وين نروح؟
سألتني طفلتي وهي تتشبث بملابسي وتبكي وترتعد خوفًا من صوت قصف الطائرات الوحشي:
ياما وين نروح؟-
إنه أصعب سؤال فماذا أقول لها وقد تركنا بيوتنا في الشمال منذ أن بدأ القصف العنيف من طائرات المحتل انتقامًا من شعبنا بعد أن مرغت المقاومة رؤوسهم في التراب في يوم السابع من أكتوبر عام ٢٠٢٣. كان انتقامهم همجي فقد دمروا كل شيء فوق رؤوسنا فقتلوا معظم أهلنا وجيراننا وفقدنا بيوتنا وأموالنا.فبعد أن كنا نعيش مستورين في بيوت جميلة ، صرنا لاجئين نحمل متاعنا البسيط فوق ظهورنا ونغادر إلى مكان أكثر أمنًا، لكن في غزة لا مكان آمن.
كلما قصفوا مكان حملنا أحبتنا وأمتعتنا إلى مكان آخر وفي الطريق نتعرض للقصف فلم يرحموا كبيرنا ولا صغيرنا، ولا حتى زرعنا وحيواناتنا. كلما رحلنا من مكان لآخر فقدنا بعض الأحبة ومعهم جزء من أرواحنا حتى جفت الدموع ولم يبقَ لنا سوى الدعوات.
كنا في بداية الحرب نأمل في إنسانية الأخوة الأشقاء والعالم الحر، لكن بعد فترة ادركنا أن ليس لنا إلا الله ونحن على يقين في نصره أو أن ننال الشهادة ونسكن جناته، فهو أرحم بنا من كل البشر.
وصلنا إلى الجنوب وقد تقلصت الأعداد الكبيرة التي خرجنا فيها إلى قلة معدودة على أصابع اليد، فقد ذهبوا بين شهيد وجريح ومفقود إما تحت الأنقاض أو أسير. ظننا أن الجنوب لن يصل إليه المحتل كما تعهد لنا ولكنه لا عهد ولا آمان له فهاهو اليوم بعد أن حذره العالم من ضرب الجنوب واقتحامه، يقصف بلا رحمة ولا هوادة الجنوب بكل قاطنيه.
صارت أرض غزة كلها تحت القصف في البر والبحر، في الشمال والجنوب فأين نذهب؟ وإلى من نلجأ؟ وبمن نحتمي وقد تخلى عنا الأهل قبل الغرباء؟ نظرت إلى ابنتي المرتعدة وقلت لها:
سنعود إلى بيتنا في الشمال يا ابنتي؟
رغم القصف؟
سنفر من قدر الله إلى قدر الله
تمت