هل هي زيارتك الأولي ؟دليل الزيارة الأولي

آخر الموثقات

  • الحب علامة بسيطة
  • جمال مصطنع
  • عدالة الأرض وعدالة السماء
  • عندما يغيب النور 
  • مش هاسمح لحلمي يموت
  • اعط تعطى
  • فتاه من الفيوم 
  • سيكون هناك
  • تتجول في ظلام السماء
  • أمانة يا صاحبي
  • قراءتي لكتاب لعنة فستان فرح لمايكل يوسف
  • خلاصة الكلام في حدود البدعة المذمومة:
  • زيارة القبور و الدعاء .. جائز
  • "بدون سابق انذار" نوعه إيه ؟
  • زمان بعيد فكريا
  • حبل المشنقة
  • رسالة إلى الله
  • رحلة سافاري
  • ألم أقل إنني
  • يا رعاكَ اللَّه
  1. الرئيسية
  2. مدونة د أماني عبد السلام
  3. تمتمات - قصة قصيرة

آخر موعد : 24 أكتوبر

إضغط هنا لمزيد من التفاصيل 😋

 

اتجه إلى مكتبه ككل صباح، يجدها جالسة إلى مكتبها، مبكرة كعادتها. قلق، متردد، أو لعله لا يعلم كيف يعلن هذا الخبر. بدأها بتحية الصباح، فحيّته بابتسامتها الودودة المعتادة أيضاً. إنها تكبره بعدة سنوات، وتسبقه في المكان بكثير. منذ انتقل وهي تعامله بود وتعلمه كل شيء، تناقشه، تستفزه آراؤها، تقلب مياهه الراكدة. يفتتح الكلام دوماً، تلوذ بالصمت إلى أن يصبح الصمت ثقيلاً، وتضبط نفسها منزلقة إلى نقاش يكشف له ما توارى خلف ثيابها الوقورة من أفكار فخمة، ومعارف واسعة، وفلسفات متفردة.

مازال متردداً.. توقع منها أن تنتبه وحدها كما تفعل النساء عادة، ولكنها لا تبالي.. أو لعلها تبالي لدرجة أن تبالغ في التجاهل. يبدأ العملاء بالتوافد، ينشغل قليلاً، يتعمد الانغماس في العمل متظاهراً بأنه لا يفكر في الطريقة التي سيلقي بها الخبر الذي يخبئه، أو إنه في الحقيقة لا يخبئ شيئاً، كل ما هناك أنها لا تنتبه.

يزداد الزحام، تتخلل نظراته نحوها العملاء العابرين بين مكتبيهما المتقابلين. لأول مرة لا يعرف مسمى لما يشعر به، فهو شيء لطيف ولكنه آثم. شيء له على طرف اللسان حلاوة، تليها مرارة عند بداية الحلق.

تحدق في الأوراق بجدية بالغة، تتكلم مع العملاء بلباقة لا تذوي حلاوتها، يضيق بنفسه، يضيق بجديتها، بتعمدها الهروب منه... أو لعلها لا تهرب وهو الذي يتمنى لو أنها تهرب. يتمنى في غرفة مظلمة من غرفات نفسه لو أنها تفصح ولو قليلاً، لو أن يرى ارتعاشة في أصابعها، أو يلمح رنوة لطيفة من ناظريها الجادين، أن يفوز منها بأكثر من الابتسامة الودود الواسعة، كلمة " صباح الخير يا أستاذ" التي لها طعم قهوة دافئة في صباح شتائي. تتشبث بالألقاب، تحافظ بقوة من فولاذ على المسافة اللغوية بين اسميهما، بالضبط كالمسافة بين المكتبين المتقابلين.

أي محظوظ ذاك الذي نال منها ما يخجل هو من تمنيه! أي محظوظ ذاك الذي تطل عليه بشمسها الوحيدة، بينما تطل على الآخرين بسحب بيضاء تارة، رمادية تارة، ومتوردة، دافئة، مشوقة كما يحدث معه.

ينصرف العملاء تدريجيا ويخلو الرواق بين المكتبين. يرفع يده متردداً، يقول بابتسامة عريضة يحاول بها إخفاء ما به من تلاطمات المشاعر. " مش تباركيلي؟ أنا خطبت!"

ترفع عينين اتسعتا دهشة، وثغرا أفصح عن ابتسامة " بجد! ما شاء الله.. ألف مبروك!" هل لمح حزناً هناك خلف السحب الوردية؟ أم أنه يتمنى لو رأى حزناً؟ عاجز هو عن ترجمة التمتمات التي يصدرها خافقه، والتمتمات التي تتكلم بها ملامحها. يقول بابتسامته المرتبكة " الله يبارك فيكِ" ثم لا يجد شيئاً ليقوله. لماذا لم تسأله عن تلك العروس؟ ألا تملك جراماً واحداً من فضول النساء؟ أم أنها تبالغ في إخفاء صدمة ما، إحباط ما، حزن ما؟! أم أنها هكذا دوماً دون أية رتوش، ككتاب فصيح لا يحتاج لترجمة؟ لمَ هي مُعجمة إذن بالنسبة له؟ ولماذا يود لو أزال عُجمَتها، ولو تمكن من فتح أقفال سريرتها المحكمة الغلق؟!

هل لمح حزناً في عينيها؟ هل يرى وجهها الخالي من خطوط العمر، يرسم خطوط انكسار ما؟ هل هو محظوظ لأنه حرك شيئاً خلف تلك المسافات الاجتماعية واللغوية التي تفصل بينهما؟

وللحظة كره ما فعل بنفسه وبها.. لمحة الحزن التي أجادت إخفاءها ببراعة أورثته مرارة وندماً. كان ينبغي أن يصمت حين لاذت بالصمت، أن يكف عينيه حين كفت عينيها واستدارت عنه. ما كان ينبغي أن يفتح الباب بينما تتشبث هي بالمقبض باستماتة، تحاول حماية ذلك القلب الهش من التحطم.

يرتفع رنين هاتفها كعادته في نفس الموعد كل يوم مع انتهاء ساعات العمل، تجمع حقيبتها وهي تجيب الاتصال ملقية تحية صامتة برأسها إليه. تشرق شمسها في آخر اليوم على عكس ما تمنى، يتناهى إلى سمعه بقايا جملتها وهي تغادر الغرفة" انا نازلة حالاً.. جبت الأولاد من المدرسة؟!"

 

 

التعليقات علي الموضوع
لا تعليقات
المتواجدون حالياً

656 زائر، و1 أعضاء داخل الموقع