هل هي زيارتك الأولي ؟دليل الزيارة الأولي

آخر الموثقات

  • لا تسرق نفسك
  • عبده البلف
  • لعلمك انت بحبك انت
  • حمدي الحب
  • لا أنتمي للصوفية بذاتها لكن القلب يتبسم لها
  • القلق و الاحباط 
  • ليس تمصيرا
  • صاحب العمل و الفصلان
  •  العوده بعد 60 دقيقه مشى فى الغابه 
  • كأنها أمراةً 
  • نورا
  • الصديق الوفي
  • دمٌ ملكي
  • الأثر الطيب 
  • كلما أشتاق إليك..
  • هو انتي مبتناميش ؟
  • كتابان في معرض القاهرة الدولي للكتاب 2025
  • الاعتقاد تحتّ الميكروسكوب
  • جناح الأمومة الخفي
  • أيا مؤنسي
  1. الرئيسية
  2. مدونة أسيمة اسامة
  3. الحيّ أبقى من الميت

- ستحضرها معك، قل بأنّك ستفعل..
- لا أستطيع، هل جننت؟ بالله عليك كيف خطر لك هذا.
- إيّاك أن تعود بدونها قل إنك ستفعل، لولا منعك إيّاي من الذهاب إلى أم خالد البارحة، لكنت أتيت بها بنفسي.
- حسنا، اتركيها على الله.

كادت أن تنفجر، وتصرخ بوجهه وتمزقه بأظافرها، وهي تذكره بفعلته في الشتاء الماضي حين ظل يترقب المعونات.
أشاحت بوجهها عنه، وشغلت نفسها بتدثير صغيرها، نفخت على يديها في محاولة لبثّ بعض الدفء في أطراف أصابعها المتجمدة، مسحت بها على وجنتي وحيدها الباهتتين، وهي تقول بصوت مرتعش:
-أحمد يرتجف، أصابعه مزرقة. سيتجمد من البرد.. تحرك يا رجل
سحب نفسا عميقا من سيجارته الرديئة ونفثه، ورد عليها بقهر محاولا كتم حشرجة الفقد:
-محمد، محمد يا امرأة..
قطع السعال صوته، التقط في عينيها هلعا ورعبا، هذه المخاوف تسللت إلى عقله، وأخرست لسانه، وجعلته يجرّ مزيدا من السعال المصطنع كي يهرب من الخيمة، أحكم لفّ الغطاء الصوفي المهترئ على رأسه، واختلس نظرة إلى ابنه المدثّر بلحاف سميك، فاحت منه رائحة الرطوبة، وقلبه يلهج بالدعاء له أن ينجو..
انتعل جزمته المطاطية الطويلة، ووضع على كتفيه الواهنتين بطانية من بطانيات الإغاثة القديمة، وهمَّ بالخروج، لكن صوتها عاد ينقر أذنيه وهي تتمتم باكية:
-لن أدع محمدا يلحق بأحمد، وأنا أنتظر الإغاثات..
أسرع نحو باب الخيمة وأزاح بقدمه الحجارة التي وضعها على أطرافه المتدليّة ليثبّته على الأرض في وجه ريح أو حيوان شارد.
لم يكد يضع رجليه خارج الخيمة، حتى لفحت ذرات الثلج خديه، وجعلته يغمض عينيه نصف إغماضة، وتابع سيره نحو الطرف الشرقيّ للمخيم، تراءت له عائلته ذات ثلج قديم، وهم يتقاذفون كرات الثلج، كانت ضحكاتهم وحركاتهم السريعة تبثّ الدفء في عروقهم، وتحبسه داخل ستر جلديّة لامعة ومبطّنة بالفرو. لعن الثلج في سرّه، كيف صار قاسيا هكذا، كيف أخذ منه أحمد، وسيفقده محمدا إن لم يتصرف بعجل.
تابع سيره المتعثر، انغراز جزمته في الثلج مرة إثر مرة، أعاد له ذاك الشعور حينما كان (بوطه) العسكري ينغرز في ثلوج جبل الشيخ منذ سنوات بعيدة، وعيونه ترصد كل حركة على الجانب الآخر، وشعوره بواجب الذود عن وطنه ينسيه البرد ويبعث الحرارة في عروقه. وقف فجأة مكانه، سحب علبة السجائر من جيبه، التقط واحدة وأشعلها. وهج الجمرة لفح وجهه وأسال دمعة واقفة على طرف جفنه.
جلس القرفصاء، تلفّت هنا وهناك، سحب نفسا آخر من سيجارته ورماها لتنطفئ على كومة الثلج، انتفض واقفا، فتح عينيه جيدا، شعّ منهما بريقا كلّه تصميم على إنقاذ ولده.
أكثر من عشرة جثث صغيرة مسجّاة على الثلج، اقترب من جمع الرجال المتحلقين حول الجثث صامتين بعيون ورّمها البرد و البكاء، أخذ المعول من يد أحد الرجال، وبدأ بالحفر ومع كل ضربة على الأرض، كان يزداد دفئاً، والحفرة تكبر، تمنى للحظة أن تبتلعه قبل أن يقول ما يريد لأبي خالد.
بدأ الرجال برصّ جثث أطفالهم المتجمدة والملفوفة بأسمال بالية، في الحفرة. عيناه تترصدان أبا خالد، حينما حمل طفله الملفوف بسترة جلدية لامعة، قبّله وشمّ رائحته، واتجه به نحو الحفرة، صار قريبا منه، عليه أن ينهي الأمر سريعا، منعته هيبة الموت من النطق، تسمّر مكانه، تشنجت أمعاؤه الخاوية، وكادت تخرج من فمه. علت نبضات قلبه على صوت المعاول، وتكبير الرجال وتهليلهم، صورة أحمد تمثلت أمامه، وكأنه يأخذ بيد أخيه ويمضي بعيداً، رمى المعول من يده، وقفز نحو أبي خالد هامساً له بتوسل:
-أريد سترته، الحيّ أبقى من الميت.

التعليقات علي الموضوع
لا تعليقات
المتواجدون حالياً

2266 زائر، و2 أعضاء داخل الموقع