-دي أوراق نتيجة يا زعفرانة؛ مُش كده؟
-أيون.. أوراق بأرقام فردية تخُص حكاية كده؛ جَهّز قلمك وأوراقك، عشان القصة هتتحكى.
***
بَعد ما خرجت من الحمام وقفت قدام المراية اللي في أوضتي، بدأت أنشِّف شَعري بالسيشوار، ولما حسِّيت إنه نِشف؛ مِسكت الفُرشة وبدأت أسرَّحه، ومع الوقت لقيت حركة إيدي بقت تقيلة، مكنتش قادرة أمشِّي الفرشة في شَعري، وده لأني اتفاجأت بصورتي في المِراية ثابتة مبتتحرَّكش؛ حتى إيدي اللي كنت رفعاها بالفُرشة عند شَعري، كانت في المراية ثابتة جنبي!
بَحلَقت في المراية؛ غمضت عيني وفتحتها، لقيت صورتي طبيعية، بتتحرَّك نفس الحركة اللي بتحرَّكها، فسَّرت اللي حصل على إنه زغللة عين، أصل المرَّة دي وأنا في الحمَّام؛ الشامبو دخل في عيني، ولما حاجة زي دي بتحصل، الدنيا قدامي بتكون ضباب شوية، لحد ما عيني ترجع لطبيعتها.
كمَّلت تسريح شعري، ورغم إن شَعري ناعم، لكن لقيت الفُرشة بتمشي في شعري بالعافية، وبتعمل صوت وكأنّي بسرَّح سِلك نحاس، استغربت؛ لكن كمِّلت وأنا مركّزة مع صورتي في المراية، عشان أشوف شَعري وهو بيطلع في الفُرشة.. الغريبة إني محسِّتش بأي ألم، وفي نفس الوقت مكنتش عارفة أتحكّم في إيدي، كأن في قوَّة خفيَّة بتحرَّكها، أو إنها إيد حد تاني وماليش سُلطة عليها، مكُنتش قادرة أوقَّف تسريح شَعري، ولا حركة الفرشة اللي كانت بتشيل شَعر راسي وهي ماشية، جِلد راسي بدأ يتكشف، كمّلت وأنا مبحلقة في المراية؛ وعيني مفتوحة على الآخر، لحد ما شَعر راسي غرَّق أرضية الأوضة حوالين منّي، ووقفت عشان أشوف نفسي بالشكل دَه لأول مرة، كأني حَلقت راسي زيرو، في اللحظة دي قدرت أتحكِّم في حركة إيدي، رفعت الفُرشة قدام عيني، وقُلت لنفسي وأنا حاسَّة بالقَهر: "أنا عملت إيه في نفسي!".
الخوف اللي جوايا زاد أكتر، لأن إيدي مكانتش مرفوعة بالفرشة في المراية زي ما عملت، دي كانت جنب جسمي، للمرة التانية صورتي في المراية كانت بتخالف حركتي، ده اللي خلاني سيبت الفُرشة من إيدي عشان تسقط في الأرض، ساعتها لقيت صورتي بتبتسم ابتسامة خبيثة، برغم إني مبتسمتش، ولما قرَّبت من المراية وركّزت مع الابتسامة؛ لقيت فتحة عيني في المراية أوسع.. ابتسامة صورتي بدأت تزيد، لحد ما اتحولت لضحكة خفيفة، بدأت أسمع صوت الضحكة وهي خارجة من المراية، صوت الضحكة بدأ يزيد؛ لحد ما لقيته بيرِن بين حيطان أوضتي، مكانش صوتي بالمناسبة، وفي اللحظات دي؛ فتحة عيني زادت أكتر في المراية، بوقّي كان مفتوح على آخره والصورة بتضحك ضِحك هيستيري، لدرجة إني قدرت أشوف لسان المزمار في بوقّي وهو بيرتجف من شِدة الضحك، وبدأت ألمح خيالات لونها أسود بتتحرك في بوقّي وفي عيني، كل ده كان بيحصل في الصورة، وأنا واقفة قدام المراية، اللي مكنتش عارفة هي بتعكس اللي بيحصل ده إزاي ومنين.
الخيالات بدأت تملى فراغ بوقّي وعيني، لحد ما بدأت تخرج منهم؛ عشان أكتشف إن الخيالات ما هي إلا حشرات، شُفت خنافس لونها أسود خارجة من بوقّي وبتمشي على خدودي ورقبتي، وبتدخل وداني، وشُفت دود بنفس اللون خارج من عينيا، وطالع يزحف على جِلد راسي.. صَرخت؛ بَس المرَّة دي كنت أنا اللي بصرخ مش الصورة، لإني حسّيت إن في حاجة ماشية على وشّي فعلًا، ولما مدّيت إيدي عشان أشوف إيه الحكاية، لقيت الخنافس والدود بدأوا يمشوا على كِف إيدي اللي مدّيتها ناحية وشي!
صحيت مفزوعة من النوم، كُنت بلتِفت حوالين نفسي وأنا بفتِّش في السرير، وببُص في أرضية الأوضة عشان أشوف شَعر راسي اللي كان مغرَّقها، لكن ملقِتش حاجة، وانتبهت على صوت عبير؛ أختي الصغيرة، اللي اتفاجئت بيها واقفة جنب السرير وبتسألني:
-مالِك يا ندى؛ فيكي إيه؟
مديت إيدي وحسِّست على شَعري ولقيته في مكانه، أدركت ساعتها إني شُفت كابوس من أسوأ الكوابيس اللي مُمكن حد يشوفها، ولما لقيت إنه كابوس وفات؛ بلعت ريقي وجاوبتها:
-مفيش حاجة يا عبير؛ أنا كويسة.
-أومال ليه كنتي بتقولي: "شَعري؛ الخنافس؛ الدود"!
بصّيت ناحيتها باستغراب وسألتها:
-أنتي سمعتي الكلام دَه فين؟
-سِمِعتِك بتقوليه وأنا بصحّيكي، أصل إسراء زميلتك رنَّت على التليفون الأرضي؛ لأن تليفونك فاصل شحن، وطلبت أصحّيكي عشان عندكم محاضرة مهمة.
الكابوس كان تقيل؛ لدرجة إني خرَّفت بالأحداث اللي فيه وعبير بتصحّيني، وبرغم كده قُمت من السرير، وسألتها إن كانت ماما فتحت السخان الصبح ولا لأ، قالت لي إن كل حاجة تمام.. خرجت من الأوضة وصبَّحت على ماما، قالت لي إنها هتجهّز الفطار على ما أخرج من الحمام، ولما خلَّصت وغسلت وشّي واتحرَّكت من قدام الحوض عشان أخرج، لاحظت إن صورتي في مراية الحوض مراحِتش من فوق المِراية، رجعت خطوتين لحد ما وقفت قدام الحوض تاني، وبدأت أبحلق في صورتي، ورغم إن عيني كانت بتتحرَّك؛ وبتبُص في كل ناحية من المراية، لكن اتفاجئت إن نِن عيني في المراية ثابت، وبيبُص ناحيتي وبَس.
هزيت راسي عشان أفوق من الموقف، تفكيري أخدني لإن دي هلوسة من الكابوس، خصوصًا لما لقيت صورتي طبيعية في المراية بعد ما هزّيت راسي، اتحركت من قدام الحوض عشان أخرج، ولأني مُش بمشي في البيت غير حافية، فمَكُنتش لابسة حاجة في رجلي وأنا في الحمام، عشان كِدَه كان من السَّهل أحِس بالملمس الغريب اللي تَحت رجلي، خصوصًا وإني سمعت صوت حاجة بتتكسَّر، الإحساس والصوت كانوا بيقولوا إني بدوس على قِشر بيض، وكان بيتكسَّر تَحت رجلي، بصيت في الأرض عشان أشيل القِشر، لكن لقيت فقرات ضَهري اتجمّدت ومبقتش بتتحرَّك، وده لما اكتشفت إني دايسة فوق خنافس ودود لونهم أسود، وإن الصوت اللي سمعته، كان صوت تفعيص جِسم الخنافس!
صرخت، صرختي كانت نفس الصرخة اللي صرختها في الكابوس، فضِلت أرفع رِجل عن السراميك وأنزِّل التانية، مكانش في مكان أحُط فيه رِجلي، أرضية الحمام كلها كانت خنافس ودود، مُش الأرضية وبَس، اتفاجئت إن الحيطان والسقف كانوا على نفس الحالة، الحوض؛ البانيو، كل حاجة في الحمام الخنافس والدود كانوا ماشيين فوقها، فضلت أتنطط زي البلياتشو اللي ماشي على حبل في السيرك وخايف يُقع، لحد ما سمعت خبط على باب الحمام، وبعدها سمعت صوت أمي وعبير وهُما بيقولوا:
-افتحي الباب يا ندى؛ افتحي الباب.
كل حاجة حواليا كانت باللون الأسود، وده لأن نور الحمام انطفى، بعدها حسيت بحركة على جسمي، بدأت من رجليا وكانت طالعة على جِسمي من فوق، مكنتش محتاجة إضاءة عشان أعرف إن الحشرات دخلت لجسمي من تحت هدومي؛ وبدأت تزحف لفوق، مقدرتش أتحمّل الإحساس دَه، غيبت عن الوعي، وبعدها محسِّيتش غير بإيد بتحاول تفوَّقني، ولما وعيي بدأ يرجع لي، لقيت إن دي إيد أمي، لأني سمعتها بتقول لي:
-فوقي يا ندى، فوقي!
فتحت عيني؛ الرؤية مكانتش واضحة قدامي، كل حاجة كانت مشوّشة، مكنتش شايفة غير خيالات بتتحرك.. في البداية؛ افتكرت إن أمي وعبير هُما اللي معايا، لكن كنت شايفة خيال تالت جنبهم، ولمّا ركّزت معاه؛ سمعت اللي بتقول:
-ألف سلامة عليكي يا ندى؛ مالك يا حبيبتي إيه اللي حصل؟
كان صوت إسراء زميلتي، ولما رِجع لي وعيي بالكامل، وبقيت مركّزة في اللي حواليا، سألت هو في إيه، وساعتها عبير أختي جاوبتني:
-فضلتي تصرخي في الحمام ومرضتيش تفتحي، ندهنا على البواب وطلع كسر الباب، ولما ماما دخلت عليكي وقفلت الباب وراها، لقتك مرمية في الأرض.. البواب نزل وبعدها دخلت شيلتك معاها وحطيناكي على السرير، ولما إسراء اتصلت تاني وعرفت اللي حصل، قالت إنها هتيجي تطمن عليكي بعد الكلية.
بصّيت لهم وأنا مُش فاهمة حاجة، أمي كانت بتبُص ناحيتي والخوف مالي وشّها، وإسراء كانت بتبُص في وشي وهي مستغربة حالتي، وساعتها قالت:
-ارتاحي يا ندى لحد ما تبقي كويسة، وأنا هبقى أصوَّر المحاضرات المتأخرة وأنزّلهم على المنتدى بتاعنا.
أمي وعبير خرجوا بعد ما حسّوا إن حالتي اتحسِّنت، عشان يسبوني على راحتي مع زميلتي، اللي أوِّل ما بقينا لوحدنا سألتني:
-حاسَّة بإيه يا ندى؟
-مفيش حاجة، شُفت كابوس وصحيت بعده مصدَّعة.
مرضيتش أحكي حاجة من اللي شُفتها، واكتفيت بكلمة كابوس، عشان كِدَه قالت:
-الكوابيس أحيانًا بتكون صعبة، وبيكون لها توابع.. وأحيانًا التوابع بتكون أفظع من الكابوس نفسه، وتأثيرها بيفضل موجود لفترة، بس أنا واثقة إنها حالة طارئة، وكلها يومين وتنزلي الجامعة، النهارده اليوم مكانش له طعم من غيرك، حتى المنتدى بتاعنا كان ضلمة النهارده لأنك مدخلتيش.
اتكلمنا شوية وكنت حاسة إني بخير، وبعدها سابتني ومشيت، قُمت من السرير وبدأت أمارس حياتي بشكل طبيعي، وعلى مدار يومين من اليوم ده؛ أمي وأختي لاحظوا إني طبيعية، وتعمَّدت إني مجيبش سيرة اللي حصل معايا طالما إنه كابوس طارئ وراح لحاله.. إسراء وزميلاتي كانوا بيطمنوا عليا من وقت للتاني، وفي اليوم التالت حياتي رجعت لطبيعتها، صحيت بدري وفطرت مع أمي وأختي، وجهزت نفسي وخرجت عشان أروح الكلية، ولما وصلت سلِّمت على زميلاتي، وحضرت المحاضرات اللي ورايا، وبعد ما خلصنا، لقيت إسراء بتأكّد عليا أدخل المنتدى بالليل، عشان هتنزّل موضوع جديد في قسم الترفيه ولازم نتفاعل معاه.
وفي البيت؛ وبعد ما خلصت اللي ورايا ودخلت أوضتي، اتمددت على السرير وأخدت اللاب توب على رجلي، ودخلت المنتدى، لقيت الموضوع الجديد اللي إسراء منزّلاه في قسم الترفيه، واللي كان عنوانه "إيه أول رقم عينك جَت عليه".
فتحت الموضوع ولقيت مكتوب فيه: "إيه أول رقم عينك جَت عليه؛ والأرقام كانت كالتالي؛ "3-7-9-11-13".. وبعدها كان مكتوب: "ياريت تكتبي الرقم؛ وتغمّضي عينك وتتمنّي أمنيات بنفس العدد، ولما تتمنّي اكتبي لنا إيه الأمنيات اللي تمنّتيها، وإيه اللي اتحقق منها وإيه اللي لسَّه متحقَّقش".
معرفش إسراء كانت بتجيب أفكار المواضيع دي منين، خصوصًا إنه شبيه بالموضوع اللي تفاعلت معاه ليلة ما شُفت الكابوس، وليه أصلًا فكَّرت في مواضيع زي دي، إحنا عاملين المنتدى ده من وقت ما دخلنا الجامعة، وكان ده اقتراح إسراء، ومفيش عليه غير عدد بسيط من البنات زميلاتنا، ولما واحدة جديدة بتدخل الشّلة بتاعنا، بنطلب منها تسجّل في المنتدى، اللي عملناه عشان نتكلم فيه عن المحاضرات وأخبار الكلية، واللي عنده حاجة تخُص ملخصات المواد ينزلها، وأي معلومة عن الامتحانات والجداول، وبحكم إننا بنات عملنا أقسام للموضة والملابس والكلام ده، لكن فجأة لقينا إسراء بتبلغنا إنها عملت قسم ترفيه، وبقت تنزل عليه ألعاب ومسابقات، وأحيانًا نُكت، والموضوع اللي نشرته من شوية هو تاني موضوع من النوع ده، له علاقة بالأرقام، لكن بغض النظر عن دماغي اللي شطحت بالتفكير، لقيت نفسي بتفاعل عشان متزعلش مني، لأن هيظهر عندها إني دخلت الموضوع.
لما تفاعلت مع الموضوع اللي فات، لقيت إن عيني وقعت على نفس الرقم اللي وقعت عليه من شوية، وهو الرقم "13"، لكن حبّيت أراعي ضميري وأكتب الـ "13" أمنية كاملين.. بعد ما خلَّصت، قفلت اللاب توب ومسكت التليفون ورنّيت عليها، ولما فتحت المكالمة قلت لها:
-إيه حكاية المواضيع دي يا إسراء؛ أنتي هتضعفي نظرنا عشان مواضيعك الغريبة اللي بدأتي تنزّليها في قسم الترفيه بتاعك ده.
ضحكت قبل ما ترد على كلامي وقالت:
-زهقت من مواضيع المحاضرات وأخبار الكلية، والكلام في الموضة والهدوم، وبعدين كل المنتديات دلوقت فيها أقسام ترفيه، سيادتك أنا برفَّه عن الرعايا بتوعي.
-حقِّك، ما هو أنتي اللي عاملة المنتدى بقى.
قفلت معاها وطفيت النور ونمت؛ لأن الوقت كان اتأخر، مأخدتش وقت طويل لحد ما رُحت في النوم، وساعتها شُفت نفسي وأنا خارجة من الحمام لتاني مرَّة، وبقف قدام التسريحة، وبمسك نفس الفرشة، و...
مُش قادرة أكمّل وأحكي اللي حصل تاني، الكابوس اتعاد بكل تفاصيله، شَعري اللي كان واقع حوالين مني في أرضية الأوضة، جِلد راسي اللي كان ظاهر، فتحة عيني وبوقّي اللي كانوا أكبر من الطبيعي في المراية، الخنافس؛ الدود الأسود، كأني بتفرج على شريط فديو للكابوس، قُمت مفزوعة وأنا بصرُخ، ومن تاني كنت بفتّش في السرير وأرضية الأوضة، وللمرة التانية لقيت عبير جنب السرير وبتقول لي:
-أنا دخلت الأوضة على صوتك.. تاني يا ندى بتقولي: "شَعري؛ الخنافس؛ الدود"!
بلعت ريقي وأنا بحاول أرُد عليها:
-مفيش يا عبير ده كابوس واتعاد تاني، بَس متقوليش لماما.
بصَّت لي وقالت:
-ماما أصلًا في المطبخ ومسمعِتش صوتك.
قالت كلامها ده ومتكلِّمتش تاني، وده مُش معناه إنها مش هتسمع كلامي، بالعكس، عبير طالما طلب منها حاجة هتعملها.
لما قدرت آخد نفسي نزلت من السرير، كانت عبير خرجت من الأوضة لما قُلت لها إني بقيت كويسة، وقبل ما أخرج من الأوضة لاحظت حاجة غريبة، وهو إن الكابوس ده بيتكرر للمرة التانية، المرة اللي فاتت؛ لما تفاعلت مع موضوع الأرقام اللي نزل لأول مرة، ودي المرَّة التانية اللي يتكرر فيها، وبعد تاني موضوع، والغريبة إن في المرّتين عيني وقعت على نفس الرقم..
مكنتش قادرة أحدد إن كان في رابط فعلًا بين كل ده؛ ولا دي حاجة حصلت من باب الصدفة، ورغم إن في تطابق بين حاجات كتير؛ الوقت؛ الأحداث؛ التفاصيل والرقم، لكن مكانش في دليل مادي عشان أثبت إن كل ده ليه علاقه ببعضه.
خرجت من الأوضة ولقيت أمي في المطبخ، بَس المرَّة دي مكانش عندي رغبة أدخل الحمام، مكنتش مستعدة إن اللي حصل بعد الكابوس اللي فات يتكرر تاني، ساعتها هدخل في حوار مع أمي مالوش نهاية، خوفها عليا هيخليني أدخل في متاهة ماليش رغبة فيها، مُش بعيد تطلب مني نروح لشيوخ أو دجّالين، خصوصًا إن عيلة أمي عندها الثقافة دي، ومكانش قدامي غير إني أطلب من عبير تبِل الفوطة مَيَّه وتجيبها، عشان أمسح أثر النوم من على وشّي، بدون ما أدخل برجليا هناك.
لما خلصنا فطار؛ غيرت هدومي وخرجت، ولما وصلت الكلية، اتكلمت مع إسراء عن اللي حصل معايا للمرة التانية، حكيت لها عن الكابوس، وإنه اتكرر بعد ما تفاعلت مع موضوع الأرقام للمرة التانية، ساعتها ضحكت وقالت لي:
-أكيد صدفة يا ندى، إحنا كذا بنت في المنتدى وكلنا بنتفاعل، وأعتقد لو كلامك صح؛ كانت الحكاية دي حصلت معانا كلنا.
كلامها كان منطقي ومقدرتش أنكره، وبدأت أصدَّق إن المشكلة فيا أنا، جايز اتجاه نومي مُش مُريح، بيخليني أشوف الكابوس ده، سمعت قبل كده من حد في عيلة أمي، إن اتجاه النوم لازم يكون بطريقة معينة، اتجاه ميكونش جاذب للطاقة السلبية، عشان منحلمش بكوابيس وأحلام مش كويسة، وإن الإنسان لما بينام في اتجاه جاذب للطاقة السلبية، مع الوقت عقله الباطن بيعطيه إشارة؛ عشان يغيَّر اتجاه نومه، والإشارة غالبًا بتكون كابوس متكرر، ولما بيغيّر اتجاه نومه كل ده بينتهي.
رجعت البيت، وبالليل وأنا في أوضتي، عَكَست المخدّة، وقررت إني هنام راسي عند نهاية السرير، ولما أمي دخلت الأوضة عليا؛ وشافتني مغيَّرة اتجاه المخدة سألتني عن السبب، مجبتِش سيرة الكابوس، لكن قُلت لها إني بقوم من النوم مصدَّعة، وعايزة أغيّر اتجاه نومي، جايز أرتاح في النّومة.
سابتني على راحتي وخرجت، وقبل ما أنام؛ لقيت نفسي بفتح اللاب توب، وبدخل المنتدى على قسم الترفيه، بدأت أقرأ الموضوعين من تاني، والتفاعل اللي عليهم، وبعد ما انتهيت من قراءة التفاعلات بتاعتي، بدأت أقرأ تفاعلات البنات زميلاتنا، ولاحظت حاجة لأول مرة، إن مفيش حد عينه وقعت على الرقم "13" غيري!
للمرَّة التانية؛ حاولت أقنع نفسي إن الحكاية مالهاش علاقة بمواضيع الأرقام، خصوصًا إن مفيش حد اشتكى إنه شاف كوابيس، أو حصلت له أي حاجة بسببها، قفلت اللاب توب ونمت، ولما صحيت لقتني نمت نوم عميق وهادي لما غيَّرت اتجاه المخدة.. والدنيا بدأت تمشي عادي في البيت والكلية، لحد ما في يوم لقيت إسراء منزّلة موضوع جديد في الترفيه، يخُص الأرقام برضه، بس بدل ما نكتب أمنيات بعدد الرقم اللي عينا وقعت عليه، كان بيتكلم عن المخاوف، وللمرة التالتة عيني وقعت على الرقم "13" قبل أي رقم، وحسب الموضوع كان لازم أكتب أكتر "13" حاجة بخاف منها..
تفاعلت للمرة التالتة، خصوصًا لما لقيت في بنات متفاعلة، وكان أول رقم عينهم وقعت عليه هو 7 و 9 و 3، وأنا اللي حظي وقع في نفس الرقم.
لما نِمت؛ الحلم اتكرر للمرة التالتة بنفس التفاصيل، لكن كان في تفصيلة زيادة.. لما شَعر راسي وقع في الأرض، لقيت مكتوب على جلد راسي رقم "13"، كان جوه نجمة لها خمس أطراف مرسومة على جلد راسي، فضلت واقفة قدام المراية وأنا شايفة وشّي وهو بيبهت، جِلد وشي كان بيتحول للون الأصفر، ومع الوقت بقيت جِلد على عَضم زي ما بيقولوا، الخنافس والدود اللي خرجوا من بوقي وعيني، كانوا بيمصُّوا دمّي لحد ما اتحولت لهيكل عظمي عليه طبقة من الجِلد الشاحب!
صحيت وأنا مفزوعة للمرة التالتة، كنت بكرر نفس الكلام، بالإضافة للرقم "13"، والمرة دي ملقتش عبير هي اللي جنبي وبس، دي أمي هي كمان جَت على صوتي، ولما أدركت إني صحيت من الكابوس وبدأت آخد نفسي، لقيت أمي بتسألني:
-ماله شَعرك يا ندى؟ وإيه حكاية الخنافس والدود والرقم "13" اللي بتقولي عليهم؟!
هربت من سؤال أمي، قُلت لها زي ما قُلت لعبير قبل كده: "دَه مُجرَّد كابوس".
***
صوتي اتغيَّر وأنا بحكي؛ مُش كِدَه؟!
أنتوا صح، لأن اللي معاكم دلوقت عبير؛ أخت ندى الله يرحمها، هي ماتت من فترة بمرض غريب، الدكاترة قالوا إنه مرض من الأمراض النادرة، اللي الطب لسَّه موصلش لعلاجها.. بَس أنا هِنا دلوقت عشان أكمِّل الحكاية، اللي عرفتها بالصدفة وأنا بقلّب في كتب ندى..
الأحداث اللي فاتت دي كلها كانت مكتوبة في أجندة ندى الخاصة، والأحداث اللي بعد كده؛ حصلت بعد ما ندى تعبت وفقدت القدرة على الكلام، لكنها كانت لسَّه قادرة تكتب، عشان كده كتبت كل حاجة، اللي من خلالها فهمت سبب مرضها وموتها بعد ما قرأت الأجندة، وخبّيت السبب عن أمي.
بس دلوقت خلوني أكمّل باقي الحكاية بصوتي، زي ما ندى كتبتها في الأجندة...
بعد الكابوس التالت؛ بدأت أحِس بتعب غريب، صداع شديد وزغللة في العين، وألم شديد في الجسم، لفّيت على دكاترة كتير، وكلهم معروفوش إيه اللي عندي، بس في الواقع، شَعري وقع، وبقى عندي بُقع لونها أسود في وشّي، أنا بس اللي كنت عارفة إنها تشبه الخنافس والدود اللي كنت بشوفهم على وشّي في الكابوس، وعايزة أقول لكم إني بقيت نسخة من صورتي الأخيرة، اللي كانت معكوسة في المراية لما شُفت الكابوس للمرة التالتة.
بعد ما وصلت للحالة دي، وبقيت حالة ميئوس منها، بقيت ملازمة السرير، انقطعت عن الجامعة وزميلاتي، ومبقتش أرُد على رسايل حد فيهم، لدرجة إنهم مكانوش عارفين الحالة اللي وصلت لها، محدش منهم شافني بعد ما التعب زاد عليا، حتى إسراء، كل اللي زميلاتي عرفوه عني؛ إني تعبانة ومش هدخل امتحانات السنة دي، وإني رافضة أتعامل مع حد غير لما حالتي تتحسّن؛ وبعدها هرجع الكلية وأعيد السنة، والحال فضل على ما هو عليه، ومع الوقت الرسايل بينا بدأت تقِل لحد ما التواصل اتقطع، وفي مرة افتكرت المنتدى، فتحت اللاب توب ودخلت، وساعتها شُفت موضوع متثبّت، كان عنوانه "تحذير هام لأعضاء المنتدى"..
الموضوع لفت نظري وكانت إسراء اللي كاتباه، دخلت أقرأ محتواه، ساعتها لمحت صورة كتاب قديم فيه رموز غريبة، ونجوم خماسية، وأرقام مطابقة للأرقام اللي كانت في المواضيع، وكانت إسراء كاتبه:
"يا جماعة، إحنا هنوقف لعبة الأرقام، لأن الأرقام دي لقيتها في كتاب قديم محتواه غريب، لقيته في مكتبة جدي الله يرحمه، ولما قرأت الكتاب ومفهمتش منه حاجة، جه في بالي أستخدم الأرقام في لعبة، لكن وأنا بعمل سيرش على جوجل بالصدفة، لقيت موضوع عن الكتاب ده، بيتكلم عن الأرقام السحرية وأسرارها، وإن في أرقام جاذبة للقوى الشيطانية والطاقة السلبية، وكانت هي نفس الأرقام، خصوصًا الرقم "13".. الموضوع مكتوب فيه إن الرقم ده لو وقع عليه اختيارك مرة؛ هو بعد كده اللي بيختارك مش أنت اللي بتختاره، وبعد "٣" مرات بيجذب ناحيتك طاقة شيطانية أشبه بالأمراض الخبيثة، الطاقة دي بترمي الواحد في طريق أخرته موت، أنا مكنتش أعرف حاجة عن الكلام ده، ومعرفش إن كان ده حقيقي ولا حد كاتب أي كلام عشان يثير الجدل، ولكن من باب الحذر حذفت المواضيع وهنوقف اللعبة دي، ياريت تبلغوا بعض، ولو حد عرف يوصل لندى يبلّغها، لأن التواصل معاها مقطوع، والرقم "13" اتكرر معاها "3" مرات".
دي آخر حاجة هكتبها في الأجندة، لأني خلاص عرفت اللي عندي، تحذير إسراء خلاني أتأكد إني خلاص أيامي قرَّبت، وعرفت ليه الدكاترة مقدروش يعرفوا عندي إيه، لأن اللي عندي الطب ميعرفش عنه حاجة، وياريت لما الأجندة دي تقع في إيد عبير أختي بعد ما أموت، متجيبش سيرة لأمي عن اللي حصل، في النهاية هي أعمار، ومحدش بيعيش دقيقة زيادة فوق عمره.
***
دَه الكلام الأخير اللي كتبته ندى، ومكنتش مستغربة إنها متأكدة إن الأجندة هتقع في إيدي، هي عارفة إن أمي مُش بتفتّش في حاجتنا، خصوصًا الكُتب، لأنها مُش متعلمة ولا بتعرف تقرأ كويس، ومتفكروش إني خالفت وصية ندى لما قررت أكشف الستار عن حكايتها، وإن أمي كده عرفت لأني كشفت الحكاية، أنا أمي راحت عند ندى من شَهر بس، ماتت بالحسرة عليها، وبقيت عايشة لوحدي، عشان كده كشفت الحكاية على مرحلتين زي ما هي مكتوبة في الأجندة، مكنتش أعرف إن ندى كانت بتعاني من كل ده، كنت فاكرة الحكاية مجرد كابوس زي ما كانت بتقول، ومكنتش أعرف إن التعب اللي جالها كان وراه شيء لعين، عشان كِدَه قررت أنشر الحكاية، عشان زميلاتها يعرفوا إيه أخرة اللعب بالأشياء الغامضة اللي تخص العوالم التانية، وعشان إسراء تعرف إنها خلت ندى تقف قدام باب الهلاك برجليها وتخبَّط عليه بكل إرادتها، ورغم إن معرفة الحكاية مش هتخلي ندى ترجع؛ ولا هترجع ماما اللي ماتت بالحسرة عليها، لكنها هتخلّي ناس كتير تاخد حذرها، وتحذر من الأرقام اللي بتفتح باب بينا وبين عالم إحنا مُش قدُّه؛ أو أي حاجة تانية غير الأرقام ممكن توصَّلنا لنفس المصير.
***
تمت...