هل هي زيارتك الأولي ؟دليل الزيارة الأولي

آخر الموثقات

  • طبيبة نساء كفر الشيخ علي حق رغم ..
  • لماذا الإلحاح على قبول المثلية الجنسية في بلادنا ؟
  • ندوب الروح
  • للنساء فقط 
  • جريمة في معسكر الكشافة "حلقات الموقع الأسود"
  • كلمة نون
  • السر في الصحبة
  • طب م تيجي نمشي تاني
  • الموت.. القانون إلهي
  • دعوتك عشقي السرمدي
  • آه من الشوق
  • أدوية قد تسبب الجفاف في رمضان
  • لي الغزل ولها الخجل..
  • اتعالجوا انتم مرضى
  • لسن بنات مصر
  • مرتاح فيكى
  • الحاجة الحلوة فى أنا
  • بيت السكة الحديد
  • كوني صريحه..
  • يا كام مربع علي موال
  1. الرئيسية
  2. مركز التـدوين و التوثيـق ✔
  3. المدونات الموثقة
  4. مدونة ياسمين رحمي
  5. "أشباهنا- قاهرة" - الجزء الثاني

"قاهرة" كانت قعدة كعادتها تحت رجلين الست "عيشة" بتدلكها، عشان كانت بدأت تكبر وتتعب وبتطلب من "قاهرة" من وقت للتاني تعملها تدليك في رجلها يريحها بسبب الألم اللي فيها.

"قاهرة" كانت قريبة جدًا من "عيشة"، تحت رجلها مباشرة ووشها بالنسبة لعيشة واضح وملامحها ساطعة على ضوء الشموع الكتير اللي نورت الخيمة. لأول مرة من وقت "عيشة" ركزت في ملامح "قاهرة"، عنيها وسعت على الآخر وشهقت وسألت "قاهرة" ليه مش بتكبر؟؟

"قاهرة"، اتلجمت، ثبتت كإنها تمثال، بس اتمالكت نفسها بسرعة عشان "عيشة" متاخدش بالها، المفروض إنها مش بتسمع، و"عيشة" مكنتش باصلها وهي بتقول الجملة دي فمقرتش شفايفها، مينفعش تبين رد فعل...

وفي اللحظة دي "قاهرة" عرفت، عرفت إن المرحلة دي آن الأوان تنتهي، لازم تروح محطة غيرها، لازم تمشي وفورًا...

حتى لو "عيشة" كانت بتتكلم بهزار، فبكره ولا بعده ولا السنة الجايه الهزار هيتحول لحقيقة، لحد إمتى هتقدر تتدارى ورا ستارة "الست اللي مش بيبان عليها السن"، إن عاجلًا أو آجلًا سرها هيتفضح، هيعرفوا إنها مختلفة، إنها بجد مش بتشيخ....

وفعلًا دي كانت آخر ليلة ليها....

اتحركت بهدوء شديد وسط الضلمة، اتنقلت ما بين أماكن نوم الحبايب، الناس اللي اتعودت عليهم واعتبرتهم اخواتها وأولادها، بالذات الأطفال، عدت عليهم واحد واحد وواحدة واحدة، الأطفال اتعلقت بيهم جدًا وحست إنها من تاني بتهجر ولادها وبتمشي، راقبتهم شوية وهم نايمين، دموعها نزلت وهي بتبصلهم للمرة الأخيرة، حتى إنها اتجرأت ومالت على طفل معين كان الأقرب لقلبها وباسته على جبينه، وانسحبت بعدها، مشيت من منطقة الخيم كلها...

...........................

-تفتكر الدنيا هتمشي ازاي؟

-واحنا مالنا يا سيدي؟

-مالنا إزاي؟!

-هو احنا لينا أي دور في الحرب دي؟

-أكيد هنتأثر.

-إزاي بقى يا نبيه؟

-مش إحنا تحت حكم بريطانيا اللي هي من الحلفاء؟

-اه

-طب مبدئيًا استنى التجنيد الإجباري الأيام دي، كل بيت هينقص منه شاب على الأقل والقرار هييجي من وزاراتنا ومن حسين رشدي باشا بنفسه.

-وإحنا ذنبنا ايه؟

-ذنبنا أننا دايمًا تحت جناح حد، إمبراطورية ورا إمبراطورية وأجنبي ورا أجنبي، قدرنا يا أخ..

ده حوار دار ما بين رجلين في الترام، وفي واحدة كانت قعدة جنبهم بتسمعهم باهتمام وهي شايلها في إيديها جرنان مكتوب عليه "27 يونيو 1914"، الواحدة دي كانت "قاهرة"...

"قاهرة" عاشت كل السنين دي وفي نفس المرحلة العمرية، لسه مبتكبرش، فضلت تنتقل من مكان لمكان ومن وشوش لوشوش لحد ما وصلت القاهرة، في الترام ده بالذات وفي الوقت ده، بداية الحرب العالمية الأولى، الموضوع برغم إنه معتاد بس كل مرة "قاهرة" كانت بتتألم.

عبد الخالق سأل:

-هو ايه اللي معتاد يا تيتا؟

=الموت! بالذات بالطريقة دي، شباب بيتزفوا ليه من غير مرض ولا جوع ، الإنسياق للحروب والمعارك المصيرية وياريتها كانت مصيرية لمصر..

الأربعة بصوا لبعض في حيرة، مستوعبوش قصدي.

=المهم "قاهرة" غمضت عنيها في أسى وهي بتسمع الكلام الداير ما بين الشابين في الترام، افتكرت لما الشباب ماتوا في معركة إمبابة ومعاهم الكبار كمان بعد ثورة القاهرة ضد الغزو الفرنساوي وافتكرت عياط الإسكندرانيين على شوارعهم اللي اتلونت بدم الشباب مع قصف الأسطول البريطاني للمدينة في بداية دخولهم مصر، ومعركة "كفر الدوار" و"القصاصين" و"التل الكبير"، غير بقى المقاومة اللي فضلت مستمرة ضد الاحتلال الإنجليزي وبسببها كتير اتضربوا بالنار ولا اتشنقوا ولا الطيارات قصفتهم وقصفت أراضيهم ودلوقتي كمان الرجالة بيتجروا لمعركة مش بتاعتهم؟ معركة بالحجم المهول ده؟ زمن العالم فيه بيعمل جبهات وفرص الفوز متعلقة على حاجة أشبه بالقرعة بالنسبة لهم وقتها، محدش عارف مين فرصه أحسن من مين، وإيه هي الجبهة الأقوى، وفي اللي كان قلقان إن كل الجبهات تدمر والكوكب كله يتباد، على الأرض السلام! "حرب عالمية" جديدة دي، حتى عليها، هيا اتعودت على ريحة الدم ومناظر الأموات والمعارك اللي توقف القلب الف مرة من الفزع، لكن أول كانت تحضر "حرب عالمية" خلال ال395 سنة اللي عاشتهم.

**************

-ليه إخترت التاريخ؟

البنات سكتوا، بلموا، عنيهم وسعت من الحماس، دول كانوا بنات في فصل ودي كانت المدرسة بتاعتهم، مدرسة التاريخ اللي أول مرة تدخلهم، والمدرسة كانت "قاهرة"...

انبهروا بإسلوبها اللبق في الكلام، طريقة صياغتها للجمل، والتشويق اللي غلفتهم بيه.

دي كانت أول حصة ل"قاهرة" في مدرسة "السنية- بنات" في السيدة زينب. سألت نفسها ليه اتأخرت كده في الخطوة دي، ليه مقررتش من زمن تبقى مدرسة تاريخ، التعامل مع الملايكة، الكلام مع الصغيرين اللي تكوينهم عبارة عن براءة وأمل وتفهم وقدرة على أنهم يسمعوا قبل ما يخرجوا من الشرنقة بتاعتهم للدنيا ويتلونوا بالطمع والأنانية والحكم على الغير والدماغ الضيقة....

"قاهرة" كملت كلامها للبنات...

-هاه، تفتكروا ليه اخترت التاريخ عشان أدرَسه؟

في بنت رفعت إيدها ف"قاهرة" قالت لها:

-اتفضلي، اسمك إيه الأول؟

أنا سكتت في اللحظة دي، سرحت...

"جوهر" سألتني بتحمس:

-إيه يا تيتا "سكينة"؟ البنت قالت إيه، إسمها إيه؟

=ممكن تهاني، عنايات، شهندة، مش هتفرق، تفصيلة مش هتأثر على القصة.

المهم هنقول على البنت دي لحد ما القصة تخلص "البنت"....

البنت وشها نور، ابتسامتها وسعت، ودقات قلبها بقت سريعة، وده عشان "الأبله" اختارتها دونًا عن باقي البنات وقالت:

-هو احنا مش هنكتب التاريخ عالسبورة؟

إنطلقت من "قاهرة" ضحكة غصب عنها وردت:

-هو انتوا حافظين مش فاهمين؟ لازم نكتب التاريخ قبل ما نقول أي حاجة؟ عامة التاريخ اللي بيتكتب عالسبوره أو في الكراس أو اللي عالنتيجة مش مهم، الأرقام ملهاش أي قيمة، هي محطات الإنسان إخترعها عشان يعرف يحدد الأحداث ويتكلم مع الناس، يعني لو إفترضنا مثلا أننا مخترعناش الأرقام ومنعرفش لا "إمبارح" ولا "بكره" الجاره هتقول لجارتها ايه وهي عايزه الكاسات زي اللي إستلفتها إمبارح، هتوصفلها ازاي؟ ممكن تقولها "ديك النهار"...يعني قصدي إن التاريخ الحقيقي في الأحداث مش ف عدد السنين، الأرض كلها يوم أو شوية من يوم، صدقوني اليوم زي السنة زي الربعميه ويا بخت إلى إكتفى ب 50 ومتصابش بداء الخلود...بس هي عادة ولازم نكرمها، خلاص إطلعي وإكتبي التاريخ وبعدين تجاوبيني عالسؤال...

البنت فطت من مكانها، أخدت الطباشير وكتبت "21 أغسطس، 1961 م"

وبعدها رجعت لتختتها وقالت:

-أظن حضرتك إختارتي التاريخ عشان مشوق جدًا وفي أحداث ممتعة!

-لأ، ممتعة ايه، قصدي اكيد فيه شوية أحداث ممتعة بس أغلبها مش كده، انا اخترت التاريخ عشان عامل زي أطواق الهولا هوب، داير ما يدور عالوسط! دواير دواير بتلف ف نفس المدار، حركة الدايرة متكررة والأحداث متكررة، زي معادلات الكيميا، لما بنحط نفس المواد ونكرر نفس التجربة الناتج دايمًا بيكون واحد ، الفرق البسيط هو ان في التاريخ الأشكال والأزياء واللغات والأراضي بتتغير بس برضه الأحداث بتتكرر وبتدوس على رؤوس الكل زي الجزم وبعدين تبدأ دورة جديدة مع ناس جداد، اسألوني أنا،..

"البنت"، مش ممكن، قلبها كان هيتقلع من مكانه من الانبهار بكلام "الأبله"، ماله كلامها كده موزون بالطريقة دي، إزاي حد يكون عنده الحكمة والذكاء ده، إزاي الأبلة بقت ذكية كده؟

بعد الحصة "البنت" حاولت تلحق الأبله لكن معرفتش بسبب زحمة البنات الملمومين حواليها وماشيين في ديلها.

كانت محبطة بس أصرت إنها المرة الجايه لازم هتلحقها بعد الحصة. خلاص بطأت مشيها وقربت من زميلتها اللي كانت ماشية جنبها، ميلت عليها وقالت:

-انتي مش ملاحظة أن الأبله شبهي؟!

-شبهك ازاي يعني؟

-شبهي، وشها يعني.

زميلتها ضحكت عليها وهزت راسها يمين وشمال بتنفي الكلام ده، بس "البنت" مفرقش معاها، هي فعلًا كانت مقتنعة إنها تشبه "قاهرة"...

***********

"قاهرة" قعدت على الرصيف، مستنية الأتوبيس، بصت في الفراغ قدامها، عنيها اتملت دموع، مش عشان موقف معين حصل معاها يومها ، هي كانت متعودة تدمع تقريبًا كل يوم، مش لازم تعيط وتتشحتف وعنيها تورم وتغرق المناديل، بس السحابة دي، سحابة الدموع كانت لازم تتكون بشكل يومي في عيونها، وأوقات بتقدر تنفس عن البركان اللي جواها بدمعتين يسيلوا على خدودها... أصلها تمت 442 سنة ولحد الوقت ده مكنتش فاهمة إيه الهدف من وجودها وإستمرارها على الأرض، برغم إن كل شخص وحاجة حبتها زالوا،

لكنها كانت بتحمد ربنا إنها محضرتش عيالها وهم بيموتوا، صحيح الفراق كان مر، كانت بتتقطع كل لحظة وهي بعيدة عنهم لكن البديل كان هيبقى أصعب، أنها تراقبهم وهم بيدبلوا واحد ورا التاني وهي عاجزة ومكملة في حياتها، سألت نفسها يا ترى شكلهم كان عامل إزاي في التلاتينات من عمرهم والأربعينات والخمسينات، وولادهم شكلهم عامل إزاي وأحفادهم وأحفاد الأحفاد، لكن أهم سؤال كانت بتسأله، ليه هي باقية، ليه عاملة زي العدسة اللي بتشهد التطورات اللي بتحصل في العالم، بتحضر الكوارث والأوبئة والحروب والموت من غير ما تبقى جزء منه، مجرد شاهد، ليه مش بتموت....

قطعت أفكارها خناقة بين رجلين في الشارع، على قرب منها، والموضوع ما بينهم اتطور بسرعة وبقى في ضرب، محدش فيهم كان عايز يهدا، شياطين الاتنين شاطرين، ملهلبين الخلاف، وبالعكس الخناقة كانت عمالة تحتد أكتر وبدأت تدخل في الخطر، مكنش في غير كام واحد حواليهم، وكانوا واقفين كإنهم تماثيل بيتفرجوا عليهم، مش عايزين يبذلوا أي مجهود عشان يوقفوا الضرب حتى بعد ما الاتنين ابتدوا ينزفوا...

كده كفاية أوي! "قاهرة" حست إنها لازم تتصرف قبل ما حد يحصل له حاجة.

-مخافتش يا تيتا؟

"جوهر" سألتني...

رديت عليها:

=هتخاف من ايه يا جوهر؟ تموت مثلًا؟ ده كان نفسها، ياريت كانت ماتت في أي مناسبة من دول قبل كده!

"قاهرة" دخلت وسطهم وبقت تفك الاشتباك، حرفيًا تفك إيديهم من بعض، وهم كإنهم عُمي، مش شايفنها، مش شايفين غير الغضب اللي لهيبه عمال يعلى، ومش سامعين صراخها، لفوا من حواليها عشان يوصلوا لبعض، لكنها مستسلمتش، رجعا وقفت وسطهم، واتكرر المشهد كذه مرة، لحد ما بدأوا يزقوها، وفي ثورة واحد منهم زقها لمسافة، ومفيش حد منهم هم التلاتة لاحظ العربية اللي جايه بسرعة كبيرة....

العربية خبطت "قاهرة" ومن شدة الخبطة جسمها طار على الإزاز وكسره تمامًا، وقطع من الإزاز اخترقت راسها! بعدها طارت ووقعت على الأرض، وهنا فجأة أعداد من الناس ظهروا، معرفش كانوا فين دول لما العاركة كانت شغالة والدنيا والعة...

الاتنين اللي كانوا بيتخانقوا جريوا عليها، بصوا ليها في حسرة وخوف وفضلوا يزعقوا ويطلبوا النجدة ويسألوا إذا كان في حد ينقلها على أقرب إسبتاليا.. جسم "قاهرة" كان في سبات، مش بتتحرك، ولا حتى بترمش، الوضع ده استمر ثواني قبل ما تفتح عنيها عالآخر وتفضل تتحرك بنظراتها ما بين الناس اللي محاوطينها، اللي واقف واللي محني عليها واللي قاعد جنبها . وبعدين قالت:

-وسعوا كده شوية عايزه اتنفس!

المتجمعين كانوا مذهولين من اللي شايفينه، إزاي الست دي قادرة تتكلم، إزاي واعية؟ وذهولهم زاد لما قامت وفضلت تبص على جسمها والدم اللي غطى هدومها...

-ايه الصداع ده؟

سألت وهي بتمد إيدها ورا راسها، وساعتها لقت قطع الإزاز اللي مخترقة راسها من ورا وفي وشها كمان...

الناس بدأوا يبعدوا خطوات لورا، ذهولهم اتحول لخوف من اللي بيحصل قدامهم ومش فاهمينه، ما هو اصل إحنا كده، كلنا كده، اللي مش بنقدر نترجمه بنخاف منه، أي حاجة مش مفهومة بنبعد عنها....

بس الخوف اللي كانوا حاسين بيه ولا حاجة بالنسبة للي جه بعد كده، لما لقوها بتطلع الإزاز، قطعة قطعة من راسها ووشها زي اللي بيطلع بواقي أكل ما بين سنانه...

وقالت وهي ماسكة دماغها:

-اه يا دماغي..الصداع ده هيقعد حبه!

وبعدين فطت من مكانها بسرعة لما لمحت أتوبيس عام واقف في محطة قريبة وبدأ يتحرك ببطء، جريت عليه والدم لسه بيسيل منها ونجحت في إنها تطلع وقالت بصوت عالي وهي لسه متشعلقة:

-اتصافوا واتصالحوا دي الدنيا ساعة ونص ..مش مستاهله، سعيدة!

***********

وقفت لحد الحته دي من القصة وبالعافية أقنعت الولاد يناموا وكنت فاكرة إني هقدر أنام وراهم علطول... اللي حصل إن النوم جافاني، أنا مبسوطة بوجودهم، مبسوطة أوي، حقيقي نوروا حياتي، لكن في حاجات كتير موتراني، زي غياب أبوهم، إبني واللي بقيت متأكدة إن في وراه مصيبة، ومبقتش عارفة، هل خلاص كده، الولاد هيفضلوا معايا علطول، أنا اللي هربيهم؟ ده غير بقى الموضوع التاني، غياب تاني واكل روحي، غياب محسسني بفراغ جوايا مش راضي يتملي، مع إني كنت عايشة وحيدة سنين كتير، بس عمري ما حسيت بالوحدة بالشكل ده....

قلبي كان هيقف لما لقيت ضل قدامي، معناه إن في حد واقف ورايا في المطبخ، قبلها كنت سرحانة في أفكاري الكئيبة، قلت "بسم الله الرحمن الرحيم" واتلفت وأنا مذعورة، عشان ألاقي "راحيل" واقفالي زي قرد قطع من غير أي حس...

=جرى إيه مفعوصة عايزه تموتيني؟ مالك بتتسحبي زي عفريت العلبة كده ليه؟

-يا تيتا، أنا مش عارفة أنام.

=طب تعالي أنيمك جنب اخواتك.

-ما هم كمان مش عارفين يناموا.

=الله، الله، عاملين رباطية؟ ده إحنا بعد نص الليل.

هزت كتافها ودلدلت شفتها، قال يعني بريئة أوي ومش عارفة تعمل إيه....

رحت للعيال ولقيتهم مفنجلين، وفضلوا يزنوا عليا أكمل قصة "قاهرة" يمكن يعرفوا يناموا...

ما باليد حيلة اضطريت أكمل...

= المرة دي "البنت" أصرت إنها تلحق الأبله، كان لازم تتكلم معاها... جريت بسرعة رهيبة أول ما الحصة خلصت والجرس ضرب...

الدنيا زحمت بسرعة خلال ثواني بس، لكن "البنت" اخترقت البنات التانيين، وفضلت تفرد دراعاتها يمين وشمال، كإنها بتفتح ستارة ورا ستارة لحد ما وصلت لأبله "نعمة".

"جومانا" سألتني في حيرة:

-مين نعمة؟

=هي "قاهرة"، بس ده الإسم اللي اختارته لنفسها في الفترة دي وكانت بتقوله للناس.... البنت قالت:

-يا أبله

"قاهرة" أو "نعمة" على حد فهمهم بصتلها وكل المدرسات حواليها وحتى الناظرة، أصلها كانت بتزعق عشان "قاهرة" تسمعها...

"قاهرة" حست إن البنت دي مألوفة ليها، بالذات في اللحظة دي، معندهاش فكرة إيه مصدر الإحساس ده، ومش عشان هي في الفصل اللي بتدرسله، لأ الموضوع مش بالسطحية دي، بسبب تاني مجهول...وفجأة "قاهرة" جالها شعور، وكإن اللحظات اللي بتعيشها عاشتها قبل كده، كإنه مشهد متكرر!

-يا ابله

-أفندم!

البنت لسانها اتعقد، هي مخططتش لأبعد من كده، محضرتش اللي هتقوله للأبله لما توصل لها، كل خطتها كانت بس إنها توصل ليها....

عنيها فضلت تتحرك في كل الاتجاهات كإنها شخصية في رسوم متحركة وفي الآخر نطقت:

-مش أنا شبهك يا أبله؟ّ!

ليه؟ ليه قالت كده؟ إيه اللي في دماغها؟ ومش ده غريب؟ في نفس الوقت اللي "قاهرة" حست فيه بالألفة الشديدة ناحية البنت، البنت تسأل إذا كان بينهم شبه؟ "قاهرة" ركزت في وش البنت ولقت إن فعلًا في شبه ما بينهم!

-ايوه فعلًا فيكي شبه مني..

-بجد ولا بتقولي كده وبس؟

"قاهرة" بصتلها بعتاب، انحنت عليها وقربت وقالت:

-ينفع نقول للأبله "ولا بتقولي كده وبس"؟

"البنت" بصت لتحت وقالت بكسوف:

-أنا بعتذر لحضرتك!

-ولا يهمك..

"قاهرة" ابتسامتها وسعت، كانت عايزه تطمن البنت إنه كله تمام وإنها راضية عنها، وبعدها انسحبت وسابتها، البنت كانت طايرة من الفرحة، الأرض مش سايعاها، و"قاهرة" حست بتقل غريب على قلبها...

***********

كان يوم زحمة، "البنت" فضلت سهرانة لحد ساعة متأخرة، بتنظم وتطبق وتربط وتشيل، أصلها هي وأهلها كانوا بينقلوا، مفضلش غير يومين ويتنقلوا للبيت الجديد وكان كل واحد بيوضب شوية بالدور، والبنت نامت من وقت ما رجعت من المدرسة وصحيت قرب المغرب وده كان دورها في الترتيب، كل البيت نام وهي فضلت صاحية بتوضب.

كانت فاتحة الراديو وبتسمع الست "أم كلثوم" وهي بتشتغل، حفلة يوم الخميس، أول خميس من كل شهر، وهي كانت مبتفوتش أي حفلة ليها، بتقعد جنب الراديو قبل المعاد، وتستعد للمتعة اللامنتهية، مكنتش فاهمة إزاي أهلها طاوعهم قلبهم وقدروا يناموا ويفوتوا الجمال ده، ما علينا، مالها ومالهم، تستمتع هي بصوت وإحساس "الست" وتهون عليها تعب التوضيب....

البنت وقفت قدام ظرف، كان مدفون وسط ورق كتير، شكله قديم أوي، أصفر وفي فراغات، فتحته بسرعة، كان عندها فضول تشوف اللي جواه، لقت جواه أوراق، عقود بيع عتيقة، عمرها أكتر من 100 سنة، وفي جواب من 250 سنة! ورسومات لعدد من الأشخاص، عليها تواريخ أقدم من كده كمان، كل دول تبع عيلة أبوها، أجداد أجداده، وفروع قديمة للعيلة، وفي وسط الرسومات لقت رسمة لراجل وست وخمس ولاد، شكلهم اسرة والولاد ولادهم، كانت ناوية ترجع الرسمة مع الورق في الظرف، لكن نظرها اتثبت عليها، عنيها وسعت على الآخر وضربات قلبها زادت، عشان الست اللي في الصورة هي "ابلة نعمة"! قلبت الرسمة ولقت على ضهرها تاريخ "10 مارس 1540" والأسماء المكتوبة "ليلى"، "عمرو"، "سعد"، "الشيماء"، "بحر"، والوالد "عبد المعبود"، والوالدة "قاهرة"...

هي، هي "أبلة نعمة"، مفيش شك! نفس الملامح بالظبط نفس الحور الخفيف في عنيها، نفس الحسنة الكبيرة على خدها، بس إزاي تبقى هي؟ يعني إيه؟ مش ممكن، هو في حد يعيش كل الوقت ده؟

يمكن تكون من الأربعين، الأشباه المتطابقين، بيقولوا يخلق من الشبه أربعين، يكون مش مجرد مثل، مش إسطورة؟ كل بني آدم ليه 39 نسخة؟ وهو ده منطقي؟ ليه لأ، يعني الشبه ده منطقي، ولا إنها تكون نفس البني آدمة؟؟

البنت كان ممكن تصدق النظرية دي اللي عملتها في ثواني، لولا الدلاية اللي شافتها في الصورة واللي "أبلة نعمة" بتلبسها برضه، مش معقول الدلايات كمان يبقوا أربعين!

هي ، "أبلة نعمة" هي "قاهرة"....

أكيد دي عفريتتها! "البنت" طول الوقت اللي فات بتتعامل مع عفريتة، أكيد لو كانت ركزت كانت هتلاقي بشرتها شاحبة، أكيد لو لمستها إيديها هتعدي منها وهتخترقها، وهل هي مستعدة تواجه العفريتة دي مرة تانية؟

"يتبع"

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

التعليقات علي الموضوع
لا تعليقات
المتواجدون حالياً

971 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع