جنينة ميتة، الهوا مش بيعدي فيها...خطوات صوت من غير صورة...طريق بيظهر ويختفي...ابواب مقفولة بتتفتح برغم القفل اللي عليها...أماكن الداخل فيها مفقود والخارج مولود..."قصر فرساي"....
أوقات بنحتاج مخرج من الحياة الروتينية اللي بتتعاد في صورة يومك العادي، نفس الحاجات اللي بتعملها، نفس المعاد اللي بتصحى فيه، نفس الشغل هو هو اللي بتروحه، نفسها الوشوش، نفسها الهموم والمسؤوليات والمخاوف وبيجيلك وقت تسأل، هو أنا مش هاخد أجازة؟
أجازة من كل ده، من الحركة والأحاسيس اللي بمر بيها كل يوم، وممكن تتفاجيء بفرصة، فرصة تاخد فيها الأجازة اللي عايزها، السؤال بقى..هل أنت مستعد للمغامرة اللي على وشك إنك تخوضها وإنت يا عيني فاكرها إجازة؟
أهو حاجة زي دي حصلت لشارلوت موبرلي و الينور جورديان، شارلوت كانت رئيسة كلية معينة في جامعة أكسفورد والينور هي المساعدة بتاعتها، في يوم من الأيام لسنة 1901 قرروا يطلعوا رحلة لفرنسا ومن ضمن البرنامج زيارة لقصر فرساي، اللي هو عبارة عن قصر حواليه جنينة ضخمة وعدد من المباني التانية، من ضمنها بيوت فخمة، والمساحات الرهيبة دي كلها اتحولت لمتحف مفتوح بيبين البذخ اللي العيلة المالكة كانوا عايشينه زمان في فرنسا...
ركبوا القطر واتوجهوا لمنطقة القصور الملكية واللي هي كانت على مسافة أميال من باريس...
من ضمن المباني المحيطة بقصر فيرساي مبنى إسمه البيتي تريانون وهو بيت ريفي بناه الملك لويس الخامس عشر وماري انطوانيت أخدته مهرب ليها عشان يعني يكون ليها شوية خصوصية بعيدًا عن دوشة قصر فيرساي....
اليوم كان ماشي زي الفل، الاتنين مبسوطين ومستمتعين بالجولة لحد ما قرروا يروحوا البيتي تريانون...
كان معاهم خريطة بيستخدموها عشان يتنقلوا من مكان لمكان، وباجتهادهم كده لقوا نفسهم عند قصر إسمه الكرانت تريانون وده بعيد عن البيتي تريانون، القصر كان مقفول فعدوا يدوبك عليه ومنه مشيوا في طريق المفروض كان يوصل للبيتي تريانون.
لقوا نفسهم في طريق ضيق، شبه الحارة، متحاوط بالأشجار، "شارلوت" و"إلينور" تاهوا ومبقوش مميزين ملامح المحيط حواليهم من مباني وطرق....
في ست طلعت من شباك مبنى في الحارة الضيقة وكانت بتنفض هدوم، "شارلوت" استغربت من "إلينور" لإنهم المفروض، على حد علمها كانوا تايهين فليه "إلينور" مسألتش الست دي عن الاتجاهات، وده خلاها تفتكر إنها غلطانة وإن "إلينور" تعرف الطريق الصح، مش ماشيين عشوائي وخلاص ولا تايهين، وبكده قفلت بوقها ومشيت معاها من سكات....
بعد شوية ظهر مفترق طرق، 3 مسارات، يروحوا في أنهي مسار؟ اللي خلاهم ياخدوا القرار هو ظهور اتنين رجالة مشيوا قدامهم في المسار الوسطاني، الرجالة كانوا لابسين جواكيت خضرة طويلة وبرنيطة ب3 زوايا، طبعًا الزي كان عجيب جدًا وده خلى "شارلوت" و"الينور" يفتكروا إنهم ممكن يكونوا مزارعين بيشتغلوا في الجناين حوالين القصور، "شارلوت" أخيرًا سألتهم عن طريق البيتي تريانون فقالولها يفضلوا مكملين في الطريق اللي ماشيين فيه...
كل ما كانوا بيتقدموا في المسار كل لما إحساس تقيل بيطبق على "شارلوت"، مكنش في سبب واضح لتغيير مزاجها، المفروض إن التمشية كانت ممتعة والجو جميل، الغريب إن نفس الإحساس التقيل، عدم الارتياح برضه حست بيه "الينور"، مش بس إحساس تقيل، كمان إحساس بالوحدة...
"الينور" لمحت كوخ أو بيت صغير على بابه في ست واقفة بتناول حاجة لبنت صغيرة....
بعدها وصلوا لجنينة فيها أشجار كثيفة، لكن مش ده بس اللي بيميزها، الجنينة كانت واقفة، فيها حالة جمود غريبة، يعني محسوش بأي نسمة هوا، ورق الشجر ميكنش بيتهز ولو هزة خفيفة، حالة سكون مش طبيعية، كإنه بيبصوا على رسمة مش واقع، وظهر راجل لابس عباية سودة طويلة وبرنيطة كبيرة غامقة، وشه كان في تشوهات، آثار لمرض الجدري، ونظرته كانت مخيفة....
وفجأة ظهر راجل تاني، كان لابس لبس فرسان لكن قديم شويتين، الراجل قال لهم إنهم ماشيين في الطريق الغلط وإن البيتي تريانون في المسار اليمين، هم قهموه بالعافية لإن اللغة كانت معقدة وصعبة مش نفس اللكنة الفرنساوية المعتادة، الاتنين مشيوا بسرعة في السكة اللي قال عليها، ولما "شارلوت" اتلفتت عشان تشكره ملقتوش لكنهم كانوا لسه سامعين صوت خطواته، صوت من غير صورة....
وصلوا لبيت ريفي صغير، في الجزء الخلفي منه كان في واحدة ست قاعدة على كرسي خشب وبتقرا في جورنال وفي رواية تانية إنها كانت بترسم، المهم إنها كانت لابسة فستان وبرنيطة بيضة، الستايل بتاعها كان قديم جدًا، موضة راح عليها الزمن، لما قربوا منها رفعت راسها وبصتلهم، "شارلوت" حست برعشة في جسمها لما الست بصتلها لدرجة إنها بصت الناحية التانية، في حاجة مكنتش مريحة أبدًا فيما يتعلق بالست دي...
وبعدين طلع راجل من البيت الريفي وراح لحد عندهم، برضه لبسه كان غريب، زي كل الأزياء اللي عمالين يشوفوها من بداية رحلتهم لفرساي، بس المرة دي اللبس كان بتاع خدم، دلهم على مدخل البيتي تريانون اللي قريب من البيت الريفي، الاتنين لفوا وخرجوا من ساحة الجنينة بتاعة البيت، وقتها الإحساس التقيل اتراجع، والكآبة مبقتش موجودة، زي ما يكون كل حاجة رجعت طبيعية، وإن اللي قبل كده مكنش طبيعي، وظهر سياح وزوار كتير غيرهم وبقوا ماليين الساحات...
لما رجعوا باريس في نفس اليوم متكلموش تمامًا عن أحداث اليوم ده، مكنوش فاهمين أصلًا إيه اللي حصل، معندهمش كلام يعبروا بيه عن الحالة الغريبة اللي مروا بيها ...
والوضع فضل على ما هو عليه لمدة إسبوع كامل، ولا واحدة بتتكلم مع التانية على اليوم إياه...
لحد ما في يوم "شارلوت" فجأة لفت ل"إلينور" وسألتها : "تفتكري البيتي تريانون مسكون؟" و"إلينور" ترد: "أيوه!"
وبدأوا يتكلموا عن كل اللي شافوه في يوم الزيارة، اكتشفوا التالي، لما تاهوا ودخلوا في الحارة الضيقة وطلعت ست من شباكها بتنفض الهدوم، الحقيقة إن الست دي شافتها "شارلوت" بس، "إلينور" مشافتهاش، عشان كده مسألتهاش عن الاتجاهات مش عشان كانت عارفة السكة والشباك بالنسبة ل"إلينور" كانت مقفول!....
وده مش بس الغريب، في حاجات كل واحدة فيهم شافتها والتانية مشافتهاش وفي أشخاص مشتركين، زي الرجالة اللي كانوا لابسين جواكيت خضرة طويلة وبرنيطة ب3 زوايا واللي اعتبروهم في وقتها مزارعين عشان مش قادرين يترجموا ليه كانوا لابسين الأزياء دي وزي الراجل اللي بشرته مشوهة وفي آثار جدري والفارس اللي ظهرلهم ولما اختفى كانوا لسه سامعين خطواته، أما الست اللي كانت قاعدة على كرسي خشب وبترسم بالقرب من البيتي تريانون فشارلوت بس اللي شافتها! اتفقوا إن كل واحدة فيهم بشكل منفصل تكتب عن التجربة بتاعتها فيما يتعلق بالجولة المريبة في فرساي.
ودي مكنتش آخر زيارة ليهم، زاروا فرساي مرة تانية، وكانت الصدمة....
ملقوش الطريق اللي مشيوا فيه للبيتي تريانون، مكنش في معالم شافوها المرة الأولانية ، كمان الباب اللي خرج منه الخادم في البيت الريفي واللي قال لهم على مدخل البيتي تريانون، الباب ده كان مقفول باقفال حديد ومتفتحتش من سنين كتير والجناين اللي المرة الأولانية كانت فاضية تمامًا المرة دي كانت زحمة، مليانة زوار....
لما رجعوا إنجلترا عملوا بحث عن تاريخ فرساي ودوروا كمان في فرنسا على خرايط للقصر والساحات بتاعته...
نفس اليوم، نفس اليوم اللي عملوا فيه الزيارة العجيبة وشافوا الناس غريبة الأطوار والأزياء اللي ميعرفوهاش والمعالم اللي ملقوهاش تاني، يوم 10 أغسطس، الثوار الفرنسيين سنة 1792 سيطروا على القصر الملكي في فرنسا وحصلت مدبحة في محيط فرساي، الخدم بتوع الملك والملكة اتقتلوا من الثوار والملكية اتلغت والملك لويس السادس عشر هو وماري أنطوانيت اتقبض عليهم وتم إجبارهم يمشوا من فرساي ويتحبسوا في قصر تاني في منطقة التويلري في باريس لحد يوم محاكمتهم وإعدامهم ، الأشخاص اللي كانوا لابسين جواكيت خضرة طويلة وبرنيطة ب3 زوايا، هم في الحقيقة الخدم بتوع ماري أنطوانيت ملكة فرنسا في وقتها وده كان الزي بتاعهم، الراجل اللي كان عنده الجدري يشبه الكونت دي فودريل وهو صديق للملكة وكان مصاب فعلًا بالجدري، أما الفارس اللي قال لهم يمشوا في مسار مختلف وكان ودود وقدروا يفهموه بالعافية بسبب لكنته التقيلة فهو كان رسول جه عشان يحذر الملكة من توجه مجموعة من الثوار لقصر فرساي..
بالنسبة للست اللي كانت قاعدة في الجنينة وبترسم، فمواصفاتها تدل إنها الملكة ماري إنطوانيت بنفسها، وده يمكن اللي يفسر الإحساس بالكآبة وعدم الارتياح اللي كان عند "شارلوت" لما الست بصتلها، يجوز إنها عاشت أحاسيس الملكة اللي أكيد كانت برضه تقيلة وكئيبة في وقت الثورة الفرنسية...
البحث مكنش بس عن معلومات لكنه امتد لخرايط قديمة، خرايط بتوضح تصميم القصر والمباني اللي حواليه والجناين في العصور القديمة، والمفاجأة إنهم بدأوا يتعرفوا على طرق في الخرايط القديمة، طرق مشيوا فيها يوم 10 أغسطس، الطرق دي المفروض إنها مبقتش موجودة، ده غير المعالم والمباني اللي كانت موجودة من سنين ومبقتش موجودة، زي مقصورة مراقبة شافوها في جولتهم لكنها كانت موجودة سنة 1792 ومش موجودة سنة 1901.
مكتفوش بس بكده، إلينور مثلًا سألت صديق ليها من فرنسا إذا كان معروف عن البيتي تريانون أي قصص عن أشباح، الصديق قال لها إن في يوم معين من شهر أغسطس كل سنة "ماري أنطوانيت" بتظهر وهي قاعدة بره البيتي تريانون، وبتبقى لابسة برنيطة والمكان كله مسكون بأشباح الأشخاص اللي كانوا ملازمينها...
لكن "شارلوت" و"إلينور" كان ليهم رأي تاني، فرساي مش مسكون، فرساي هو مكان بتتداخل فيه الأزمنة في بعض، وهم دخلوا في الدوامة الزمنية دي وعصرهم اختلط بعصر الثورة الفرنسية! في نفس اليوم اللي ماري أنطوانيت اتحبست فيه...
طب ليه وصلوا للاستنتاج العجيب ده؟
"إلينور" كانت مقتنعة إن "شارلوت" شافت طيف "ماري إنطوانيت" وإنهم الاتنين شافوا أطياف أصحابها والعاملين عندها...
ده غير التاريخ، 10 أغسطس، نفس اليوم اللي حصلت فيه مآسي وتحركات عظيمة، وفرنسا احوالها حرفيًا اتبدلت، والتاريخ المحدد ده متعلق بنفس الأشخاص اللي شافوهم في فرساي زي الملكة والحاشية بتاعتها...
وبكده هم الاتنين وصلوا أنهم فعلًا اتجولوا في الفرساي والبيتي تريانون، لكن في وقت تاني، في 10 أغسطس 1792 مش 10 أغسطس 1901...
وفي سنة 1911 نشروا كتاب حكوا فيه مغامرتهم في فرساي، الكتاب إسمه "المغامرة"....
الناس اتقسمت ما بين مصدقين ومكذبين، المصدقين في منهم قال إن التجربة اللي مرت بيها "شارلوت" و"الينور" اسمها "تداخل الأبعاد"، ودي بتحصل لما الماضي يختلط بالحاضر، وده اللي هم نفسهم اعتقدوه...
وفي منهم اللي قالوا إن اللي شافوه عبارة عن أشباح للناس اللي عاشوا أحداث الثورة الفرنسية، ببساطة منطقة فرساي مسكونة...
على الناحية التانية في مشككين لقصة أشباح فرساي، ودول في منهم قالوا إن "الينور" وشارلوت" مكتبوش عن تجربتهم بعد ما حصلت علطول، وده يخلي ذاكرتهم مشوشة والخيال ممكن جدًا يختلط بالواقع، الذاكرة لا يعتمد عليها مع مرور وقت على الحدث، وفي رأي غيره إن الأشخاص اللي شافوهم بأزياء غريبة ممكن جدًا يكونوا جزء من عرض إستعراضي وكانوا متنكرين في أزياء ناس عاشوا في زمن قديم، وارد مجموعة من الناس قرروا يعملوا حفلة تنكرية...
وفي رأي إنهم عاشوا تجربة هلوسة جماعية، وإنهم كمان عشان اتهوسوا بفرساي وقعدوا يدوروا على معلومات عنه وعن الثورة الفرنسية فالوهم زاد واتحول بالنسبة لهم لحقيقة مطلقة...
ورأي تاني إنهم ببساطة ألفوا القصة دي ممكن عشان يتسلوا أو بدافع الشهرة، والكدبة كبرت وانتشرت ومكنش ينفع يرجعوا يكدبوا قصتهم...
الحقيقة إن الاحتمال الأخير ده بعيد وده لإن الكتاب اللي نشروه كان بأسماء مستعارة ومتعرفش المؤلفين الحقيقين إلا بعد موتهم بمدة، فمش ممكن يكونوا بيسعوا للشهرة، بالعكس دول في الغالب خافوا إنهم يتفهموا غلط والناس تشكك في نواياهم عشان كده مأعلنوش عن هويتهم الحقيقية وكان همهم بس الناس تقرا عن التجربة نفسها...
وبالنسبة للرأي اللي بيقول احتفالية وحفلة تنكرية، لو فرضنا إن فعلًا في ناس لبسوا أزياء عصر قديم، عصر الثورة الفرنسية عشان يعني يوم 10 أغسطس اللي حصلت فيه الأحداث الكبيرة وحبس الملك والملكة فإيه تفسير الأماكن اللي شافوها ومشيوا فيها واللي كانت موجودة في عهد قديم ومش في عهدهم، زي مقصورة المراقبة والباب اللي مقفول من سنين كتير، إيه، أصحاب الحفلة هيقدروا يغيروا تصميم المكان بين يوم وليلة ويرجعوا يشيلوا الأماكن ويغيروا التصميم من تاني لما تخلص الحفلة؟؟
أنتوا إيه رأيكم؟ إيه اللي حصل بالظبط في اليوم ده، يوم 10 أغسطس سنة 1901، هل دوامة زمنية؟ هل "شارلوت" و"الينور" سافروا بطريقة ما عبر الزمن ورجعوا شافوا مشاهد حية للأحداث بتاعة الثورة ولا دي أشباح ولا...تكون هلاوس؟
"تمت"