نعم أكتب كلما أحسست بطيفِ الكتابة يراودني، وفيض الخاطر يداعبني، يكتبني إحساسي ولا أكتبه، وتنقلني مشاعري إما فرحاً وإما ترحاً، إما حباً أو كرهاً، مفرداتي تعبر عن هواجسي ونوازع نفسي.
هي لحظة تأتيني بغتةً لا وقت لها ولامكان، وحالةٌ تأتيني كلما اهتز داخلي، أشعر فيها بأني أتألم، وأعاني ولا أتكلم لتأثري بموقفٍ من المواقف؛ أو حدثٍ من الأحداث؛ أو حتى للوحةٍ رُسمت بريشة فنان، أو مشهد مرئيٍّ لعملٍ فنيّ، فكل ما حولي يثريني ويثيرني، أعتصر ألماً وأنا أجمع حروفي لتتقابل وتلتقي مع ما أحسه وأشعر به، وكأنه طَلقٌ فكريٌ، يشبه ذاك الطَلق عند المرأة الحامل؛ وهي على وشك الوضع، طَلْقها وجع من حركة جنينها بين أحشائها، وطَلقي أنا برأسي من حركة وتزاحم الأفكار داخله،هي تنتظر خروج طفلها للحياة بسعادةٍ غامرة، وأنا أنتظر خروج ما يؤرقني أو يسعدني من أفكار ومشاعر إلي النور.
صراعٌ نفسيٌّ بين منبعي العقل والقلب (الفكر والعاطفة)، يأخذني عقلي نحو الاستدلال والتَبَيُّن من هَولِ ما يحدث حولنا، ويجذبني قلبي نحو رهافة الإحساس والعطاء الإنسانيّ. لَطَالَما سعدت بما كتبت، وينتابني شعورٌ براحةٍ ما بعدها راحة، ففي البداية ألم وفي النهاية أمل، أتنهد وأتنفس الصعداء فرحاً بما خطته يداي.
إذاً كيف أكتب دون إرادةٍ مني؟ الكتابة ليست استعراضاً لثقافةٍ ما؛ أو إبرازاً لمعلومات؛ أو إظهاراً لثروةٍ لُغوية فقط بقدر ما هي نبضٌ وإحساس، ورغبةٌ حقيقية في ترجمة ما بداخلنا، وفقاً لأهوائنا وما تميل له نفوسنا.
أَقْبَلْ أن أكتب لأنني أريد ذلك...
وأرفض أن يُطلب مني أن أكتب...