صباح الخير..
فى بداية عام جديد... ونهاية عام فى أحسن أحواله صعب على البعض..أظن محتاجين نتكلم عن هذا الكتاب الجميل..
تقدر تقول كدا أنه دليل المواطن العادى للتعامل مع حياته اليومية من الناحية الفلسفية...رغم أن الفلسفة نفسها سيئة السمعة كطلاسم أصحابها غرقانين فى السفسطه..لكن الكتاب دا بيكسر هذا الحاجز و ينزل على أرض الواقع شويه.. ويقول "كيف حاول البشر التعامل مع المصاعب والاخفاقات والانكسارات وكل ما لا تقوى قلوبهم واذهانهم على التعامل معه"..
بيقدم الكتاب مجموعة من الأفكار والروايات لتعامل الفلسفة مع الإحباط..العجز..الفقر المادى...انكسارات القلب...رحلة جميلة وترجمة محترمه..بيورينا ازاى حاول العقل البشري إيجاد مخرج مستقل "بمعزل عن الأديان" للتفاهم مع عالم قاسى ووحشى ..بيوعد ويخلف ويدوس على أرواحهم في كل لحظة..
بيقدم أطروحات عن مفهوم السعاده..هل هى فعلا لها تعريف واضح؟ هل منشأ عدم رضانا عن حياتنا هو عدم فهمنا لغايتها و طرق عمل القدر من الأساس وبالتالى ونتيجة لعدم الفهم ..اتولد عندنا هذا الإحساس المتواصل بالمرارة و السخط والإحباط تجاه عالم لم يمنحنا ما أردنا؟
ما بين سوداوية شوبنهاور اللى زعلان اوى أنه اتولد "بس كان غنى ومرفه وبيحب الأكل ومقضيها سفر لإيطاليا رايح جاى..بس فالح يبخ تشاؤم فى وشنا" و إيمانه أن كل شيء بلا جدوى..وبين نيتشه و فظاظته فى التعبير عن احتقاره البشر وملذات حياتهم ...و هى فظاظة على الرغم من حدتها تنطوى على قدر هائل من الإشفاق عليهم و الحب المحبط للحياة والناس..و بين موقف الرواقيين وعلى رأسهم سينيكا الأصغر .من سوء الحظ و تقلب أحوال الحياة..حتعيش رحلة ممتعه و باعثة على التأمل..
ميزة الكتاب أنه على عكس كتب التنميه البشريه و"باولو كويهلو" بوعودهم الزائفة أن مسيرها تروق وتحلى وان الكون حيتآمر عشان يحقق لك أحلامك يا محور الكون يابرنس الخليقة يا نجم..بيقدم نوع من التصالح مع الحياة الواقعية.. المليئة بالإحباط والمصاعب والفقد والصدمات..بيتكلم عنها كجزء من الواقع يجب تقبله..و بعد ما نتقبله حنطرح السؤال التانى وهو كيف نتعامل معه؟
ميزة طريقة التفكير دى أنها بتخرجنا من سجن تصوراتنا الشخصية لما يجب أن يكون عليه العالم و تقلل حده الصدمه الناتجه عن رؤيته على ماهو عليه..فننقل بسرعه لخانه الفاعل بدل الوقوف طويلا في خانة المصدوم الملىء برثاء الذات "اد ايه انا طيب وحبوب وذكى ورغم كل دا العالم لا يعاملنى بلطف كافى..." ...نتحرك لخانه "ايوه حنعمل ايه عشان نطلع من اللى احنا فيه دلوقتى؟"
اكتر جزء حبيته هو "العزاء بشأن الإحباط" ..ونصائح الفيلسوف الرومانى الرواقى "سينيكا الأصغر" ...من منظور سينيكا..وعشان بس نرتاح ونريح بعض..مفيش اتفاقية عدم تعرض بيننا وبين العالم ..حد مضى على عقد مع الحياة انها مش حتيجى عليه وأنه غير معرض للفقد أو الإفلاس أو المرض؟ حد مضى على الكلام دا يا جماعة! محدش..
على حسب رأى سينيكا..الحظ بتدير دفته "فورتونا" الهه الحظ الرومانية..تلف الدفه يمين تبقى قاعد في قصر..تلف الدفه شمال تلبس بيك فى مصيبه زى جبل التلج اللى غرق تايتانيك..هل فى سبيل فى التحكم في"فورتونا"؟ لا...مفيش..طب ايه حنتخض كل ما تميل بينا في ناحيه أو تجنح لأرض ضحلة أو حتى تروح بينا فى الشلاحات؟ بتتخض ليه يا ابنى ما انت عارف ان دا احتمال وارد وبيحصل وحيحصل؟ يبقى الحل ايه؟
إيجاد وسيلة للتعامل مع تقلبات فورتونا..قبول الأمر الواقع بتسليم وهدوء و بعدها نستخلص من المصيبة عبرة أو عظه أو نتخطاها ونكون بشر أفضل..أو نكتفى حتى بالهدوء فى وش العاصفة بدل الجزع و الهرج والتذمر..
الرواقيين بصفة عامة بينظر لهم كعالم عندها تبلد إحساس شويه..عاملين زى عاطف بتاع فيلم الناظر كدا فى بروده وتناحته..وان كنت بأشوف أن سينيكا الأصغر تحديدا نظرته لفورتونا وتقلباتها جميلة ومش مفرطه فى التبلد وناتجه عن مصاعب حقيقية هو مر بيها فى حياته..مش زى "عائض القرني" مثلا فى كتابه الشهير "لا تحزن" وهو بينصح أن عشان متزعلش..متحبش حد و متدورش على حد و عيش حياة غريبه الأطوار جدا عشان لما حاجه تروح منك متزعلش..لا يا جماعه احنا بشر و عايشين نحب و نحلم ونتمنى...المهم نعرف لو أمنياتنا متحققتش حنتصرف ازاى بشكل بعيد عن الحقد و الحنق والضجر...نلاقى مخرج من الأزمة ازاى بدل ما نتحول لكائنات بتلعن نفسها وقدرها طول الوقت...
لو اتكلمت كمؤمنه ..حأقولك الكتاب الجميل دا هو ملخص لمحاولة البشر التعامل مع صدمه نزولهم إلى الأرض..و التعامل مع عالم عندهم الأدوات الذهنية والعضلية للتعامل معاه..لكن الجزء الثاني الأسمى مازال ينتمى للجنة..المكان الوحيد اللي مفيش فيه فقد..ولا خوف..ولا جوع..ولا تعب..الجزء دا لسه مخضوض من نزوله على الأرض..و ما الفلسفة فى كثير من الأحيان إلا محاولة هذا الجزء التفاهم مع العالم الأرضى...يتقبله احيانا..يحاول يغيره بعض الوقت...لكنه بيتصدم منه فى أغلب الأحيان..
ومن هنا حتى يعود هذا الجزء الغير أرضى إلى مأواه .. مضطرين نتعامل مع بعض ومع المحيط بينا...إلى أن يقضى الله أمرا كان مفعولا..
اقروه يا جماعة..بدل كتب التنميه البشريه العار اللى مسيطرة على الساحة..