arhery heros center logo v2

           من منصة تاميكوم 

آخر المواضيع

  • أنواع النكاح في الجاهلية | 21-07-2024
  • المطبات الجوية و أنواعها | 11-07-2024
  • أنواع و وظيفة المراقبين الجويين للطائرات | 26-06-2024
  • كيف يتفادى الطيار المُقاتل الصواريخ جو/جو ؟؟!! | 24-06-2024
  • الحب يروي الحياة .. قصص حب | 17-06-2024
  • الفرق بين ليلة القدر ويوم عرفه؟ ! | 14-06-2024
  • معنى : "الآشيه معدن"  | 13-06-2024
  • الإعجاز في "فَالْتَقَمَهُ الحوت" .. و النظام الغذائي للحوت الأزرق | 21-05-2024
  • إعجاز (لنتوفينك) في القرآن .. هل هو صدفة ؟! | 19-05-2024
  • من قصيدة: شرايين تاجية | 15-05-2024
  • معجزة بصمة كل سورة في القرآن الكريم | 12-05-2024
  • كفكف دموعك وانسحب يا عنترة | 08-05-2024
  • الفارق بين الطيار المدني و الطيار الحربي | 02-05-2024
  • لماذا لا تسقط الطائرة أثناء الإقلاع ؟ | 21-04-2024
  • الجذور التاريخية لبعض الأطعمة المصرية....لقمة القاضي إنموذجاً | 25-03-2024
  • قصة مثل ... الكلاب تعوي والقافلة تسير | 25-03-2024
  • من هم الأساطير و من هو الأسطورة ؟ | 23-03-2024
  • قوانين العقل الباطن | 21-03-2024
  • نبذة عن مكابح الطائرة بوينج 787 | 20-03-2024
  • كيف تمنع ظهور محتوى اباحي و جنسي حساس 18+ على الفيسبوك بسهولة | 08-03-2024
  1. الرئيسية
  2. بريد الجمعة
  3. نظرات الانكسار - بريد الجمعة - 9/5/2014

أكتب اليك قاصدا بابك بعد أن وجدتنى وأنا فى سن التاسعة عشرة أكره حياتى التى لم تبدأ بعد، وأرى الظلام فى كل مكان أذهب إليه، فكلما سرت فى طريق واجهتنى عراقيل وعقبات، حتى اننى تمنيت أن أموت خلاصا من المرارة واليأس والاحباط، وسأروى لك قصتى من البداية، حيث أنتمي إلى عائلة معروفة لأبوين تخرجا فى الجامعة، وأشقاء تزوج بعضهم، ومازلت أنا وشقيقتى التى تكبرنى بعدة سنوات نصارع أمواج الحياة أملا فى النجاة.



لقد عاش أبى حياته مثابرا ومكافحا، وتفوق فى دراسته، وعقب تخرجه سافر الى دولة خليجية، وعمل بها لفترة، ثم انتقل الى دولة أخرى، وترقى من منصب إلى آخر، وخصص نصف راتبه لرعاية أسرته، وتوفير متطلباتها المعيشية، وكان يدخر النصف الثانى، وكلما تجمع لديه مبلغ أسهم به فى تزويج إحدى شقيقاته، وحرص على تعليم إخوته جميعا، وكان يقول لهم إنه لن ينسى معاناة أبيه من أجله، ولن يتخلى عنهم أبدا، وأدى بالفعل رسالته تجاههم، وأتم مهمته بنجاح، وارتاح ضميره، ونال «جائزة السماء» جزاء صنيعه، فأسند إليه صاحب الشركة الخليجى منصبا كبيرا، وغاب عاما كاملا عن مصر، ثم عاد إلى أسرته وفاتح أبويه فى الزواج، فأشارا عليه بفتاة تصغره ببضع سنين، وكانت وقتها قد تخرجت فى الجامعة، واصطحب أبوه عددا من افراد العائلة، وطرقوا باب أسرتها، وكانت نصيبه فى الحياة فتزوجها، وبعدها سافرا الى الخارج معا، وبدأ أبى مرحلة جديدة فى مشواره بالغربة، وعمل بكل همة ونشاط، وواصل الليل بالنهار، ومرت سنوات طويلة من الصبر والكفاح لم يذق فيها طعم الراحة، وانجب عددا من الإبناء أنا واحد منهم، وحققنا تفوقا ملحوظا فى التعليم، وساعدنا على ذلك، ما وفره لنا من حياة مرفهة حسدنا عليها الأقارب والمعارف، ووسّع أبى نشاطه فاشترى قطع أراض فى مناطق متميزة. ومنزلا مكونا من عدة طوابق، بالاضافة الى شقة فاخرة نسكن فيها، وسيارة فارهة، واستثمر باقى أمواله فى عدد من المشروعات بمجالات متنوعة، وقبل أن يحصد ثمار ما زرعه تدهورت أحوال مصر الاقتصادية، وانعكس الوضع المتردي فى البلاد عليه، فتراجع انتاج مشروعاته شيئا فشيئا، حتى أفلست تباعا واحدا وراء الآخر، ولم يعد هناك دخل، فاتجه الى المدخرات لتلبية متطلبات المعيشة اليومية، ومع صعوبة الظروف التى واجهناها، وغلاء الاسعار ضاقت بنا الحياة، وعجز ابى عن الانفاق علينا، ووصلت به الأمور الى طريق مسدود، فأصبح لا يملك شيئا بعد أن كان من رجال الأعمال الذين يشار اليهم بالبنان، ووجد نفسه وقد تخطى سن الستين بلا مورد رزق، وفشلت جميع محاولاته فى الوصول الى جهة تستفيد من خبرته الطويلة، وأوصدت كل أبواب العمل فى وجهه، ولك أن تتخيل حال أسرة تقضى أياما بلا طعام ولا نقود للمصاريف العادية والضرورية، إنه شئ لا يصدقه عقل، ولو أنى شاهدت عملا دراميا بهذا المعنى لاتهمت المؤلف بخياله الواسع.. وازاء هذه الظروف الحالكة، لم يجد ابى حلا سوى الاقتراض من البنوك، وعرف اعمامى بأحوالنا فتجاهلونا، وتناسوا ما فعله شقيقهم من أجلهم، ووصل بهم الأمر الى حد مقاطعتنا، ولم يسأل عنا أى منهم، ولو بكلمة من باب ذر الرماد فى العيون كما يقولون !


والأدهى من ذلك أن بعضهم شمتوا فينا، وتمنوا لنا مزيدا من العوز والفقر، ومازالت العبارة التى جاءت على لسان كل منهم حينما تحدث معهم بعض القريبين منا، والعالمين بحالتنا «وأنا مالى.. بيتى أولى»، مع أن أبى هو الذى أسس له هذا البيت.. وكان هذا هو موقفهم من شقيقهم الذى رباهم، وصرف دم قلبه عليهم، وكان جزاؤه أنهم تركوه معرضا للسجن فى أى لحظة بعد عجزه عن تسديد القروض التى حصل عليها من البنوك ، حيث صدرت ضده أحكام قضائية نهائية، وكذلك والدتى التى ضمنته فى أحد القروض وصدر حكم بحبسها هى الأخرى!


لقد حاول أبى التفاوض مع الدائنين من أجل الوصول إلى حل يمكنه من تسديد الديون على اقساط مريحة، ولكن كيف ذلك وهو لا يملك شيئا، وهكذا أدت الضغوط المتزايدة عليه الى تدهور حالته الصحية، فانزوى فى ركن من المنزل مستسلما تماما، وبعد أن كان الجميع يتحدثون عنه كرجل اعمال له سمعته وكيانه، اصبح بالنسبة لهم شخصا مفلسا ، ولذلك يتهرب من الحديث مع الآخرين، وحتى نحن أبناؤه يتحاشى الجلوس معنا لكيلا يضطر الى فتح صفحة الاحزان من جديد.


والله يا سيدى إننى أتمنى الموت هربا من نظرات الانكسار التى أراها فى عينى أبى، ولا استطيع أن اقدم له شيئا، حيث لا املك مؤهلا للعمل به، فمازلت طالبا، أتلقى مصروفي اليومي، وأمامي مشوار طويل من الدراسة قبل أن أصل الي محطة «العمل».


وزاد همنا أن شقيقتي تقدم لها شاب فوافقت عليه وقرأنا الفاتحة ولم يتحدث وقتها عن أى شىء وبعدها بأيام، جلس أبي معه وأخبره بحقيقة وضعه المادي حتي يكون هو وأسرته على بينة من أوضاعنا المعيشية بعدما جري لمشروعات أبي، فنحن لا نقبل أن نخدع أحدا، ولا أن نزين الصورة علي غير حقيقتها، وما إن عرف وضعنا المادي حتي قال لأبي «كل شىء قسمة ونصيب.. وعندما تتغلبون علي المشكلات التي تواجهكم أبلغوني!، فتسمر أبي فى مكانه وارتسمت علي وجهه علامات الضيق والحرج واغرورقت عيناه بالدموع، وسمعته يتمتم بكلمات الصبر ويحاول ان يتماسك أمام شقيقتي التي لم تتوقف عن البكاء، وامتنعت عن تناول الطعام، ثم أصيبت بانهيار عصبي، وسقطت علي الأرض مغشيا عليها، فاستدعينا لها الطبيب الذي شخص حالتها بأنها تعاني اكتئابا حادا وأعطاها بعض الحقن والأدوية المهدئة، ومازالت طريحة الفراش لا تكلم أحدا بعد ضياع حلمها في الزواج والاستقرار ليس لعيب فينا، وإنما للضائقة المالية التي يمر بها أبي!


هذه هي حال أسرتنا اليوم. وأنا غارق بين حزن أبي وتعرضه للسجن، ومرض أمي وبكائها المتواصل، وظروف أختي التي صدمتها الحياة القاسية، فماذا جري للدنيا يا سيدي؟! وهل أمن الناس تقلباتها حتي يتخلي الأخ عن أخيه، ويزن الناس كل شىء بميزان المال، الذى لم يشغل أبي يوما، فكان ما في يديه ملكا للآخرين، يعطيهم اياه بسخاء، فلما تبدلت الأحوال ضنوا عليه، ولو بجزء ضئيل من أموالهم «ردا للجميل» الذي قدمه لهم.


وانت تقول دائما فى ردودك إن الدنيا ليست نفقا مظلما إلي الحد الذي يجعلنا نفقد الأمل فيها، وأن هناك دائما ضوءا في النفق يمكن الوصول اليه بالصبر والاجتهاد، فهل تري حقا اننا سنري نورا بعد الظلام الحالك الذي أطبق علينا وأحال حياتنا إلي جحيم؟!.


ولكاتب هذه الرسالة أقول:


إن فضيلة الرجل هي أثره، وما أجمل الأثر الذي تركه أبوك بمساندته أشقاءه، لكنهم تنكروا لعطائه، وتخلوا عنه وقت الشدة، متناسين أن الدنيا لا تستقيم علي حال،وقد يتجرعون الكأس نفسها التى ذاق والدك مرارتها بفقده أمواله، فالناس ينحازون دائما الي الغني ويتخلون عن الفقير، وفي ذلك يقول ابن الأحنف





يمشي الفقير وكل شىء ضده والناس تغلق دونه أبوابها





لكن الانسان المؤمن الذي يبتغي مرضاة الله لا يتوقف عند هذه الصغائر، ويدرك أن فقد المال هو ابتلاء من الله كالمرض وموت الأحباب، ويعلم أن الغني الحقيقي هو غني القلب، ويتيقن انه سبحانه وتعالي هو المعطي والمانع، فيرضي بقضائه ويحمده علي ما هو فيه ويهرع اليه لكشف الضر عنه، ولا يعرف الانكسار طريقا اليه.





والمال ليس دليلا على محبة الله للإنسان، وفي ذلك يقول تعالي «فأما الانسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه، فيقول ربي أكرمن وأما اذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه، فيقول ربي أهانن ثم يقول تعالي «كلا».. بمعني ان الله يعطي المال لمن يحب ومن لا يحب ويضيّق علي هذا وذاك، والمحبوب هو من أطاع الله فى العسر واليسر والغني والفقر، وإذا ابتلي المؤمن فصبر على البلاء، فإن ذلك من دلائل محبة الله له، إذ يقول تعالي «والله يحب الصابرين». كما أن من رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط وهنا يقول الله عز وجل.. «ولنبلونكم بشىء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين».





ويجب على أعمامك أن يساندوا أباك فى محنته، بتسديد ديونه والأخذ بيده، ولو علي سبيل القرض، وعليهم أن يتذكروا صنيعه لهم، ووقفته معهم حتي تزوجوا وصارت لهم بيوت مستقلة، وأسر ناجحة، ويمكنك انت وأشقاؤك فيما بعد تسديد ما يسهمون به في انقاذ أبيكم من ضائقته، وليعلم الجميع اننا نعيش في هذه الدنيا في قاعة امتحان كبيرة نتعرض فيها لاختبارات يومية في كل ما نملك الي ان نلقي الله، والعاقل هو الذي يتغلب علي أنانيته، ويشارك الآخرين همومهم وآلامهم وتفريج كربهم، حتي يجد من يفرج كربته، حينما تلم به أزمة طارئة فلا تدري نفس ماذا تكسب غدا ولا بأى أرض تموت.. أما الشاب الذي تقدم لأختك ثم تراجع عن خطبتها بعد أن علم بما آلت اليه ظروفكم المادية فقد أخطأ بظنه ان المال الذي كان بحوزة أبيك سيجلب له السعادة، أو ان الزوجة الغنية تكون دائما مصدر هدوء واستقرار، فالنجاح فى الحياة الزوجية يتوقف علي حسن الخلق والدين، وليس أدل علي ذلك من نصيحة رسول الله صلي الله عليه وسلم «فاظفر بذات الدين» فالمال والجاه والجمال الي زوال، وتبقي علاقة الزوجة بربها، وطاعتها لزوجها، ولعله يراجع نفسه ويعيد مد جسور التواصل معها من جديد، فيلتقي أباك، ويؤكد له انه لم يقصد اهانته أو الاساءة اليه، ولم يتطلع الي مال، وإنما كان يريد تأجيل الزواج بعض الوقت لكي يتيح له تسديد ديونه، وياحبذا لو تنازل عن بعض شروطه في عفش الزوجية، فالاثاث والمظاهر لا تبني بيوتا سعيدة، وإذا لم يفعل ذلك فإنه لا يستحق اختك بل عليها ان تحمد الله ان نجاها من هذه الزيجة لانه لم يكن يريدها لذاتها، وإنما خطبها من باب الطمع فى جزء من ثروة أبيها، فلما اكتشف انه لن يجني ما كان يبتغيه ابتعد عنها، ومن يأت هذا التصرف لا يؤمن له جانب، والافضل الابتعاد عنه، فمصير مثل هذه الزيجة هو الفشل والطلاق.





وأما أنت فأمامك مشوار طويل من الدراسة فركز فيها حتي تتخرج في كليتك وبعدها سوف تتفتح لك ابواب العمل بالعزيمة والكفاح، ووقتها سوف تتبدل الأحوال، وتبتسم لكم الدنيا من جديد.

لا تعليقات