هذا الإهداء البليغ هو من أستاذتي ومثلي الأعلى في الحياة ، التي أتيه فخرا حين يشبهني كثير من أساتذتي بها ، الأستاذة الدكتورة عائشة عبد الرحمن ، تهدي كتابها " مقال في الإنسان " لزوجها وشيخها ، الشيخ امين الخولى رحمه الله تعالى .
ورغم أن أستاذتي في نظري قد تفوقت كثيرا على شيخها ، إلا أنها لاتكتب عنه إلا بتخشع عجيب ، وكأنني أراها وهي تمسك بقلمها مطوية الجناح ، خافضة الطرف ، كسيرة القلب ، خاصة بعد أن فارقها وارتحل رحمه الله تعالى .
والكتاب " مقال في الإنسان - دراسة قرآنية- ط دار المعارف ١٩٦٩
أدعوكم جميعا لقراءته مع تأمل منهج الأستاذة بنت الشاطيء الفريد ، الذي يجمع بين اللغة والتفسير والبيان والتحقيق ، فقد تعاملت رحمها الله مع آيات القرآن الكريم ، وكأنها تمسك بمشرط جراح حاذق ، تمشي الهويني بين الآيات تتأمل وتراجع وتستقريء وتحلل وتستخلص ، وترهف سمع قلبها ووعي عقلها وبكل طاقتها وملكاتها .
وانظروا كذلك إلى أدبها الرفيع مع زوجها وامتنانها له -وهي الأستاذة ذائعة الصيت -كزوج وشيخ وأستاذ ، فإنسانيته وشموخه ورجاحة عقله وحسه المرهف ، وضعفها وقصور حيلتها بعد رحيله ، كان إلهاما لها كي تنقب بعمق داخل الإنسان لتتعرف على قصته من المبدأ وحتى المنتهى ، كما عبرت .
في هذا الكتاب ناقشت أستاذتي القديرة الدكتورة عائشة إشكالية خطيرة وهي " إرادة الإنسان " مقابل " إرادة الله "
ماالعلاقة ؟
هل هي الجبر المطلق ؟ أم الاختيار المطلق ؟ أم مابينهما ؟
وبعد استقراء منها لجميع الآيات التي أسندت الإرادة إلى الله تعالى ، والتي أستدتها إلى الإنسان ، خلصت إلى نتيجة مبهرة ، ملخصها : .
أن إرادة الإنسان تأتي أولا وبعد تفكر وعزم ، ثم تأتي إرادة الله كن فيكون ، تيسيرا لما اختاره الإنسان لنفسه وعزم عليه " فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى "
يعني - وكما قالت - تيسيرا لليسرى وللعسرى ، وتأكيدا إلهيا لحرية إرادتنا ، وإلزاما عادلا لنا بمسؤوليتها .
وفي أثناء ذلك ناقشت مذهب الجبرية والمعتزلة والأشاعرة والأخلاقيين أو الفلاسفة والصوفية ، نقاشا فريدا بأسلوبها الأدبي الرفيع .
كما نقلت أستاذتي القديرة ، حوارا دار بينها وبين الأستاذ الفقيه الشيخ مصطفى الزرقا رحمه الله في هذه القضية ، تعقيبا على الدكتورة عائشة في تلك المحاضرة التي ألقتها بهذا العنوان في دولة الكويت الشقيقة في ذلك الحين .
إنه حوار القمم !!
انظروا وتعلموا كيف يتناقشون ويتجادلون ويتباحثون ويتواضعون للحقيقة ويذعنون !!
أدب ورقي واحترام وإنصاف ، هذا المناخ الذي افتقدناه كثيرا في عصرنا هذا ، حين ابتلينا بالأقزام والرويبضة .
أقول : من كل قلبي أشكر كل من شبهني بهذه الأستاذة القديرة لظروف في النشأة بين شيخها ووالدها : الولي الصالح الشيخ عبد الرحمن ، وزوجها اللغوي والمفسر الشيخ أمين الخولي ، رحمهما الله تعالى ، وبين شيخي و والدي فضيلة العارف بالله الشبخ عبد السلام أبو الفضل ، وزوجي الفقيه المحقق شيخ الأصوليين ، الأستاذ الدكتور محمد الحفناوي
حفظه الله تعالى .
نعم تشابه الوالدان والزوجان ، أما أنا وأستاذتي فلازلت أراها نجما عاليا في السماء يؤسرني ضوؤه وتبهرني شدة تلألئه ،ولكن يظل الوصول إليه حلما بعيد المنال .
ولكني معتزة أيما اعتزاز لمجرد عقد علاقة بيني وبين تلك الأستاذة القديرة الرائدة .