إلى غرفة الفندق التي حجزها لنا عمر لثلاثة أيام لنقضي شهر العسل قبل أن نعود للعمل.منذ أول لحظة بدأ عمر حياتنا بالصلاة ركعتين معا حتى تحل البركة على بيتنا، وبعدها تعامل معي برقة وحنان بددا خوفي .
كان عمر رغم شدته الظاهرة حنونا مراعيا، رجل بكل ما تحمله الكلمة من معانٍ، فقد رفض أن أشارك براتبي في البيت وقال لي أن كل نفقات البيت هي مسئوليته، لكن ترك لي حرية إدخار مالي بالطريقة التي أراها مناسبة ، فاستشرته وقررت أن أشتري شقة بإسمي في القاهرة ، وبالفعل دفعت مقدم ثمنها من مدخراتي، والأقساط من راتبي.
ساعدني عمر على العودة للإلتزام مرة أخرى، فكنا نصوم معا، ويصلي بي جماعة أحياناً، كذلك كنا نتشارك في عمل الخيرات. أدركت أن اختيار شريك الحياه يجب أن يكون يشبهنا حتى نستمتع بالحياة.
لم يكدر صفو حياتي سوى مرور أكثر من من عام دون أن يحدث حمل، وخشيت أن يكون الإجهاض السابق قد أثر على قدرتي الإنجابية، فذهبت إلى الطبيب لأطمئن فطلب مني عدة فحوصات ، ثم أخبرني أني بخير ويمكنني الإنجاب، طلب مني أن يستشير زوجي الطبيب فلعل المشكلة عنده.
شعرت بالقلق والخوف اعتراني،فهاهي سعادتي التي نلتها أخيرا يهددها الخطر، فهل سيقبل عمر فكرة الفحص لدى الطبيب أو العلاج؟وماذا لو كان العيب منه هل سأحتمل حياتي معه بدون أطفال؟هل يستحق تلك التضحية؟ألن يغدر بي يوما بعد أن تضيع فرصتي في الإنجاب؟
كنت ضائعة أتخبط في أفكاري وأصارع مخاوفي، حتى التقينا على العشاء فوجدني عمر شاردة لست منتبهة لكلامه فسألني:
-مالك؟شكلك قلقانة وحاجة شاغلة بالك؟
فنظرت إليه بتعجب وقلت:
-ياه للدرجة دي فاهمني؟
-وحاسس بيكي كمان فيكي إيه؟
-ولا حاجة
انتي كان عندك ميعاد مع الدكتور النهاردة ياترى قالك إيه خلاكي قلقانة؟
ولا حاجة قالي إني سليمة وماعنديش مشكلة
-طيب أومال قلقانة ليه؟
لم أستطع النظر إليه وأنا أقول:
-أصله قالي...جايز تكون المشكلة...
-قصدك عندي أنا؟طيب وده اللي قلقك؟ هاروح أكشف وأشوف إيه السبب لأني أنا كمان نفسي في أطفال.
فقلت بسعادة:
-بجد؟يعني انت مش زعلان؟
-وهازعل ليه؟دي حاجه مش بإيد حد غير ربنا، احنا هناخد بالأسباب وندعي ربنا إنه يرزقنا الذرية الصالحة.
ذهب عمر للطبيب واكتشفنا أن لديه مشكلة واحتمال الإنجاب لا يتجاوز ١٠٪ بعد العلاج، حينها عرض علي عمر أن يطلقني لأحقق أملي في الإنجاب وخاصة أن زواجنا تم بالعقل وليس عن قصة حب حتى أضحي بسعادتي من أجله، رفضت وصممت أن نذهب لأكثر من متخصص ربما يفتح لنا طاقة نور.
مر أكثر من عام وعمريتابع مع طبيب من أكبر الأطباء المتخصصين بلا أي تقدم والكل يقول له نحن نأخذ بالأسباب لكن الرزق من عند الله، وأن حالات مشابهه لحالته أنجبت وحالات أخرى لم تنجب فعليه أن يستمر بالعلاج وندعو الله أن يرزقنا بالذرية الصالحة.
رغم تمسكي بعمر كرجل طيب وحنون ومحترم إلا أن نفسي كانت تهفو إلى طفل أفرغ فيه مشاعر أمومتي، طفل أحمله في أحشائي بجوار قلبي وأحبه حتى قبل أن أراه. وكأن قدري دائما ألا أعيش سعادة كاملة، فكلما اقتربت من السعادة وجدت أني محرومة من شئ أحبه، بينما غيري يحصل على كل شئ وربما لا يرضى،فلماذا لا أنال السعادة كاملة كغيري رغم التزامي وعدم إيذائي لأحد؟
كنت غارقة في تلك الأفكار التي زادت من تعاستي حينما اتصلت بي أمي تبكي وتولول وأنا لا افهم ما سر بكاؤها ونحيبها وبعدما هدأت أخبرتني أن لميس طلبت الطلاق من علاء بعد العديد من المشاكل بينهما فاستجاب لها ليؤدبها وهو على يقين أنها ستعود إليه نادمة وكان ينتظر رجاءها ولكنه فوجئ بها بعد انتهاء عدتها تزوجت من ثري خليجي كان قد عرفها عليه في حفلة من حفلات أصدقاؤه، ولم تكتف بهذا بل سافرت معه إلى بلده وتركت ابنها مع أمي وان علاء مُصِر على نزع الولد منها وتربيته في بيته مع والدته لأنه لم يعد له صله بنا ولا يريد أن يتركه بعيدا عنه.
تعجبت أكثر من أحوال القدر فهاهو ينتقم لي من علاء ويُذيقه من نفس الكأس التي تجرعتها معه وآلمتني، لكني لم أشعر بالسعادة فمازالت لميس تفعل ما تريد وتخالف كل الأعراف والقواعد ورغم ذلك تعيش في سعادة وتحصل على كل ما تريد وهي من تترك ولا تُترك، أليس هذا إجحافا؟أين العدل بيننا؟أنا ألتزم وأُحرم مما أريد وهي تُخالف وتنال ما تريد؟؟
قضيت أياما وأنا غاضبة من تصرفات القدر التي لم تنصفني وكنت حائرة كثيرة التفكير حتى تفاجئت ذات يوم باتصال من رقم مجهول ولما أجبت فوجئت بأنه علاء فقال لي بصوت منكسر:
-إزيك عامله إيه؟طبعا عارفة إن ربنا انتقم لك مني
-عاوز مني إيه؟احنا مافيش بيننا صلة عشان تكلمني
حسيت إني مخنوق وعاوز أتكلم مع حد ماجاش على بالي حد غيرك، رغم إني آذيتك بس عرفت قيمتك متأخر، وعمري ما حبيت حد زي ماحبيتك ولا حسيت مع حد اللي حسيته معاكي
-من فضلك أنا ست متجوزة وما ينفعش تتكلم معايا بالطريقة دي
-شوفي يا حنان أنا هاقولك كلمتين فكري فيهم كويس أنا ندمت إني فرطت في جوهرة زيك بس كنت طايش ومش فاهم الدنيا صح ولو الزمن يرجع بيا هاشيلك في قلبي وعينيه، وأنا متأكد إنك ما قدرتيش تنسيني وتنسي حبي ولا تنسي إنك كنتي حامل في ابني
-وماتنساش إنك كنت السبب في موته
-لو كنت اعرف إنك حامل كنت بوست رجلك وراسك وحافظت عليكي، لكن الشيطان دخل بيننا، أنا محتاج لك جدا
-إنت اتجننت أنا متجوزة
-متجوزة واحد كويس وخلاص لكن مافيش بينكم حب ولا أولاد واللي أعرفه إن عنده مشاكل وصعب يخلف، يعني مافيش حاجه تربطكم ببعض، لكن إحنا كان بيننا حب كبير لا أنا ولا إنت قدرنا ننساه، كمان أنا هاحقق لك حلم الأمومة اللي كنتي دايما ملهوفة عليه، مش عاوز ردك دلوقتي بس فكري بعقلك وأنا مستني ردك اللي متأكد إنه هيكون لصالحي لأني لسه بحبك ومستعد أعمل أي حاجه عشان تسامحيني
أغلق الهاتف وتركني في حيرة من أمري فكلامه قال ما يدور بداخلي ولكني كنت أخشى قوله، فعمر إنسان محترم ويتعامل معي يتفاهم ورقي لكن بلا مشاعر ولا كلمات حب كتلك التي كان علاء يغمرني بها. كنت على استعداد أن أتغاضى عن ذلك مقابل أن يمنحني عمر أطفالا يملئون حياتي ويعوضون شغفي وعشقي للأطفال ولكنه يعاني من مشكلة لا أعلم إن كان لها علاج أم لا. والآن أنا بين أمرين إما أن أصبروأعيش راضية مع عمر على أمل أن يرزقنا الله بطفل، أو أن أضحي بأماني واستقراري معه من أجل علاء الذي مازال يحبني وبإمكاني إنجاب أطفال منه وتلك أيضا فرصتي لأنتقم من لميس ومنه، لكني سأظل خائفة من غدره.
بقيت فترة طويلة حائرة كثيرا وأفكر كيف سأخرج من هذا المأزق هل أختار الأمان وأضحي بإحساس الأمومة؟أم أختار كلام الحب المعسول والأطفال وأضحي بالأمان؟ شعر عمر أني مختلفة وأن هناك ما يقلقني وسألني أكثر من مرة عما بي فأقول له ضغط العمل ليس أكثر، لكنه كان يعلم أني كاذبة وأني أفكر في موضوع الإنجاب.فوجئت بعمر ذات يوم يقول لي:
-على فكرة أنا عارف إيه اللي شاغل بالك، مش لازم تكملي معايا ولا تحسي بالذنب ناحيتي، من حقك تخلفي أطفال وتعيشي معاهم إحساس الأمومة وأنا راضي بابتلائي
-بس ياعمر أنا مراتك ولازم أشاركك الحلو والمر
الكلام ده لو بنواجه مشكلة مادية، أو أزمة وهتعدي، لكن دي مشكلة مالهاش حل عندي لكن ممكن انتي تعيشي إحساس الأمومة مع غيري، ومالهاش لازمة الشفقة والتضحية خاصة وإنك مش بتحبيني.
-عمر أنا...
-أنا إنسان عملي وأكتر حاجة باكرهها هي الشفقة، خلينا ننفصل بهدوء لكن هافضل دايما موجود كصديق لو احتجتيني
لم أنطق بحرف ولم أستطع أن أتمسك به، وشعرت أنها فرصة وجاءتني، لأنتقم من لميس ولأعوض مافاتني ولكن تلك المرة لن أكون لقمة سائغة في فم أحد بل سأكون أقوى وأكثر انتباها لأخطاء الماضي.
اتصل عمر بسامر وأخبره عن اتفاقنا على الطلاق ولما حاول الصلح بيننا شرح له عمر الظروف كلها وأن الطلاق بالاتفاق بيننا، فحضر سامر إلينا وكان عمي قد توفي فأصر سامر على سفري للإسكندرية لكن عمر أصر على بقائي في شقته حتى تنتهي عدتي كما ينص الشرع.وافقت حتى ارتب أموري وأبحث عن عمل أخر واتصلت بأمي وأبلغتها. بعد يومين اتصل بي علاء ينهئني على الطلاق ويخبرني أنه في انتظار إنتهاء العدة بفارغ الصبر وأن العمل ينتظرني وقتما أشاء وخاصة أنه بعد وفاة والده أنشأ شركة سياحة خاصة به.
الفصل التاسع
بقيت لمدة شهر في شقة عمر وعلاء يكاد يجن فهو خائف أن أحن لعمر فكان يغمرني باتصالاته ليل نهار، ولا يعلم أني بقيت هنا لسببين الأول أني لا أستطيع ترك مكاني دون أن تمر فترة شهر حتى يستطيع أصحاب العمل إيجاد غيري، والثاني أني أردت تأديبه ليعرف أنه أعادني إليه بصعوبة ولم يكن أمرا هينا على قلبي، وأن عليه أن يبذل جهدا ليعوضني ويستعيد ثقتي به.
بعد مرور الشهر اتصلت بعمر وشكرته على استضافتي وأخبرته أني سأعود لبيت أمي فقال لي:
-شوفي هتاخدي إيه من عفشك اللي في القايمة عشان أجهز لك عربية نقل تنقله لبيتكم
-أنا مش عاوزاه ياعمر خليه هنا
-أنا هاسيب الشقة هنا لأن جاي لي شغل في دبي وهأجر الشقة فحرام عفشك يتبهدل
لم أشأ أن أخبره أني سأتزوج مرة أخرى وأن علاء لن يقبل بأثاث استخدمه رجل أخر ، فقلت له:
-خلاص بيعه وابقى ابعت لي تمنه
ومش خايفة أضحك عليكي؟
ابتسمت وقلت:
-كنت مأمناك على نفسي مش هأمنك على شوية فلوس؟ وبعدين أنا أكتر واحدة عارفة أمانتك.
-ربنا يسعدك ويريح بالك
سافرت وعدت لأمي التي كانت مشغولة كالعادة بمحمد ابن لميس، الذي لم يستطع دخول قلبي مهما فعل، فكلما رأيته تذكرت خيانة أمه وغدرها بي وأنا أختها التي لم تبخل عليها بشئ، ورغم ذلك خطفت زوجي بدم بارد وليتها كانت تحبه بل هدمت بيتي وحطمت سعادتي من أجل ماله ولما وجدت من هو أغنى منه غدرت به أيضا، وهذا ابنها سيظل أمامي لباقي عمري ليذكرني بغدر أبويه بي.
علم علاء بعودتي فجاء لزيارتنا وظل يغمرني بكلامه المعسول وأنا أصده حينا وألين له حينا، ثم طلب مني أن أبدأ العمل معه في شركته وبين كل وقت وأخر أراجع حسابات معارض السيارات، لكني رفضت وصممت أن أفتح مكتبا للمحاسبة ليكون لي عملي المستقل ودخلي الذي يحميني من غدره بي أو تحكمه في حياتي فقد تعلمت من تجربتي الأولى أن من يملك المال والنفوذ هو من يحكم ويتحكم. وافق علاء على رغبتي وبالفعل بحث لي عن شقة قريبة من بيته بسعر مناسب لتكون مكتبا، وأحضر العمال لبدء الديكورات ورفض أن يأخذ مني المال وقال:
-توضيب المكتب ده هدية صلح مني عشان ترضي عني.
لكنه رفض أن أبدأ العمل إلا بعد زواجنا الذي أصر أن يكون في اليوم التالي لانتهاء العدة، وبمجرد أن علم سامر برغبتي في العودة لعلاء رفض تماما وحذرني منه ولكنه وجد إصرارا مني فقال لي:
-انتي حرة في اختياراتك ورغم اعتراضي على الجواز ده لكن وقت ما تحتاجيني هتلاقيني جنبك مهما حصل انتي بنت عمي ومن دمي.
-وانت عارف ياسامر عارف إنك مش ابن عمي وبس لأ إنت أخويا.
انتهى إعداد المكتب وتأثيثه وبدأت مرحلة اختيار فريق العمل فأصر علاء على عمل الفتيات فقط فرفضت تدخله وقلت له بحدة:
-ده شغلي وأنا اللي أقرر مين الأنسب للشغل، وافتكر إني حنان مش لميس افتكر ده كويس.
صمت على مضض وترك لي حرية الاختيار فاخترت شابا يصغرني بعدة سنوات لكنه كتلة نشاط وذكاء، كما اخترت فتاتين إحداهما سكرتيرة والأخرى محاسبة لديها خبرة جيدة في العمل، واتفقنا على بدء العمل أول الشهر أي بعد أسبوعين.
تم زواجي من علاء بمباركة أمي ورفض والدته للمرة الثانية ولكني لم أبالِ بها بل عاملتها بقوة وأفهمت علاء أني لن أسمح لها بأي تدخل في حياتي أو تجاوز في الكلام فوعدني أن ذلك لن يتكرر.
بدأت حياتي مع علاء في بيت جديد غير الذي عاشت فيه لميس فقد رفضت أن يعيش محمد معي بحجة تعلق أمي به وانشغالي عن رعايته بعملي، فاختار علاء ڤيلا صغيرة خصص فيها غرفة لمحمد وأخرى لأمي حتى ترعاه ولأنه معتاد عليها ومتعلق بها بشدة فهي اقرب له وأحن من أمه.لم تعد لي حجة لرفض وجود محمد معي فكان علي أن أحتمل وجوده على مضض وأن أتجنب احتكاكي به بقدر الإمكان ، تاركة تلك المهمة لأمي.
عشت مع علاء عامين في هدوء ومحبة وكان يحاول إرضائي بكل الطرق خاصة عندما علم بحملي فكنت ملكته المتوجة كما يقول دائما.
أنجبت فتاتان توأم لبنى ولينا فكانت سعادة محمد بهما كبيرة حيث كان يتمنى أن يصبح له إخوه كما لزملائه في الحضانة، كنت في البداية أنهره إن اقترب منهما بحجة أنهما صغار وأخشى عليهما منه فكان يشعر بالحزن ويبتعد عنهما مكسور الخاطر لكني لم أشفق عليه فقد كنت أرى لميس في عينيه وصرت أخشى غدره بهما.
ذات يوم نهرني علاء بشدة على قسوتي مع محمد ومنعي له عن أختيه، فانفجرت باكية وقلت:
-كل ما باشوفه بافتكر لميس وغدرها، وأكيد هو هيبقى نسخة منها.
-حرام عليكي ده اصلا مش فاكر شكلها ولا عمرها حتى ضمته لصدرها لا برضاعة ولا حب، ماتبقيش إنتي والزمن عليه، وأهو معاكي ربيه وشكلي شخصيته زي ما تحبي.
جففت دموعي وقلت:
-كل ما باشوفه بافتكر عملتها
وهوذنبه إيه؟وبعدين ده ابني أنا وانتي سامحتيني يبقى خلاص ننسى الماضي عشان نقدر نعيش
-هحاول
وعدته وبالفعل حاولت أن أراه طفل لا ذنب له، حقا لم أستطع أن أحبه أو أكون له أما لكني لم أعد أقسو عليه.
انغمست في عملي وكانت أمي سعيدة برعاية الصغار ومعها خادمة، حتى توفيت بعد ثلاثة أعوام من إنجابي وطلب مني علاء أن أتوقف عن العمل لرعاية الصغار فنحن لسنا بحاجة للمال، ولكني رفضت لأن عملي هو مصدر فخري وأماني، فعرض علي أن يضع مبلغا كبيرا في حسابي في البنك لأشعر بالأمان ويكون لي استقلالي المادي مقابل ترك عملي فرفضت ، فغضب غضبا عارما لأول مرة وقال:
-انتي مافيش فيكي فائدة ومابتتعلميش من غلطاتك، أنا عاوز زوجة تهتم بيه وبالبيت والأولاد وقبل ده كله مهتمة بنفسها، مش واحدة راجعة من الشغل هلكانه ومش عارفه حاجه عن بيتها وسايبه أولادها للشغالين، عاوز ست كلها أنوثة في لبسها وشكلها وتعاملها، مش واحدة لا باين لها هي ست ولا راجل وبتتعامل معايا بعند وكل كلمة لازم افسرها واشرحها وأحايلها، أنا تعبت، مرة احايل ومرة اسكت ومرة اترجاكي وانتي مافيش فايدة لا بتسمعي ولا بتتغيري
سكت للحظات فقد آلمتني كلماته وقلت:
-أظن أنا مش غريبة عنك وعارف طبعي من زمان وانت اللي جربت ورايا واترجتني مش أنا اللي جريت وراك
-كنت فاكرك فهمتي واتعلمتي من تجربتك، كل راجل نجاح مراته في حياتها العملية ما يفرقش معاه كتير، المهم إنها تكون معاه ست كلها أنوثة، وتحسسه دايما إنها ملهوفة عليه ومحتاجة له ومش شايفة في الدنيا غيره
-وأنا مش كده؟
-لأ انتي شايفة فيه راجل إداكي فرصة الأمومة، كنت وسيلة عشان تخلفي بسببي ودوري هنا انتهى، لا حب ولا تقدير ولا طاعة ولا حتى اهتمام لا بنفسك عشاني ولا بيه وباحتياجاتي العاطفية والجسدية، ومطلوب مني مع كل ده إني أكون مخلص عشان أكسب ثقتك اللي ضاعت زمان وما رجعتش، أنا لو سوبر مان مش هقدر استحمل.
-وإيه اللي مخليك مستحمل؟
-حاجتين إني باحترمك وباقدرك، وعشان الأولاد
-تحب أقولك السبب التالت؟ إن لميس اللي انت متابع أخبارها ماتشمتش فيك وتشوفك فشلت حتى مع حنان اللي مافيهاش أنوثة، والمرة دي مش معاك طفل وبتدور على اللي تربيه لأ ده انت معاك ٣ ومافيش واحده هترضى بيهم، عشان كده إنت مكمل، انت فاكرني مش فاهمة غرضك من الجوازة من الأول؟انا كنت الوحيدة اللي هتغيظ لميس وخاصة لما تربي ابنها، وفي نفس الوقت مش هارضى ابعدك عن ابنك ، ومهما قسيت عليه قلبي مش هيطاوعني عشان عارف حبي للأطفال، الخلاصة إحنا خالصين وانت كان لك غرض محدد وأنا كمان كان ليه غرض، واحنا الاتنين متجوزين المرة دي بالعقل وعارفين عيوب ومميزات بعض وراضيين بيها، فما تجيش بعد كام سنة وتقولي مهملة ومافيش لهفة ولا أنوثة لأني ما اتغيرتش أنا كده من الأول وكنت راضي
-بس دلوقتي مش راضي وعاوزك تتغيري وده حقي
موافقة بس من حقي أنا كمان أطلب منك تغيير الحاجات اللي ما بتعجبنيش فيك وتنفذ.
-وإيه اللي مش عاجبك فيه؟
-معاكستك للزباين والموظفات وأخرهم الموظفة اللي مشيت بفضيحة وكانت هتلبسك قضية تحرش،والسهر مع شلة الفساد وشرب الحشيش في سهرة الخميس من كل أسبوع
-انتي بتراقبيني وكمان عاوزه تتحكمي في حياتي؟
-مش باراقبك إنما أخبارك بتوصلني أول بأول، وزي ما انت ماعندكش استعداد تتغير عشاني أنا كمان مش هاتغير عشانك
-بس أنا الراجل ومن حقي أعمل اللي أنا عاوزه ومحدش يحاسبني
-محدش بيحاسبك ولا يقدر يمنعك لكن ماتطلبش أكتر من كده
-راسك الناشفة دي هتكون سبب خراب بيتك تاني مرة
تركني وخرج وأنا أقول لنفسي:
-مش فارقة لأني مابقتش أحبك.
بكيت عندما خرج وأنا أرى أنه خدعني للمرة الثانية فقد صدقت ندمه وحبه لي حتى استمعت لحواره مع أمه عن سبب زواجه مني فأدركت أي حقير هو ولكن بعد فوات الأوان فقد كنت في شهري السادس في الحمل ولم تعد هناك فرصة للتراجع فاستسلمت لقدري.
ربما يكون ما أنا فيه عقاب الله لي على أني ضحيت برجل كعمر صادق ومخلص من أجل علاء، كنت أتلهف على الإنجاب وتناسيت أن الأهم من إنجاب الأطفال من سيكون أبيهم وكيف سيربيهم.
ضحيت بكل النقاء في حياتي من أجل أطفال أحملهم في أحشائي ويكونون لي وحدي وعلى أن أدفع ثمن اختياراتي.
أكملت حياتي من أجل أولادي وظلت معاملتي مع محمد محايدة لا أحبه ولا أكرهه، لكني بداخلي كنت أشفق عليه من أم أنانية نسيته في خضم رحلة بحثها عن المال وحبها اللانهائي لذاتها، وانتقالها من زوج لأخر من أجل المال والواجهة الاجتماعية.
كبر الأولاد وصار لكل منهم خصوصياته ولم يعودوا بحاجة إلى ، أما علاء فانغمس في مغامرات مراهقة متأخرة، يظن بها أنه سيستعيد شبابه، ولم اعد اهتم بما يفعله فقد فقدت الأمل في إصلاحه وان يفهم أن الدنيا ليست مجرد استمتاع بما نشتهي.كانت مغامراته وزيجاته السرية لا تخفى على أحد، وقد يكون الأولاد على علم بها، لذلك لم اتفاجئ عندما صمم محمد على السفر للخارج للدراسة والعمل، فقد كان يهرب من حياتنا وأراد أن يبدأ حياته الخاصة.
حزنت البنتان كثيرا لفراق محمد، لكن ما هون عليهما الأمر هو تواصلهما معه عبر الڤيديو على وسائل التواصل الاجتماعي. وكان تفوق البنتان فيما بعد سببا لحصولهما على منحة في الخارج فحاولت الاعتراض فاتهمتاني بالأنانية ومحاولة السيطرة عليهما وتشكيل حياتهما، فوافقت بشرط أن تاتيا في الأجازات وأن أسافر أنا إليهم . سافرتا وتركتاني أعاني ألام الوحدة وحينها تذكرت أمي وشكوتها من الوحدة ولولا اهتمامها بمحمد في طفولته لكانت ماتت كمدا،وتساءلت كيف احتملت بعدها عني ولماذا لم تفكر في العيش معي؟لماذا أنا دائما الطرف الذي يسهل تركه على الجميع؟ حتى ابنتاي فضلتا مستقبلها عني،هل أنا إنسانة بهذا السوء؟
بغياب الأولاد عن البيت أصبح كئيبا وباردا،وعلاء تركني وتزوج بأخرى في سن محمد ولم يهتم سوى بنفسه كعادته،أما محمد فكان دائم التواصل مع أختيه ويسافر إليهما أحياناً، وأحياناً يدعوهما لزيارته، كما كنت أسافر لهما كثيراً لكنهما كانتا ترفضان العودة خاصة بعد زواج علاء. ذات يوم كنت عائدة من زيارتهما وفي المطار وأنا أحمل حقيبتي اصطدمت بشخص ولما التفت إليه لأعتذر فوجئت بأنه عمر فوقفت للحظات أنظر إليه بذهول فابتسم وقال:
-إزيك يا حنان
-أهلا ياعمر عامل إيه؟
-الحمدلله انتي جاية من السفر؟
-أه كنت بازور بناتي بيدرسوا بره وانت مسافر ولا راجع؟
-لأ مسافر مع مراتي عشان نشوف حفيدنا الأول
إنت خلفت ياعمر؟
-أنا اتجوزت أرملة عندها ولد وبنت وقلت أهم يعوضوني وأكون لهم أب، وفعلا حبيتهم جدا وعاملتهم كأنهم أولادي ويشاء ربك بعد كام سنة يرزقني بملك ومحمود، والنهاردة مسافرين كلنا عشان إيمان بنتي الكبيرة ولدت ورايحين كلنا نشوف أول حفيد
-إنت طيب وتستاهل كل خير وربنا عوضك
-ده اداني اكتر من اللي اتمنيته وبقيت شريك في قرية سياحية صغيرة بس الحمد لله على نعمه وفضله، وانتي حققتي اللي كنتي بتتمنيه؟
-الحمد لله
-عارفة يا حنان اكتشفت إن سر السعادة في العطاء وإسعاد الناس.
تركته وعدت إلى البيت البارد الخالي ، الذي تخيم عليه الأحزان وسألت نفسي:ماذا سأفعل عند زواج الأبناء هل سأظل وحيدة؟ وربما أموت وحدي ولايشعر بي أحد.
الفصل العاشر
رنت في أذناي كلمات عمر أن السعادة في العطاء وأيقنت أن تلك رسالة من الله لأسلك طريقا جديدا وأبدأ حياة جديدة، لكن ترى ماهي وكيف أبدأ؟تساؤلات ظلت تدور في رأسي حرمتني النوم وفي الصباح استيقظت والصداع يعصف برأسي فصنعت كوبا من القهوة وأنا أنتظر أم عبدالله التي تساعدني في تنظيف البيت لكنها لم تأتي. اتصلت بها مرات عديدة ولكنها لم تجب فقررت أن أخرج قليلا، فقدت سيارتي إلى بيت أمي القديم الذي لم ادخله منذ سنوات. رحب بي صاحب البيت الذي كنت أدفع له الإيجار بالسنة وقال لي أنه سيبيع البيت لأن إيجاره ضعيف وأن احتياجات أولاده صارت فوق إمكانياته. قطعت حوارنا أم عبدالله وهي تتصل بي باكية فلم افهم ما تقول فطلبت منها الحضور لشقة والدتي التي كانت تأتي أحيانا لتنظيفها. جاءت وحكت لي أن زوجها تزوج بفتاة صغيرة وطردها من البيت بعد زواج أولادها وأخبرها أنها لم يعد لها فائدة في حياته، ورفض كل أولادها استضافتها عندهم بحجة ضيق ذات يدهم وظلت تبكي وهي لا تعرف أين تذهب فإخوتها أيضا يعانون من قسوة الحياة ولن يحتملونها. طلبت منها أن تبقى معي الليلة في بيت أمي ووعدتها أني لن أتخلى عنها.أصرت على تنظيف البيت وقالت أن العمل هو الوحيد الذي ينسيها همومها.
فكرت في حالها وحال عشرات غيرها ليس لديهن مأوى أو مصدر دخل ويحتملن الذل والهوان من أجل مجرد سقف يسترها، وتساءلت كيف يمكنها مساعدتهن، ثم فكرت لم لا أوفر لهن المأوى . ظلت الفكرة تراودني طوال الليل حتى تبلور شكلها النهائي، فقررت أن أشتري البيت واحوله لمأوى للسيدات مع تقديم وجبة واحدة بشرط أن تعمل وتكون ذات سمعة جيدة ويمكنها اصطحاب أولادها بشرط أن تكمل تعليمهم على الأقل حتى المرحلة الابتدائية.
في الصباح تفاوضنا مع صاحب البيت على السعر واتصلت بأولادي لأخبرهم فوافقوا وشجعوني على فكرتي، واتصلت بمحمد لأستشيره لأنه شريكي في الشقة فقد كتبتها أمي قبل وفاتها مناصفة بيني وبينه فوافق.بدأت في السؤال عن الإجراءات وكانت لي زبونة لديها مكتب محاماه كبير فطلبت منها أن تقوم بكل الإجراءات فوافقت وعرضت علي المشاركة في المشروع أيضاً.اشتريت البيت بالفعل وبدأت مرحلة الإعداد ، وكان كل طابق به ثلاث شقق فأزلت الجدران بينهم وأحضرت مهندس ديكور ليستغل كل المساحات المتاحة ويزيد من عدد الحمامات . بقيت شقتي وحدها على حالها لتكون لي خصوصيتي لكني غيرت فيها الكثير حتى امحو الذكريات السيئة وأبدأ بداية جديدة.
انشغلت في التجهيزات وبدأت في استقبال الحالات وكثير منهن من معارف ام عبدالله فأجريت لهم مقابلات وأخبرتهن بشروط الدار من النظافة وحسن السلوك والعمل لأن الدار لن تعول أحداً،ومن لا تجد عملاً عليها أن تعمل في الدار مقابل طعامها وإقامتها، أما من من يعملن أخذت منهن مقابل بسيط في الشهر حتى أستطيع توفير الطعام ودفع الكهرباء والغاز والمياة، وخاصة وأن لا أحد يساهم معي أو يدعمني سوى الأستاذة سناء المحامية.
بدأنا العمل وسكنت النساء نصف الدار ومع الوقت توافد علينا أعداداً أكثر حتى امتلأت الدار عن أخرها، وكنت صارمة بشأن النظافة وحسن السلوك وأية نزيلة تخالف ذلك يتم إنذارها مرتين ثم تُطرد في الثالثة، وذلك جعل الجميع ملتزمات لأنهن رأين أن من خالفن صُرفوا من الدار وحل محلهن أخريات.
صارت حياتي ليس بها لحظة فراغ واحدة، بين شئون الدار ومكتب المحاسبة وشئون أولادي.
عرفت أن لميس ظهرت في حياة محمد وتدعوه ليعمل معها في شركتها التي أسستها من مالها الذي جمعته من زيجاتها، وخاصة وأنه وريثها الوحيد حيث لم تنجب غيره. اتصلت بمحمد لأول مرة منذ سفره وقلت له:
-عارفة إننا مش أصحاب، وإن العلاقة الجافة اللي بيننا ما تديليش الحق في إني أنصحك، لكن وصية أمي،وصلتك ببناتي، والسنين اللي عشتها معايا يجبروني إني أقدم لك نصيحة وانت حر تقبلها أو لأ، لميس إنسانة أنانية طول عمرها بتحب نفسها بس وعندها استعداد تدوس على أي حد عشان مصلحتها، وبتموت في الفلوس ومش بتشبع منها أبدا وهي اهم حاجه عندها في الدنيا وعشانها اتخلت عنك زمان والنهاردة لما افتكرتك فأكيد لها غرض ومصلحة شخصية وممكن بعد ماتحققها تدوس عليك عادي وتتخلى عنك بمنتهى السهولة والقسوة، هي أمك ومش باحرضك عليها، بالعكس لازم تبرها وتسأل عنها ، بس في نفس الوقت تكون فاهمها كويس ومأمن قلبك من أوجاعها ومستقبلك من غدرها، عارفة إن كلامي قاسي ويمكن تفتكر إني غيرانة منها أو حاقدة عليها بس الأيام هتبين لك صدق كلامي.
سكت للحظات ثم قال بألم:
-أول مرة تهتمي بيه وتخافي عليه يكون من أمي مش غريبة الحكاية دي؟ طفل مهجور مش عارف ليه ولا هو عمل ايه عشان أمه تهجره،لكن ربنا عوضه بجدته، وبرضه تروح وتسيبه لكن غصب عنها، مستني منك وانتي من دمه نظرة حب او لمسة حنان، لكن روحك متحجرة وقلبك بارد،بتمشي من جنبي وكأني سراب، لكن الحمدلله ما بتكرهنيش ، عشت واتأقلمت وقلت جايز ده طبعها، لحد ما شفت حبك وحنيتك على بناتك، قلت يبقى أكيد عشان مش ابنها، عشت في البيت وانا باتجنبك وإنتي بتتجاهليني ،ولما سبته فاجئتيني باهتمام استنيته سنين طويلة، ياترى أقدر اعرف سبب الاهتمام؟ أو بمعنى أصح سبب التجاهل؟
-مش هاقدرأقولك السبب وفعلا أنا كنت غلطانة في حقك من غير ما يكون لك ذنب بس أنا بشر ما قدرتش أتجاوز الماضي وعاقبتك بذنب أمك
-أمي؟عشان كده عاوزة تنتقمي منها وتكرهيني فيها؟أنا أصلا باكرهها فوفري جهدك
هتصدقني لو قلت لك إنها مابقتش تهمني بس أنا قلبي مش حجر وخايفة عليك تدمرك زي ما دمرتني زمان دي كل الحكاية، عاوز تاخد بنصيحتي أو لأ انت حر، وعلى فكرة فلوسك من الشقة اللي بعت لي نصيبك فيها شايلاه لك بس قولي ابعتهولك إزاي
-اصرفي بيه على الستات الغلابة أنا عاوزه يكون صدقة على روح تيتة الأم الوحيدة اللي حبتني وربتني.
آلمتني كلماته لكنها كانت حقيقية،لكن ما خفف ألمي أني حذرته من لميس. مضيت في مشروعي متناسية علاء وزيجاته المتعددة حتى بدأ يتزوج صغيرات في عمر بناته وينفق عليهن ببذخ فاتصلت به فقال بضيق:
-نعم يا شاويش عطيةعاوزة تعكنني عليه بإيه على الصبح؟
-لأ مش هاعكنن عليك وهاسيبك تعيش دور المراهق اللي انت مش عاوز تكبر عليه، لكن عندي طلب واحد بس تكتب الڤيلا ونص ممتلكاتك باسم أولادك والنص التاني تصرفه زي ما انت عاوز
انتم عاوزين تورثوني وأنا عايش؟ دي فلوسي ومحدش له عندي حاجه
-خلينا نتكلم بالعقل والذوق انت لو فضلت بنفس الطريقة دي هتفلس كمان سنتين وأولادك لسه بيكملوا تعليم ولسه محتاجين يتجوزوا ولا إنت مش شايف غير نفسك وبس؟
-لأ مش موافق
-اتفقنا يبقى هافتح القديم والجديد، زي التهرب من الضرايب والبنت اللي ماتت وهي بتجهض نفسها بسبب رفضك للخلفة منها وهي مراتك عرفي، لا والبنت اللي سابت الشغل بسبب تحرشك بيها كل ده هيتقدم للمحكمة وهاخلي ولادك يحجروا عليك وهافتح عليك أبواب جهنم، اوعى تفتكرني حنان الضعيفة بتاعة زمان ، حقي أنا سبته ومش عاوزاه لكن حق الأولاد مش هاسيبه.
-بتهدديني يا حنان؟
-أنا طلبت بالذوق وانت رفضت وده اضطرني اهددك، خليني أقدم عرضي مرة تانية ، الڤيلا ونص ممتلكاتك تتكتب بيع وشراء باسم الأولاد النص لمحمد والنص التاني للبنتين،وانا تطلقني وتديني كل مستحقاتي وعيش حياتك زي ما انت عاوز، ولا اطلع المستخبي وكله بالقانون.
سكت للحظات ثم قال:
-موافق بس من امتى حنيتك دي على محمد؟
-ماهو لا لاقي أم ولا أب عدلين فقلت أهي تبقى مرات أبوه أرحم، بكرة هنتقابل عند الأستاذة سناء المحامية وهابعت لك عنوانها الساعة ٧ بالظبط لو ماجيتش ماتزعلش من اللي هاعمله.
في اليوم التالي جاء فعلا عند المحامية ومضى كافة العقود واتفقت معه على اصطحابه في اليوم التالي لتوثيقها، كما اتصلت بالمأذون وتم الطلاق بمكتبها ومنحني شيك بمؤخرة صداقي. اتصلت بمحمد والفتاتين في مكالمة جماعية وأخبرتهم بما حدث ولكني أخفيت عنهم تهديدي له، كما أخبرتهم بالطلاق وأن تلك كانت رغبتي فتقبلوها باحترام وبعد انتهاء المكالمة فوجئت باتصال من محمد يقول لي:
-مش فاهمك ليه جبتي لي حقي؟
-عاوزة أكفر عن ذنبي، كمان عارفه لو سبته أبوك هيضيعه
- ماتقوليش إنك بعد السنين دي خايفة عليه وعلى حقي؟
-أنا مش وحشة أوي كده يا محمد، صحيح ماقدرتش أكون لك أم لكن مستحيل أكل حقك أو أحرمك منه ،فيه حاجات كتير انت مش عارفها ومش هتفهم اللي عملته بسبب كده بس باعترف لك إني كنت غلطانة وعاوزة أبدأ معاك صفحة جديدة نكون فيها أصحاب لو تحب.
صمت ولم يتكلم وأنهى المكالمة، لكن بعد ذلك استمرت بيننا المكالمات الجماعية.
ذاع صيت الدار وفكرتها وأجرت الصحف معي عدة لقاءات ، فجاء لي الكثيرون للتعرف على فكرة الدار وفتحت حسابا في البنك لتلقي أية تبرعات لمساعدتنا على الاستمرار.
فوجئت في أحد الأيام بعمر يزور الدار فاستقبلته بسعادة وقال:
-فكرة جميلة براڤو عليكي
انت كنت سبب من أسباب تنفيذها، لما قلت لي السعادة في العطاء
سكت ونظر إلى ثم قال:
-عاوز أشارككم بشقة والدي الله يرحمه، هي في حي شعبي بس كبيرة وواسعة وأنا هاتكفل بتوضيبها بس قوليلي إيه المطلوب.
-ربنا يكرمك انت مصمم تعلمنا لأخر لحظة أن العطاء مالوش حدود، أنا هاكلم مهندس الديكور وهو عارف المطلوب وهاديله رقمك، مش هو برضه نفس الرقم القديم ولا اتغير؟
-هو نفس الرقم ياترى لسه محتفظة بيه؟
أه لسه، بس قولي مراتك ماجتش معاك ليه
-الله يرحمها اتوفت من شهرين
-ربنا يرحمها ويصبركم، ده رقم الأستاذة سناء المحامية هتكلمها وهتقولك على كل الإجراءات.
شكرا يا حنان وربنا يوفقك
انتهت المقابلة وأنا أشعربالأسى لأني أضعت إنسان مثل عمر من أجل علاء، ولكن تبقى لينا ولبنى أجمل شئ في حياتي ،رغم بعدهما ورغبتهما في عدم العودة بسبب علاء وفضائحه المخزية.
مضت حياتي وأنا غارقة في عملي ومشاكل الدار لكني كنت سعيدة لأني استطعت ملء الفراغ في حياتي ولأني استطعت مساعدة هؤلاء السيدات وساعدتهن على أن يعشن بكرامة،و كذلك لأني تخلصت من وجود علاء في حياتي.
كان عمر يتصل بي من وقت لآخر ليخبرني بتطورات العمل في الدار أو ليطمئن علي ،فكان يدور بيننا الحديث عن أولادنا وأخبرني أن محمود يعمل معه في القرية بجانب دراسته في السنة الثالثة بكلية التجارة، أما ملك فهي في العام الثالث لها بكلية الفنون الجميلة، وأخبرته أن لبنى تدرس الطب ولينا تدرس الهندسة وهما في السنة النهائية وترفضان العودة وترغب لينا في العمل في أوربا أو كندا أما لبنى فترغب في عمل الماچستير بجوار عملها،طلب مني أن أقنعهما بالنزول لمصر وقضاء أجازتهما في قريته بشرم الشيخ وسيرتب لهما برنامج سياحي ممتع، فشكرته واقترحت عليهما بالفعل فرفضتا لكن محمد أقنعهما بضرورة النزول لمتابعة ممتلكاتهم حتى لا يبددها أبوهم أو يورطهم في مشاكل مالية فوافقتا على مضض.
سبقتهما ومعي ام عبدالله ومعها امرأتين من الدار من أجل تنظيف الڤيلا المُغلقة منذ زمن، وحان موعد وصولهما فكنت سعيدة جدا واستقبلتهما بالعناق والقبلات ولأول مرة ضممت محمد لصدري وقبلته وسط ذهول الجميع، لكني اليوم شعرت أني أريد تعويضه وأن الفرصة مازالت متاحة.
ذهبنا جميعا للبيت وكنت قد أعددت لهم الطعام الذي يحبونه وتناولنا الطعام وتبادلنا الحكايات حتى نال الأرهاق منا جميعاً فخلدنا للنوم . في اليوم التالي اتصل محمد بوالده وذهب هو والفتاتان للقائه واتفقنا على أن نتقابل في مطعم في أحد المولات لتناول الغداءفعادوا إلي غاضبين من أفعال أبيهم فحاولت اخفف عنهم واتصلت بعمر لأتفق معه على موعد الرحلة فأخبرني أنه ينتظرنا في أي وقت ، فأخبرت الأولاد فقال محمد:
-فيه حاجات كتير مش فاهمها وعاوزة توضيح ، يعني إزاي بابا اتجوزك انتي واختك؟ ومين عمر ده وبيخدمك ويتبرع لك ليه وواثقه فيه أوي كده ليه؟ وعلاقتك بلميس هانم سيئة بسبب أبويا ولا قبله؟
-نروح بيتنا وهاحكي لكم كل حاجة
وصلنا البيت وجلسنا معا فقلت لهم:
-قبل أي حاجه محدش فينا ملاك كلنا بشر وبنغلط
وحكيت لهم حكايتي مع علاء ولكن أخفيت خيانته واخبرتهم أني علمت أنه ولميس يحبان بعضهما فطلبت الطلاق وتزوجا، واكملت حكايتي وأخبرتهم أني تزوجت عمر وتطلقت منه بسبب عدم إنجابه وعدت لعلاء حتى أنجب لأني كنت أعشق الأطفال، ولكن بعدما اكتشفت حقيقة علاء ندمت على مافعلته بعمر لكن ماعوضني هو وجود لينا ولبنى،وحكيت لهم كيف التقيت عمر مرتين وكل مرة تركت في أثرا مختلفاً.
فقال محمد:
-دلوقتي قدرت أفهم سبب كرهك ليه بسبب اللي عملته أمي فيكي
-ما كانش كره لكن وقتها ماقدرتش أنسى اللي حصل لي ودفعت انت تمن حاجات مالكش ذنب فيها، خلاص الماضي عدى وراح خلونا نتكلم في بكرة.
نظروا إلي بذهول فقلت:
-كلنا محتاجين أجازة خلونا نسافر شرم الشيخ عند عمر وبعدها نفكر في المستقبل، وافتكروا إن محدش فينا هيقدر يغير الماضي لكن يقدر يخلي الحاضر أجمل ويساهم في صنع المستقبل.
سافرنا بالفعل لشرم الشيخ واستقبلنا عمر بترحاب ومعه محمود ابنه الذي كان صورة مصغرة منه، وكانت معه ملك التي كانت فتاة رقيقة جدا بشعر بني وعيون لوزية وبشرة بيضاء وقوام رشيق يميل للنحافة ورحبت بنا بتحفظ ، أسكننا عمر في الغرف المخصصة لنا وقال لنا أنه سيتركنا نرتاح اليوم ونلتقي على الغداء، لكننا من إرهاق السفر لم ننزل إلا على العشاء وهناك قابلنا ابن زوجته رامي طبيب العيون الذي يحضر الدكتوراه في أسبانيا، كان شابا أسمر بعيون سوداء ونظارات طبية وشعر أسود مجعد وجسد متوسط لكنه متناسق، انشغل الجميع في تناول الطعام والتعارف، ثم بدأت حفلة موسيقية وكانت عبارة عن رقصة التنورة الشهيرة،مما اثار انبهار الجميع وتصفيقهم. بعد الحفل بقينا قليلا حتى اكتمل التعارف واخبرهم عمر عن برنامج اليوم التالي وهو قضاء اليوم في مركب وتناول الغذاء فيه بعد الغطس والسباحة لمشاهدة الشعب المرجانية الرائعة.
كان اليوم مليئا بالمرح والصخب ولاحظت أن ملك هادئة وتجلس بمفردها كثيرا ترسم أو تلتقط الصور المناظر الطبيعية ،كان محمد مثلها لا يحب الصخب فجلس بجوارها واندمجا معا في حوار هادئ ثم ساد الصمت بينهما وتركنا محمد ليمارس السباحة. في حين اندمجت لينا ولبنى مع محمود ورامي وعمر الذي تركهم بعد فترة وصعد ليجلس معي وتناولنا قهوتنا وتحدثنا كثيرا بشأن الأولاد. انتهى اليوم بالاندماج أكثر بين الجميع لتقارب اعمارهم،وعدنا للقرية لنرتاح قليلا مع وعد بلقاء على العشاء.هكذا انقضت أجازتنا بين مرح بالنهار وحفلة في المساء وعندما حان موعد العودة للقاهرة وجدت محمد يخبرني برغبته في خطبة ملك، فقلت له إنها مازالت صغيرة فطلب مني أن أتحدث مع عمر فقط ليعرف أنه جاد بشأنها.نظرت إليه وابتسمت وأدركت كم كبر الأولاد، وتحدثت مع عمر فقال إنها مازالت صغيرة لكنه موافق إن هي وافقت بشرط ألا يعطلها عن دراستها.
بعد عودتنا من شرم الشيخ أخبرنا عمر بموافقته المبدئية ولذلك قرر قراءة الفاتحة على أن يكون التواصل بينهم بالهاتف خلال يوم إجازتها فقط وإن حدث بينهم توافق يمكنه أن ينزل بعد نهاية العام الدراسي ونجاحها من أجل حفل الخطبة التي ستستمر حتى تخرجها من الجامعة. وافق محمد على شروطه وذهب لوالده وطلب منه أن يكون معه في قراءة الفاتحة فقال له بقسوة:
-مش انت مشيت ورا حنان اللي بتكرهك وعملتها عيلتك وكمان هتخطب بنت طليقها خليها بقى تنفعك
كما اعتذرت لميس عن الحضورووعدته بهدية فخمة فكاد أن يتراجع عن الخطبة فقلت له:
-أيوه يا محمد أنا وأخواتك كل عيلتك، صارح عمر بظروفك كلها من الأول ولو قبلوا بيها نكمل ولو رفضوها يبقى ربنا مش كاتب لكم الخير مع بعض،أي علاقة عشان تنجح يلزمها الصراحة يا بني.
بالفعل اتصل بعمر وأخبره بما حدث فطلب منه مهلة للتفكير واستشارة إخوتها.في اليوم التالي اتصل عمر بمحمد وأخبره بموافقتهم فذهبنا إليهم في المساء لقراءة الفاتحة وقدم لها محمد سلسلة ذهبية هدية لها، وقدمت لها خاتماً ذهبيا وقرأنا الفاتحة. جلسنا معا جميعا وتحدثنا في كل شئ وأصر رامي على دعوتنا جميعا للعشاء في الخارج لأنه سيسافر في اليوم التالي.
قضينا وقتا ممتعا وعندما اختليت بنفسي وقارنت بين عمر وعلاء أدركت كم كنت غبية وأضعت رجلاً بكل ما تحمله الكلمة من معان من أجل ذكر مدلل لا يقدر قيمة عائلته ولا يحترمهم وليس لديه أي استعداد للتضحية من أجلهم.
مرت إجازة الأولاد سريعا واخترت لمحمد محاسبا مناسبا من مكتبي لإدارة ممتلكاته هو وأختيه ووعده بأن ينزل لمتابعة العمل كل ثلاثة شهور، ولم يخف علي رغبته أيضاً في رؤية ملك.
خلا البيت علي وشعرت ببرودة الوحدة فأغلقته وعدت إلى شقتي والنساء اللاتي أتولى مسئوليتهن، وشغلت نفسي بعملي ومشاكلهن بالإضافة لشئون أولادي، لكن كل ذلك لم يملأ فراغ قلبي. كنت أخترع الأسباب للحديث مع عمرفأشعر بالسعادة لمجرد سماع صوته، وفكرت ماذا لو كان إحساسه بي مماثل لإحساسي؟هل بإمكاننا تمضية ما تبقى من العمر معاً في سعادة؟
ذات يوم تجرأت وسألته ألا يفكر في الزواج بعد زوجته فربما يجد من تؤنس وحشته بعد أن يمضي الأولاد كل إلى سبيله، فأجابني بهدوء وقال:
-يمكن جوازي أنا ورقية كان بالعقل وكنا اتنين مناسبين في ظروفنا لبعض ومحتاجين بعض، لكن لما عاشرتها ولمست روحها الجميلة وقلبها المليان حب وعطاء لكل الناس حبيتها بجد،كانت بتعمل المستحيل عشان ترضيني وتسعدني، واستشارت أكتر من دكتور من غير ما تقولي يمكن يكون فيه أمل ولو بسيط إني أخلف وده بس عشان تسعدني ولما لقيت أمل بسيط في أطفال الأنابيب فضلت تقنعني إنها نفسها في طفل مني، لحد ما وافقت وربنا رزقنا بمحمود وملك ، فكانت في منتهى السعادة إنها حققت لي حلمي، سافرت معايا كل ما كنت بأغير شغلي ولما الولاد كبروا وارتبطوا بالمدارس بقت تيجي تقضي معايا الأجازات، وهي مستحملة وشالت الحمل لوحدها، ولما فضفضت لها مرة إني باحلم يبقى عندي قرية سياحية ملكي ،فضلت تسعى وتدور لحد ما عرفت إن قريبها بيبني قرية ومحتاج شريك، باعت كل اللي تملكه على اللي أنا محوشه ولما ما كملش النص، قالت له هيكمل الباقي بالإدارة، وحققت لي حلم عمري ولما قريبها بعد سنين قرر يبيع النص بتاعه خلت أولادها يدخلوا معايا شركاء بميراثهم من أبوهم وبقت القرية كلها ملكنا، الست دي ماتتعوضش ولو لفيت الدنيا مش هالاقي أي حد زيها ولا حتى ربعها، الست اللي كان كل همها سعادتي وتحقيق أحلامي ما سابتش مكان في قلبي وروحي لحد غيرها حتى بعد ما ماتت.
سكت للحظات وأنا متألمة فقد كنت أطمع أن نعود لبعضنا ونكون سنداً لبعض في نهاية العمر، لكن تبدد أملي بعد كلماته، ثم تمالكت نفسي وقلت:
-معاك حق فيه ناس فعلا ماتتعوضش ومحدش يقدر يحل محلهم.
أغلقت الهاتف ورضيت بحياتي الحالية فأنا أدفع حاليا ثمن أنانيتي وعدم رضائي بنصيبي وعوض الله الذي أرسله لي، كنت أظن أني جديرة بأن أنال من الدنيا كل شئ ولم أدرك أن الدنيا تمنحنا شيئا وتحرمنا من شئ ومن المستحيل أن تمنحنا كل شئ أو تسلبنا كل شئ، ربما هذا جزاء عدم الرضا بقدري وتطلعي لأقدار غيري ومقارنتها بقدري، لكني أحمد الله أني بقيت لي حياة تشغلني وأن أرسل لي عمر ليدلني على نعمة العطاء التي منحتني الكثير من السعادة.
تمت
١٩مارس ٢٠٢١