في شيء مش مظبوط، من كام يوم وأنا بسمع أصوات غريبة، حركات مُريبة، والغريبة إني بسمعها جاية من أوضتي، وبالتحديد من دولابي.
أنا إنسان لازم يفهم كل حاجة بتدور حواليه، أكيد الصوت ده مُش من فراغ، كل حاجة بتحصل بيكون وراها سبب، والنهارده قررت أعرف إيه الحكاية، سيبت اللي في إيدي وركّزت مع الدولاب، وقفت قدّامه وحطيت وداني على الخشب بتاعه، الصوت كان جوّاه، في شيء بيتحرَّك؛ بيعافِر، ومع الوقت سمعت مع الحركة صوت حد بيزوم، الصوت كان أشبه بصوت الفيران، كل اللي فكرت فيه إنه فار دخل واتزنق في الدولاب وبيحاول يخرج طول الفترة دي.
لقيت نفسي بتصرَّف بطريقة بديهية، خبطت بإيدي على خشب الدولاب، قلت جايز لما يسمع الخبطة يحرَّك نفسه ويخرج، ولأني عارف إن من طبيعة الفيران لما بتحس بتهديد بتوقِف حركتها كنوع من التخفّي، لكن اللي حصل لما خبطت على الدولاب كان العكس، الصوت اترفع والمعافرة زادت، فتحت الدولاب وبدأت أبص فيه، الصوت كان موجود برغم إني مش شايف حاجة، تفكيري بدأ ياخدني في اتجاه تاني، وهو إن الدولاب فيه حاجة مبنقدرش نشوفها بالعين المجردة، وبتحاول تظهر وجودها، ولأني عارف ألاعيب المخلوقات دي ومكرهم، بدأت أشُك في زعفرانة، قلت جايز تكون هي اللي متخفّية وبتعمل فيا المقالب دي.
قفلت الدولاب ورجعت على الصالة، ساعتها لقيت زعفرانة نايمة فوق الحيطة جنب الساعة، حدفتها بقلم كان في إيدي فاتفزعت، وساعتها قُلت:
_على بابا.. عاملة نفسك نايمة؟
_لقيتك مشغول وأنت مش بتحب الدوشة، قُلت أنام شوية في مكان ميزعجكش.
_إيه اللي بيحصل في الدولاب يا زعفرانة؟
_أنت عارف إني مش بقرّب من دولابك.
_الصوت اللي في الدولاب ده صوت إيه؟
ساعتها ركّزت شوية وكأنها بتتأكد من كلامي وبعد شوية قالت:
_مش سامعة حاجة.
بصّيت لها وأنا بحاول أفهم هي صادقة ولا بتكذب؛ ولأني عارف إن عمرها ما كذبت عليا لقيتني بصدقها، سيبتها ومشيت عشان أشوف ورايا إيه، قعدت أكتب، ولما خلَّصت كتابة لقيت إن الصوت مش موجود، وأنا متعوّدتش أفكر في حاجة مش موجودة، عشان كده نسيت الموضوع.. دخلت نمت عشان أقوم لشغلي قبل الفجر كالعادة، نمت وصحيت، غيرت هدومي ورُحت شغلي، ولما رجعت بفتح باب الشقة وداخل، سمعت الصوت موجود كالعادة، وساعتها ندهت:
_أنتي فين يا زعفرانة؟
لما مردَّتش عليا عرفت إنها مش موجودة، كبرت دماغي من خروجها من ورايا مؤقتًا وركزت مع الصوت، حطيت شنطتي ودخلت عند الدولاب، فتحت الدرفة اللي طالع منها الصوت وقلت:
_أنت مين؟
محدش رد عليا، كنت سامع أنفاس مكتومة وبس، زي ما يكون حد بيحاول يخفي وجوده عنّي، وهنا حسيت إنه جِن أو شيطان، وطبعًا كان عندي أسلوبي اللي أتأكد عن طريقه.
خرجت من الأوضة ورُحت على المطبخ ورجعت معايا كيس الملح الخشن، فضّيت شوية على كف إيدي ورميتهم في المكان اللي الصوت طالع منه، ساعتها سمعت صرخة وشمّيت ريحة شياط، وبعد شوية لمحت دخان في الدولاب، ومن هنا اتأكدت إن ده جن أو شيطان خافي نفسه وقاعد في دولابي، الملح حرق جسمه فصرخ، وريحة الشياط والدخان كانوا نتيجة الحروق اللي عملها الملح في جسمه، ساعِتها ضحكت ضحكة خفيفة كده وقُلت:
_أظن كده مفيش مجال تنكر وجودك، أنت مين؟
في اللحظة دي سمعت صوته بيقول:
_عاوز أخرج من هنا.
_تخرج! هي وكالة من غير بواب؟! مش لما أعرف بتعمل إيه في دولابي بقالك كام يوم؟
_ياريت متسألنيش كتير، خرَّجني من هنا وأوعدك مش هرجع تاني.
_توعدني؟ أنتوا مفيش عندكم عهد.
_أنا جِن مُش شيطان، وأنت عارف إن الجِن بيوفي بعهده.
_لكن برضه مش هتخرج غير لما أعرف إيه حكايتك بالظبط، وأعرف بتعمل إيه في دولابي.
_أنا ممنوع من الكلام، أبوس إيدك خرَّجني ومش هتشوفني هنا تاني.
_أنت عارف إني ممكن أتسلّى عليك بالملح، لحد ما تجاوب على سؤالي.
_أنا أندفن في قبر من الملح، أهون من إني أخالف التعليمات اللي عندي وأتكلم.
_تعليمات من مين؟
_معرفش.. قُلت لك مش هتكلم.
_طيب اسمك إيه؟
_مش هجاوب.
_بُص أنا مستغني عن كيس الملح ده، يعني هفضّيه كله فوقك لو مقولتش اسمك إيه.
_خلاص خلاص، اسمي شَقلَط.
_شَقلَط! إيه الاسم الغريب ده! معناه إيه؟
_أنا اتشهرت بالاسم ده لأني جِن خفيف الحركة.
_وبتعمل إيه في دولابي يا خفيف الحركة.
_مش هقدر أتكلم أكتر من كده.
كنت ملاحظ إن نبرة صوته كلها رعب، فكرت في السبب اللي يخلّي جِن يبقى مرعوب بالطريقة دي، وسألت نفسي ليه زعفرانة لما سألتها عن الصوت قالت إنها مش سامعة حاجة، معقول شَقلَط أقوى من زعفرانة لدرجة إنه قادر يخفي نفسه عنها؟
معرفش ليه طلع في دماغي أخليه يظهر نفسه، ولمّا طلبت دَه منّه رفض، هددته بالملح للمرة التانية، وساعتها وافق، لكنه رفض يظهر في هيئته الحقيقية، وقال إنه هيظهر في شكل آدمي، ولما وافقت على اقتراحه ظهر قدامي شخص متكوّم في ركن من رف الدولاب، كنت شايف قدامي قزم نحيل، لكن مش ده اللي كان لافت انتباهي، اللي لفت انتباهي هو وشُّه، كان أزرق ومليان كدمات، عينيه منفوخة ووارمة، ولاحظت إن إيديه متكتفة ورا ضهره ورجليه مربوطة في بعضها، وساعتها قُلت له:
_أنت متكتف كده ليه؟
_لأني متكتف في الحقيقة.
_ووشك متبهدل ليه كده؟
_لأنه كده في الحقيقة برضه.
في اللحظة دي صوت العصافير اللي عندي ارتفع فجأة، والنجفة اللي في الأوضة اتهزت والبيبان والستاير اتحرَّكوا، عرفت إن زعفرانة شرَّفت، وساعتها لقيته بيقول:
_أبوس إيدك شيلني من تحت إيدها، محدش بيقدر عليها غيرك!
بمجرد ما قال الكلمتين دول اختفى، قفلت باب الدولاب عليه ومشيت، وبقى عندي يقين إن زعفرانة ورا الحكاية دي.. لما خرجت الصالة لقيتها، وساعتها سألتها:
_إيه اللي خرَّجك بدون إذني يا زعفرانة.
_أصل...
_أصل إيه؟ أنتي ليه مش بتسمعي الكلام.
_بصراحة كده، كنت في القبيلة بتاعتنا.
_ده أنتي نهارك مش فايت أنتي وحبّهان أبوكي.
_مش عايزاك تتعصب.
_سيبك من الموضوع ده دلوقت حسابنا بعدين.. قوليلي يا زعفرانة، امبارح سألتك إن كنتي سامعة صوت في الدولاب ولا لأ.. مظبوط؟
_حصل.
_وقولتي إنك مش سامعة.
_حصل.
_بتكذبي ليه يا زعفرانة؟
_قصدك إيه؟
_مين شَقلَط اللي في الدولاب ده؟
_أنت عرفت إزاي إنه موجود.
_الشغل بتاعكوا ده مش هيخيل عليا يا زعفرانة، أنا كبرت دماغي الأيام اللي فاتت لما كنت بسمع خبط وأصوات، وقلت عقلك خَف وبقيتي تعملي حركات عفاريت فاضية وبتشتغليني، بس لما حطيت الموضوع في دماغي عرفت اللي فيها، قولي يا زعفرانة إيه الحكاية.
_وديني ما هسيبه.
_حلو.. كده بقى الكلام على مَيَّه بيضا، تعالي بقى عند الدولاب.
أخدتها ودخلت جوَّه، وفتحت الدولاب وندهت على شَقلَط، ساعتها سمعت صوت رعشته، كان خايف، لكني قُلت له متخافش، اظهِر نفسك يا شَقلَط.
في اللحظة دي أظهر نفسه وكان بنفس الهيئة اللي ظَهَر لي فيها، وأول ما بقيت شايفه لقيته بيتنطط زي السمكة اللي دخلت الفرن صاحية وبدأ يقول بلهجة متوترة:
_هي.. هي المفترية دي اللي عملت فيا كل ده، ورَّمِت وشّي من الضرب، وكتفتني زي ما أنت شايف كده.
شَقلَط قال الكلمتين دول واختفى تاني، ساعتها ندهت عليه وطلبت منه يظهر عشان أعرف إيه الحكاية، ولما قطع النفس ومردِّش عليا، افتكرت إن كيس الملح لسه في إيدي، قلت أتبع معاه أسلوبي، حدفت في مكانه شوية ملح، لكن مفيش حاجة حصلت، لا سمعت صرخته ولا شميت ريحة شياط، ولا لمحت دخان كالعادة، ساعتها بصيت لزعفرانة وقُلت:
_ده متأثرش بالملح!
ساعتها قالت لي بكل برود:
_لأنه مُش هِنا.
_مُش هنا يعني إيه؟ ماهو كان لسه قدامك دلوقت، وكان متكتف في الدولاب من فترة.
_كان هنا ومعادش موجود، أنا بعتُّه على القبيلة بتاعتنا.
_يعني إيه بقى الكلام ده؟
_ده اللي حصل، هو هناك دلوقت.
_إيه حكاية شَقلَط يا زعفرانة، جبتيه منين وإيه اللي خلاكي تعملي فيه كده؟
_أنا مجبتوش، هو اللي جه لحد هنا برجليه.
_يعني إيه جه برجليه، إيه الحكاية؟
_من فترة لما خرجت رُحت شغلك، سمعت خرفشة في الدولاب، ولمّا فتّشت شُفت فار، ولأن الحركات دي مش هتخيل عليا مسكته من ديله، كنت عارفه إنه جِن واتجسّد في فار لما حس بحد قريب منه، وطبعًا حركات الجن مش هتخيل على عفريتة من الجن زي حالاتي، مسكته وأجبرته يرجع لهيئته الحقيقية، وساعتها لقيته شَقلَط، جِن حرامي من اللي بيسرقوا دَهَب البشر، ولما لقيته جنب الخزنة عرفت إنه جاي يسرق الجنيهات الدَّهَب اللي فيها، ساعتها كتّفته وحبسته في الدولاب، وحذَّرته من إنه يظهِر نفسه أو يتكلم عشان متعرفش بوجوده لحد ما أخلّص إجراءات نقله للقبيلة عندنا، وكل ما تخرج لشغلك كنت بتسلّى عليه وأروَّقه.
_يعني أنتي اللي بهدلتي وشُّه كده؟
_جِن حرامي مشافش بجرام بخور تربية، وكان لازم يتربّى، ده غير اللي هيشوفه عندنا في القبيلة.
_وإيه علاقة القبيلة عندكم بجنيهات الدهب بتاعتي؟
_يعني لو مسكتوا حرامي بيروح فين؟
_قسم الشرطة.
_وأنت طبعًا مينفعش تروح القسم تقول لهم أنا ماسك حرامي اسمه شَقلَط ومن الجِن.
_أكيد.
_يبقى مفيش غير القبيلة عندنا، ينزل مع الجِن المجرم اللي تحت يتربى، كل حرامي ياخد جزاؤه حسب القانون اللي يقدر يحاسبه، وبما إن القانون عندكم ميقدرش يحاسب شَقلَط، يبقى القانون عندنا يقوم بالواجب.
ساعتها عرفت زعفرانة كانت بتعمل إيه في القبيلة، وعرفت ليه حبست شَقلَط في الدولاب ومنعته من الظهور، أكيد خافت لو عرفت بالحكاية أعفو عنه وأخليها تطلق سراحه، وده اللي خلاها تبعته للقبيلة قبل ما تحكي حكايته، عشان تحطني قدام الأمر الواقع.
الأيام فاتت وانشغلت في الحاجات اللي ورايا، نسيت شَقلَط ونسيت حكايته، لحد ما في ليلة كنت قاعد بكتب، ساعتها حسيت بزعفرانة واقفة ورايا، ولما سألتها عايزة إيه، لقيتها بتمِد كف إيدها قدامي، ساعتها لقيت كف إيدها وكأنه اتقلب لمراية، شُفت فيها مكان غريب أشبه بالكهف، الضوء اللي فيه أحمر، ولقيت جواه قفص حديد، ولما ركزت في القفص، شُفت جوّاه كائن طويل لونه أسود وبقرون، كان متعلق من ديله بالجنزير في سقف القفص، وراسه كانت نازلة في كومة ملح خشن، كان بيصرخ وراسه بتدخّن، ولما سألتها مين ده قالت:
_دَه سِجن القبيلة عندنا، ودَه عقاب الجِن الحرامي، واللي أنت شايفه ده يبقى شَقلَط!
***
تمت...