هل هي زيارتك الأولي ؟دليل الزيارة الأولي

آخر الموثقات

  • تزوج اتنتين معا | 2024-09-07
  • التنمية البشرية والمبادرة المنتظَرة، ، مقال | 2024-09-07
  • الصفر ….الصدئ | 2024-09-07
  • وصلنا لفين | 2024-09-07
  • كود 396 او كود تسلا بطيخة | 2024-09-07
  • ﻟﻠﻐﺮﺑﺔ ﺁﻻﻑ ﺍﻷﻭﺻﺎﻑْ  | 2016-12-28
  • خطأ التعامل مع الشخص علي أنه ذكي | 2024-09-07
  • لعنة الله علي المناصب | 2024-09-07
  • حسام حسن و العناد | 2024-09-07
  • وجبة بطاطا | 2024-09-06
  • دوامة البدايات | 2024-09-07
  • حبات الرمل (١) | 2024-09-06
  • عدة أوجه  | 2021-09-06
  • اريد | 2024-09-04
  • هذه الليلة صاخبة | 2024-08-02
  • أنت قدّها وقدود | 2024-09-05
  • خليفة إبليس في الأرض | 2024-09-04
  • للصمت حياة لا يعقلها الحالمين  | 2024-09-02
  • حياة نصفها كِتاب | 2024-09-03
  • مبعتمدش انتماءات  | 2023-09-06
  1. الرئيسية
  2. مدونة أسيمة اسامة
  3. القصاب - مشهد روائي 

 

 

 

- يا أبا محمود داخلة على الله وعليك أن تترك الولد بحاله. 

- يا أم محمود .. محمود كبر و صار رجال ولازم يعيني بالشغل.. 

- قال كبر ..قال.. لم يتم الخامسة عشر بعد، بالله عليك أن ترحمه. 

- يا امرأة عندما كنت بعمره كنت أعلق الذبيحة على السلم وما أتركها غير خالصة.. 

- معك حق.. لكن أنت كنت تحب هذه المصلحة أما هو يحب المدرسة والدراسة وأخاف عليه من منظر الدم أن يؤذيه.. 

 

ضحك أبو محمود ضحكة مدوية، اهتز معها كرشه وهو يقول:

- فعلا ناقصات عقل ودين..

 

تركها وخرج من الغرفة، وهو يحمل كيسا أسودَ فيه السكاكين المشحوذة بيد، وباليد الأخرى خشبة مستطيلة الشكل طولها حوالي المتر خاصة بتقسيم اللحم.

 

عندما لم يجد محمود ينتظره أمام باب البيت، وضع الأغراض في صندوق سيارة البيك آب، وملأ وعاءً بالماء ووضعه أمام الكبشين المربوطين في الصندوق ليشربا، ومن ثم عاد إلى داخل المنزل وهو يصيح: 

- محمود ، محمود .. تأخرنا على الجماعة يا ابني..

خرج محمود من غرفته مسرعاً وعلى وجهه بعض الارتباك: 

- حاضر .. لقد أتيت.

 

ركب أبو محمود في الكرسي الموجود بجانب السائق ورمى مفاتيح السيارة لابنه قائلا وهو يمازحه ويثير من عزيمته:

- اليوم أنت المعلم وأنا الشغيل عندك.

 

التقط محمود المفاتيح وركب السيارة وهو يقول : 

- استغفر الله يا أبي أنت الكبير وتاج الرأس..

 

ومن ثم أدار المحرك وانطلقت السيارة.

 

في الطريق لاحظ أبو محمود الارتباك على ولده فقال له:

- لازم تقوي قلبك يا ابني، الخاروف بين يديك روح والله سيحاسبك عليها.. 

- والله يا أبي خائف، هذه أول مرة أذبح بها .. 

- لم الخوف، أنت رجل والرجل قلبه ميت لا يعرف الخوف... ابني لا تبهدلنا أمام الجماعة الله يرضى عليك. 

 

وصلت سيارة البيك آب إلى منزل أبي صلاح، جموع من الناس تقف أمام المنزل بانتظار القصاب أبي محمود، وقدوم أبي صلاح وزوجته من المشفى وهما يحملان صلاح مولودهما الأول الذي طال انتظاره لأكثر من عشر سنوات.

 

نزل أبو محمود من السيارة وحيّى الواقفين، واتجه إلى صندوق السيارة وأنزل العدة، بينما محمود يمسك الخروفين كل واحد بيد من رقبتيهما ويسحبهما لينزلهما من السيارة.

 

كان الخروفان مدركين بأنهما يساقان إلى الذبح، فعاندا محمود وبدأ كلاهما بهز رأسه بقوة ليتخلص من يده بينما قوائمهما قد تشنجت على أرضية السيارة، تقدم شابان ليساعدا محمود وقفز أحدهما إلى الصندوق يدفع أحد الخراف بينما الأخر أمسكه من رأسه وشده نحوه وأنزله بصعوبة، وبعد أن أنزلوا الخروف الآخر، وقفوا جميعهم بمدخل الدار ينتظرون وصول سيارة أبو صلاح التي لاحت لهم من بعيد.

 

نظر أبو محمود إلى عيني ولده وكأنه يقول له:

- اليوم يومك يا قبضاي.

ومن ثم أمسك بالخروف وأداره نحو القبلة وأضجعه على الأرض وثبت قوائمه الأربعة بينما محمود يفعل كما يفعل أبوه بكل سلاسة وهدوء، ولكن الخوف من اللحظة الحاسمة كان يفزع قلبه، ووجد نفسه أيضا خجلاً مما سيعمله، لم يكن حلمه يوما أن يكون قصابا كأبيه. كلما اقتربت سيارة أبي صلاح منهما ازدادت دقات قلب محمود ، وما أن وقفت السيارة أمامهما ونزل أبو صلاح ليرحب بالموجودين وأم صلاح نزلت كالملكة من الباب الآخر وهي تحمل وليدها الصغير، حتى شعر محمود بألم في معدته، وضجيج في رأسه فصله عن أصوات الحضور ومباركاتهم، وكل ما تناهى إلى أذنه صوت أبيه وهو يكبر ويحز عنق الخروف الذي بين يديه والدماء تنفر، حينها استجمع قواه وأغمض عينه وصاح مكبراً وجز عنق الخروف مرة وثانية وثالثة ورمى السكين من يده بينما الخروف ينتفض والدماء تنفر من رقبته، شعر محمود أنه على وشك التقيؤ لكن صوت أبيه وهو يكبر فرحا ويقول له:

- الله أكبر، حياك الله يا بطل..

 

كلما زادت نفضات الخروف وضربه للأرض بقوائمه كلما زادت دقات قلب محمود وخوفه. 

لكن عندما توقف الخروف عن الحركة هدأت أعصاب محمود، ووقف ينظر هنا وهناك يوزع الابتسامات، لكنه فوجئ بأن الجميع قد غادروا إلى الداخل، فضحك وقال لأبيه:

- والله يا أبي كنت أفكر بأن الأمر أصعب من ذلك.

رد عليه والده وهو يحدث شقا في إحدى القائمتين الخلفيتين للخروف:

- هيا يا بطل .. علينا أن نسلخ الخروفين بسرعة..

 

وسع الشق بين الجلد والعظم جيدا، وفعل نفس الشيء في القائمة الاخرى بينما الابن يقلد ما يفعل أبوه بحماس واحترافية.

 

بدأ أبو محمود بنفخ الذبيحة من الشقوق التي أحدثها، وعندما انتفخت كان الفتى قد أنهى نفخ ذبيحته أيضا.

 

أخذ أبو محمود يضرب الذبيحة بعصا بهدوء ليسهل على نفسه سلخها، بينما محمود يفعل كما يفعل أبوه باهتمام شديد ، وبعد أن تم سلخ الجلد عن الخروفين، ضحك أبو محمود وقال لولده: 

- يعطيك العافية ما قصرت، غسل وارتاح بينما أنهي تقطيع الذبائح.

 

خشي أبو محمود على ابنه أن لا يحتمل الروائح المنبعثة من فتح بطن الخراف، وخوفا من أن يكره العمل معه أراده أن يقبل عليه وهو مرتاح وخاصة أن تقطيع الخراف بعد تعليقها بالشناكل يتطلب قوة عضلية لكسر عظامها ولويها، بالتأكيد محمود قد أصابه التعب وأرهقه التوتر.

 

أصر محمود أن يبقى مع أبيه حتى نهاية العمل، وبدء بنقل القطع إلى وعاء نحاسي كبير، وما أن انتهيا حتى بدأ الطباخ بصب الماء على القدر، ورفعه هو واثنين من معاونيه ووضعوه على موقد كبير.

خرج أبو صلاح من بوابة المنزل إلى الفسحة الأمامية للدار حيث يتم طبخ الذبائح، ونادى على أبو محمود ودس له ظرفا في جيبه وهو يقول:

- لن نتناول الطعام قبل أن تأتي انت والبطل محمود.. 

 

رد عليه وهو يعيد له ظرف النقود:

- لو كنت تريد أن نعود إلى الغداء ما كنت أعطيتني هذه النقود... والله زعلت منك ..تعبي مباركة بقدوم صلاح إن شاء الله يربى بعزك ودلالك..

 

أخذ منه الظرف وأعطاه لمحمود وهو يقبله من رأسه:

-اليوم ما شاء الله محمود ما قصر، وهذه النقود هدية مني له..

 

ارتبك محمود ونظر نحو أبيه، فأسرع أبوه قائلا:

- خذها من يد عمك..

ربي يعوض عليك يا أبو صلاح ..

 سنكون عندك أنا ومحمود على الغداء..

- يا حي الله ..الدار داركم..

 

ودعهما إلى السيارة وهو يضع في الصندوق كيسا يحتوي على جلود الخرفان وكيسا أخر يحتوي على الكرشة والأمعاء.

 

بينما ركب أبو محمود وابنه السيارة وانطلقا، عاد أبو صلاح نحو الطباخ وهو يوصيه أن يكون كريما بالسمن البلدي، ولا يريد أن ينتقد أحدٌ طعامه.

 

ضحك الطباخ، وهو يزيل الغثوة عن وجه مرق اللحم "بكفكير" كبير، وطلب من أبو صلاح أن لا يحمل هم فهذه ليست المرة الأولى التي يطبخ له فيها.

 

وصل أبو محمود وابنه المنزل، وما أن دخلا حتى ركضت أم محمود وهي تبكي نحو ابنها تقبله وتضمه ومن ثم تقلب راحتيه وتتفقدهما إن كان قد جرح نفسه أو أصابه مكروه، صاح فيها زوجها:

- ابتعدي عنه، محمود رجل، قصاب ابن قصاب ..

 

قاطعته زوجته وهي تتغاضى بينها وبين نفسها عن الروائح المزعجة المنبعثة من ابنها:

- المدرسة يا أبو محمود، منذ صغره وحلمنا أن يكون مهندس مثل خاله..

 

صمت أبو محمود قليلا ونظر نحو عيني ابنه ثم قال:

- نعم يا امرأة صدقت، لكن هذا هو اسأليه ماذا يرغب وأنا لن أقف بطريقه.

 

استبشرت أمه خيرا وهي تسأله:

- ها.. ماذا قلت يا روح أمك؟

 

أدار وجهه عنها، وتحسس ظرف النقود في جيبه ورد عليها بثقة:

- أنا رجل .. أريد أن أعمل مع أبي..

 

ضحك الأب حتى بانت نواجذه، بينما الابن انسحب نحو الحمام، فعليه أن يستحم ويرتدي ملابسا تليق به ليذهب مع أبيه إلى حفلة الغداء.

 

بينما أمه شهقت وحبست كلامها وهي لا تعرف ما الذي غير ابنها بهذه السرعة، وهي تعرفه أنه يخاف أن يقتل ذبابة، ومن أين جاء بهذه الوقاحة ليرد عليها هكذا، وهل يعقل أنه ذبح الخروف اليوم، تساؤلات شتى دارت في خلدها، لكن كل ما تعرفه أنه يجب أن تحارب من أجل تحقيق حلمها في أن يكون ابنها مهندسا مدنيا وكل الناس تحلف بحياته. 

 

في حديقة بيت أبي صلاح صفت الطاولات بجانب بعضها، وتربعت صواني الأرز الكبيرة المكللة باللحم واللوز والصنوبر في منتصف الطاولات ورائحة اللحم والسمن البلدي تفوح في أروقة الحديقة حيث بدأ ضيوف أبي صلاح باتخاذ أماكنهم لتناول الغداء. ما هي إلا دقائق حتى دخل أبو محمود وابنه إلى الحديقة، فركض نحوهما أبو صلاح مرحبا، وأمسك بيد محمود وأجلسه بجانبه وهو يقول:

- ستأكل كل هذا، "فأكل الرجال على قد فعالها"

ضحك الجميع، بينما محمود كان يراقب يد والده ويقلد حركاته كيف يتناول الأرز مع اللحم ويكوره ثم يلقفه إلى فمه ويلتهمه بشراهة.

التعليقات علي الموضوع
لا تعليقات
المتواجدون حالياً

1248 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع