هل هي زيارتك الأولي ؟دليل الزيارة الأولي

آخر الموثقات

  • تزوج اتنتين معا | 2024-09-07
  • التنمية البشرية والمبادرة المنتظَرة، ، مقال | 2024-09-07
  • الصفر ….الصدئ | 2024-09-07
  • وصلنا لفين | 2024-09-07
  • كود 396 او كود تسلا بطيخة | 2024-09-07
  • ﻟﻠﻐﺮﺑﺔ ﺁﻻﻑ ﺍﻷﻭﺻﺎﻑْ  | 2016-12-28
  • خطأ التعامل مع الشخص علي أنه ذكي | 2024-09-07
  • لعنة الله علي المناصب | 2024-09-07
  • حسام حسن و العناد | 2024-09-07
  • وجبة بطاطا | 2024-09-06
  • دوامة البدايات | 2024-09-07
  • حبات الرمل (١) | 2024-09-06
  • عدة أوجه  | 2021-09-06
  • اريد | 2024-09-04
  • هذه الليلة صاخبة | 2024-08-02
  • أنت قدّها وقدود | 2024-09-05
  • خليفة إبليس في الأرض | 2024-09-04
  • للصمت حياة لا يعقلها الحالمين  | 2024-09-02
  • حياة نصفها كِتاب | 2024-09-03
  • مبعتمدش انتماءات  | 2023-09-06
  1. الرئيسية
  2. مدونة ايمن موسى
  3. امرأة المطر

 

غادرت آية أرجوحتها بحديقة منزلها متوجِّهةً بخطوات بطيئة وهي تتحسَّس طريقها للداخل، يسبقها مواء قطتها وكأنها تقود خطواتها الحثيثة؛ حتى لا تصطدم بشيءٍ أثناء سيرها.

لم تبتعد كثيرًا حتى سمعت خطوات قريبة تأتي من خلفها، لتتوقَّف لثوانٍ معدودة قبل أن تسمع صوت كريم هامسًا بأذنها في حُبٍّ ممزوج بالاشتياق والحنين وهو يقول:

- هل مللتِ الانتظار؟ أم أنكِ اشتقت لي حتمًا؟ اشتقت لكِ يا توأم الروح.

لترد آية في نبرةٍ خجولة قد امتزجت بالحُب:

- وهل لديك شك في ذلك يا مليك فؤادي ونبضه؟ 

اتكأت على كتفه مستندةً على ذراعه أثناء توجههما للداخل، لتتوقف القطة عن المواء وكأنها أدركت أنه -وبحضور كريم- دورها قد انتهى ولو مؤقتًا.

أمام النافذة وأثناء إعداد مُدبِّرة المنزل للغداء تأمَّل كريم زوجته في حُبٍّ لا يخلو من الشفقة على ما آلت إليه الأمور.

كانت تبدو كالملاك، لِمَ لا؟ وهي تمتلك ذلك الوجه الطفولي وهذا القلب الذي لا يحمل بداخله سوى الحب للجميع مع ابتسامة رقيقة ليست سوى تأشيرة مرور لقلوب كل مَن يحالفه الحظ ويسمعها.

قطعت آية هذا الصمت بقولها: هل تذكر موعدنا الأول؟

صمت كريم لبعض الوقت وهو يتأمَّلها بحزنٍ خفي، لتستدير آية مُقطِّبةً ما بين حاحبيها وهي تقول مُتصنعةً الغضب:

- وهل يُعقَل أن تكون قد نسيت؟

مسح كريم ذلك الخيط من الدموع الذي ينساب فوق خده محاولًا استعادة رباطة جأشه وهو يقول بود: وهل يمكن ذلك حبيبتي؟! 

أردف قائلًا: حقًّا لا أدري لمن أدين بالفضل في ذلك اللقاء القدري للمطر أم لقطتكِ المدلَّلة عاشقة المطر مثلكِ؟ 

ابتسمت في حُبٍّ وهي تقول: ولماذا لا تقول أنني مَن يدين لكلاهما بهذا اللقاء؟ فلولا خروج قطتي وقت انهمار المطر وخوفي عليها وأنا أتتبَّع صوتها لتنقذني أنت من الوقوع ربما ما كُنَّا لنلتقي أبدًا، وما كنت سأجد هذه السعادة وهذا التعويض الربَّاني أبدًا.

كريم بضحكة مصطنعة جاهد كثيرًا ليُخبِّئ خلفها حزنًا دفينًا ووجعًا مقيمًا لا يبارح روحه:

- بل أنتِ يا مُنية الروح هدية ربي لي، وما كنت لأجد مثلكِ ولو بحثت بقارات العالم أجمع.

- هل تعلم يا كريم؟ أحيانًا أشعر أنَّ الله عوَّضني بك عن فقداني لبصري، فأصبحت أنت نورًا لهذا البصر، وما كنت لأحلم بزوج مثالي مثلك أبدًا.

لتستطرد آية قائلةً في ألم: ومَن كان ليرضى بزوجة كفيفة لم تفقد فقط بصرها، وإنما فقدت أيضًا قدرتها على الإنجاب.

- لا تقولي هذا حبيبتي، فأنتِ لستِ زوجتي فقط، إنما ابنتي وأختي وصديقتي، بل إنني أشعر أنكِ أمي رغم أنكِ تصغرينني بعدة سنوات.

أنهى كريم عبارته متحاشيًا النظر بعينيها رغم إدراكه لعدم رؤيتها لانفعالات وجهه أو تحوُّل ملامحه. 

ما إن أنهيا طعامهما حتى قامت آية بمعاونة كريم بإعداد فنجانين من القهوة، وما إن جلسا حتى بادرته قائلة: هل تعلم حبيبي أنني اشتقت لرائحة المطر؟

كريم في دهشة: كنت أظن أنَّ ذلك تغيَّر بعد تلك الحادثة بهذه الليلة الممطرة، والتي تسبَّبت بفقدانكِ لبصركِ!

آية: قد يفاجئك أنني أصبحت أعشقه أكثر من ذي قبل، حتى أنني أتوق لرائحة التراب المعبَّقة بالمطر، وذلك الرزاز المنهمر فوق رأسي وجسدي وكأنه يغسل كل همومي ويجلو ما علِق بروحي من أوجاع. 

كريم في تساؤل: ولكن هناك مَن يكتفون بمشاهدة المطر من خلف نوافذهم.

آية وهي تبتسم في حزن: ها أنت قلت يشاهدونه.

أدرك كريم كم كانت عبارته ساذجة، وقبل أن يعتذر بادرته آية بقولها:

- ولكن هل تعلم.. أنا على يقين أنَّ عُشَّاق المطر لا يختبئون خلف النوافذ لمراقبته، إنما ينتظرونه على قارعة الطريق رافعين أيديهم للأعلى؛ عساهم يلتقطون بعض حبَّاته الفضية بين أصابعهم المتوضئة بالعشق. 

استطردت تقول في ثقة: هم لا يلقون بالًا للأوحال أسفل أقدامهم.

ضمَّها كريم بين ذراعيه في حنوٍّ وهو يقول بحُب: هذه حبيبتي.

من ثَمَّ أردف قائلًا بصوتٍ مرتفع: المجد لعُشَّاق المطر.

ما إن أنهى عبارته حتى ردَّدتها آية بطريقة تلقائية: المجد لعُشَّاق المطر. 

كريم في تساؤل: لم أكن أعلم أنكِ تعشقينه لهذا الحد حبيبتي!

آية: لمَ لا؟ وآخر ما رأته عيني وسمعته أذني وشممته بأنفي كان المطر.

لتقول بيقين: هل تعلم يا كريم؟ أنا لست ناقمةً على ذلك الشاب الذي صدمني وهرب، بل إنني أدعو الله أن يعفو عنه كما عفوت عنه، وربما بعفوي عنه ومسامحتي له عوَّضني الله بك.

ربَت كريم على يديها بحنوٍّ وهو يقول بود: حسنًا يا عاشقة المطر، سأدعو الله أن تمطر السماء من أجلكِ الليلة وكل ليلة، ما دام ثغركِ سيشرق بتلك الابتسامة التي تُحرِّر روحي وتعيد لقلبي نبضاته.

لتبتسم آية في حُب وهي تقول: وهل يُعقَل ذلك ونحن بهذا الصيف القائظ؟ ليجيبها كريم في شرود: مَن يدري حبيبتي؟ مَن يدري؟

مستطردًا: سُبحان مَن بيده ملكوت كل شيء، ورحمته وسعت كل شيء.

غادر كريم عقب الغروب؛ لإنهاء بعض الأمور كما أخبر آية.

بعد مرور بعض الوقت وقبل عودته بدقائق أرهفت آية السمع قليلًا؛ لتتأكد أنَّ ما تسمعه حقيقة وليس من نسج خيالها الممتلئ بعشقها واشتياقها لهطول المطر.

هل يُعقَل أن يكون ذلك الصوت على النافذة هو رزاز المطر؟ 

قبل أن تتمادى في تساؤلاتها كان صوت كريم يقطع الصمت وهو يقول بصوتٍ جهوري:

- هيا حبيبتي، لا أظنكِ تودِّين أن يفوتكِ هذا المنظر الساحر.

أردف قائلًا بود: إنه المطر يا عاشقة المطر.

لتنزل آية درجات السلم في سعادة غامرة غير مُصدِّقة ما تسمعه بأذنيها، وقبل أن تكمل الدرج كان كريم يلتقَّفها بين يديه وهو يحملها كطفلة صغيرة؛ ليخرجا إلى الحديقة وهو يُحلِّق بها في الهواء تحت رزاز المطر المنهمر فوق رأسيهما.

لحظات من السعادة الغامرة ودَّت آية لو أنها تطول فلا تنتهي أبدًا.

أخذت تلهث وهي تضحك وتغني لفيروز في مرحٍ طفولي، وما إن شعرت بأنفاس كريم المتلاحقة حتى همست قائلة:

- يكفي هذا حبيبي، لقد تعبت كثيرًا هذا اليوم، ألَا تشعر بذلك؟ 

ليقول في حُب: يكفي أن تكوني سعيدةً ولو للحظات، فهذا يكفيني ليزول كل الإرهاق والتعب.

تأمَّلته بروحها وهي تقول: بل أنت صانع السعادة ومصدرها بالنسبة لي.

قبَّلها فوق جبينها من ثَمَّ حملها بذراعيه ليضعها فوق الأرجوحة، وهو يحركها يمينًا ويسارًا، وما زال بعض الرذاذ العالق بأوراق الشجرة يتساقط من فوقهما بشكلٍ خفيف بعد أن توقَّف المطر. 

دقائق من المرح والسعادة مرَّت وكأنها ثوانٍ، من ثَمَّ يحتضن كريم يدَي آية بين يديه ويُقبِّلهما وهو يقول: هل أنتِ سعيدة حقًّا؟

آية: هل فعلت كل هذا من أجلي؟

كريم: وماذا فعلت يا أميرتي؟ إنه المطر، ويبدو أنه يعشقكِ كما تعشقينه.

آية وسط دموع الفرح والسعادة: لقد فعلت كل هذا من أجلي يا كريم، هل يُعقَل هذا؟ لقد غادرت على غير عادتك؛ لتحضر مَن يقوم بصنع هذا المطر كما يحدث بالأفلام؛ لتُحقِّق لي أمنيتي.

كريم: ليتني أستطيع أن أحقِّق كل أمنياتكِ، فما كنت لأقصِّر في ذلك.

آية في همس: لا حياة لي بدونك.

كريم وهو يُقبِّل راحة يدها: أحبكِ وكفى. 

صرف كريم مَن قاموا بهذا العمل بعد أن أعطاهم أكثر ممَّا تم الاتفاق عليه من ثم حمل آية بين ذراعيه، وقد اختلطت دموعه بالماء المتساقط من شعر رأسه وجبهته، وهو يتذكَّر سؤالها له: هل تذكُر لقاءنا الأول؟

حدَّث نفسه قائلًا: نعم حبيبتي، ما زلت أذكر هذا اللقاء، وما زالت تلك الأُمسية الممطرة محفورة بذهني لم تغادره أبدًا. 

نظر نحوها وهي تضع ذراعيها حول رقبته مُردِّدًا في صمت: سامحيني حبيبتي، فقد كذبت عليكِ، نعم كذبت عليكِ، فلم يكن لقاؤنا الأول عندما خرجتِ تبحثين عن قطتكِ وأنقذتكِ من السقوط، ربما يكون هذا الموعد الأول بالنسبة لك، ولكنه كان الموعد الثاني بالنسبة لي بعد موعدنا الأول بتلك الأُمسية الممطرة، والتي صدمك فيها ذلك الشاب المستهتر، ومضى في طريقه دون أن يتوقف ليسعفكِ أو ليطمئن إن كنتِ على قيد الحياة أم لا.

ولكن ماذا عني؟ هل أنا أفضل منه حالًا؟ وقد شاهدت الحادث فخشيت أن أتوقف فيتم توريطي بهذا الحادث؟ لذلك هربت، نعم فررت؛ خوفًا من العقاب على جريمة لم أرتكبها.

هل يغفر لي أنني استدعيت سيارة الإسعاف من كابينة الهاتف العمومية؟ هل تفقُّدي لأحوالكِ بعد فقدكِ للبصر واقترابي منكِ واقتراني بكِ كفيل بأن يرتاح ضميري ويهدأ ذلك الضجيج برأسي؟ 

تأمَّلها بحُب وما زالت تطوق رقبته بذراعيها وهو يقول مُحدِّثًا نفسه:

- لم أخبركِ بذلك أو أعترف لكِ أول الأمر؛ خوفًا من رفضكِ لي أو ظنكِ أنني جئتكِ مُشفقًا عليكِ، ولكن وما إن اقتربت منكِ حتى أحببتكِ بكل حواسي، بل وأدمنتكِ بكل مساماتي فصُمت خوفًا من فقدانكِ. 

ابتسم ابتسامةً باهتةً متسائلًا: تُرى.. هل تكفي هذه اللحظات من السعادة التي أختلسها لكِ من الحياة؛ لتسامحيني؟

التعليقات علي الموضوع
لا تعليقات
المتواجدون حالياً

1579 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع