👇👇👇👇👇👇👇👇👇👇👇
تأملات في نقده الإنساني الأبوي لحديث " لايسأل الرجل فيم ضرب امرأته "
بداية أقول : الحديث عن علاقة الأب المسؤول الإنسان بابنته أو ببناته حديث ذو شجون بالنسبة لي شخصيا ، فقد تنعمت بحمد الله بهذه العلاقة طوال حياة والدي رحمه الله ورضي عنه ، بل أراني غير مبالغة إذا قلت : بهذه العلاقة والعاطفة الأبوية الودودة التي تنعمت بها وروت قلبي وكياني ، أتراحم مع الناس وأتواد وأتعاطف ، وأنشر المحبة بينهم ومعهم ، ولذا -ومن واقع تقديري لهذه العاطفة - فإنه لامانع عندي من أن تتواري الأكاديمبة التي أعشقها بقواعدها الصارمة ومنطقها العقلي، لأصغي بشغف إلى مايصدر عن هذه العاطفة الفطرية الحنونة من آراء وأحكام " فالإسلام دين الفطرة "
ولذا نجد الفقيه المحنك ابن عاشور رحمه الله يرجع مقاصد الشريعة الخمس المعروفة إلى ماأسماه بالمقاصد العالية للشريعة الإسلامية ، وابتدأها بمقصد حفظ الفطرة وجعله أصلا يجب مراعاته حال الاستنباط الفقهي ، قال : لأن شرائع الإسلام آيلة إليها ، يعني : تنتهي إلى ملاحظة الفطرة والحذر من اختلالها أو خرق نواميسها ، بما يعني ببساطة وجوب "حفظ إنسانية الإنسان عليه " كما عبر د /عبد المجيد النجار في كتابه "مقاصد الشريعة بأبعاد جديدة" تأثرا بابن عاشور رحمه الله .
وبعد هذه التقدمة أقول :
البنت بالنسبة للأب السوي هي بضعته ولؤلؤته وشرفه وقلبه النابض ، وهي التي مع مقدمها ومع سماع أول نبضة من نبضات قلبها ، تتعمق بداخله وتتروى مشاعر اللطف والوداعة والرقة والضعف الأنثوي الآسر .
وهذه العلاقة الأبوية الراقية فوق أنها فطرة وطبيعة ، أحسبها تمثل في وعي أرباب التدين الصحيح نوعا من أنواع التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم في تعامله مع ابنته وزهراء قلبه ،السيدة فاطمة رضي الله عنها .
ويكفي أنه وبدافع من هذه العاطفة الأبوية الحانية المسؤولة ، وليس بصفته صلى الله عليه وسلم نبيا يوحى إليه ، اعتلى منبره الشريف لاليخطب في الناس في أمر يخص دينهم كما هو معتاد ، ولكن ليعلن عن غضبة مضرية جراء مابلغه من خبر اعتزام صهره علي رضي الله عنه استخدام حقه الشرعي في التزوج على فاطمة رضي الله عنها ، ولكنه وهو الوالد الشفيق كان يعلم يقينا أن قلب ابنته الشريف العاشق لزوجها ، ونفسها العالية الزكية لايقبلان أن تكون ذات ضرة- لاسيما وقد جاءته شاكية تستحثه على نصرتها- ومن هذه التي تضاهيها حتى تقتسم معها حبها الوحيد وابن عمها وعماد بيتها علي رضي الله عنه ؟
فعلمه صلى الله عليه وسلم بأن هذا التصرف يؤذي ابنته وحبيبته فاطمة ألهب صدره الشريف ، وبدافع الأبوة والأبوة وحدها اعتلى رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم المنبر ليعلن في الناس رفضه لهذه الزيجة مع كونها حلالا ، لكونها تؤذي ابنته أذى لاتحتمله قائلا - حسب رواية البخاري - إن بني هاشم بن المغيرة استأذنوني في أن ينكح علي ابنتهم ، لاآذن ثم لاآذن ثم لاآذن ، إلا أن يحب علي بن أبي طالب أن يطلق ابنتي وينكح ابنتهم ، فإن ابنتي بضعة مني يريبني مايريبها ويؤذيني مايؤذيها "
وكأنه صلى الله عليه وسلم اعتلى منبره الشريف لينشد دعما مجتمعيا عاما لحبيبته وقرة عينه فاطمة رضي الله عنها ، تجاه هذا الحدث الذي يريبها ولاتحتمله . .
لاغرابة إذن أن تسري هذه المشاعرالمتأججة إلى قلب الشيخ محمد الغزالي رحمه الله والد الإناث ، ليواجه خطيبا جهولا بعاطفة أبوية محضة ، حين سمعه من على منبره يروي حديثا مكذوبا على رسول الله صلى الله عليه وسلم يروج لفكرة ضرب الزوجة دون أية مسؤولية أدبية أو جنائية تترتب على ذلك ، حتى وإن بالغ وأسرف وتعدى وظلم ، ، وهو حديث كثيرا مايلوكه بعض الخطباء حتى اشتهر على ألسنة العامة ، نقلا عن هؤلاء الخطباء الذين لايعون مايقولون :
أعني حديث " لايسأل الرجل فيما ضرب امرأته"
انتظر الشيخ الغزالي رحمه الله حتى فرغ هذا الخطيب من خطبته ، ولم يطاوعه قلبه على أن ينصرف مع المنصرفين ، إذ ذهب الى ذلك الشيخ ليعنفه على ماقال ، وكيف أنه وبروايته لهذا الحديث قد طعنه بسكين مسمم .
نعم ، اعترض الشيخ بالأدلة ، ولكن روح الأبوة وعاطفتها المتأججة غضبا كانت هي الطاغية، وهي التي كانت تقف وراء هذا السيف الذي أشهره في وجه هذا الخطيب ، وكأنه يود لو أغمده في صدره فأسكته إلى الأبد .
فهل هذه الرواية خطيرة إلى هذه الدرجة ؟ أقول : نعم ..لأن الاستدلال بها أنتج فهما عليلا يرى أن ضرب الزوج زوجته شأن خاص به لايسأل عن سببه ، حتى لو كسر لها عظما أو فتق لها جرحا أو شج لها رأسا ، فهي ملكه يتصرف فيه أني يشاء ..
وبهذا المفهوم نفسه لايسأل عن تأديبها بتعمد التعدد عليها مثنى وثلاث ورباع بغرض تأديبها وكسر نفسها كما يحلو لبعضهم أن يقول ، ولاعن تطليقها دون سبب ، أو ارتجاعها دون علمها ، قاصدا النكاية بها والثأر ، وهكذا دواليك..
يناقش الشيخ رحمه الله هذا الحديث متنا ، بصرف النظر عن صحته أو عدم صحته حسب وجهة علماء الحديث، فيقول :
لماذا لايسأل الرجل فيم ضرب امرأته ؟ أنربي بناتنا ليذهبن إلى( فحل ) يلطمهن أو يؤذيهن دون مساءلة في الدنيا والآخرة ؟
تأملوا هذه الكلمة التي بين قوسين !!!
ثم يلتفت إلى الخطيب الذي ردد هذا الحديث دون وعي فيقول له : بأي منطق تتكلمون " إن الله لايظلم مثقال ذرة " وقال " من يعمل سوءا بجز به " وهذا في الآخرة ، ومن حق المرأة في الدنيا أن تشكو مانزل بها لأهلها أو للقاضي الذي يجب أن يسائل زوجها ، ولها بعدئذ أن تطلب الخلع أو التفريق للضرر .
ثم يلفت الشبخ نظر هذا الخطيب إلى أن هذه الرواية التي رواها معارضة بحديث صحيح رواه مسلم ، وهو قوله صلى الله عليه وسلم " لتؤدين الحقوق إلى أهلها حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء، ثم يقول : أفتكون الزوجة المضروبة أهون على الله من نعجة منطوحة ظلما ؟
تأملوا كذلك هذه الجملة الأخيرة !!
حقيقة شر البلية مايضحك !!!!
فيرد عليه الشيخ الخطيب بأكذوبة أكبر فيقول : إن المراة منذ حواء إلى اليوم تستحق الحذر والتأديب ، وقد جاء في الحديث " لولا حواء لم تخن أنثى زوجها " يقول الشيخ رحمه الله ، فقلت له : ماخانت حواء ولا أغرت آدم بالأكل من الشجرة ، هذا من أكاذيب التوراة ، وآدم هو الذي عصى ربه بنص القرآن الكريم ، ولكنكم دون مستوى فهمه ، وتنقلون من المرويات مايقف عقبة أمام سير الدعوة الإسلامية ، فالقرآن الكريم صريح في هذا ( وعصى آدم ربه فغوى )…. راجع : السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث ٢٠٢، ٣٠٣
أعود فأقول : لقد انتقلت هذه النيران التي ألهبت قلب الشيخ رحمه الله إزاء ماسمعه من قلبه إلى قلبي ، فكأنني أراه وتعابير وجهه وأستشعر زفرات صدره وأنات قلبه ..
نعم ، لقد دفع الشيخ ثمنا باهظا جراء مثل هذا النقد اللاذع الجريء في وجه من لايفقهون من الرواة ، ولكنه لقي ربه شهيدا للحق ولأمانة الكلمة ، وبقي عمله حيا نابضا بنبض قلبه ، ينفع الناس ويمكث في الأرض.
رحم الله شيخنا الغزالي وعوض الأمة عنه خيرا .
ولكن قد يثور سؤال ؟ هل يجوز فقهيا نقد المرويات على هذا النحو ؟ أو النقد الإنساني للمرويات ؟
يتبع إن شاء اللهa