آخر الموثقات

  • لو قبيحة .. شبيك لبيك
  • أتعلم تكون أنانى 
  • على كتف أبي معلقة ..
  • الفهم الخاطئ للمساواة بين الجنسين
  • أستاذ فلان ... رغم الدكتوراه
  • تفسير توقيت مصادقة موسكو على الاتفاقية الإستراتيجية مع طهران...
  • ترامب وبزشكيان في الرياض
  • الحرب الإيرانية الأمريكية : خطأ المحللين
  • طريقة إيران المبتكرة للتفاوض مع أمريكا
  • العرض المالي الإيراني لترامب .. إختراق غير مسبوق
  • إيران ووالد زيزو
  • مجابهة كل هذا القدر!
  • ضع الآتي حلقة في أذنيك
  • أنا البهية الفاتنة
  • ثقافة الاعتذار بين الأصدقاء… الكلمة اللي بتبني العمر من جديد
  • شكراً ... حضرة المدير 
  • أخاف أن أعود...
  • كذابة
  • سر القلوب النبيلة
  • دائما أشتاق إليك..
  1. الرئيسية
  2. مركز التـدوين و التوثيـق ✔
  3. المدونات الموثقة
  4. مدونة زينات مطاوع
  5. رحلتي بين الوعي والكتمان 

 

كأن اليوم هو عرس الشمس، تداعب بخصلاتها الذهبية صفحة الكون، فيلثم دلالها شوارعه بقبلة الحياة، يرفل ضوءها مريحًا ومطمئنًا، ينفث دفئه برقة وحنو ليتسرب داخل الأعصاب؛ فيملأها بالراحة والهدوء، ما أجمله من حظ ونصيب قد حظيت به الشمس، فدائمًا على سفر في أقاصي الزمان والمكان، تأفل وتغيب إلى ما شاء الله، تودعها الحياة بحنين واشتياق، ويستقبلها العالم أجمع بحفاوة وإجلال، فيضم لهفتها، ويحضن عطاياها بمحبة وإكرام. الشارع يضج بالحياة، وينتعش بأنفاس المارة وهم يحفرون ذكراهم على الأرصفة ذهابًا وإيابًا، والطيور هي الأخرى تغرد بأناشيد الإبكار التي تتنافس مع صوت الشيخ نصر الدين طوبار وهو يعزف بصوته معزوفة الحب في أذن الحياة كل صباح، القطط طوافة ساعية على رزقها، والحافلات نهضت من سباتها وسكونها، والمقاهي تفوح منها روائح القهوة الزكية، التي تتسابق مع رائحة الخبز الشهي المعجون بالحب، الشرفات تودع الأحبة وتتعهد برعاية ذكراهم، والصوم عن الحياة، والصمت عن العالم حتى يعودوا إليها؛ تلقي عليهم بتعويذة الحب، وتودعهم بابتسامة الثقة، وتناشدهم أن يعودوا إليها سالمين؛ فيرووا ظمأ انتظارها، ويطفئوا لوعة حنينيها إليهم، بينما هي ودعت سور شرفتها بابتسامة حانية، ثم ذهبت لتنفق محبتها في أعمال المنزل حتى تعود إليها رفيقة روحها وهي تحمل فرحتها على وجهها؛ فاليوم هو موعد إعلان نتائج المسابقة القصصية، وتتمنى أن تحظى بالمركز الأول كما عودتها الحياة، تشق جلال المشهد وبهائه خطواتها الهوينى المخلوطة بطعم الفرح، رغم تلك المسحة الباهتة التي صبغت وجهها بلون الذبول، وعيناها بجدب الصبار العطشان للدموع، إلى أن وصلت لحضن والدتها، فألقت بفوزها بين ثناياها وصدحت بفرحتها قائلة:

الحمدلله.. الحمدلله يا أمي، لقد حصلت على المركز الأول، وانتشيت لفرحة الجميع لي، وكأنني قد عانقت الثريا بنجاحي.

عانقت فرحتها بقلبي، وتأملت ملامحها بفراسة المحب الذي يسدد بصيرته في أرض وكيان محبوبه؛ فيرى ما يكنه وراء راية النصر التي ترفرف بألويتها أمام الناظرين وهمست قائلة:

فرحتك أضاءت لي الحياة يا ابنتي لكن أخبريني عن تلك النظرة المخنوقة التي تنطق بالحزن في عينيك، وكأنها لوحة فنية بارعة رسمت بريشة فنان تسرب إليه الحزن عنوةً فنقله إليكِ رغمًا عنه!

ضحك صوت الطفلة في قلبها وغردت قائلة:

ياااااه يا أمي، كلماتك مثل البلسم، تنزل على القلب المحترق فتشفيه، وتبرد ناره، وتخفف من درجة ذهوله.

كل ما في الأمر يا أمي أني كنت أنتظرها هي فقط من بين الجموع، لتحضن فرحتي، وتشاركني ميلادها، وتقف بجوار قلبي؛ لتستقبل المهنئين معي، وتكرم ضيافتهم لأجلي، لكنها التهت بالجميع عني، وآوت نجاحهم، وباركت سعيهم، وبقيت أنا على نار الانتظار أتقلب ولكنها لم تأتِ، حاولت أن أتناسى فعلها ذلك، لكن النسيان متمرد عنيد، يأبى أن يمنحني صك الراحة ولو سويعات، كلما اشتهيته لوعني وأرهقني، واصطحبني إلى نار الحيرة ثم فر هاربًا مني فرار العازفين عن الوصل، وطرحني على ناصية الهجر أتململ بلا مأوى، 

أخبريني يا أمي، لما فعلت بي ذلك، ألم تكن تتغنى ليل نهار بذاك الانتماء الذي نسبتني إليه بها، وذاك الوسام الذي ألصقته بقلبي وكانت تفتخر به حين كانت تناديني أمام الجميع "رفيقتي.. ي. أختي ي ي" وألزمتني حقوق الصلة، وأمانة الميثاق، ألم تكن تحبني، ألم يتساقط ذاك الحب من فيها ذكرًا هامسًا يطمئن قلبي وينثر فيه الدفء والونس؟!

كنت أشعر بمحبتها يا أمي، ولم يخطئ حدسي أبدًا، فماذا يحدث الآن؟، أيكون من فرط الحس لدي قد اختلط الشعور؛ فطغى على بصيرة الوعي والفهم لدي؟ 

أجبيني أمي.. أمي.. ي.. ي، ثم صرخت باكية وارتمت بين أحضاني. 

مسحت على قلبها بآيات اللطف وهدأت من روعها، وحدة غضبها ثم احتضنت وجهها قائلة:

لِمٓ العبوس في وجه النعم يا ابنتي، والتولي عنها هكذا؟ 

أكرمي مثواها، وأحسني إليها، عساكِ تنالين شكر المنعم؛ فينفعك بها، وينعم غيرك بخيرها، لما تقصمين ظهرها هكذا، فتتولي عنك، وتفر هاربة لأرض تعرف لها قدرها، 

ألم يكفيك أنه اصطفاك من بين الأنام وخصك بجميل رزقه، وأسبغ عليك من واسع فضله؟! 

ألم يكفيك أن رحمة الله قد وسعتك، ومحبة الجميع لكِ قد شملتك، من فرح لأجلك، واقتسم معكِ الحب على طاولة النجاح، ورأيتِ فرحتك تتراقص في عينيه، وذقتِ حلاوتها في حديثه الدافئ؛ فزيدي له الفضل والوصل دعوات، وارفعي مقامه في ظل عرش قلبك، واحترمي إكرامه لكِ حتى وإن لم تجمعكما الأقدار على مائدة الحب؛ فيكفيك فخرًا وعزًا أنها جمعتكما على درب الاحترام، ومن أتاكِ من باب الواجب، فالشكر له فرض عليكِ، أما من هرول إليكِ على بساط التزلف، إياكِ والركون إليه، فقطبي قلبك عنه، وصمي آذانك عن الإنصات إلى ثرثرته، وأغلقي لسانه بابتسامة عزم تقطع عليه سبل التماهي والتمادي، فتعفي نفسك من الوقوع في شرك همهمته، ومن عزف عنكِ ونأى رغم الاستثناء الذي منحتيه إياه ذات ثقة وحب، فإياك أن تسكبين عليه قطرة دمع من دفا عينيك، واصنعي من فعله الآسن شرابا زاكيًا تتصدقين به على لوعة قلبك كلما أطل عليها عظم فعله ليذكرك بمرارة غدره. 

كوني كالبحر، يبتلع في باطنه الآلام والمآسي وأفعال البشر، ثم لا يلبس أن يستعيد رونقه، ويجدد عافيته؛ فيلفظ محتواه الآسن إلى الشاطئ ولا يمس قلبه من الضر شيئًا، وليكن شاطئك الذي تلقين بأحمالك عليه هو سجادة صلاتك ثم قلب أمك، وقبل كل ذلك وطِّني قلبك على التغافل والإعذار حتى تصفو لكِ الدنيا، وتطيب لكِ الحياة، ولا تنسي الفضل، واذكري الخير ولو كان مثقال ذرة، واعلمي أن الأمر العظيم سيمر وسيصغر شأنه بالاعتياد والتكرار ، حتى تتقبلينه بعد ذلك ببرود العالم وجموده، 

لحظة.. ما ذا تقولين أمي، وهل يتكرر الأمر ثانيًا؟ 

أبتسم من روعة صدقها، وبراءة سريرتها، وأحتضن بساطتها بعيني وأنا أتنهد قائلة:

سيتكرر يا ابنتي مرارًا، وستعتادين عليه، حتى يصقل قلبك، ويتعمق فكرك، وترين الأمور من زاوية العارف الحكيم، ودعيني أخبرك سرًا:

أنا نفسي قد حدث معي ذلك.. 

قاطعتها بلهفة، وماذا فعلتِ؟ 

أبتسم في رضا وأنا ألملم شتاتها بعيني قائلة:

لم أفعل شيئًا، ظللت أبكي وأبكي حتى انفطر قلبي، وانشق صدري، وتمزعت روحي، وجف الدمع من عيني، وضاعت مني فرحتي، لكن ما كان يقيمني من عثرتي (إيماني) فأهرع إلى ربي، وأظل أدعو وأرجو، والغريب أني كنت أضمهم في دعواتي؛ لأني أحب، والمحب لا يعرف الهجر لقلبه طريقا، لكن مع تكرار البؤس، وتجدد الخذلان، وهزيمة الفرحة عند مطلع كل فجر، رغمًا عن قلبي ومحبتي أفلتهم من يدي عن رضا واقتناع، وحين تتبدل الأدوار يا ابنتي لن تسلمي من اللوم والأذى، رغم قوة تمسكك وروحك التي نزفت من شدة القبض! وأحيانًا يا ابنتي تصيرين مجبرة على الابتعاد رغمًا عنكِ؛ حتى لا تخسري عافيتك وطمأنينة نفسك وروحك، وحفاظًا على أصول تلك العلاقة من البتر؛ حتى لا تصبح ندبة تعلق بالقلب مثل الشوكة المغروسة بالصوف. 

ولكن خبريني ماذا كنتِ فاعلة لو كان الأمر محنة وليست منحة، ولم تشاطرك إياها تلك الصديقة؟ 

دعيني أتولى أمر الجواب:

لحظتها سيكون الحزن أضعاف، ويكون حزنك لتخليها أكبر من محنتك نفسها؛ لكن قلبك سيسقطها من نبضه للأبد كما سقطت من عينك سالفًا؛ فاحمدي الله حمد الرضا والشكر معًا على كل أقداره، واعلمي أن:

المحب الصادق حاضر دائمًا يا ابنتي في قلبك وأمام عينيك، فلستِ بحاجة لأن تتفقديه في زحمة الحاضرين؛ لأنه بالطبع موجود، هو الأوحد الذي وجوده يغني عن الجميع، وغيابه يُضني ولا يعوضه أحد. 

لا يسرف في الغياب، ولا يتعمد البعد، لأنه لا يحتمل أن يكون اليد التي تغرس نبتة الشك والحيرة في قلبك، ولا يرضى أن يكون موضع خلاف بين قلبك وعقلك، لأن محبته يقين يستحيل أن يساوره شك أو ريب، عتابه محبة تفوح منها رائحة الألم اللذيذ المفعمة بالحب الصادق، وليس تأنيب أو توبيخ، وبعده حال الخلاف قرب شديد، ينضج جنين الشوق على مهل، لينبثق من شرنقة الميلاد حاملًا على ملامحه ألف عمر من الحب.

يا ابنتي.. 

أن يجد الإنسان منّا من تسبق خطاه أنفاسه، حين يشعر بهزيم الحزن على باب رفيقه، فيدفعه عنه بمعيته ووجوده، ويسبح معه في أمواجه حتى يقر ويهدأ، من ينشرح صدره بترانيم الفرح التي تعزف لحنها على عتبات رفيقه؛ فيزيده تألقًا بحضوره، من يأمنه على كله، قوته وضعفه، خيره وشره، كل شئ فيه ونقيضه؛ لهو الفوز العظيم، وجنة الله في أرضه، طوبى لمن كان هذا رزقه، وحسن حياة وأخوة رفقة. 

يااااه يا أمي، وكأنك تقصين عليّ حُلمًا، أو ضربًا من خيال، ليت نصيبي يكون في تلك الجنة.. 

أرأيتِ يا أمي، هنا كل شئ يأنس ويألف بمن يرافقه، حتى تلك الشرفة التي اعتادت علينا، أظنها تتفقدنا في كل لحظه تحول بيننا وبينها مشاغل الحياة، أو يخيم على سورها الغياب، وتلك الزهور التي تغمرنا بألوانها الساحرة، وعطورها الفواحة لم تكن تخلو من الونس والألفة، لكنها أيضًا ألِفت صحبتنا، واشتاقتنا لنسقيها الوله ريًا وشفاءً؛ لما ألمّ بها من أرق وسهاد وظمأ، بسبب طول المسافة التي قطعها الانتظار داخل إحساسها، هنا كل شئ يثير الحب وينبض بالحياة، وكأن تلك الشرفة ـ التي يظنها الجاهلون بالحِس جمادًا ـ ملتقى الأحبة، والشاهد الحاضر على حكاياهم، والمنصت الوفي إليهم، والقلب الدافئ الذي يأوي جمعهم، ويوحد فرقتهم، ويحتضن أسمارهم، ويسندون وجعهم على سورها الصامت، يبثونه الشوق، ويتبادلون أطراف السمر، وينهلون كاسات الوصل التي تمرق خلسة من ثقوب المحن وشدة الأيام.. 

أخبريني يا أمي، أهكذا يكون الإنسان؟ 

نكأت جرحي دون قصدٍ، وأشعلت بداخلي رماد الذكريات، الذي أخمدته لطائف الدهر، ضممتها إلى حضني بقوة؛ عساها تجد الأمان داخل متاهات صدري، أمسح على جسدها بحنان هادر، وأنا أتنهد قائلة:

يا ابنتي.. 

جُبل الإنسان على الحاجة والرغبة في الأنس والونس، ومن يدثر رجفته بدفء معيته، ويزمل وحشته في صحراء الدنيا باحتوائه ووجوده، 

لكن اعلمي حبيبتي أن:

 المحب الصادق يرى همِّك إزاحة لهمومه، وليس إضافة؛ فاختاري على أي صدرٍ تُفرغين ألمك. وعلى أي بابٍ تسكبين لوعتك؛ فالنفوس صنوف وألوان، وما يشتهيه القلب نادر ندرة الماء في الأرض الخراب. لكل منّا نصيبه وحظه من الألم على اختلافه، وتنوعه، وتقاربه، وتساويه، وعلى قدر طاقته ووسِعه الذي قدره الله له، لكن يتفاوت الجميع في درجة الإيمان واليقين، فلا يعتريكِ الأسى على بابٍ أغلق قلبه في وجه حزنك لاهيًا، ضنينًا بكلمة جبر، كمثلِ الذي قطع مسافة لا بأس بها من الرهق؛ سائلًا باسم الله الذي أتى به إلى ذاك الباب الموصد، فقيل له والوجه يقطر تجهمًا وعبوسًا: اذهب الى الله، فالحقوق كثيرة، والأوجاع ثرثارة، ولا مأوى لك ها هنا!

خذي الناس جمعيهم بفطرة الظن الحسن التي صبغ الله بها قلبك؛ لأجلكِ أنتِ، حتى لا تأكل نار الحزن قلبك، أو تغلي بذور الحيرة في عقلك بعدما رُويت بماء الظن وإثمه.

كالشمس كوني، ملكة متوجة على عرش الأفق، تمدُّ العالمين بالدفء، والسكينة، والونس، والحياة، فإذا قضى الكون منها ما يعينه على الحياة، ويقيم اتزانه، ويشد أزره، غاصت في حضن الأفق؛ تسبح بحمد ربها، وتبثه نجواها، وتسأله النجاة.

كالقمر كوني، بعيدة في أقصى المدى.. قريبة قرب الوتين، تشق بنورها الثاقب ظلمة الليل وعتمة الحياة، فإذا فاح البر من طِيب أثرها على العالم، عانقت ملامحه ببسمة رائقة ثم تولت إلى الظل لا يشعر بحسيس خطاها أحد. 

يا ابنتي

جاهدي قلبك ونفسك، وتخلصي من عوالق الدنيا وعوائق الحياة؛ كي تنبض نبتة الإيثار بقلبك وتترعرع بعد أن ترويها بسقيا الإحسان، فتتغير نظرتك للأمور، ويصبح قلبك مأوى أرحب، ومتسع أرحم بالجميع. والنفس البشرية إذا أوغلتِ في أغوارها دون ارتكاز على أصول الإيمان والعقيدة؛ صرتِ كمن ولج أرض العذاب، فحرمت عليه الطمأنينة والهداية أربعين سنة من تيه؛ فاسلكي سبيل ربك والإيمان قبلتك، واعلمي أن النفس واد شاسع لا بداية له ولا منتهى، يجمع بين كل شئ ونقيضه، الخير والشر فيه يتسابقان، منا من يغلب خيره شره فينجو، ومنا من يطغى شره على بذرة الخير التي غرست فيه ويقتلعها من جذورها إلى ما شاء الله، فإن شاء تاب عليه وأبدل شره خير وبركات، وإن شاء تركه لنفسه؛ فكوني أرحم بقلبك وبغيرك والتمسي الأعذار، ليست تلك الأعذار المختلقة التي يختلقها البشر، أو تلك المنتزعة من صدورهم عنوةً بل اعذري فيهم (الآدمية) وكوني إنسانة، وتجردي من حظوظ نفسك ما استطعت إلى ذلك سبيلا، وتدبري الأثر حين آخى الرسول الأعظم بين المهاجرين والأنصار، فضربوا لنا أروع المثل في الأخوة الصادقة التي كانت أقوى من أخوة الرحم، لأنها أسست على العقيدة والإيمان الذي لايشوبه زيف؛ فأذابت الجلاميد، والعصبية، وأسقطت الفوارق إلا فارق الإيمان والعمل الصالح

يقول عبد الرحمن بن عوف ـ رضي الله عنه ـ عما وصلت إليه هذه المؤاخاة "لَمَّا قَدِمْنا المَدِينَةَ آخَى رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بَيْنِي وبيْنَ سَعْدِ بنِ الرَّبِيعِ، فقالَ سَعْدُ بنُ الرَّبِيعِ: إنِّي أكْثَرُ الأنْصارِ مالًا، فأَقْسِمُ لكَ نِصْفَ مالِي، وانْظُرْ أيَّ زَوْجَتَيَّ هَوِيتَ نَزَلْتُ لكَ عَنْها، فإذا حَلَّتْ تَزَوَّجْتَها. قالَ: فقالَ له عبدُ الرَّحْمَنِ: لا حاجَةَ لي في ذلكَ، هلْ مِن سُوقٍ فيه تِجارَةٌ؟ قالَ: سُوقُ قَيْنُقاعٍ. قالَ: فَغَدا إلَيْهِ عبدُ الرَّحْمَنِ، فأتَى بأَقِطٍ وسَمْنٍ، قالَ: ثُمَّ تابَعَ الغُدُوَّ، فَما لَبِثَ أنْ جاءَ عبدُ الرَّحْمَنِ عليه أثَرُ صُفْرَةٍ، فقالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: تَزَوَّجْتَ؟ قالَ: نَعَمْ، قالَ: ومَنْ؟ قالَ: امْرَأَةً مِنَ الأنْصارِ، قالَ: كَمْ سُقْتَ؟ قالَ: زِنَةَ نَواةٍ مِن ذَهَبٍ -أوْ نَواةً مِن ذَهَبٍ-، فقالَ له النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أوْلِمْ ولو بِشاةٍ"

فنقي قلبك بالإيمان يا ابنتي، وتعهديه بالإحسان، ولا تدعي نبتة الحزن تكبر وتترعرع فيه؛ فتقضي على حياته وتطفئ جذوته، وكوني من الصادقين ومع الصادقين حبيبتي 

واعلمي حبيبتي أن 

قلبًا أُسِس بنيانه على الصدق من أول نبضة، منذ أن كان جنينًا في عالم اللطف يكبر على عين ربه، لحقٌ أن تُقام فيه شعائر الحب وتُعَظَّم تفاصيله، وتوطد بميثاق الصلة، لا يقيم به إلا مؤتمن، ولا يدخله أحد إلا كان آمنًا، ولا يقصده متعبدًا بالحب إلا وحلت به الرهبة والرغبة في الإقامة بحرمه دون رحيل، وغشيته السكينة وطافت به الرحمة، وكأنه على مقربة من الفردوس، يشتم عبيره الفواح، ويتضلع من زمزم الحب ريًا وشفاء.

وليكن هكذا قلبك يا ابنتي، قلبًا قاصر الطرف، عزيزًا، ينبض بنور الوحي، ويشرق بتعاليم رب السماء، يقصده العالمين؛ ليتزودوا منه بالإنسانية، ويتعلموا ماهية المحبة، وحدود الصلة، ومعنى الحياة، عطّاءً أبيّ، وطن يُسعى إليه بالقلب والروح، ولا يسكنه إلا الصادقين

 

#زينات_مطاوع

التعليقات علي الموضوع
لا تعليقات
المتواجدون حالياً

262 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع