هل هي زيارتك الأولي ؟دليل الزيارة الأولي

آخر الموثقات

  • تزوج اتنتين معا | 2024-09-07
  • التنمية البشرية والمبادرة المنتظَرة، ، مقال | 2024-09-07
  • الصفر ….الصدئ | 2024-09-07
  • وصلنا لفين | 2024-09-07
  • كود 396 او كود تسلا بطيخة | 2024-09-07
  • ﻟﻠﻐﺮﺑﺔ ﺁﻻﻑ ﺍﻷﻭﺻﺎﻑْ  | 2016-12-28
  • خطأ التعامل مع الشخص علي أنه ذكي | 2024-09-07
  • لعنة الله علي المناصب | 2024-09-07
  • حسام حسن و العناد | 2024-09-07
  • وجبة بطاطا | 2024-09-06
  • دوامة البدايات | 2024-09-07
  • حبات الرمل (١) | 2024-09-06
  • عدة أوجه  | 2021-09-06
  • اريد | 2024-09-04
  • هذه الليلة صاخبة | 2024-08-02
  • أنت قدّها وقدود | 2024-09-05
  • خليفة إبليس في الأرض | 2024-09-04
  • للصمت حياة لا يعقلها الحالمين  | 2024-09-02
  • حياة نصفها كِتاب | 2024-09-03
  • مبعتمدش انتماءات  | 2023-09-06
  1. الرئيسية
  2. مدونة ايمن موسى
  3. الجدار - بقلم ايمن موسي

هل عاش أحدكم يومًا ذلك الإحساس بفُقدان الهُوية، حيثُ لا ماضٍ ولا حاضر ولا مستقبل؟
إنه ليس شعورًا مؤقتًا أو وصفَ حالٍ لمرحلة زمنية، لكنه تقرير لواقع.
فجأةً -ودون سابق إنذار- وجد نفسه بهذا المكان، كأنه قد وُجِد من العدم.
هو لا يتذكَّر أي شيء على الإطلاق، فلا شيء يربطه أو يذكِّره، كل ما يعلمه ويشعر به هو أنه -وببساطة شديدة- ليس إلا صفحةً بيضاء -أو بمعنى آخر وأدق- يشبه أرضًا بِكرًا لم تطأها أقدام البشر من قبل.
ليس لديه رؤية للمستقبل.
لا شيء مُحدَّد بعقله أو تفكيره، هو حتى لا يعلم أو يتذكَّر له اسمًا.
شعور مُرعِب أن تكون في مثل هذا الوضع، فكيف لإنسانٍ أن يظل هكذا، مجرد لا شيء، نعم.. هو لا شيء، إنه نكرة لا يحمل حتى مجرد اسم يجعله معرَّفًا.
غالبًا -وبشعورٍ فطري- نفتقد ما لا نمتلكه، فيزداد تعلُّقنا به، ولا نكُف عن التفكير فيه مطلقًا.
الحرية ليست رفاهيةً يمكننا الاستغناء عنها، وليست من الكماليات التي يمكننا التعايش بدونها، فالحرية كانت -وستظل- من أساسيات الحياة، بل ربما تكون هي الحياة في جوهرها، فإن فقدناها فقدنا لذة الحياة ورونقها.
حاول جاهدًا أن يتبيَّن معالم المكان الذي ينتمي إليه؛ ربما يذكِّره بشيء، أو يقوده لخيطٍ يصل به لبر الأمان، فهو ما زال في حاجةٍ لشعاعٍ من ضوءٍ يُنير له الطريق.
فإن كان لا يتذكَّر ماضيه أو يملك مستقبله، فالحاضر الذي يعيشه الآن هو فقط مصدر وجوده.
حاول جاهدًا رؤية ما يحيط به بصعوبةٍ بالغة، فالظلام دامس وكل ما يحيط به حالك السواد حتى ذلك المكان المحتجَز به ضيق نسبيًّا ولا يتيح له حرية الحركة إلا بصعوبةٍ بالغة.
لا يشعر بالحرية المطلَقة في حركته، ما جعله يشعر بالقلق والخوف والتوتُّر.
هنا فقط أدرك الحقيقة المؤلمة وهي أنه مقيَّد، نعم، هو مقيَّد بحبلٍ لا يستطيع التخلص أو الفكاك منه.
أصبح الشعور بالخوف هو ما يسيطر عليه ليتزايد كلما مرَّ الوقت.
كثيرة هي الأسئلة، والتي أصبحت تجول بخاطره وتحاصر تفكيره.
تُرى لماذا هو مُقيَّد؟ ومَن ذلك الذي قيَّده؟ ولماذا؟!
حاول أن يفتح عينيه ببُطءٍ شديد، ليتبيَّن معالم المكان، لكنه فشل فشلًا ذريعًا، ولم يدرِ هل المشكلة بعينيه هو أم بالظلام الذي يحيط به من كل جانب.
حاول بكل ما أُوتي من قوة أن يدفع جسده بأي اتجاه، لكنه أيضًا فشل في ذلك، ليجد نفسه بالنهاية يغوص ويتكوَّر فيرتفع وينخفض ويصطدم بجدارٍ رخو يحيط به من جميع الاتجاهات.
استخدم قدميه بكل قوة؛ عساه يتحسَّس أي شيء من حوله، ولحُسن حظه -أو ربما لسوء حظه- فقد أحسَّ بلِزُوجةٍ غريبةٍ لامست أصابع قدميه الحافيتين لتُصيبه بقشعريرة مخيفة.
أغمض عينيه وقد نال منه التعب بعد ما بذله من جهد، مع شعوره العارم بالإحباط واليأس، ليستسلم في نهاية الأمر للنوم كملاذٍ آمن وهروبٍ مؤقَّت.
لا يدري كم من الوقت قد مرَّ عليه، فهو -وحيثُ يتواجد- لا يشعر بالوقت، ولا حساب عنده للزمن.
قرَّر أن يستخدم حاسة السمع، فربما تقوده لشيءٍ يوضِّح له حقيقة وضعه الراهن المخيف.
ظلَّ صامتًا وهو ينصت بتركيزٍ كبير، وبعد جهدٍ جهيد وعدة محاولاتٍ مُضنية استطاع أن يميِّز بعض الأصوات، والتي كانت عادةً تأتي من خلف ذلك الجدار المحتجَز خلفه.
أرهف السمع ليلاحظ أنَّ هناك صوتًا يتكرَّر كثيرًا، لكن -لدهشته- شعر كأنه قد سمع هذا الصوت من قبل، فهو يستطيع أن يميِّزه عن بقية الأصوات.
هناك أيضًا أصوات أخرى كثيرة تتردَّد على مسامعه، لكنها تتغيَّر تباعًا وفي توقيتات مختلفة، بيدَ أنه لا يستطيع تمييزها أبدًا أو التعرُّف عليها.
تبًّا لهذا الجدار وألف تب، فهذا الجدار هو ما يحرمه من الحرية، ويجعله مقيَّدًا غير قادر على الحركة، وهو ما يجعله أسيرًا بمكانه.
آه لو يستطيع قطع هذا الحبل ومغادرة الجدار ورؤية النور -ولو لمرة واحدة- من ثَمَّ العودة مرة أخرى إن استدعى الأمر ذلك.
أثناء تفكيره المستمر ومحاولاته المُضنية لفهم ما يدور حوله تعجَّب لأمرٍ مهم لم ينتبه له من قبل، وهو أنَّ طعامه يأتيه بانتظام ودون حتى أن يطلبه، كذلك شرابه يتوفر كلما احتاج إليه!
نعم، هو لا يرى أو يعرف مَن يقدِّمه له، لكنه يأكل ويشرب بانتظام.
تساءل في ألم: هل يمكن أن تستمر الحياة هكذا فقط بالطعام والشراب؟
هل يمكننا أن نقايض الحرية ببعض أساسيات الحياة الأخرى إن توفَّرت لنا؟
ماذا لو امتنع عن تناول طعامه وشرابه؟ هل سيعجِّل هذا بخلاصه وحصوله على حريته؟
ربما نعم، وربما لا.
بالنهاية، وبعد أن تملَّك منه اليأس والغضب استسلم لوضعه الراهن حتى إنه لم يعُد يحاول المقاومة أو حتى مجرد التفكير بالخلاص والتحرُّر.
لم يعُد يشغل تفكيره الآن بوضعه، أو لماذا وكيف أو حتى متى ينجو من مصيره المجهول.
ربما قد تعوَّد على حياته الجديدة، ربما تعوَّد حتى على ذلك الظلام وتلك العتمة المغلَّفة بالهدوء.
حتى ذلك الحبل -الذي كان يخشاه ويمقته- لم يعُد يحاول التخلص منه، بل الأدهى من ذلك أنه قد اعتبره جزءًا منه بل ينتمي إليه.
هنا طرأ على ذهنه سؤال مهم وهو: هل الاعتياد على الشيء يجعله نمطًا وأسلوب حياة؟
هل يصبح الإنسان أكثر انقيادًا وتبعيةً مع كثرة الضغوط المحيطة به؟
تبادر ذلك إلى ذهنه عندما أصبح يشعر أنه قد اعتاد وتأقلم على وضعه، وما كان يضايقه من قبل قد أصبح الآن شيئًا روتينيًّا يتعايش معه وبه.
حتى ذلك الجدار قد أصبح متكأً له ولم يعُد يراه كالسابق جدارًا عازلًا للحرية.
فقط ما أصبح يُزعجه حقًّا ويُثير حُنقه وغضبه تلك الأصوات القادمة من خلف الجدار، فقد أصبحت أقوى وأكثر وضوحًا عن ذي قبل، كما أنَّ ذلك الصوت المميَّز أصبح مألوفًا له جدًّا، يرتاح له ويمثِّل عالمه الخارجي.
في يوم، شعر بحركةٍ كبيرة من حوله وارتجاج ضخم مع ضجيج صاخب لم يختبره من قبل، كان الأمر يشبه الزلزال في قوته، فعلى حين غُرَّةٍ وجد نفسه يعلو ويهبط لتصطدم رأسه بالجدار عدة مرات متتالية وفي سرعة.
كان الأمر مفاجئًا وسريعًا ربما لم يتجاوز عدة ثوانٍ، لكنها كانت كافيةً ليشعر بذلك الحبل يلتف على جسده من كل جانب، حتى إنه شعر به يطوِّق رقبته ويلتف حول عُنقه ليضغط عليهما في قوةٍ وشدة.
هو الآن يشعر بالاختناق الشديد، أنفاسه تكاد تختفي، يعتريه الدوار مع إحساسه بفُقدان الوعي.
حاول الصراخ بلا جدوى، فصوته لا يغادره أبدًا، لكن مهلًا.. ما هذا الصوت الذي يسمعه الآن؟
أحدهم يشاركه البكاء والألم!
عندما أنصت وجده الصوت المألوف له نفسه، كان الصوت يبكي ويئن بلا توقُّف!
مدَّ يديه وقدميه محاولًا التخلص من ذلك الحبل الذي التف بإحكامٍ وقسوةٍ حول رقبته لكن دون جدوى، فالأمر أكبر منه ويفوق قدرته، كما أنَّ قوته وحدها ليست كافيةً لتخليصه.
هنا أدرك أنَّ نهايته قد أصبحت محتومة.
استسلم لمصيره، وفي يأسٍ تام أغلق عينيه على الظلام بعد أن شعر بالخدر يسري بكامل جسده وهو يفقد وعيه تدريجيًّا.
يقولون إنَّ الإنسان بلحظاته الأخيرة يستعيد حياته كلها دفعةً واحدةً كشريطٍ سينمائي، لكن -لدهشته الشديدة- لم يحدث هذا معه مطلقًا، فهو لا يملك أي ماضٍ أو حتى ذكريات عابرة.
أثناء غيابه عن الوعي -ولأول مرة منذُ بدأ الأمر معه- شعر كأنَّ هناك نافذةً تُفتَح بالجدار.
شعاع من ضوءٍ قد اخترق الجدار ومن تلك النافذة التي بدَت بعيدةً جدًّا بالنسبة له، ومن خلال رؤية مشوَّشة كأنها أيادٍ ممتدَّة تحاول جاهدةً تخليصه من ذلك الحبل وإخراجه من خلف ذلك الجدار ليتحرَّر من أَسْره.
بدأ الآن يستعيد أنفاسه تدريجيًّا، كأنه يعود من سُباتٍ عميق، ليجد نفسه محمولًا بين الأيادي التي أخرجته من خلف ذلك الجدار، وقد خلَّصته من الحبل بقطعه.
نظر إلى الوجوه بخوفٍ قد امتزج بالقلق، لكن -وفي دهشة بالغة- كان الجميع من حوله يبتسمون وهم يوجِّهون كلماتهم إلى تلك السيدة المُسجَّاة على طرف الفراش تئنُّ بالصوت نفسه الذي كان يسمعه من خلف الجدار.
سمع أحدهم يقول:
- لقد نجا بمعجزة ربانية.
ليستطرد قائلًا بحزنٍ بالغ: كاد الحبل الصُّري يخنقه، ليمنع وصول الأكسجين إلى رأسه.
توجَّه بنظره نحو السيدة وقال بنبرةٍ هادئة وواثقة:
- وقوعكِ من أعلى الدرج سيدتي قد عجَّل بخروجه إلى الدنيا.
أردف قائلًا: لكنه -ولله الحمد- بخير، كما أنه يتمتَّع بصحةٍ جيدة.
الآن فقط أدرك المأساة، فهو وإن كان قد خرج من خلف ذلك الجدار حيثُ الأمان والراحة، وحيث الحرية الحقيقية، فإنه قد غادر عالمه الآمِن، لينضم لقافلة المختارين من البشر، الذين وقع عليهم الاختيار لخوض ذلك الاختبار الأزلي.
وبين التهاني والوجوه المستبشرة، ومع تلك الحقيقة المؤلمة -التي أدركها للتو- لم يجد شيئًا يُعبِّر به عن خوفه ورُعبه من ذلك الاختبار سوى البكاء والصراخ بكل ما أُوتي من قوة.

التعليقات علي الموضوع
لا تعليقات
المتواجدون حالياً

1459 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع