المثقف العضوي هو مصطلح صاغه الفيلسوف الماركسي الإيطالي أنطونيو غرامشي لوصف نوع معين من المثقفين الذين يرتبطون ارتباطًا وثيقًا بالطبقة الاجتماعية التي ينتمون إليها، ويعملون على تحويل وعي هذه الطبقة وتعبئة طاقاتها من أجل تحقيق أهدافها التاريخية.
وكان أهم ما يميز المثقف العضوي هو ارتباطه بالطبقة التي ينتمي إليها على عكس المثقف التقليدي الذي قد يكون منفصلًا عن الواقع الاجتماعي، فإن المثقف العضوي يعيش ويناضل ضمن صفوف الطبقة التي يمثلها. ولا يكتفي دور المثقف العضوي علي القيام بدور الناقد أو المحلل، بل يتحمل مسؤولية تنظيم وتوجيه العمل السياسي والاجتماعي لطبقته . من هنا كان لابد أن يدرك المثقف العضوي أهمية العامل التاريخي في تشكيل الوعي الاجتماعي، ويسعى إلى بناء مشروع ثقافي يواجه الهيمنة الثقافية السائدة. وفي نفس الوقت يكون لديه القدرة علي التعبئة وتحويل الأفكار النظرية إلى برامج عمل عملية، وتعبئة الجماهير حول هذه البرامج.
وقد تجاوزت النظرة التقليدية للمثقف بتقديم مفهوم جديد المثقف العضوي ورؤية جديدة لدور المثقف في المجتمع حيث يعتبره عنصرًا فاعلًا في عملية التغيير الاجتماعي. وقد ساهم هذا المفهوم في ربط النظريات الاجتماعية بالواقع المعاش وتحويل المعرفة النظرية إلى أداة لتحرير الإنسان وكان ذلك يقتضي تمكين الطبقات الشعبية من القدرة على بناء مشروعها الثقافي والسياسي الخاص بها.
ومع انتشار الحركات الثورية في العالم الثالث لعب المثقفون العضويون دورًا حاسمًا في العديد من الحركات الثورية عبر التاريخ حيث ساهموا في توعية الجماهير وتنظيمها وقيادة نضالها ضد الاستعمار وكان للمثقفين العضويين دور بارز في النضال ضد الاستعمار، حيث عملوا على بناء وعي وطني وقومي.
وساهم المثقفون العضويون في تنظيم الحركات العمالية ونضالها من أجل تحسين أوضاع العمال.
التركيز على الطبقة: يركز هذا المفهوم بشكل كبير على دور الطبقة في تشكيل الوعي، دون الاهتمام بالدور الذي تلعبه العوامل الأخرى مثل الجنس والعمر والثقافة. وعلي هذا الأساس يعتبر مفهوم المثقف العضوي إطارًا نظريًا مهمًا لفهم دور المثقف في المجتمع، ويساهم في بناء مجتمع أكثر عدالة ومساواة
ولكن بعد سقوط الماركسية عالميا بتفكك الاتحاد السوفيتي في 26 ديسمبر 1991 إشارة لانتهاء الوجود القانوني لدولة اتحاد لجمهوريات السوفيتية الاشتراكية أصبح دور المثقف العضوي مطلوبا وبإلحاح
بعد سقوط الماركسية إلا أنها أي الماركسية كفكر نقدي وتاريخي لا تزال حاضرة في العديد من النقاشات الأكاديمية والسياسية. وبخاصة بين المثقفين علي اختلاف انتاماءاتهم ولكن بالتأكيد فقدت الكثير من هيمنتها كأيديولوجيا ثورية عالمية.
فهل انتهى دور المثقفين؟ بالتأكيد لا فالمجتمعات المعاصرة لا تزال بحاجة إلى أصوات نقدية، وقادة فكريين، وشخصيات قادرة على فهم وتعبئة الجماهير. ولكن قد تغير دور المثقف العضوي فمع تغير الأيديولوجيات السائدة وتنوع الحركات الاجتماعية، أصبح دور المثقف العضوي أكثر تعقيدًا وتنوعًا حيث في بعض الحالات في ظل الصعود الشعبوي والتقسيمات الاجتماعية وبعد ما يسمي ثورات الربيع العربي وتفكك بعض الدول الطليعية ثوريا مثل سوريا وليبيا والسودان والعراق واتساع رقعة الفراغ السياسي والفكري بعد الانهيار أصبحت الحاجة ماسة وملحة إلى ظهور شخصيات قادرة على بناء الجسور بين مختلف الفئات الاجتماعية ولم الشمل وتوحيد الصفوف وبناء كيانات قادرة علي حماية المجتمع من الانهيار خاصة في مواجهة التحديات الكبيرة مثل التفاوت الاقتصادي، التغير المناخي، الهجرة، والتهديدات على الديمقراطية. وهذه التحديات تتطلب من المثقفين أن يلعبوا دورًا حاسمًا في تحليل هذه القضايا، وتقديم حلول، وتعبئة الجماهير للعمل من أجل التغيير.
ومع صعود اليمين الشعبوي في العديد من الدول بصعود التيارات اليمينية الشعبوية، التي تستغل الانقسامات الاجتماعية والاقتصادية لتحقيق مكاسب سياسية وهذا يتطلب من المثقفين أن يواجهوا هذه التيارات بأفكار تقدمية، وأن يدافعوا عن قيم التسامح والعدالة الاجتماعية ومع تطور وسائل الإعلام الاجتماعية أصبح من السهل نشر المعلومات المضللة والأخبار الكاذبة التي تصنعها بعناية الأجهزة الاستخباراتية بدقة لتحقيق اهدافها المرسومة وهذا يتطلب من المثقفين أن يكونوا قادرين على تمييز الحقيقة من الزيف وأن يقدموا تحليلات نقدية للأحداث الجارية
من هنا فإن دور المثقف العضوي لا يزال مطلوبًا ولكنه يتطلب إعادة التفكير في الأدوات والأساليب التي يستخدمها. فالمثقف العضوي في القرن الحادي والعشرين يجب أن يكون قادرًا على التواصل مع الجماهير عبر وسائل الإعلام الجديدة وأن يكون على دراية بالتطورات العلمية والتكنولوجية وأن يكون قادرًا على بناء تحالفات واسعة مع مختلف الفئات الاجتماعية مستعينا بوسائل التواصل الاجتماعي بالغة الخطورة.
إن إعلان "نهاية" أي أيديولوجيا أمرٌ معقد، وتاريخ الأفكار يشهد على قدرة الأيديولوجيات على التكيف والتطور. صحيح أن الاشتراكية الكلاسيكية التي عرفناها في القرن العشرين قد شهدت تراجعاً كبيراً، إلا أن المبادئ الاشتراكية الأساسية: مثل العدالة الاجتماعية، المساواة، وتوزيع الثروة العادل، لا تزال قضايا حاضرة في النقاش العام العالمي كما أن الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية: لا تزال موجودة في العديد من الدول، وتلعب دوراً مهماً في الحياة السياسية ، لذا يمكن القول إن الاشتراكية لم "تنتهِ" بقدر ما تحولت وتطورت ودور المثقف العضوي لا يزال مطلوباً: في عالمٍ يشهد تغيرات متسارعة، وتحديات جديدة، يبقى دور المثقف العضوي حاسماً في توعية الجماهير، وتنظيمها، وقيادتها نحو مستقبل أفضل مع مزيد من المرونة في المفاهيم وقابلية للتكيف مع السياقات المختلفة. ويجب على المثقف العضوي أن يتجدد باستمرار وأن يستخدم أدوات وأساليب جديدة للتواصل مع الجماهير فإن دوره لم ينتهى، بل إنه يتطور ويتكيف مع الظروف المتغيرة.
المثقف العضوي، كما عرفناه من خلال فلسفة أنطونيو غرامشي، هو ذلك الفرد الذي يرتبط ارتباطًا وثيقًا بواقعه الاجتماعي، ويعمل على تحويل وعي الجماهير وتعبئتها من أجل تحقيق أهدافها التاريخية هذا الدور يتجلى بشكل واضح في العديد من الحركات الاجتماعية والثورات عبر التاريخ مثل مارتن لوثر كينج الذي كان مثقفًا عضويًا بارزًا في الحركة الحقوقية الأمريكية حيث عمل على تحريك ضمائر الناس ضد العنصرية والتمييز، وقاد حركة مقاطعة الحافلات الشهيرة ونيلسون مانديلا قائد الكفاح ضد الأبارتايد في جنوب أفريقيا كان مثقفًا عضويًا للدفاع عن المظلومين وقاد نضالًا طويلًا لتحقيق الحرية والمساواة وسجن ولكنه خرج من السجن لترفعه أمته إلي مركز القيادة في بلاده وهناك أيضا فيدل كاسترو الذي قاد الثورة الكوبية وكان مثقفًا عضويًا يمثل مصالح الفقراء والمهمشين وعمل على بناء مجتمع اشتراكي في كوبا ومن الأمثلة المعاصرة اليوم هناك ناشطون بيئيون مثل جريتا تونبرج التي تمكنت من حشد ملايين الشباب حول العالم للمطالبة باتخاذ إجراءات حاسمة لمواجهة التغير المناخي وهناك ناشطون حقوقيون يعملون على الدفاع عن حقوق الإنسان مثل حقوق المرأة، وحقوق الأقليات، وحقوق الطفل وحتي حقوق المثليين ومنهم المدونون المؤثرون على وسائل التواصل الاجتماعي ويستخدمون منصاتهم لنشر الوعي حول قضايا اجتماعية وسياسية وتحفيز النقاش العام.
دور المثقف العضوي لا يقتصر على فترة زمنية أو مكان معين، بل هو دور حيوي ومستمر في أي مجتمع يسعى إلى التغيير والتقدم. فالمثقف العضوي هو صانع تلك الشرارة التي تشعل النور في الظلام وتلهم الآخرين للعمل من أجل عالم أفضل إن لم يكن هو ذاته تلك الشرارة في بعض الأحيان ,