arhery heros center logo v2

           من منصة تاميكوم 

آخر المواضيع

  • أنواع النكاح في الجاهلية | 21-07-2024
  • المطبات الجوية و أنواعها | 11-07-2024
  • أنواع و وظيفة المراقبين الجويين للطائرات | 26-06-2024
  • كيف يتفادى الطيار المُقاتل الصواريخ جو/جو ؟؟!! | 24-06-2024
  • الحب يروي الحياة .. قصص حب | 17-06-2024
  • الفرق بين ليلة القدر ويوم عرفه؟ ! | 14-06-2024
  • معنى : "الآشيه معدن"  | 13-06-2024
  • الإعجاز في "فَالْتَقَمَهُ الحوت" .. و النظام الغذائي للحوت الأزرق | 21-05-2024
  • إعجاز (لنتوفينك) في القرآن .. هل هو صدفة ؟! | 19-05-2024
  • من قصيدة: شرايين تاجية | 15-05-2024
  • معجزة بصمة كل سورة في القرآن الكريم | 12-05-2024
  • كفكف دموعك وانسحب يا عنترة | 08-05-2024
  • الفارق بين الطيار المدني و الطيار الحربي | 02-05-2024
  • لماذا لا تسقط الطائرة أثناء الإقلاع ؟ | 21-04-2024
  • الجذور التاريخية لبعض الأطعمة المصرية....لقمة القاضي إنموذجاً | 25-03-2024
  • قصة مثل ... الكلاب تعوي والقافلة تسير | 25-03-2024
  • من هم الأساطير و من هو الأسطورة ؟ | 23-03-2024
  • قوانين العقل الباطن | 21-03-2024
  • نبذة عن مكابح الطائرة بوينج 787 | 20-03-2024
  • كيف تمنع ظهور محتوى اباحي و جنسي حساس 18+ على الفيسبوك بسهولة | 08-03-2024
  1. الرئيسية
  2. بريد الجمعة
  3. .. أرض الأوهام ! .. بريد الجمعة

 

ما أقسى الحياة عندما يغيب عنك أحباؤك، وأقرب الناس إليك، وهم قد يغيبون بأجسادهم، فيذهبون بعيدا، ولا تسمع لهم صوتا، ولا تعرف لهم مكانا، وقد يكونون إلى جوارك، بل ويعيشون معك فى المنزل نفسه، لكنهم أيضا لا يبالون بك، ولا يهتمون بأمرك بعد أن جرفتهم مشاغلهم وأنانيتهم بمن يشاركونهم حياتهم، وأروى لك قصتى منذ البداية، فأنا سيدة فى سن الرابعة والخمسين، نشأت فى القاهرة بمنطقة شعبية، ولم أكمل تعليمى، إذ توقفت فى الدراسة عند الشهادة الاعدادية، ولى خالة فى إحدى قرى الصعيد أنجبت ولدا وبنتين، وكانوا يترددون علينا باستمرار، وخلال زياراتهم لنا كنا نجتمع معا، ونلت إعجاب ابن خالتى، فحاول أن يحدثنى عن حبه لى، فلم أهتم بما يقوله، وشيئا فشيئا عرف أننى لا أحبه، ومع ذلك صمم على الزواج منى، وفاتحت أمه والدتى فرحبت به، ولم أعترض، وكان عمرى وقتها عشرين عاما، ووجدتنى أنساق إلى منزلهم بالصعيد، وأنا مسلوبة الإرادة، ومنذ الليلة الأولى لزفافنا عانيت الأمرين من خالتى التى ترى فى قرارة نفسها أننى خطفت ابنها الوحيد على بنتين، مع أننا نسكن فى البيت نفسه، مع انها فى مقام أمى. والبى لها كل ما تطلبه منى، وبذلت كل ما أستطيع من جهد لكى أرضيها، ولكن هيهات أن أفلح فى نزع هذا الاعتقاد الخاطئ من صدرها، ومضت حياتنا على هذا النحو، وأنا لا أملك ازاءه حيلة.

 

أما عن حياتى الزوجية، فقد تحولت إلى كابوس آخر، حيث زوجى لا يهتم بى، ولا يبالى بأمرى، ولا يوجد أى حوار بيننا، وكل ما يفكر فيه هو «العلاقة الخاصة»، ولاشئ غيرها، وتوالت الأعوام، وأنجبت خمسة أبناء، ثلاثة أولاد وبنتين، وكنت أجد ضالتى عند أهلى فى القاهرة، كلما اشتد الشجار بينى وبين حماتى، وكنت آخذ أبنائى معى أحيانا، وعندما يضيق صدرى، وتسود الدنيا فى عينى أتركهم مع جدتهم، وأذهب إلى أبى وأمى باكية، وأقضى معهما بضعة أيام، ثم أعود إلى العذاب من جديد!وتفوق ابنى محمد فى دراسته وفرحت به كثيرا، ووجدت فيه تعويضا لى عن عدم استكمالى دراستى، وكان يقرأ دائما فى كل المعارف والعلوم حتى صارت ثقافته واسعة، برغم صغر سنه، ولاحظ مدرسوه ذلك منذ المرحلة الأولى الابتدائية فى القرية التى نقطن بها، فزادوا اهتمامهم به، واشتهر بصوته الجميل فى تلاوة القرآن الكريم، فى طابور الصباح بمدرسته، ونال المركز الأول فى أنشطة كثيرة بإذاعة المدرسة، وفى الترتيب العام للشهادتين الابتدائية والاعدادية، وفى الثانوية العامة «نظام السنتين» الذى كان مطبقا من قبل، حصل فى السنة الأولى على مجموع ثمانية وتسعين فى المائة «علمى» بدون أن يأخذ دروسا خصوصية، أو مساعدة من أحد.. أما فى السنة الثانية فقد أدى امتحان اللغة العربية فقط، وحاولنا أن نعرف السبب منه، لكنه لم يتكلم، ولم يستطع أبوه ولا أنا ولا مدرسوه أن يثنوه عن موقفه، وأعاد السنة وحصل على خمسة وتسعين فى المائة من شعبة العلوم، ولكن هذا المجموع لم يؤهله لدخول كلية الطب التى كان أبوه يريده أن يلتحق بها، وقد دخل شعبة العلوم بناء على رغبته، بينما رغبته الحقيقية هى أن يدرس الهندسة التى يحبها ويرى فيها مستقبله، ولكن الرياح أتت بما لم يكن فى الحسبان، إذ اختار له مكتب التنسيق حسب ترتيب رغباته كلية العلوم.. لكننا رفضنا إلحاقه بها، لأن مجموعه كبير، ويمكنه أن يلتحق بكلية أفضل!.. وهنا قام بتحويل أوراقه إلى كلية الألسن بجامعة عين شمس، لكنه لم يكمل العام الجامعى، وساءت حالته النفسية، فأشار عليه والده بالالتحاق بكلية الطب البيطرى بمحافظة أسيوط، فوافق ابنى على مضض، ولم ينجح فى السنة الأولى، فأعاد السنة ونجح «بالعافية»، وفى السنة الثانية امتنع عن الذهاب إلى الكلية معظم الأيام، ورسب فى الترم الأول فى مادتين، ولم يكن باستطاعتنا تسديد المصروفات الدراسية له، فذهبت إلى شئون الطلبة، وشرحت للمديرة ظروفنا، فزوجى مشرف زراعى، ومرتبه بسيط، ومن الواضح أن إبنى أصبح فى حاجة إلى العلاج النفسى، بعد أن رفض استكمال تعليمه، وطلبت منها أن تساعدنا، والحقيقة أن موقفها كان شهما، ودفعت المصروفات المتراكمة من جيبها الخاص، وشكرتها على موقفها الرائع، وقدمنا إعتذارا لمحمد عن الامتحان فى ذلك العام، وعرفناه على طبيب نفسى فأكد لنا إصابته ب«الفصام العقلى»، وأنه يحتاج إلى علاج طويل المدى، وذهبنا به إلى مستشفى للصحة النفسية، وظل به خمسة وأربعين يوما، ثم تابع العلاج مع طبيب نفسى فى أسيوط، وتطورت حالته بشكل غريب، وزاد من حدتها ما يراه من شجارات بينى وبين أبيه وجدته، وكثيرا ما كان يقول «حرام عليكم»، وبلغت أموره إلى حد غير معقول بأن أشعل النار فى ملابسى، وأمسكنا به قبل أن يشعلها فى ملابس أبيه، وذات مرة حاول أن يقتلنى، ولولا عناية الله ورحمته، ما نجوت منه.وعشت الأمرين بين أبى وأمى من جهة، وزوجى وحماتى من جهة أخرى، فإذا غضبت أو أردت أن التقط أنفاسى، وأخذت أولادى معى إلى أهلى طلبا للراحة لبعض الوقت فى القاهرة، يتشاجر أبى مع أمى ويقول لها: «جاية ومعاها ولادها».. وعندما أتركهم مع أبيهم يبث السم فيهم، لدرجة أنهم جميعا يكرهوننا، والمحزن حقا أنه كان يقول لهم: «أمكم بتكرهكم، وبتحب إخوتها أكتر منكم»، وأحيانا كان يقول: «أمكم بتعمل حاجات غلط فى مصر».. يقصد القاهرة التى يطلقون عليها اسم «مصر».. ويقول ذلك لأنه يعلم أننى لا أحبه. وإن حافظت على حياتى معه على مدى ثلاثين عاما من أجل الأولاد، ويعلم الله اننى لم يمسسنى أحد غير زوجى، وما كنت لأرتكب هذه الخطيئة أبدا، ويكفينى رضا الله عنى.وقد تسألنى: ولماذا تتركين بيت زوجك كثيرا، وتفضلين أن تكونى فى بيت أهلك، فأقول لك: إن زوجى بخيل جدا. وكل همه هو أن يأخذ منى غرضه لا أكثر، لا أذكر أنه أعطانى «مصروف يد» ذات يوم، وحتى ملابس الأعياد، نتشاجر بسببها، ولا يريد أن يفهم أن الأولاد لابد أن يفرحوا مثل غيرهم من أبناء الجيران، بل إنه كان يتطاول علىّ ويسبنى، ويضربنى أمامهم، ومازالت هذه حالنا إلى الآن.

 

وأعود إلى ابنى محمد الذى صار شغلى الشاغل، فلقد ظل ست سنوات فى السنة الثانية بالطب البيطرى، وكنت أقدم له اعذارا مرضية عسى أن يعود الى دراسته، ثم إنتهى به المطاف إلى أن توقف تماما عن الدراسة بعد تفاقم حالته المرضية وأصبح يعيش فى الشارع شهرين، ويعود الى البيت شهرين ويفعل ذلك من تلقاء نفسه، ولم يكن باستطاعتنا حبسه فى البيت إلى أن خرج فى الثامن عشر من نوفمبر عام 2013، ولم يعد حتى الآن، وبذلنا أقصى ما فى وسعنا للوصول إليه، فلم نعرف له مكانا، وجاءنا كثيرون ممن يعرفونه بالقرية وقال لنا بعضهم أنهم رأوه عند نادى السكة الحديد، وقال آخرون إنهم رأوه عند جامعة الأزهر، وكنا فى كل مرة نسرع الذهاب إليه، فلا نجده، وهكذا صار من «أولاد الشوارع»، وما دعانى إلى أن أكتب اليك هذه الرسالة هو أن يعرف كل أب، وكل أم أن المشكلات الزوجية تنعكس بالسلب على أبنائهم فيكونون ضحايا للخلافات والشجارات التى قد تكون لأتفه الأسباب.. والمؤسف أن زوجى بعد كل ما جرى لم يتعلم الدرس، وكلما طلبت منه مصروف يد ولو بضعة جنيهات يرد علىّ بشكل حاد «إنت عينك عمياء، مش شايفة اللى بيتصرف على الأولاد» فأنا عالة عليه!

 

إننى أسيرة المنزل لا أغادره، وليست بيدى حيلة، ولقد رحلت حماتى عن الحياة، وبقيت فى مواجهته ليل نهار، وقد أكمل إبنى الأكبر محمد ثلاثين عاما هذا الشهر، وهو غائب عنا، ويليه شقيقه، وهو حاصل على مؤهل فوق المتوسط، والباقون منهم من حصل على ليسانس الآداب، ومن يدرس الآثار، ومنهم مازال فى الشهادة الاعدادية، وصار نظرى ضعيفا من كثرة البكاء، والهموم، وأنا حبيسة الجدران، ولا أرى الشارع، فزوجى هو الذى يشترى لوازم البيت وكل شئ من السوق، ويقول لى «مش كفاية بتاكلى وتشربى، هتعملى إليه بمصروف إيدك.. ووصل بى الأمر وأنا فى هذه السن إلى التفكير فى أن أترك بيتى، وأذهب إلى القاهرة لكى أعمل ويكون لى دخل أصرف منه على علاجى بعد أن تعبت من كل شىء، ولا أحد يسمعنى ،ليس معنى ذلك اننى سأبيع زوجى وأولادى.. كل ما فى الأمر أن يكون لى مصدر دخل، فلا ألجأ إليه، وكفانى ذلا منه، لكن على الناحية الأخرى مهمومة بمشكلة كبرى يواجهها ولا يجد منها مخرجا، وربما لو وجدت حلا يلين لى جانبه، ويتخلى عن بخله الشديد معى، فلقد ورث عن أبيه ميراثا كبيرا، وأراد أن يستثمره فى أى مشروع فباعه، واشترى أرضا فى «الخط الأخضر» بمدينة السادات فى ديسمبر عام 2013. وبدأ الزراعة فيها، وكانت عقود الشراء من الأهالى واضعى اليد عليها ومن يطلقون عليم «العرب» وكل من اشتروا أرضا بجوارنا حصلوا عليها بالطريقة نفسها، وبينهم من يحتلون مناصب مهمة فى الدولة، وفجأة ولأسباب لا نعلمها، أخذت الدولة الأرض وأزالت كل ما فيها من زراعات، بحجة أنها لا تصلح للزراعة، وكان ذلك فى فبراير الماضى، ثم تردد أن هذه الأرض سوف تعود إلى «العرب» واضعى اليد عليها، ولا أدرى كيف سيتم هذا؟.. ربما يكون كلامى غريبا لكنه الحقيقة كما حدثت. وأريد أن أعرف مصير الأموال التى دفعها زوجى، ولا يملك من الدنيا غيرها، وقد بخل علىّ بأى مبلغ ولو بسيطا، وفضل أن يضع كل ميراثه فى قطعة أرض ذهبت أدراج الرياح، فهل يتدخل وزير الزراعة لحل هذه المشكلة.. وهل يسمعنا رئيس مجلس الوزراء، ويعيد إلينا حقوقنا الضائعة؟

 

إننى أعيش حالة إضطراب شديدة، وأفكر فى كل شئ، تارة تجدنى أفكر فى أمرى، وتارة أسأل: أىن إبنى؟.. وتارة ثالثة لا أتخيل أن تضيع الأرض من زوجى، ونظل على حالتنا المادية الصعبة، لدرجة أنه يحرمنى من اثنين أو ثلاثة جنيهات يوميا كمصروف يد، وليت منظمات حقوق المرأة، تتبنى فكرة صرف معاش للسيدات فوق سن الخمسين لكى يواجهن به متطلباتهن الحياتية، وليت الحكومة تجمع «أولاد الشوارع» فى مكان معروف، بحيث يكونون تحت الرقابة ولا ينجرفون وراء العصابات الاجرامية والإرهابية، لأن هؤلاء المتشردين من السهل استقطابهم، واستخدامهم فى أعمال البلطجة والارهاب، وأرجو أن تشير علىّ بما يمكن أن أفعله لكى أحيا ما تبقى لى من عمر هادئة البال مطمئنة النفس بعد كل ما جرى ومازال يجرى لى.

 

ولكاتبة هذه الرسالة أقول:

 

آه من النظرة الضيقة للأمور التى سيطرت عليكم، فحجبت عنكم الرؤية الثاقبة، وأوصلتكم إلى ما أنتم فيه من حيرة وقلق واضطراب، فزوجك حين أصر على الارتباط بك برغم علمه أنك لا تحبينه، ارتكب خطأ كبيرا، سوف يحصد سلبياته مدى الحياة.واذا كان الأهل قد أرغموك على الزواج منه، وتحقق له ما أراد، فإنه لم يستطع أن يصل إلى قلبك طوال أربعة وثلاثين عاما هى عمر زواجكما حتى الآن، ولا أظنه سوف ينال حبك بعد ما جرى من شجار وضغط لأسباب تافهة، إذ ماذا كان سيضيره لو أعطاك مصروفا بسيطا مثل أى ابن من أبنائه، وأنت التى تسهرين على راحتهم، ولا تؤخرين طلبا لأبويه، ولم تقفى من خالتك رحمها الله موقف عناد وفقا لما ورد فى رسالتك.. ألا يدرك أن التصرف الأحمق لو تداركه لكان وحده كفيلا بأن يجعلك تعيدين النظر فى علاقتك به، وتقربين المسافات بينكما؟.. أما أنت فلقد بنيت حياتك معه على أساس أنه انتزعك وأخذك رغما عنك، وكان بإمكانك منذ البداية أن تصرى على عدم الزواج منه، ولو فعلت ذلك لتراجع أبواك عن تزويجك له، لكنك كتمت هذا السر داخلك، واكتفيت بأنه يعلم بأنك لا تريدينه، وبالتالى يجب ألا يقدم على هذه الخطوة، إذ ليس هناك عاقل يقبل على الزواج ممن لا ترغب فى الحياة معه، فكلاكما أخطأ فى هذه الزيجة، فحتى وان لم ترتكبى ما يمس شرفك، وحافظت على نفسك، فإن حياتك معه مضت على نحو غير مستقر، وتركت داخل كل منكما جراحا نفسية خطيرة يصعب الشفاء منها فى هذه المرحلة من العمر.

 

وكان طبيعيا أن تنعكس النظرة القاصرة الى الحياة، على الأبناء، فبرغم أن ابنكما الأكبر كان يريد الالتحاق بكلية الهندسة، وحصل فى السنة الأولى للثانوية العامة نظام السنتين، على مجموع يضمن له دخولها وبغير أن يلتحق بأى دروس خصوصية، إلا أن اباه أصر على أن يدخل شعبة العلوم لكى يدخل كلية الطب، وهذه جريمة فى حق ابنكما كانت وحدها كفيلة بأن تطيح بأحلامه وأمانيه، فمن ناحية هو غير راغب فى الدراسة بهذا المجال، ومن ناحية أخرى فإن إمكاناتكم المادية وقتها، لم تكن تتحمل المصاريف الباهظة لهذه الكليات، بدليل أنك ذهبت الى مديرة شئون الطلبة التى ساعدتكم بدفع المصروفات له طوال السنوات التى أمضاها بالكلية، والاعتذارات المتكررة عن الامتحان لمرضه، وعندما تهيأت لزوجك الأوضاع المادية المستقرة لم يفكر فى تحسين مستوى معيشتكم، واشترى بما ورثه عن أبيه أرضا ليس عن طريق الدولة، ولكن من خلال من يضعون أيديهم على بعض المناطق من البدو، أو من سميتهم «عربين»، ثم تلقين باللائمة على الدولة التى قطعت المزروعات، وأعادت الأرض الى البدو.. وليس معنى أن هناك من اشتروا بهذه الطريقة أنهم على حق، وإنما يعنى أنكم تنجرفون وراء الأوهام، وتصدقون كل ما يقال لكم..

 

وامتد التخبط الى أبويك، فوالدك يعنفك كلما زرتيه ومعك أولادك، وبالتالى ترسبت فى أعماقهم الكراهية تجاه كل من لك صلة بهم، كما عايشوا موقف أبيهم وأمه منك، ولا أدرى كيف يرهبك بتهمة ارتكاب «حاجات غلط» على حد تعبيره، وفى الوقت نفسه يبقى عليك زوجة له؟ فالرجل عندما يعلم أن زوجته وقعت فى الخطيئة لا يدعها على ذمته لحظة واحدة بعد ذلك، مهما بلغت درجة حبه لها؟.. فإذا كان ما يقوله نوعا من التعنيف، فبئس ما فعل.إن هناك أسبابا كثيرة وراء الأزمات التى تصيب بعض الأسر، فمن الأسباب العاطفية غياب الحب والغيرة الشديدة، والشك، والرغبة فى التملك التى تدفع «الطرف المتملك» الى خنق الطرف الآخر، حيث يحوطه من كل جانب ويشل حركته، ويمنعه من التواصل مع غيره من المحيطين به، وأعتقد أن زوجك من هذا النوع، فالأمر فى نظرى أنه لا يعطيك مصروفا، لكى لا تغادرى المنزل أبدا، وتظلى تحت بصره!، ومن الأسباب العائلية التدخل المفرط من الأهل، وكان واضحا منذ البداية سواء من أهلك أو أهله، وهذا التدخل ساهم فى انتهاك الخصوصية بينكما، وسممها بأفكار واتجاهات متضاربة، بعضها حسن النية، والبعض الآخر سيئ النية، وغابت عنكما أيضا الأسباب الدينية من قداسة العلاقة الزوجية، والقدرة على التسامح، والنشوز وعصيان كل منكما للآخر، وسوء استغلال القوامة من جانبه، حيث رآها تحكما واستعبادا، وانتقاصا من حريتك، فى حين أن القوامة بمفهومها الصحيح هى قيادة حكيمة ورعاية مسئولة.. وأما عن الأسباب الاقتصادية، فلقد كانت الضغوط المادية الخانقة عبارة عن حلقات من الشقاء والمعاناة التى كان من الصعب معها الإحساس بالمشاعر الرقيقة، كما أن غنى زوجك بعد الفقر الشديد قد أصابه بحالة من عدم التوازن النفسي، فزاد تخبطه فى الحياة.وأرى والحال كذلك، أن تسارعا الى رأب الصدع الذى تتسع هوته بمرور السنين، وتسعيا قدر جهدكما للوصول الى ابنكما الأكبر محمد، وتواصلا علاجه فى مستشفى للأمراض النفسية، وسوف أتواصل مع أطباء الخير لرعايته بعد أن تصلوا الى مكانه قريبا بإذن الله، وأن تتعاونوا جميعا لاسترداد ثمن الأرض ممن دفعتموه لهم، حتى لو اقتضى الأمر اللجوء الى القضاء، وأحسب أن الحكومة ووزير الزراعة، والجهات المسئولة سوف يتحركون لبحث هذه القضية الخطيرة التى لا تتعلق بكم فقط، وانما تمتد آثارها السلبية الى أسر عديدة، دفعت شقاء السنين فى «أرض الأوهام».

 

وأرجو أن تتجنبا استخدام أبنائكما كأدوات فى الصراع بينكما أو ضغط أحدكما على الآخر، والتنبه للتدخلات العائلية المنحازة لطرف ضد طرف، والكف عن الانتقاد واللوم المتبادل، واننى على يقين اذا فعلتما ذلك سوف تصلان معا الى اسلوب جديد لحياة مختلفة، فنفس الانسان تعطيه من الهمة بقدر عزيمته واخلاصه، وإياك واليأس، ففقدان الأمل يصد النفس، ويجعلها فى سجن مظلم، وما أجمل وأعظم أن يكون المرء مصدر خير وأن تكون نفسه شمسا مشعة للضوء والحب والخير، وأن يكون قلبه مملوء عطفا وبرا وإنسانية لمن حوله، فما بالنا لو كان الزوج أو الزوجة ونصف كل منهما الآخر.. ولا تحزنى ولا تيأسي، فلقد جربتما فلم ينفعاك شيئا.. يقول الشاعر:

 

سهرت أعين ونامت عيون

 

فى شئون تكون أو لا تكون

 

فدع الهم ما استطعت

 

فحملانك الهموم جنون

 

إن ربا كفاك ما كان بالأمس

 

سيكفيك فى غد ما يكون

 

وأتذكر الحديث القدسى الذى يقول فيه رب العزة «أنا عند ظن عبدى بي، فليظن بى ما يشاء»، فأحسنى الظن بالله، وسوف يرتاح بالك وتطمئن نفسك، وسوف تتفتح لكم أبواب الفرج بمشيئته عز وجل.

لا تعليقات