هل هي زيارتك الأولي ؟دليل الزيارة الأولي

آخر الموثقات

  • تزوج اتنتين معا | 2024-09-07
  • التنمية البشرية والمبادرة المنتظَرة، ، مقال | 2024-09-07
  • الصفر ….الصدئ | 2024-09-07
  • وصلنا لفين | 2024-09-07
  • كود 396 او كود تسلا بطيخة | 2024-09-07
  • ﻟﻠﻐﺮﺑﺔ ﺁﻻﻑ ﺍﻷﻭﺻﺎﻑْ  | 2016-12-28
  • خطأ التعامل مع الشخص علي أنه ذكي | 2024-09-07
  • لعنة الله علي المناصب | 2024-09-07
  • حسام حسن و العناد | 2024-09-07
  • وجبة بطاطا | 2024-09-06
  • دوامة البدايات | 2024-09-07
  • حبات الرمل (١) | 2024-09-06
  • عدة أوجه  | 2021-09-06
  • اريد | 2024-09-04
  • هذه الليلة صاخبة | 2024-08-02
  • أنت قدّها وقدود | 2024-09-05
  • خليفة إبليس في الأرض | 2024-09-04
  • للصمت حياة لا يعقلها الحالمين  | 2024-09-02
  • حياة نصفها كِتاب | 2024-09-03
  • مبعتمدش انتماءات  | 2023-09-06
  1. الرئيسية
  2. مدونة أسيمة اسامة
  3. تشابهُ أسماء

• قطراتُ الدّمِ المرشوقةِ على الجدار ؛ مازالت حارّةً طازجةً رغمَ مروِر وقتٍ على ماحدثَ قبلَ مجيئِهم ، صهدُ بخارٍ يملأُ المكانَ ،ورائحةُ الموتِ الممزوجةِ برائحةِ العفنِ ،غزَتْ أنوفهُم لتزرعَ في قلوبِهم. الرّعبَ والجزعَ عمراً كاملاً ..
من نظرتِه الأولى لوجوهِ زملائِهِ الجدد؛ وتفاصيلِ المكانِ حولَهُ أيقنَ أنّ ماحدثَ كان اعتيادياً .
كانَ ذاكَ يومَه الأولَ في المعتقلِ وكلُّ ظنِّه أنَّ إقامتَه فيه لن تطولَ لكنّها طالَت و امتدّتْ لبضعِ سنواتٍ مريرةٍ لدرجةِ أنّهُ كانَ يطلبُ الموتَ مراراً ،لكنّهُ لم يحصلْ عليه .
إلى أنْ أتى اليومُ الّذي فُكَّ أسرُهُ به ،وخرجَ منَ المعتقلِ بجسدٍ متهالكٍ تاركاً روحَه أسيرةً خلفَ ذاكَ الجدارِ ،تحتَ لطخاتِ دمٍ لأشخاصٍ حملَ لهم في قلبِهِ حقَّ الزمالة.
كلُّ ليلةٍ يتكورُ في زاويةِ الغرفةِ،صوتُ بكائِه ونحيبِه يطغى على نومِه، كوابيسَ ليلِه تبقيهِ حبيسَ ذاكَ الجدارِ ، هذيانُه يسمعُه كلُّ مَنْ حولَه ، وخيالاتُ نهارِه تُلقيه على الجدارِ مرةً بعدَ مرةٍ مرشوقاً كقطراتِ دمِ زملائِه الذين لم ينسَ لونَ الرُّعبِ في عيونِهم وهم يُرشَقون بالرصاصِ فتتطايرُ دماؤُهم وتلتصقُ بالجدارِ لاتبرحُه .
خارجَ المعتقلِ ، استوى لديْه كلُّ شيءٍ ، والحياةُ فقدَت بريقَها ومعناها ، وكما كانَ في المعتقل، عادَ من جديدٍ لعدِّ الأيامِ والشّهورِ ،في حينِ كانَ عقربُ الثّواني في ساعتِه يمشي ببطءٍ بينما العالمُ يسير. ومع زحمةِ التفاصيلِ الداكنة؛ عزمَ على قطعِ الحدودِ هرباً من الكوابيسِ والثواني والجدارِ الملطّخِ بالدّم ،قدَماه هذه المرةَ لم تخذُلاه ،التمسَ طريقاً سلكَه معَه ثلَّةٌ منَ الأقرانِ لكلِّ منهم حكايتُه .
كلُّ يومٍ تزدادُ عزيمتُه وإصرارُه على الوصولِ ،لعلَّه يُشفى مِن مرضِ الغربةِ الّذي ألّمَ به .
ستُّ ليالٍ قضاها تائهاً في مجاهلِ الطريقِ ؛ وأخيرا وجدَ نفسَه أمامَ جدارٍ هائلٍ؛ يفصلُ بينَه وبينَ حلمِه ،جدارّ ضخمّ خُيِّلَ إليهِ أنَّه مبنيٌّ من آلامه وآلام مَن معه ، وكانوا جميعاً على يقينٍ أنَّ خلفَ هذا الجدارِ عالَمٌ سيُبهِرُهم ويُنسيهم مرارةَ القهر ،لكنَّ أصواتَ الرصاصِ الّذي انهمرَ عليهم فجأةً قطعَ عليه أملَهُ بأنَّ القادمَ أجملُ ،ورغمَ أنَّ حظَّه كانَ أوفرَ من حظِّ مَنٍ كانَ معَه،إذْ وجدَ نفسَه مَرمُيّاً على الأرضِ، صبرَ حتى انجلى الغبارُ ، لكنَّه عندما نظرَ نحوَ الجدارِ وجدَ رشقاتِ الدّمِ عينِها ، وحولَه تترامى جماجمٌ تشظَّتْ أدمغتُها، وأجسادٌ همدَتْ سابحةً بدمِها، امرأةٌ مصابةٌ تبكي وتنوحُ على طفلِها الضائعِ ؛ وعتمةٌ تلفَّ كلَّ شيءٍ حولَه.
للحظةٍ مرَّتْ في خاطرِه ذكرى ذلك الجدارِ تراءى لهُ مرةً أخرى ينهضُ أمامَه، روحُه الرهينةُ هناكَ نادَتْهُ، صورُ وخيالاتِ رفاقِ السجنِ الّذينَ أُزهِقَت أرواحُهم ،أصواتُ استغاثاتِهم تعالَتْ في أذنَيْه امتزجَتْ بعويلِ وأنينِ وصراخِ مَنْ كانوا معه ،نهضَ واقفاً؛ تحسّسَ أثرَ السُّياطِ التي مازالت محفورةً عميقاً في جسدِه، وندوبَ حروقِ السجائرِ على صدرِه . صمَّ أذنيه بكِلتا يديْه ، استجمعَ قِواه ،قفزَ فوقَ الأجسادِ الدّاميةِ ملطخاً رجلَيه بدماءٍ نديةٍ ،كانتْ قبلَ دقائقَ تسري في قلوبٍ مفعمةٍ بالحياةِ وبأملِ النجاةِ وحلمِ العبورِ إلى الجانبِ الآخرَ ،عبَرَ الجدارَ منتصراً لحلمِه ، غيرَ آبهٍ لإنسانيّتِه التي دفعَها ثمناً لثقتِه العمياءَ حتى تبصر .

التعليقات علي الموضوع
لا تعليقات
المتواجدون حالياً

1279 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع