_الشقة فيها قلق، هي إيه الحكاية يا زعفرانة؟
-أبدًا.. متشغلش بالك أنت.
_يعني إيه مشغلش بالي؛ دي شقّتي! إيه صوت الخبط والكركبة ده؟
=قلت لك كبّر دماغك.
_زعفرانة يا لئيمة، أوعي تكوني جايبة حد من أهلك يقعد معاكي وأنا آخر من يعلم.
=أنا مقدرش أعمل حاجة من وراك، أنت إيدك تقيلة.
_طيّب انجزي وقولي إيه اللي بيحصل، بدل ما أقلب عليكي الكوباية.
=على فكرة بقى هُمّا اللي بدأوا.
_هُمّا؟! بتتكلمي عن مين يا زعفرانة؟
=اللي ساكنين هنا.
_مفيش حد ساكن هنا غيري، أوعي تكوني أجّرتي الشقة من ورايا.
=أنا أقصد اللي ساكنين هنا من غير عقد، عُمّار المكان.
_الله.. مالهم عُمّار المكان بقى.
=قبل ما تعلّي صوتك وتطوّل إيدك لازم تعرف إن هُمّا اللي بدأوا.
_وأنتي إيه اللي بينك وبين عُمّار المكان؟
=أنا قاعدة كافية خيري شرّي، ودول نازلين همز ولمز عليا، يبصوا لي ويوشوشوا بعض، قُلت أشغّل الحاسة الزعفرانية وأعرف بيقولوا إيه، وطلعوا بيجيبوا في سيرتي.
_وتطلع إيه بقى الحاسة الزعفرانية دي؟
=أصل أنا عندي عين تالتة بشوف بيها، زي العين التالتة اللي بتبقى عند الإنسان الزوهري عندكم، عشان كده عندي قدرات أعلى من الجِن والعفاريت العادية.
_يعني عفريتة وعندك عين تالتة كمان، كان كفاية جوز عيون يا زعفرانة.
=يعني هو بمزاجي، حكمة ربنا.
_ونعم بالله؛ وطلعوا بيجيبوا في سيرتك ليه؟
=عشان أنا رايحة جاية في الشقة براحتي، بعمل اللي عوزاه، وهُما عايشين في السقف ومساحتهم محدودة.
_طيب وإيه الجديد، العُمّار دايمًا بيكونوا في السقف طالما أصحاب المكان موجودين.
=ماهو عشان كده بقى غيرانين منّي، ولما شغّلت الحاسة الزعفرانية وسمعتهم بيتوشوشوا، لقيت واحدة منهم بتقول للتانية بنت حبهان واخدة راحتها على الآخر.
_قالت بنت حبّهان؟
=يعني هفتري عليها؟
_لأ مالهاش حق، عيب طبعًا تجيب سيرة الحاج حبهان، ده على الأقل سعره غالي جدًا دلوقت ولازم تحترمه.
=هو مين ده اللي سعره غالي.
_لأ متاخديش في بالك، دي حاجة كده عندنا في تشابه بينها وبين الحاج أبوكي.
=المهم بقى إيه.. بنت الحاج حبهان راحت، بنت الحاج حبهان جَت؛ بنت الحاج حبهان عملت، بنت الحاج حبهان سوّت، قُلت مبدّهاش بقى.
_أيون يعني عملتي إيه يا زعفرانة انجزي.
=معملتش حاجة، أنا بَس سَخَطّها.
_نهار أبوكي حبّهان مش فايت! سخطّي جنّيّة من عُمّار المكان؟
=أيون.. سخطّها فار، وحطيتها في المصيدة اللي عند شباك المسقط.
_كمان؟ وأنا اللي فاكر المصيدة مسكت الفار اللي مطلع عيني من شَهر؟ وقُلت أخيرًا هرتاح منه وكنت داخل أموّته!
=ما تموّته إيه اللي هيحصل يعني؟ جنّيّة وراحت، دول بيخلّفوا كتير.
_دول كمان عندهم نفخ برضه؟
=ما أنت عارف اللي فيها هو أنت يعني صغيّر؟
_بقول لك إيه يا زعفرانة، روحي خرّجي الجنّيّة من المصيدة ورجّعيها لأصلها، ومتعمليش مشاكل مع عُمّار المكان، مش عايز مشاكل وصداع، أنا مصدّع وورايا بلاوي متلتلة ومش فاضي.
=وأبويا اللي اتغلط فيه ده حقه يروح يعني؟
_هبعتله اعتذار رسمي يا زعفرانة.
=لأ مش كفاية.
_إيه اللي يرضي السيد حبهان عين أعيان قبائل الجان؟
=آخد المصيدة بالجنّيّة اللي فيها للقبيلة عندنا، ولو أبويا عفا عنها هرجّعها لأصلها.
_ولو معفاش عنها؟
=هحط لها سِم فيران ونخلص.
_أنتي اتجننتي يا زعفرانة؟ هتموّتي جنّيّة بسِم الفيران؟
=إيه المشكلة ماهي على حالتها كده فار، ماهو الجِن مننا لما يتجسد بينطبق عليه كل حاجة تخص الشيء اللي متجسّد فيه.
_بالنيابة عن الحاج حبهان، أنا عارف إنه راجل طيب وأمير وهيسامح، وجايز كمان هو اللي يرجّع الجنّيّة لأصلها.
=ميقدرش.
_ليه ميقدرش.. هو مش عفريت؟
=عفريت.. بس أنا مَسَخت الجنّيّة مش سخطّها وبس.
_وإيه الفرق بقى؟
=لو مسخوطة أي عفريت أو جِن يقدر يرجّعها لأصلها، هي كمان تقدر ترجّع لأصلها بدون ما حد يتدخل، إنما المسخ حاجة تانية، لازم اللي حوّلها يرجّعها.
_اللي شبكنا يخلّصنا يعني.
=طبعًا طبعًا.
_اتحشّمي يا زعفرانة، أنتي بتتهزّي كده ليه؟
=مش بتقول اللي شبكنا يخلصنا، أنا قُلت إنك هتغنّي وكده.
_اتلمي واقفي على بعضك، وروحي طلّعي الفار من المصيدة، قصدي الجنّيّة اللي أنتي سخطاها فار.
=بس لو مكنتش مصمم، عمومًا يعني أنتي مروَّق عليا وجايب بخور غالي، يعني صارف ومكلّف، وعشان خاطرك هرجّعها لأصلها وسماح المرة دي، بس لو جابت سيرتي أو سيرة حد من عندي مرة تانية أنا هسخطها سحلية من غير ديل.
_ماشي يا زعفرانة اللي تشوفيه، روحي طلّعيها يلا.
***
_مفيش مَيَّه في الحنفية يا زعفرانة، والميَّه هنا مش بتقطع، أوعي تكوني بتلعبي في المحبَس وقفلتيه.
=لأ المحبس مش مقفول.
_أومال الميَّه مش موجودة ليه؟
=ماهو...
_ماهو إيه انطقي، أكيد تعرفي السبب، قلبي حاسس إن البواب ورا قطع الميَّه.
=لأ البواب ولا يعرف، وبعدين الميَّه موجودة في الشقة كلها إلا حنفية حوض الحمام.
_وحنفية حوض الحمام مالها مش بتنزل ميَّه ليه؟ صايمة ولا مفيهاش مَيَّه ولا تعبانة النهارده ومالهاش نفس تشتغل؟
=لا ده ولا ده ولا ده.
_ما تنجزي يابنت مِسكتة الصابون في عيني.
=الحنفية فيها جِن.
_نعم! يعني الجِن ساب الكوكب كله بالخرابات والبيوت المهجورة، وقعد جوّه الحنفية اللي هغسل فيها وشّي؟
=ما أنا هقول لَك.
_انطقي، وبعدين أنتي خرّجتي الجنّيّة من المصيدة ولسّه في صوت كركبة.
=ما هو الجِن اللي في الحنفية بيعافر، لحظة أجيب لَك كوباية مَيّه تطُس وشّك عشان الصابون ده.
_دَه أنا هنفخك يا زعفرانة، النفخ التاني مش اللي في الودان عشان شايفك مبسوطة.
=خلاص هقول.
_انطقي.
=ده واحد مع العُمّار.
_أنتي واخدة عُمّار المكان أسرى يا زعفرانة؟
=أعمل إيه يعني، كلامه خلّى دمّي فار.
_إيه بس اللي خلّى دمك يفور؟
=آخر مرَّة حبستني فيها تحت الكوباية الأخ ده شافني، ولما خرجت بقى في الراحة والجاية تلقيح، الحلو اللي تحت الكوباية، ما تيجي عندنا وكوباية تلمّنا، وكلام كتير.. جِن قليل الأدب.
_لأ غلطان طبعًا ده اسمه تحرُّش.
=وهو أنا سكِت يعني؟ استنيت لما رجع مكانه في السقف، ومسكت فردة شبشب وضربته زي البُرص.. ولما وقع كتّفته وحبسته في الحنفية.. على فكرة الشبشب بتاعك خامته حلوة أنت جايبه منين؟
_خامة إيه يا أم مخ زيكو أنتي، هو أنا في الشبشب ولا في الجِن اللي سادد الحنفية.
=ما تكلّم البواب يجيب سبّاك.
_ولما السّباك ييجي أقول له إيه؟ في جِن كاتم الحنفية!
=طيب استنى أمسح لك الصابون على ما أسحب الجِن.
_ابعدي إيدك بمخالبك دي، هتشيلي عيني يا زعفرانة.
=أنا آسفة مقصدش، استنى أحوّل إيدي، تحبها على شكل إيد مين؟ لو اخترت ملكة جمال العالم هتلاقي إيدها موجودة قدامك.
_بطلي رغي يا زعفرانة، أنتي بترغي أكتر من الصابونة، اتنيلي شيلي الجِن اللي أنتي حبساه في الحنفية عيني ورمت من الصابون.
=خلاص متعصّبش نفسك.
_أنتي بتعملي إيه.. ليه بتنفخي في الحنفية؟
=وهو أنت فاكر إني هخليه يطلع، ده جِن متحرّش، بنفخ في الحنفية عشان يمشي في المجاري، ميستاهلش إلا كده.. شُفت، الحنفية اشتغلت أهي.
_والله؟ مش كفاية دخان البخور مخليني مش شايف.. تقومي تسدّي الحنفية والصابون على وشّي؟
=يعني أسيبه يتحرّش بيا؟
_ما أنا قلت لِك داري ديلك يا زعفرانة، الديل عورة، وهي دي النتيجة.
=وحتّى لو مش مدارية ديلي، فين غض البَصر بقى؟
_ده أنا اللي هخليكي تغضّي ديلك ده، تعالي يا بِنت مِستكة.
***
=خلاص.. ارفع الكوباية مش هعمل حاجة تاني.
_واخدة العُمّار أسرى يا زعفرانة؟
=مش هعمل فيهم حاجة تاني.
_مش أنا منبّه عليكي تركزي في شغلك ومالكيش دعوة بالجيران ولا بأي حد؟
=هُما اللي بدأوا.
_تقولي لي يا زعفرانة، مش تمسخي جنّيّة لفار وتحبسي جِن في الحنفية.
=خلاص، المرّة الجاية لو في حاجة هقول لَك قبل ما أمسخهم.
_لأ يا زعفرانة، تعرّفيني وأنا أتصرّف، ساعتها هصرفهم وهعمل تحصين للمكان ومش هيرجعوا تاني غير لما يتعهّدوا ميقرّبوش منك.
=طيب ما هو الحل موجود وحلو أهو.
_قولي لنفسك، هو أنا اللي مسخت الجنّيّة وحبست الجِن؟
=خلاص ارفع الكوباية بقى، نفسي قرّب يتكتم.
_يعني لو كنت قتلت الفار بمجرد ما شُفته، مش كان زمان في تار بيني وبينهم؟
=ولا يهمك منهم، اللي يقرّب منك خبطة واحدة بديلي يطلع منه السّر الإلهي.
_لأ يا زعفرانة، أنا مش بحب العُنف، كل شيء يتحل بالمنطق.
=والكوباية دي إيه؟ مش محسوبة من العُنف؟
_ماشي يا زعفرانة هرفع الكوباية، بس لو خرجت وعملتي مشاكل تاني هقطع لك ودانك وأضيّع مستقبلك، أنتي فاهمة طبعًا أقصد إيه.
***
تمت...