هذا السباق غير المعقول على إنتاج الأعمال الدرامية لأكابر الفنانين في رمضان،ليس له في نظري إلا تفسير واحد، وهو أن اللهو أصبح هو الصناعة المتربعة على عرش الصناعات الثقيلة في بلادنا ، وأنه يأتي على رأس اهتمامتنا كشعب ، فالجماهير في الحقيقة هي التي تصنع الرواج وتصنع الكساد ، ولو لم يجد اللهو له هذه السوق الرائجة في بلادنا لما كانت صناعته بهذا الحجم ، ولما بلغت أجور القائمين عليه إلى هذه الدرجة من غير المعقولية .
وأتفهم أن اللهو له أثره في التخفيف عن الأمم الكادحة ، وأن من حق من يعمل في هذه الدول لأكثر من عشر ساعات وأكثر متواصلة في اليوم الواحد ،وبلا كلل ولاملل أن يخفف عن نفسه في نهاية الأسبوع بما يشاء حسب ثقافته وثقافة مجتمعه .
ولكني لم أسمع قط عن أمة من الأمم أقامت على اللهو عاكفة شهرا كاملا ، فقط نحن أصحاب هذه البدعة المخجلة .
وياليتنا أحسنا الاختيار ، لقد عمدنا إلى أفضل الشهور على الإطلاق ، شهر الصيام والقيام والقرآن ، الذي جعله الله لنا منحة ربانية صمدانية ،وصفد فيه الشياطين ليسهل علينا إخماد شهواتنا والترقي في سماوات التخلي ثم التحلي والتجلي ، لنصرفه عن غايته تماما ونغترف فيه حتى الثمالة من أكبر شهوتين تنهزم فيهما الروح العلوية على الإطلاق ، أعني : كثرة الطعام وكثرة اللهو ،حتى تمكنت منا شياطين النفس وشياطين الإنس وأفلحتا فيما عجز عنه إبليس وأعوانه المصفدون .
وأذكر هنا بحديث شريف قاله النبي صلى الله عليه وسلم عن جبريل عليه السلام أنه قال " رغم أنف عبد أدرك رمضان ولم يغفر له " قل آمين ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : آمين .
يعني هذه الدعوة دعا بها أمين الوحي في السماء جبريل عليه السلام على من يتخذ من رمضان شهرا للغفلة واللهو حتى ينقضي ومايغفر له ، وأمن عليها أمين الوحي في الأرض محمد صلى الله عليه وسلم .
فيالخسارة من يتلهى في شهر التحلي والتجلي والمفغرة العظمى !!
وماأظن فيمن قضى رمضان من مبدئه متلهيا أن يكون من أهل شهود ليلة القدر ، التي أخفى الله ساعتها ليجتهد المسلمون في رمضان كله ، فهي جائزة الله تعالى للمجتهدين لاالغافلين المتلهين .
ونسأل الله تعالى أن يسع برحمته الجميع وأن يخرجني وإياكم من دائرة الوهم إلى أنوار الحقيقة والفهم .