آخر الموثقات

  • لو قبيحة .. شبيك لبيك
  • أتعلم تكون أنانى 
  • على كتف أبي معلقة ..
  • الفهم الخاطئ للمساواة بين الجنسين
  • أستاذ فلان ... رغم الدكتوراه
  • تفسير توقيت مصادقة موسكو على الاتفاقية الإستراتيجية مع طهران...
  • ترامب وبزشكيان في الرياض
  • الحرب الإيرانية الأمريكية : خطأ المحللين
  • طريقة إيران المبتكرة للتفاوض مع أمريكا
  • العرض المالي الإيراني لترامب .. إختراق غير مسبوق
  • إيران ووالد زيزو
  • مجابهة كل هذا القدر!
  • ضع الآتي حلقة في أذنيك
  • أنا البهية الفاتنة
  • ثقافة الاعتذار بين الأصدقاء… الكلمة اللي بتبني العمر من جديد
  • شكراً ... حضرة المدير 
  • أخاف أن أعود...
  • كذابة
  • سر القلوب النبيلة
  • دائما أشتاق إليك..
  1. الرئيسية
  2. مركز التـدوين و التوثيـق ✔
  3. المدونات الموثقة
  4. مدونة ياسمين رحمي
  5. اجتماع الاموات ... بقلم الروائية : ياسمين رحمي

بسم الله الرحمن الرحيم

القصة مستوحاة من أحداث حقيقية

النهارده الصبح بدري اتفاجأت بزيارة من أكتر الأشخاص اللي بكرههم في حياتي، وهو برضه مكنش بيعتبرني أخ يعني، المشاعر متبادلة، إيه بقى اللي يخلي حد زي "مازن بك" يخبط على باب عيادتي الساعة 6 الصبح؟

أنا متعود أبات في العيادة، مش شيء غريب يعني، كتير بضطر أسهر، مش بفوق غير والليل اتأخر وبقرر ابات فيها وبمشي الممرضة اللي بتيجي تاني يوم الساعة 10 الصبح، في عيانين بييجوا قبل الميعاد ده، بستقبلهم بنفسي وبسجل حضورهم وكشفهم وبكشف عليهم وبشخصهم وبكتب لهم العلاج..

وبرضه مش أول مرة أسمع الباب بيخبط الساعة 6 أو قبلها كمان، ده كان بيحصل من وقت للتاني، الجديد بقى إن "مازن بك" عدوي اللدود، اللي بعتبره عار على الدكاترة ومهنة الطب، يجيلي بنفسه، يبقى قاصدني أنا شخصيًا...

-أنا محتاجك يا دكتور "عزمي"!

أنفاسه كانت عالية وسريعة، بيلهث، كإنه جري مسافات...

=خير يا "مازن بك"، أنت بتشتكي من حاجة، أكشف عليك؟

-لأ، مش محتاج تكشف، أنا عارف إيه اللي فيا بالظبط، أنا ملعون!

بعد ما كنت اتعاطفت معاه لدقيقة، ونبرتي كانت فيها شفقة، رجعت تاني لنبرتي المعهودة معاه...

=ملعون إزاي يعني؟

-أنا عارف إنك مش من معجبيني، ولا عمرك صدقت في أي حاجة قلتها أو عملتها، بس المرة دي أنا محتاجك تصدقني، مش جاي أعمل عليك عرض، أنا جي في عرضك..

=براحة كده وفهمني، مش هديك وقت كتير، ورايا يوم طويل وعيانين، ولو مفيش برضه مش هتاخد من وقتي كتير!

-لأ، أنت النهارده كله هتبقى بتاعي، أنا حاجزك، يعني هلجألك وتققل الباب في وشي، هتدور ضهرك لحد بيستنجد بيك؟

=اللهم طولك يا روح، معلش بس قبل ما أفهم، اشمعنى أنا اللي لجألتله؟

-عشان أنت وبرغم كرهي ليك أصدق واحد اتعاملت معاه، لازم أعترف بده، عمر ما كان ليك أي مصلحة معايا، ومكنتش بتخاف تقول رأيك وتهاجمني وتحاربني، برغم إن كل اللي عرفني كان قي صفي، حتى اللي شككوا فيا في الأول...الأدباء التانيين مضوا وأنا معاهم واعلنوا إني انضميت ليهم.

=إنضميت في إيه؟

-بقيت من الحاضرين الأموات.

=نعم؟؟

-مضوا على وثيقة إعدامي..

=لا بقى إنت جي تهزر وتضيعلي وقتي، ده مستوى جديد من الحقارة، مكنتش أتوقعه حتى منك.

-صبرك عليا يا "عزمي"، أنت مش شايف جسمي بيتنفض إزاي؟ أنا هحكيلك القصة من البداية...

وبدأ يحكي...

-بعد ما تميت ال16 سنة أهلي قرروا يسافروا على تركيا، وقعدنا هناك سنين، أنا كنت غريب في بلد غريبة، مش عارف أندمج واستمتع زي أهلي برغم إن تركيا كانت جميلة جدًا، في وقت العزلة اللي استمرت سنين في فكرة جت في بالي، معروف إننا كبشر مش بنستخدم كل قدراتنا العقلية، جزء كبير محجوب عننا، يا غصب عنا، يا بإرادتنا، يمكن، يمكن الإنسان هو نفسه اللي مش بيكلف خاطره يستخدم غير حوالي 10 % بالكتير من القدرات العقلية، بما يشمل بقى التركيز والذاكرة والإبداع والإبتكار والتواصل والتخاطر الذهني والانفصال عن الجسم وإصدار أوامر ليه والتحكم فيه ، تعرف الفرق بين الإبداع والابتكار يا دكتور؟

=أكيد، الإبداع هو باختصار وضع بصمة خاصة بالشخص على أي حاجة أو تقديم منتج مثلًا بشكل جديد، الإبداع يساوي الجمال باختلاف، جمال متعلق بالشخص المبدع بيميزه عن غيره، الابتكار بقى هو خلق الحاجة من الصفر، إحداث وضع مكنش موجود أصلًا، مع إن ده في رأيي مش صحيح، لإن كل حاجة موجودة من قبل كده، علمها عند ربنا سبحانه وتعالى، مفيش إنسان مبتكر بجد، كل اللي عنده بفضل ربه..

-كان ممكن نبقى صحاب وفي نفس الوقت مستحيل!

=مستنيك تفسرلي اللغز ده...

-كان ممكن نبقى صحاب عشان أنتي ذكي بجد ومختلف عن غيرك، عبقري بطريقة ما، في الطب والفلسفة، بس عمرنا ما كنا هنبقى صحاب عشان قناعاتك مختلفة تمامًا عني.

=الحمد لله...

"مازن" كمل وقال إن الفكرة وحدة وحدة اتحولت عنده لهوس، قرا مئات الكتب وراقب سلوكيات الناس حواليه وفي الشارع، كان هيتجنن، إزاي، إزاي الناس سلبية بالشكل ده؟ إزاي العلما مبذلوش أقصى جهودهم عشان البشرية تعيش عصر مختلف، متطور، عصر الإنسان فيه بيستخدم 20 أو 30 أو 50 أو 100% من قدرات عقله...

وأنا رديت عليه وقلت له إن اللي بيتحكموا في الدول والعالم مش هيبقوا عايزين كده، لا على مر التاريخ ولا في الوقت الحالي ولا في المستقبل، لإن لو حد اتوصل لده، قدر يخترق المصدات ويطلق قدراته وقال لغيره إزاي ده حصل، والاختراع ده بقى اتوثق واتورث وانتشر، فده معناه إن البشر كلهم هيبقوا كائنات خارفة بالنسبة لأسلافهم، كل الأرض قوم عاد! وبكده محدش هيعرف يبقى ليه سيطرة على غيره، إزاي الإمبراطوريات هتغزو أراضي غيرهم ويحتلوها، إزاي حاكم هيقدر يسرق الخير والموارد من دول تانية؟ أفريقيا دي، القارة الغنية اللي أهلها فقرا والجهل والأمراض متفشيين فيها، لو سكانها بقوا بشر خارقين، ذكائهم حاد، هسيبوا المحتلين يرمحوا في أرضهم؟

"مازن" ابتسم ابتسامة مُرة، كان حزين وهو بيبتسم، لإنه اقتنع بكلامي، بالحقيقة القاسية، وقال إن أكيد في غيره سبقوه في نفس التفكير، ولو ده حصل بجد، لو في إنسان قدر يخترق الحواجز ويستخدم أكتر من القدرات المعتادة فهي حالات فردية، ممكن أصلًا جت مع الإنسان ده كده ومكنش مركز إزاي حصل أو إن ده علم المفروض ينقله لغيره، وفي الغالب بتبقى حالات وقتية كمان مش فردية بس، في مناسبات معدودة، ونفس الشخص بيرجع تاني لنفس قدراته المحدودة قبل كده، الوضع مش بيستمر...

وبعد ما قعد هو وعيلته في تركيا كام سنة راحوا على اليونان، وهناك كبرت في دماغ "مازن" وقرر يدرس طب، كان مقتنع إن دراسة الطب هتساعده في الهدف بتاعه، هتديله إجابات أكتر وهيوصل لفك شفرة العقل وقدراته المخفية...

كان طالب متفوق، الأول دايمًا على دفعته وبعكس زمايله مكنش بياخد راحه حتى في الأجازات، مكنش بيدرس عشان ينجح ولا حتى عشان يبقى "دكتور"، هدفه أبعد من ده، بيدرس عشان يفيد البشرية كلها، أو بمعنى أصح عشان يحقق نجاح البشرية تحكي عنه، واسمه يتحفر في كتب التاريخ، يبقى أعظم من رمسيس التالت وفيثاجروس وجابر ابن حيان، وخلال دراسته كان بيعمل حاجة جنب مذاكرته، اختبارات، مكنش بيوقف اختبارات على مزرعة الفيران اللي عنده في الأوضة ولما ملقاش النتايج اللي عايزها، بدأ يعمل الاختبارات على نفسه، نسبة الكيميا في الاختبارات دي كانت قليلة جدًا، الاعتماد الأكبر كان على عوامل نفسية، كان بيجبر نفسه يفصل مثلًا عن العالم حواليه وهو صاحي والمفروض واعي، يعمل قفل إجباري لكل حواسه، يغمض عينه ويسكت الأصوات، يجبر ودانه إنها تتسد، يتحكم في ضغط الدم، يعليه ويوطيه، ويفصل تمامًا، يدخل في حالة إغماء، جسمه يتخشب كإنه تمثال، حتى إنه نجح يبطء ضربات قلبه لدقايق ودخل في حالة الإغماء دي أو الغيبوبة لمدة 10 ساعات ورا بعض في يوم، لدرجة إن أهله قلقوا عليه، لكن لما فاق اتهيألهم إنه كان مرهق مثلًا بزيادة، عنده تعب متراكم بسبب المجهود اللي بيعمله في المذاكرة، لما سألته إذا كان فاكر حاجة من التجربة، بمعنى هل شاف حاجة معينة وهو في الغيبوبة، رده كان:

-أنا مش فاكر كل حاجة، أجزاء بسيطة كإنها ذكرى بعيدة، دخلت في حفرة وآخر الحفرة مكنش قاع، كانت طبقة خفيفة من الرملة، طبقة انهارت ووقعت منها على حفرة تانية، ومن الحفرة التانية للتالتة، لما وصلت في الحفرة التالتة لقيت الرمل محاوطاني من كل جهة، لكن في جهة معينة الرملة فيها كانت خفبفة مش طبقات...

=زي فكرة الحفرة الأولى والتانية عشان مفيهومش قاع..

-بالظبط، الفرق إن المرة دي الرملة كانت بالطول، قدامي مش تحتي، كإنها ستارة شفافة بتبين اللي وراها...

للأسف اتزحلقت في المصيدة! كلامه شدني ورجلي غرزت في شباكه، بقى عندي فضول رهيب أعرف أكتر...

سألته والفضول هينط من عيني:

=إيه اللي كان ورا الرملة، شفت إيه؟

-شفت شوارع متعرفتش عليها في الأول، لكن بعد شوية بدأت استوعب إنها شوارع القاهرة، بس كان شكلها عجيب، عجيب جدًا، شوارع عريضة مسفلتة ومرصوفة وعلى بعد شفت الأهرامات..

=إزاي يعني؟ المناطق حوالين الأهرامات يا صحرة يا مزارع، مش مأهولة بالسكان.

-زي ما بقولك كده، والناس طريقة لبسها وكلامها غريبة، الستات كانوا لابسين بناطيل.

=بنااطييل؟

-اه، وفي عدد من الستات كانوا مغطيين وشهم، بس مش بالبرقع زي الستات في الأحياء الشعبية عندنا، كانوا لابسين أقمشة وشعرهم متغطي، مفيش غير عيونهم اللي باينة، ستات تانيين مغطيين شعرهم وكاشفين وشوشهم وتانيين بشعرهم، كام واحدة بس شفتها لابسة فساتين وجيبات، الباقي لابسين قمصان وبناطيل، الرجالة بقى محدش فيهم كان لابس طربوش أو بدلة، وقليل اللي مربي شنبه، الشوارع قرب الهرم زحمة جدًا، والعربيات مختلفة عن عربياتنا، أغلبهم حجمهم أصغر وسرعتهم اكبر، بس بسبب الزحمة بيفضلوا كتير محلك سر، ومفيش حناطير إطلاقًا...

=لاااا، دي كانت تخاريف أكيد، زي الأحلام كده اللي ملهاش معنى.

-مظنش!

=أمال هتكون إيه يعني؟

-الناس في الشوارع الغريبة زي ما تكون مكنتش شايفاني، وبعدين فجأة أخدوا بالهم مني، بصولي باستغراب زي مانا ببصلهم، مشيت لحد محل فيه صور وتذكارات ليها علاقة بالأهرامات والآثار، دخلته وطلعت فلوس من جيبي، البايع اللي واقف استغرب لما شافهم ورجع بصلي بنفس الطريقة بتاعة الناس التانيين بره المحل، فهمت علطول، فلوسي مش معترف بيها في المكان ده، قلعت الساعة الدهب ومررتها على الطرابيزة قدامه وشاورت على صورة تذكارية لأجانب راكبين جمل قدام الأهرامات، عشان في حاجة معينة شدت انتباهي فيها، الراجل المرة دي مش بس استغرب، ده جاتله صاعقة! الساعة الدهب قصاد الصورة اللي ملهاش قيمة دي؟؟ مسكت الصورة كويس، فضلت أفكر نفسي إني لازم أفضل ماسكها، لازم أفضل ماسكها...

لما فقت بعد 10 ساعات، لقيت أهلي متجمعين حواليا، هللوا لما شافوني بفتح، قالوا إني نمت كتير ودي مش من عادتي وإنهم كانوا قلقانين عليا ، بالنسبة لي وشي كان جامد، معملتش أي رد فعل، في حاجات شغلت بالي أهم من كلامهم، على سبيل المثال إني مكنتش نايم زي ما تخيلوا، إني كنت في غيبوبة!

الحاجة التانية هي الصورة التذكارية السياحية اللي فضلت ماسكها وأنا هناك، في الواقع البديل الغريب ده أو أيًا كان، أدركت إني مكور صوابع إيدي اليمين كلها، بدأت أفكها، كان في ورقة مكرمشة جواها، ورقة جامدة مش شبه ورق الكتابة، حركت إيدي بالورقة لحد ما بقت قدام وشي، كانت زي ما تكون في بوق حد قبل كده من كتر الكرمشة، واضح إن صوابعي كانت جامدة زي باقي جسمي خلت الورقة شبه متحجرة...

الصورة كان فيها أجانب راكبين جمل قدام الأهرامات، ومكتوب تحت 16/7/2022 م...

"طلعت مني ضحكة تلقائية مقدرتش أتحكم فيها، كمان، هي حصلت؟ سفر عبر الزمن؟ مش كفاية إنه أجبر نفسه يدخل غيبوبة لمدة 10 ساعات ويروح مكان غير المكان ويرجع بورقة من العالم ده كمان يطلع سافر وراح المستقبل؟ لكن هقول إيه، بعد لحظات مسكت نفسي لإن ده مكنش جديد على مازن بك، ما هي كل حياته عبارة عن خدع واستعراضات مزيفة، أنا فاكر كويس أوي أول مرة قابلته فيها، كانت أول مقابلة بس مش أول تعارف وده عشان كنت سمعته عنه قبل ما أقابله بمدة..

سمعت عن دكتور غريب الاطوار، درس الطب بره مصر وادعى إنه تعمق في علم الإنسان، في التشريح ووظايف الجسم واكتشف معلومات مذهلة وعميقة عن أعضاء الجسم وقدراته، لحد كده أنا كان عندي فضول وعلى وشك إني اتحمس أقابل الدكتور ده، لحد ما سمعت باقي الكلام، وهو قال إيه إن الاكتشافات دي ملخصها إن الإنسان عنده قدرات ممكن يوصفها ب"الخارقة للطبيعة" وده لإنه مكنش مدركها قبل كده ولا يتخيلها، يعني بالنسبة لنا كبشر عاديين هنقول عليها خارقة، إنما في الحقيقة هي مجرد جزء من قدراتنا المفترضة المحجوبة مننا إحنا شخصيًا، مثلًا القدرة على المشي على سطح الميه والطيران والوقوع من مسافات عالية من غير ما يصيبنا أذى، هنا بقى التحمس انطفى خالص وبقى عندي يقين إن الراجل ده نصاب، مش بس كده ده عار علينا، على أهل العلم كلهم...

وللأسف، للأسف الشديد يحصل اللي مكنتش عايزه وهو إني أقابل اللي إسمه "مازن بك"، صديق ليا قال لي عن اجتماع هيحضره عدد من الدكاتره والفيزيائيين وخلاله هيتناقشوا في أمور علمية مهمة، اجتماع مش رسمي، هيبقى في بيت واحد من المعارف، أنا مكنتش اعرف صاحب البيت ولا أي حد من اللي هيحضروا الاجتماع، معرفش غير الصديق اللي قال لي وأكيد وافقت إني أحضر...

أول ما دخلت البيت حسيت إن في حاجة غلط، مفيش حاجة ملموسة بس حسيت إن الاجتماع مش علمي بالمعنى المعتاد وبعدين لاحظت وجود قطعة غريبة، خشبة بمقاييس السراير الصغيرة، لكن الخشبة دي كان4 عليها مسامير كتيرة جدًا، إيه اللي بتعمله قطعة زي دي هنا، وإيه هي أصلًا، إيه الغرض منها؟؟

عيني متشالتش من عليها، مندمجتش في الكلام اللي كان بيدور حواليا من الناس اللي اجتمعت، لحد ما الكلام كله سكت، ربطت ده بصوت الخطوات اللي قربت، رفعت راسي وشفت صاحب الخطوات، يا ساتر! ملامحه، مش مريحة أبدًا، كإن غضب الله عليه، برغم إنه وسيم جدًا، المشكلة مش في جمال الملامح، الفكرة في اللي وراها، الغيمة اللي مش مفهومة...

الراجل اتكلم وقال:

-سعيدة! في منكم قابلني قبل كده وفي اللي مقابلنيش، أحب أعرفكم بنفسي أنا الدكتور "مازن بك"!

يا اهلًا! أنا عرفت ليه اتقفلت من الراجل ده، وكنت متأكد إن السرير الخشب اللي عليه مسامير ليه علاقة بيه، وفي هبل على وشك إنه يحصل، وأكيد، أكيد مش تجربة علمية...

الناس في القاعة كلهم سلموا عليه إلا أنا، وهو خد باله، بصل لي بصة خاطفة بلؤم وابتسم ابتسامة خبيثة صغيرة.

-يالا نبدأ علطول؟

الكل حرك راسه موافقين، وأنا برضه محلك سر، براقب وبس، وباين عليا إني مش مقتنع ولا راضي باللي بيجرى وهيجرى أيًا كان.

قلع الجاكيته والقميص وبقى بالفنلة الداخلية والبنطلون، غمض عينه وفضل يهمس لحظات وبعدين جسمه اتخشب...

كإنه تمثال مفيهوش روح، كل حاجة في جسمه وقفت على وضعها قبل ما يتخشب، مثلًا دراعه اليمين كان مرفوع شوية عن الشمال، صوابعه، كل صباع بوضعية، رجليه الاتنين مش متناسقين في الوقفة، كل ده اتثبت تمامًا بنفس الشكل، منكرش إني كنت مستغرب، مش فاهم إزاي حد يقدر يمثل بالمهارة دي، يتحكم في جسمه، حتى الأطراف وميطرفش ويخليها واقفة زي لوح التلج.

وبعدها ظهر من العدم اتنين، المساعدين بتوع "مازن"، حقيقي معرفش كانوا فين قبلها، الأكيد إنهم مكانوش قاعدين وسطنا، واحد فيهم وقف جنبه من الناحية الشمال والتاني من اليمين، وبعدين مسكوه ورفعوا جسمه، كإنه تمثال بالظبط، مش ممكن! أو مانيكان مثلًا من بتوع محلات الهدوم، وأطرافه ورجله متهزوش في المرحلة دي برضه، وهوبا حطوه على المسامير!

أنا واللي موجودين كلهم شهقنا، تمام أوي كده، عندنا قتيل في القاعة وكلنا قدام الشرطة هنبقى مشاركين، محدش هيصدق إننا مكناش نعرف باللي هيحصل، ليه، ليه حد بإرادته يعمل كده؟؟

التمثال لا فاق ولا صرخ ولا اتهز ، ولا كإنه نايم على سرير من ريش نعام...

بالعكس كان باين عليه إنه في حالة استرخاء وسلام.. قربت مع المجتمعين في نفس واحد، كلنا عندنا فضول رهيب، "مازن بك" مكنش بيتنفس، الحقيقة أنا مكنتش فاهم حاجة، اللي قدامنا كان راجل ميت، بس مات في أنهي مرحلة بالظبط؟ منطقيًا كده، مماتش على سرير المسامير وإلا كان رفص وصرخ ونزف، مات من قبلها؟ لما غمض عنيه وجسمه كله اتشد مرة واحدة؟

ردود أفعالنا كانت ما بين السكوت والهلع في صمت زي حالتي وما بين الزعيق والهرجلة و"يالا نطلب البوليس والمستشفى والنجدة و قرايبه ومعارفه" وما بين التهليل والضحك، وده زود الدهشة بتاعتي، هم دول اتجننوا؟ بيعملوا كده ليه؟

وفجأة عيون "مازن" فتحت، بعد 5 دقايق من وجوده على المسامير..

المساعدين جريوا وشالوه بسرعة وقعدوه على الأرض، كان واضح إنه لسه مش متزن، بس بعد شوية صغيرين استعاد وعيه واتزانه ووقف...

واحد من البشوات اللي كانوا بيهللوا قال بتحمس:

-إيه ده بقى اللي حصل، إشرحلنا يا "مازن بك"؟

=دخلت نفسي في غيبوبة، وأجبرت حواسي إنها تنطفي والشعور كمان.

-يعني محستش بحاجة إطلاقًا وأنت ممدد على المسامير المدببة؟

=أبدًا مكنتش حاضر أصلًا.

فضلت أنقل عيوني ما بين الاتنين، سامع الكلام بس مش مترجمه ولا قادر أستوعبه، هو إيه الهبل اللي بيقولوه ده؟ مفيش أي علم في الدنيا مش بس الطب يأيد الهرتلة اللي بتتقال، طيب على فرض إنه قدر فعلًا يتحكم في حواسه وشعوره ومحسش بالألم، إزاي منزفش؟ إيه، إدى لجسمه وجلده أوامر إنهم ميتجرحوش ومينزفوش، وهم قالوا "آمين، حاضر"؟! وبعدين ده مكنش بيتنفس تمامًا، كان تقريبًا ميت، وجسمه اتخشب ووقف كده إزاي؟

أخيرًا اتكلمت، صوتي مكنش واطي ولا نبرتي ودودة أبدًا، قلت:

=إزاي يعني جسمك منزفش؟

ابتسامته وسعت على الآخر، لف حواليا وعنيه منزلتش من عليا، كإنه الشيطان نفسه بيراقب فريسته، ورد:

-عشان إديت أوامر لجسمي مينزفش!

=يا سلاااام! يعني المفروض جسمك كان ينزف، بس إنت قلتله إستنى عندك، ارجع ورا زي الحواس، خدولكم ساتر.

-بالظبط.

=يعني لو اتراجعت عن الأوامر هتنزف؟

-اه.

=طب يا سيدي اتراجع.

"مازن" رجع ورا كده خطوة، غمض عينه، اداني ضهره، وبعدين....

الفنلة البيضة بقت حمرة، شفت نقط فجأة ظهرت في أماكن كتير وبعدين فضلت توسع كإنها ميه جارية، وكعبه نفس القصة، نقط الدم فضلت تنتشر فيها، الجروح اتفتحت!

مقلتش ولا تعليق بعدها، مقعدتش أصلًا 10 دقايق على بعض وخدت بعضي ومشيت.

كنت متغاظ، متغاظ أوي، مين الدجال اللي إسمه "مازن" وعايز من المجتمع العلمي والناس إيه؟ وإيه هي الخدعة اللي بيعملها؟

كنت هتجنن، الأفكار كانت هتفجر دماغي، قعدت ليالي بعد الحادثة دي مش عارف أنام عدل.

-فاكر يا دكتور "عزمي" أول مرة اتقابلنا فيها؟

=ودي تتنسي؟ كانت من أسوأ الليالي في حياتي، الليلة اللي العالم بتاعي كله اتهز، الثوابت العلمية اتزحزت، المنطق طار، أنا مكنتش أتخيل إن عندي قدرة على الكره بالشكل ده، كرهتك وكرهت اللي بتمثله، اللي مكنتش عارفه ولسه معرفوش، المجهول المرعب.

-أنت اتحفرت في دماغي، صورتك، صوتك، نظراتك، أنت اتحدتني، كان واضح جدًا إنك لا مصدقني ولا بالعني، طب يعني كنت جي وأنت متعرفش بالتجربة ولا إنك هتقابلني؟

=مكنتش أعرف! واللي وداني كان يعرفك وعارف إنه هيقابلك، بس مكنش عنده علم بالتجربة، كان فاكره هيبقى اجتماع علمي معتاد، بنتبادل فيه الآراء، وأحدث الاكتشافات الطبية، بس واضح إن في ناس كتير في الاجتماع كانت تعرف بموضوع التجربة، وأكيد اللي هللوا وسقفوا كانوا منهم.

-طب دي كانت أول مرة، وتاني وتالت مرة، برضه مكنتش تعرف؟

"بصراحة كنت أعرف، وقصدت أروح كمان، كنت عايز أكشف اللعبة اللي بيعملها "مازن بك" وأفضحه وأرجع للوسط العلمي كرامته وتركيزه على الأبحاث العلمية والطبية اللي بجد هتفيد البشر مش الخزعبلات والدجل، أخدت عهد على نفسي إني ابقى صاحي ومركز، مركز أوي، يبقى عندي عيون كتير زي أم أربعة وأربعين كده، عيون تلقط كل حاجة متعلقة بمازن وكل حاجة بتدور حواليه، وودان تسمع وتحلل كل حرف بيقوله.

مكان التجربة كان نادي من نوادي الارستقراطيبن، الأعضاء عادة بيبقوا أصحاب ألقاب، بشوات، بكوات، أو أصحاب ثروات ومناصب، وأنا مكنتش عضو، بس كان مرحب بيا لمكانتي في المجتمع، روحت مع زمايلي، مكنش عندي فكرة التجربة هتبقى إيه بالظبط.

قعدنا حوالين حمام السباحة، اتعشينا وعملنا نقاشات كتير، و"مازن بك" بسلامته مظهرش غير بعد ساعة، على أساس إننا ضيوفه وكده وهو الملك صاحب البلاط!

بحركة استعراضية مستفزة رفع إيديه الاتنين وقال بصوت عالي:

-التجربة النهارده هتكون مختلفة، شايفين الميه اللي ورايا دي؟

لأ مش شايفنها، شايفين النجوم في عز الضهر، ما طبعًا شايفنها! إيه السذاجة دي، اللي هون عليا شوية إن الراجل ده فاشل في الاستعراض وملكاته في الالقاء معدومة.

كمل وقال:

-أنا هنزل فيها لفترة أطول شوية من جلساتي اللي قبل كده، هفضل فيها 24 ساعة، بنفس الطريقة، هدخل نفسي في غيبوبة كاملة وهطفي حواسي وبعد كده هفوق نفسي وأخرج.

أنا طبعًا قمت زي الديك اللي نافش ريشه وقلت بمنتهى الفخر:

=حلوة دي، يعني المساعدين بتوعك يحطوك في صندوق خشب ولا بلاستيك والميه تشيلك ال24 ساعة وتبقى نايم وفي حالة استجمام كمان، شوية تنام، شوية تفوق، شوية تقرالك رواية شايلها معاك، وبعدين المساعدين يفتحوا الصندوق وتطلع هيلا بيلا، مفاجأة عملتها، واحنا نسقف ونقول برافو يا مكتشف خفايا العقل البشري يا معجزة.

-صندوق إيه وبتاع إيه، حد جاب سيرة صندوق؟ حضرتك خيالك واسع أوي، مفكرتش تبقى مؤلف في السيما؟

وشي احمر، حسيت الدم بيغلي فيه، سناني جزت في بعض، أنا ليه صحيح تخيلت إنه هيبقى في صندوق، أمال هيقعد في إيه؟؟

قصد يشيل نظره من عليا ويوجه كلامه للباقي كيد فيا وقال بحركاته الاستعراضية وهو بيتحرك وبيحرك إيديه:

-بعد ما أدخل في الغيبوبة المساعدين بتوعي هيثبتوني في قاع الحمام بسلاسل حديد فيها قوالب حديد تقيلة، عشان جسمي ميطفوش، وبعد ال24 ساعة حد منهم هينزل للقاع ويفك السلاسل بمفتاح معاه، وبعد ما جسمي يتحرك ويطلع لحد السطح ويطفو، ساعتها هفوق نفسي وأخلي قلبي يرجع ينبض ونفسي يرجع هو كمان.

ثواني بس، ثواني، هو قال إيه؟ يخلي قلبه يرجع ينبض؟؟ هو هيوقف قلبه ونفسه، غيبوبة إيه دي، ده موت إكلينكي لو افترضنا أن وظايف المخ لسه شغالة...

=ط...طب ونضمن إزاي بقى إنك هتفضل في القاع المدة دي كلها، ما يمكن أول ما نتلفت ونسيب النادي المساعدين بتوعك يفكوا السلاسل، وقرب المعاد يرجعوك تاني؟

-عشان كده من دلوقتي ولحد المعاد النادي هيستقبلكم، وموفر ليكم أماكن إقامة كمان على قد عددكم، عشان تراقبوني طول الوقت، تعملوا شيفتات بقى وتقسموها زي ما أنتم عايزين..

يا بن ال...!

مسابش تفصيلة، كان عامل حسابه لكل حاجة، أيوه بس يعني إيه، الخدعة دي هينفذها إزاي؟؟ ما هو مش معقول فعلًا كان هيقعد في قاع الميه 24 ساعة من غير أي فرصة إنه يهرب ويعوم للسطح، هيتنفس إزاي؟ ده ضد قوانين الطبيعة والكون كله، عشان يستحمل كده لازم يكون ميت، والميت مبيرجعش للحياة.

مكنش في قدامي غير اختيار واحد، إني أفضل وأراقبه، أكون جزء من التجربة، وزي ما عاهدت نفسي افتح عيني واطرطأ وداني.. والتجربة بدأت....

جم الاتنين المساعدين بتوعه، غمض عنيه وهو قاعد على كرسي وسطينا، ودخل في حالة الثبات، كل جسمه اتخشب وثبت على وضعيته، المساعدين شالوه من الكرسي، واحد منهم كان ماسك سلاسل حديد بقوالب، نزلوا في الميه ب"مازن"، بس قبل ما ينزلوا أنا ودكتور كمان اتأكدنا إن مفيش نبض في قلبه، ولا في الرسغ ومفيش نفس مطلقًا!

إحنا ال7 وقفنا قدام حمام السباحة وراقبناهم في القاع، اللي قدامي تحت في الميه كإنه اثر من حضارة ماتت، أرض مثلًا قديمة، مية البحر غمرتها وغرقتها وكانت في الأرض تماثيل وبقى مصيرها في القاع، "مازن بك" كان هو التمثال الأثري، الكنز المفقود الغرقان، صنم ملوش إرادة، مفيش فيه حياة، الاتنين التانيين بقى كانوا بيتحركوا بسرعة، عايزين يطلعوا قبل ما نفسهم ينقطع، بشر عاديين زينا يعني..

خلصوا المهمة بتاعتهم وخرجوا بسرعة، أنفاسهم كانت سريعة وبيلهثوا، في عرض نفس واحد...

أنا آخر واحد اتحركت من السبعة، فضلت محلك سر، نظري ثابت على اللي قاعد في القاع، يا ترى حاسس بإيه في الوقت ده، إيه اللي بيدور في دماغه، والأهم إيه اللي مخطط ليه وشايله للبشر، إيه الشر اللي بيحركه؟! ما هو أكيد مش خير، لا علم ولا خير.

كان ممكن مثلًا نطبق اللي اقترحه، نخليها مناوبات، كل واحد أو اتنين مننا يقعدوا كام ساعة بالقرب من حمام السباحة، يراقبوه ويتأكدوا إنه لسه جوه الميه، لكن مين، أنا؟ أنا كنت هقدر أنا؟ ده أنا معرفتش الأرق غير بسببه، من ساعة ما دخل حياتي، أو دخلت أنا حياته وعيني بتحرقني من قلة النوم.

مغيرتش هدومي! فضلت قاعد طول الليل جنبه وكتير كنت بقف وأفضل مراقبه، إيه اللي أنا مفوته؟ فين الخدعة؟

متحركش، طول الليل متحركش، أما أنا فقرب الفجر يدوبك قدرت أنام على كرسي جنب حمام السباحة، 3 ساعات بالعدد وفوقت، وده عشان 4 كانوا صحيوا وحسيت بحركتهم حواليا، وقتها بس اتطمنت إن في تانيين هيكملوا مراقبة ويتأكدوا إنه لسه مكانه، لا راح كده ولا كده، ودخلت للأوضة المخصصة ليا، غيرت هدومي وأخدت دوش وكملت نوم، المرة دي بعمق نسبيًا...

صحيت على 1 الضهر وخرجت بسرعة، كإن في حاجة مهمة فاتتني، لقيت ال6 قاعدين بيلعبوا كوتشينة، وصوابع السيجار مولعة جنبهم ومحطوطة على الطفايات، بيضحكوا بصوت عالي، وواضح إنهم مستمتعين بالعرض...

أنا بس اللي مستفز والدم بيغلي فيا، أنا اللي شايف "مازن" خطر كبير على المجتمع، لأ، على البشرية كلها، وواحد من الظواهر اللي ممكن تزعزع إيماننا، وتخلينا نفقد البوصلة السليمة وتلعب في الثوابت...

وقفت قدام المنظر ده شوية، والدنيا اسودت في وشي، قد كده الناس مستعدين، مستعدين للي يغشهم ويقودهم لكل حاجة خطر، للهلاك بعينه؟

فاتت كام ساعة والشمس غابت، 3 ساعات، ساعتين، ساعة، الصفر...

وقفنا احنا ال7 ، كل واحد على مسافة من التاني كإننا دايرة بتحاوط حمام السباحة، بتحاوط "مازن"، عينه فتحت، راسه اتحركت، المساعدين نزلوا أوام، فكوا السوارين اللي في إيديه الاتنين بالمفتاح والتلاتة طلعوا في نفس اللحظة، بعد أول نفسين خدهم، لف لحد ما بقى في مواجهتي، وضحك في وشي...

-كان إيه بقى إحساسك ساعتها؟

=كنت حاسس قلبي هينفجر جوايا، كرهتك أكتر مانا كرهك.

-ويا ترى مع كل التركيز اللي ركزته عرفت الخدعة فين؟

=للأسف لأ، لحد دلوقتي معرفش.

-عندي فضول بقى أعرف تعليقك على التجربة الأخيرة اللي جمعتنا، اللي كانت من أكبر واجرأ التجارب في حياتي.

التجربة اللي يقصدها خلتني مش بس معرفش أنام، أنا لجأت بعدها لدكاترة نفسيين ودكاترة مخ وأعصاب وأخد مهدئات..

كان نفسي أكون غلط، يكون الاستنتاج بتاعي مش مظبوط، جالي خبر بتجربة جديدة هيعملها "مازن بك"، المرة دي في حضور شخصية عامة، أهم شخصية في مصر، الملك بنفسه، أما مكان التجمع فهو...المدافن.

أيوه، نفس الخاطر اللي جه في بال اللي بيقرا كلامي هو نفسه الخاطر المرعب اللي جالي، "مازن" هيعرض نفسه لتجربة بشعة بس عشان يثبت قدراته ونظرياته ويتحدى النسبة المحددة اللي بنستخدمها من عقلنا.

-المرة اللي فاتت عشت جوه الميه 24 ساعة، المرة دي هعيش في جوف الأرض، وسط الأموات!

لأ، لأ، لأ، كده غلط، كده عك! كله إلا ده، هينزل ويتدفن تحت التراب 24 ساعة حيث لا صحبة ولا أكل ولا هوا..

-28 يوم!

كام، هو قال كام؟؟؟ 28 إيه؟؟

-هيحطوني في تابوت ويقفلوه بقفل عشان لو غيرت رأيي وحاولت أفتحه ولا حاجة، مع إن حتى لو ده حصل أكيد مش هقدر اخرج بره القبر نفسه، ولو صرخت محدش هيسمعني، ولو حارس المقابر سمعني مش هيفتحلي، هيخاف، هيفتكر إنه كيان شيطاني أو كيان تاني خارق للطبيعة، جن مثلًا بيحاول يلعب معاه..

=أنت بتعمل كده ليه، بتحاول تثبت إيه، مش لدرجة إنك تموت نفسك عشان تثبت اللي في دماغك، مستحيل تعيش في الظروف دي، مستحيل، يا سيدي أصلًا الناس صدقتك واقتنعت باللي بتقوله وبقدراتك، فإيه لازمته بقى؟

-أنت اقتنعت؟

=نعم؟

-أنت..اقتنعت؟

=لأ، ومش هقتنع، عشان يا "مازن" أنا شايف من خلالك، أنت شفاف بالنسبة لي، متأكد إن الموضوع ملوش علاقة بتخطيك نسبة القدرات العادية، ورأيي مش هيتغير، ارتحت؟ ملوش لازمة بقى، لو اتحطيت جوه هرم وقعدت سنين وخرجت برضه هفضل مش مصدقك، لكن ومع اشمئزازي منك ورأيي إنك شر مطلق مش عايزك تموت موتة زي دي، أنا الوحيد وللسخرية اللي خايف على حياتك، كل اللي حواليا بما فيهم فخامة الملك اللي يهمهم العرض وبس.

-وأنا مستعد أموت وأنا بحاول.

=بتحاول إيه؟

-بحاول أقنعك!

ودي كانت إشارته للمساعدين، غمض عينه وأنا بزعق وبحاول أرجعه عن اللي في دماغه لكن كان متأخر، هو بالفعل كان دخل في حالة السبات، الدنيا ضلمت، الحواس اتقفلت، المساعدين حطوه جوه النعش وقفلوه بقفل، وهم وغيرهم نزلوا بيه جوه قبر مظلم وخرجوا من غيره...

أنا المشهد ده أصلًا كان كافي لوحده يتوبني عن أي ذنوب بعملها ويخليني أعيد حساباتي وأحاول أقرب من ربنا أكتر، دول منزلوش واحد ميت، واحد مقتنعين إن إكرامه في ردمه بالتراب وإن أمره لله وحده، نزلوا واحد حي، صحيح قلبه وقف ونفسه كمان، لكن هو حي، حي، إزاي قلبهم كان جامد كده، إزاي سمعوا كلامه، وإزاي صامدين بالشكل ده لأ ومستمتعين كمان كإنه عرض في تياترو!

مكنتش محتاج أبات في المقابر أو أروح كل يوم، خلاص بقيت عارف إن في من المخابيل اللي بيراقب القبر على مدار الساعة وهيتأكدوا إنه مخرجش، وانا أعصابي مكنتش مستحملة وبقى عندي قناعة إن المرة دي "مازن" مش هيقوم منها، خلاص هيأت نفسي لكده، "مازن" مات إن مكنش ليلتها ففأي ليلة بعدها، بين لحظة والتانية.

وال28 يوم عدوا...

كنت عاهدت نفسي مروحش، مش ههوب ناحية المقابر، هخرج من اللعبة القذرة دي ومش هشارك تاني في الاجتماعات بتاعة الخوارق العلمية، خلاص انسحبت من العروض والتحديات اللي من النوع ده.

اللقطة التانية هي إني كنت هناك! مع نفس الناس اللي اتجمعت من 28 يوم، معرفش ليه مسألتش 28 مش 30 يوم ليه، ما كنا نقفلها شهر، أهي حتى مدة شيك ومنطقية، ليه 28 مش فاهم؟

المهم إني برغم رعبي وقلقي والأمراض العصبية اللي صابتني برضه روحت...

روحت استلم جثة "مازن" واشوف الدود اللي احتلها وأكل فيها...

القبر اتفتح، الناس نزلت والتابوت خرج...

مساعد من مساعدينه خرج قفل وفتح التابوت..

وقفنا كلنا مستنيين، رؤوسنا بتخبط في بعض وبنراقبه كإننا بنراقب مولود جديد، لسه خارج من ضلمة الرحم لضلمة الدنيا، بس مازن مفتحش عينه، ولا أطرافه اتحركت!

المساعدين بصوا لبعض في توتر، شاورولنا عشان نبعد، عشان يعني الخنقة وإنه محتاج هوا، وهم الاتنين بس اللي قعدوا ودلدلوا راسهم جوه النعش، هزوا فيه، ندهوله، مفيش فايده..

بعد مدة روحت عندهم وأمرتهم يبعدوا عنه، كان معايا سماعتي، حطتها على قلبه، مفيش نبض، حطيت صوباعي على رسغه، مفيش نبض، حطيت ودني جنب مناخيره مفيش نفس، حطيت إيدي على إيده كانت باردة، "مازن" مات..

عشان يبقى يتحدى كويس على حساب حياته.. مكنتش متخيل إني هحس بالمرارة دي على موت حد مبحبوش، عدو، لكن في نفس الوقت ومن الجانب المشرق أهو عبرة لأي حد دجال، بيستخدم مصطلحات زي إختراق القدرات البشرية، والثورة العلمية وبيتدارى وراها ونواياه في الحقيقة خبيثة وملهاش علاقة بالمصطلحات دي..

ده اللي دار في بالي قبل ما أسمع شهقة رجت المقابر وكانت كافية تزعج الميتين وتقلب سلامهم جحيم، وبعد الشهقة في صوابع لفت حوالين إيدي، صرخت بأعلى ما فيا، إيه اللي بيحصل بالظبط؟؟

"مازن" قام!

المرة دي بس اتاخر شوية، سرح في غيبوبته...

ولا نطقت ولا كلمة، قمت بالعافية، رجلي كل شوية كانت بتفلت مني، أديتهم ضهري ومشيت..

"مازن" قال وهو بيتنفس بالعافية وأنا ببعد:

-مسألتنيش يعني شفت إيه وأنا تحت، يا "دكتور عزمي" مسألتنيش، يا دكتور!!

وده كان آخر لقاء ما بينا، قبل الزيارة غريبة الأطوار بتاعة العيادة..

نرجع لمرجوعنا..

بعد كل اللت والعجن واستحضار الذكريات، مفهمتش برضه ليه "مازن" كان خايف وإزاي أنا دونًا عن كل الناس اللي شاف إني أقدر أساعده؟!

-أنا مكدبتش عليك في كلمة فيما يتعلق بالتجارب اللي عملتها قبل ماجي مصر، التجارب على الفيران وعلى نفسي ويقيني إننا لو اصرينا وعملنا أبحاث كتير هنوصل للغز، هنقدر نحطم قيود حدود العقل، والغيبوبة اللي دخلت فيها، واللي شفته واللي عشته كان كله صح، بشرفك يا عدوي اللدود كان كله صح، وأهي الورقة اللي جبتها من المستقبل..

مد إيده بالورقة، كانت صورة فيها فعلًا أجانب على جمال ومكتوب عليها "2022" أكتر من 100 سنة من دلوقتي، زي ما كنت قادر أميز قبل كده إنه كداب، قدرت أميز إنه المرة دي مكنش بيكدب..

-لكن التجارب متطورتش عن كده! دي كانت المرة الأولى والأخيرة اللي أقدر أدخل فيها غيبوبة لعدد 10 ساعات وأروح مكان وزمان تاني، منجحتش أكررها لا مع نفسي ولا مع الفيران والقرود اللي جبتهم عليهم، أي حاجة كانت بتحصل كانت بتبقى طفرات، مش بتتكرر تاني وأصلًا مش ببقى عارف إزاي حصلت، أي حركة أو سلوك يدل على استخدام قدرات العقل أكتر من المعتاد، أي ذكاء استثنائي.. كان عندي حالة احباط رهيبة، وكنت في أعماق نفسي عارف إني فشلت، لحد ما جيت مصر، أنت عارف طبعًا إن ليا كتب، كتبت حتى رواية قبل كده..

=عارف، قريتها، وحشة.

طلعت منه ضحكة خافتة ممزوجة بمرارة، كإنه مكنش عايز يضحك بس ضحك غصب عنه.. كمل بعدها وقال:

-لما جيت مصر اتلميت على شلة أدباء، أربعة غيري، كان بيجمعنا حاجة واحدة، محدش فينا مؤمن بأي دين، وعندنا قناعة إننا من العدم ومصيرنا العدم، لا في خالق ولا حكمة من وجودنا ولا أي حاجة، على فكرة إنت ممكن تتصدم لو قلتلك كام إسم منهم، المصريين أصلهم بيعتزوا بيهم جدًا، ومتخيلين إنهم بيشاركوهم نفس الإيمان والمعتقد، المهم إن واحد منهم اقترح علينا نتقابل في بيت عيلته القديم، شقة صغيرة جدًا في حي بسيط في منطقة الأزهر..

العمارة اللي هي عبارة عن 3 أدوار واضح إنها مهجورة من زمان، آيلة للسقوط، منظرها بائس، كلنا استجبنا للدعوة، واحد ورا التاني وصل وطلع للشقة، صاحب البيت، أو نقول حفيد صاحب البيت كان جايبلنا شوية أكل من بره وأطباق وأزايز خمرة..

أكلنا وشربنا في نفس الوقت، كلامنا كله كان إهانة لأي مقدسات، استخفاف بإيمان البشر كلهم، مسلمين، مسيحيين، يهود، حتى أصحاب الديانات الوضعية، حتى إننا شتمنا في أي نظام وقانون، ومجمل الكلام إن الحياة كانت هتبقى أحلى لو كنا عايشين قانون الغاب، كإننا حيوانات، تعمل اللي في مزاجها في الوقت اللي في مزاجها وفي أي مكان يخطر على بالها، حتى لو كان قتل حيوان تاني والشرب من دمه والتمثيل بجثته وإهانتها، سكرنا وبدأنا نخرف ورمينا الاطباق في الحيطة وعلى الأرض واتكسرت مننا، صاحب البيت فتح سجل كبير وبدأ يكتب وهو بيضحك تعهد، التعهد كان بيقول إننا "جمعية أدباء مجتمعين حتى الموت"..

=مجتمعين حتى الموت؟ اللي هو يعني الواحد فيكم يفضل يحضر لحد ما يموت؟

-لأ، لحد آخر واحد فينا.

=يعني إيه؟

-يعني لحد آخر واحد عايش، لما ده يموت المجلس ينفض وميبقاش في اجتماعات.

=لأ مش فاهم.

-يعني حتى لو عضو بقى ميت برضه هيحضر طالما في أعضاء لسه عايشين، ولو عضو واحد.

عيني وسعت وزاغت في كل الاتجاهات، إيه الكلام الغريب ده؟ يعني إيه الاجتماعات تكمل لو عضو واحد بس حي حتى لو الباقي ميتين، ده كان كتير عليا، لقيت نفسي بقول له:

=متكملش، باقي القصة هتكملهالي هناك.

-هناك فين؟

=في البيت اللي كنتوا بتجتمعوا فيه، عايز اشوفه.

-لأ يا عزمي، دي حاجة متمنهاش لألد أعدائي، زي ما قلتلي قبل كده، البيت ده بقى ملعون بعد اللي حصل، لو جيت معايا هتتأذي ومصيرك هيبقى زيي.

=ملكش دعوة، أنا بقولك عايز أروح.

-لأ يا عزمي لأ!

=يالا...

وروحنا، طول السكة "مازن" كان بيحاول يقنعني نرجع لكن أنا أصريت..

الحارة اللي فيها العمارة كانت ضيقة، مكتومة، كئيبة متقلش عن العمارة نفسها، أخدت بالي إنها كانت مضلمة بشكل مريب، مش منطقي أصلًا تبقى مضلمة كده، كإن في نور صناعي إتطفى في عز الليل وإحنا كنا لسه الصبح فاضل ساعات على الليل، إزاي الشمس مش مخترقة المكان؟؟

مدخل العمارة ضيق ميسعش إلا لشخص واحد، طلعنا ورا بعض على السلالم المكسرة لحد ما وصلنا، "مازن" زق الباب ودخل، مجرد زقه، مهو مكنش في حد هيطمع يعني في بيت زي ده، منطقي إنه ميبقاش مقفول بمفتاح ولا مردود حتى...

كمل القصة وقال:

-بعد ما صاحب البيت كتب التعهد كمل ببند تاني وهو إننا لازم نجتمع في تاريخ معين، نفس اليوم ونفس الساعة من كل سنة بغض النظر عن الظروف، لازم نعمل المستحيل عشان نوصل البيت، وإننا نكتب تفاصيل الاجتماع كلها، الحوارات اللي دارت واللي جد في حياتنا وفي الآخر جرح نفسه ومضى بالدم وإحنا مضينا معاه، الغريب إنه كتب التعهد والتفاصيل بتاعة الاجتماع واحنا كمان، كل واحد فينا كتب تفاصيل تانية، مع إننا كنا سكرانين، المفروض منكنش مركزين، لحد كده مزاجي كان حلو وعال العال، لكن ضحكتي انطفت وابتسامتي ضاقت لما شفت أربع ضلال ورا الأربعة!

وكنت متأكد إن في ضل خامس ورايا، عرفت، عرفت إننا صحينا حاجة، قوى معينة، وإن اللي جاي غير اللي فات...

مقلتش لحد فيهم عن اللي شفته، شلت السر معايا...

ومن يومها ابتدت...

=هي إيه دي؟

-القدرات، اللي أنت كنت شاهد عليها! بعد أول اجتماع نزلت من البيت، ركبت حنطور، بعد مسافة في أتوموبيل ظهر، كان ماشي عكس اتجاهنا، كان سريع جدًا والحصان مكنش بيستجيب للسواق، الاصطدام كان هيحصل هيحصل، في صوت وسوسلي أغمض عيني واحاول أهدى، عملت كده، اللقطة اللي بعدها، إني بره الحنطور، واقف بتفرج على الجثث المرمية والدم اللي مالي الأرض، إلا جسمي أنا...

كنت متخشب، مش بتنفس، بس مكنتش بنزف زي سواق الحنطور وسواق الأتومبيل، أنا مت ولا إيه؟ ده السؤال اللي جه في بالي، لكن بعد دقايق فتحت عيني، كنت على الأرض، عايش، مفيش خدش عليا، اتأكدت وقتها من القدرات الجديدة واللي أكيد مرتبطة بالضل والطقوس اللي عملناها، وبس، من وقتها في أي عرض، بغمض عيني وبهدى وبدخل في الغيبوبة وبعدين بخرج من جسمي وبشوف كل اللي بيدور، بشوف حتى نفسي كإني طرف غريب ملوش علاقة بالموضوع، كنت بشوفك على فكرة وأنت عامل زي الديك الفصيح اللي مش بيبطل حركة وعينك مش بتغفل عشان بتراقبني، وأدي الحكاية، أنا فعلًا نصاب، مش أنا اللي متحكم في العروض، في قوة تانية مظلمة، قوة شيطانية هي اللي بتقوم بالدور كله.

=والاجتماعات حصل فيها إيه؟

-الاجتماع التاني، بعد الاجتماع الأول بسنة بالظبط كلنا حضرنا، بس كان في واحد أحواله غريبة شوية، كان حضوره باهت، ساكت طول الاجتماع، ومكنش حتى بيرد على الأسئلة بتاعتنا، كتبنا في السجل كل حاجة حصلت وكل كلمة اتقالت ومضينا بدمنا، بعد كده عرفنا إن العضو اللي كان ساكت ده، مات قبل الاجتماع بساعات بس نتيجة أزمة قلبية في مقر شغله! جينا الاجتماع التالت السنة اللي بعدها، كنا مرعوبين، مبقاش في جو البهجة والنشاط بتاع قبل كده، إحنا بقينا متأكدين إن في شبح هيحضر معانا الجلسة، بس في واحد مننا احنا الأربعة، كان هادي، مش باين عليه الخوف وكان برضه ساكت وعرفنا بعدها إنه وقع من على ضهر حصان ومات قبل الاجتماع بيوم! وهكذا، خلال السنين اللي بعد كده واحد ورا التاني مات لحد ما أنا بس اللي اتبقيت، انا اتعودت على وجودي مع الأشباح، اللي رعبني وخلاني الجألك هو إن في آخر تسجيل، في واحد من الأشباح كتب إن كل الأعضاء بقوا ميتين والمجلس هينفض اعتبارًا من تاريخ معين..

=تاريخ إيه؟

-النهارده الساعة 10 بليل!

=واضح كده يا "مازن" انكوا غلطتوا غلط كبير، بطقوسكم وكلامكم الزفر وإهانتكم للثوابت استدعيتم شياطين، الله أعلم بيها وشبه بعتوا ارواحكم ليها ومقابل كده أنت أخدت شهرة وتأثير رهيب على الناس بس العرض كان مؤقت...

- بدخولك المكان يا "عزمي" أنت كمان حكمت على نفسك بنفس المصير، صحيح أنت لسه مؤمن ويمكن الناحية التانية تبقى في جنة النعيم لكن مصيرك في الدنيا للأسف مش مختلف عني...

الليل دخل علينا، قررنا ننزل بس معرفناش! الباب اللي كان مفتوح اتقفل، وكمان بقفل مش مرئي، كل محاولاتنا عشان نخرج فشلت، كان في شظايا في كل مكان، بواقي الأطباق والكبايات وأزايز الخمرة بتاعة اجتماعاتهم، المكان كان قذر، زي نقاشاتهم، بعد شوية سمعنا دوشة، ناس بتتكلم وبتضحك وأطباق بتتكسر، كإن الأدباء اجتمعوا من جديد، ولما جت 10 بليل، "مازن" مدد على الأرض، غمض عينه ومفتحهاش تاني!

"مازن" مات وسابني لوحدي...

ده كل اللي حصل، أنا دونته في نفس سجل الاجتماعات بتاعة الأدباء المجتمعين حتى الموت، وبعلن حاجة أخيرة للي هيلاقي السجل سواء في وقت قريب أو بعد كتير، برغم إن المكان ملعون وإن مسيطر عليه قوى شر مرعبة، لكن في إيد أعلى منها، لو ربنا شاء إني أخرج برغم اللعنة وسكان المكان اللي محتلينه هخرج وهعيش، ولو مخرجتش أو حصل لي حاجة بعد ما أخرج، دي برضه إرادته، وزي ما إيماني متزعزعش برغم اللي شفته من عروض "مازن"، هيفضل بنفس القوة لحد آخر نفس عندي...

"تمت"

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

التعليقات علي الموضوع
لا تعليقات
المتواجدون حالياً

1207 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع