هل هي زيارتك الأولي ؟دليل الزيارة الأولي

آخر الموثقات

  • جمال مصطنع
  • عدالة الأرض وعدالة السماء
  • عندما يغيب النور 
  • مش هاسمح لحلمي يموت
  • اعط تعطى
  • فتاه من الفيوم 
  • سيكون هناك
  • تتجول في ظلام السماء
  • أمانة يا صاحبي
  • قراءتي لكتاب لعنة فستان فرح لمايكل يوسف
  • خلاصة الكلام في حدود البدعة المذمومة:
  • زيارة القبور و الدعاء .. جائز
  • "بدون سابق انذار" نوعه إيه ؟
  • زمان بعيد فكريا
  • حبل المشنقة
  • رسالة إلى الله
  • رحلة سافاري
  • ألم أقل إنني
  • يا رعاكَ اللَّه
  • تعقيبي على قرائتي لكتاب (يومًا ما في أغسطس)، لأستاذي الكاتب الروائي مايكل يوسف
  1. الرئيسية
  2. مدونة د أماني عبد السلام
  3. التردد - قصة قصيرة

آخر موعد : 24 أكتوبر

إضغط هنا لمزيد من التفاصيل 😋

ظل متردداً لفترة طويلة. بين يديه هاتفه ينظر إلى الرسالة المغلقة. عقله يرفض فضّها بينما قلبه الضجِر، وجسده الذي يغلي بالشهوة، وفضوله الملتصق بجلده كعباءة من شوك، كل هؤلاء يصرخون في أذنيه ليفتح الرسالة ويقرأها. إنها رسالة من زميلته القديمة، التي شقت ستائر الغيب فجأة وظهرت له في محل عمله تبحث عن محامٍ، فوجدته بمحض الصدفة!

زميلة الدراسة التي لم يجمعهما في أيام الجامعة سوى اللامبالاة والتجاهل من جهتها، والنظرات المعجبة الصبيانية من جهته إلى أن رفعت إصبعها يلمع بخاتم الخطبة ذات يوم، فطوى صفحتها بسرعة خارقة تليق بمراهق واعٍ تماماً بما يفعل، وانتقل بقلبه إلى سواها. اليوم تضطرها الأيام للجوء إلى المكتب الذي يعمل فيه، وبسرعة غير عادية تطلب مفاتيح فضائه الشخصي، رقم هاتفه، واسم حسابه على فيسبوك. مذّ ذاك وهي ترسل له في المناسبات المختلفة، تتواصل معه بشأن مشكلتها القانونية مع طليقها.

اتهم نفسه وهو يتسلل إلى صفحتها بدافع الفضول. شيء يحيك في صدره كفأر حبيس يبحث عن مهرب، يحاول التراجع قبل أن يفقد السيطرة على قدميه المنزلقتين إلى عالمها. إنه يعرف أن هذا العالم كذوب لدرجة الفحش. ولكنه لامع وأنيق لأقصى درجة. يستعصي عليه منع حدقتيه من الغوص في الصور عالية الجودة، تسيران على المنحنيات وتقبلان البشرة البيضاء البضة. هو يعرف أن بثرةً حتماً كانت هنا، هالة داكنة هناك، أو لغداً متدلياً هنالك، ولكن عينيه لا تعرفان هذا. وهي محترفة بحق، تبرز الجميل باحتراف، وتخفي القبيح باحتراف أشد، والموضوع لا يحتاج لكثير من الخبرة، ف"الفلتر" يفعل كل شيء.

مازالت أصابعه عالقة في الهواء، تقترب من الشاشة ثم تعود قبل أن تمسها، وكأنه سيضغط زر إطلاق قنبلة نووية. يتطلع إلى الأيقونة الدائرية التي تحمل صورتها. الصورة التي تحمل كل الرسائل التي تتعمد إيصالها للآخرين.. "أنا حرة، وأفعل ما يحلو لي"، " أنا فاتنة وأعرف أني فاتنة، ولكن الرجال عميان، وجبناء أيضاً"، " لقد تحررت من رجل متسلط، وأنا أبحث اليوم عن حب جديد". كل تلك الرسائل وصلته من صورها، فصيحةً لا تحتاج لترجمة.

في حوارهما السابق، بعد كثير من التعمد من جهته للحفاظ على الرسميات، بدأت تسأله عن زوجته والأولاد، ثم ألمحت إلى شعورها بالحزن والوحدة. يعرف هذه "الدخلة" جيداً! وماذا عليه لو سأل بدوره عن سبب أحزانها؟ إنه رجل.. ما الأمر الخطير الذي قد ينتج عن حوار قصير عبر الانترنت؟ إنه ليس تقياً للغاية، ولكنه عاقل وهذه آفته! إنه لا يستطيع خلع عقله والتصرف كأهوج لا يفكر في عواقب الأمور. إنه لم يفعل هذا حين كان شاباً عازباً، أيفعل هذا الآن؟

ورغم المقاومة المضنية، والحرب الدموية بين عقله وفضوله، كتب رسالته حينها " وما سبب أحزانك يا ترى؟". تشقق السد فجأة وانطلقت كالفيضان تثرثر عن تجربتها المؤلمة مع زوجها السابق. كتم صوت الرسائل المتلاحقة وهو ينقل عينيه بشفقة بين الرسائل وبين زوجه التي تقطع البيت ذهاباً وإياباً، تجمع شعرها في كعكة عصبيةٍ، وتقف في المطبخ يصله صوت الصغير المتعلق بساقها، وتملي هي التعليمات من آن لآخر لابنهما الأكبر بشأن دروسه، وبصوت غلّظته عمداً لتستجلب الطاعة بسرعة. صوتها كان يقاطع استغراقه مع الرسائل الباكية بشكل يمزق الأفكار الشيطانية التي تراوده.

واليوم ها هو في البيت والجو هادئ وزوجه في المطبخ أيضاً ولكن الوضع أقل إزعاجاً. فتح الرسالة أخيراً وقرأها. تهنئه بعيد ميلاده. ها هي تتجاوز الحواجز الذي يضعها – بغير جدية- بكثير من السرعة. تبسم وخفق قلبه لثانيتين. خفقة خوف مختلط بإثارة، وهو الرجل ذو الحياة الرتيبة المضجرة. لم يمر بهذا الشعور منذ سنوات، وقد استقرت مركبه على ميناء الثلاثينات، وبعد الكثير من الشغف تجاه العمل، وتجاه الزواج، وتجاه الإنجاب، يترك الحياة تحمله ضاغطاً زر "الطيار الآلي"! هم أخيراً بكتابة الرد وهو يشعر بالهواء الذي تحرك داخل أضلاعه على أثر ضرباته السريعة.

قاطع جلسته العاطفية صرخة مدوية من زوجته قادمة من المطبخ. ألقى الهاتف وفزع إليها، وإذا بها عند باب المطبخ وضوء النار البرتقالية ينعكس على وجهها وهي تمنع الصغيرين وتحملهما مبتعدة. تفاجأ بالشقة تتعبا بالدخان، لا يعلم كيف ولا متى انطلق كل هذا الدخان. فهم فوراً أن زوجته شردت مع الصغيرين عن المقلاة الممتلئة بالزيت المتروكة فوق الموقد، فهذه ليست مرتها الأولى!

لم يتردد وهو يتجه نحو المقلاة التي يتصاعد منها اللهب، فغطاها بسرعة وأغلق صمام الغاز، وهو يصيح في زوجته لتفتح النوافذ عن آخرها.

خلال دقائق كانت النار قد انطفأت، وكانت الجدران قد صبغها الهباب. ارتمى الزوجان على مقعدين في الصالة المفتوحة النوافذ وأضواء المغرب الأخيرة تتسلل من بين الدخان الذي مازال يضبب الجو، يلهثان من التوتر. ضمت الصغيرين الخائفين، ونظرت له بامتنان وغمغمت:

  • ربنا يخليك لنا!

مسح وجهه المتوتر وابتسم بسخرية وغمغم بدوره:

  • الحمد لله انها جت على قد كدة! دي المرة الكام؟

ضحكت وتشاركا في تنظيف آثار الحريق الصغير، وهما يتبادلان المزاح الثقيل، يسخران – معاً- من غفلتها، حتى تأخر الوقت بهما وناما مُجهَدَين.

لم ينظر للهاتف إلا في صباح اليوم التالي، وخلف مكتبه ضرب جبهته بكفه وهو يتذكر الرسالة التي كان يهم بالرد عليها. فتح برنامج الرسائل فوراً، وإذا بصديقته قد أرسلت رسالة نارية كادت تلفح وجهه بغضبها. عاتبته على تجاهله لها، واتهمته بأنه ينتقم منها لتجاهلها القديم له أيام الجامعة، وقالت إنها سيدة محترمة وإنها عاملته كصديق بينما يتعمد إذلالها، وأسفل الرسالة إشعار بأنه لن يتمكن من الرد ولا التواصل معها مجدداً، لقد قصفته ب “البلوك" بلا رحمة!

فوجئ به زملاؤه يضحك بصوت عال دون أية مقدمات، نظروا نحوه بتعجب ولاحقوه بالأسئلة، فأثار ذهولهم واستنكارهم وهو يقول:

أبدًا.. بيتي كان هيتحرق امبارح، بس ربنا ستر!

التعليقات علي الموضوع
لا تعليقات
المتواجدون حالياً

3001 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع