هل هي زيارتك الأولي ؟دليل الزيارة الأولي

آخر الموثقات

  • تزوج اتنتين معا | 2024-09-07
  • التنمية البشرية والمبادرة المنتظَرة، ، مقال | 2024-09-07
  • الصفر ….الصدئ | 2024-09-07
  • وصلنا لفين | 2024-09-07
  • كود 396 او كود تسلا بطيخة | 2024-09-07
  • ﻟﻠﻐﺮﺑﺔ ﺁﻻﻑ ﺍﻷﻭﺻﺎﻑْ  | 2016-12-28
  • خطأ التعامل مع الشخص علي أنه ذكي | 2024-09-07
  • لعنة الله علي المناصب | 2024-09-07
  • حسام حسن و العناد | 2024-09-07
  • وجبة بطاطا | 2024-09-06
  • دوامة البدايات | 2024-09-07
  • حبات الرمل (١) | 2024-09-06
  • عدة أوجه  | 2021-09-06
  • اريد | 2024-09-04
  • هذه الليلة صاخبة | 2024-08-02
  • أنت قدّها وقدود | 2024-09-05
  • خليفة إبليس في الأرض | 2024-09-04
  • للصمت حياة لا يعقلها الحالمين  | 2024-09-02
  • حياة نصفها كِتاب | 2024-09-03
  • مبعتمدش انتماءات  | 2023-09-06
  1. الرئيسية
  2. مدونة ايمن موسى
  3. ضمير الغائب
  • المشاركة في المسابقات:
  • الجوائز: حاصل علي المركز العاشر - جائزة الجمهور الخاصة - مسابقة منصة تاميكوم الادبية مارس 2024, حاصل علي المركز الثاني - جائزة لجنة التحكيم الخاصة - مسابقة منصة تاميكوم الادبية مارس 2024, حاصل علي المركز السادس - جائزة المنصة الخاصة - مسابقة منصة تاميكوم الادبية مارس 2024

بإحدى المناطق الراقية، داخل أحد مراكز التسوُّق الكُبرى، سيدة بنهاية عقدها الثالث بصُحبتها فتاة صغيرة يقترب عمرها من ثمانية أعوام، كانتا تتجوَّلان بنشاطٍ وحيويةٍ ومرحٍ وهما تُطالِعان واجهات المحلات التجارية وما تعرِضه من بضائع، فتدخلان بعضها تشتريان ما راق لهما وتتجاهلان بعضها في رحلةٍ من التسوُّق بدَت لهُما بغاية المتعة.

لم تفطن السيدة لذلك الصبي الصغير ذي السبعة أعوام تقريبًا، والذي يتتبَّع خطواتهما، حتى لكزتها ابنتها برفق وهي تقول هامسةً:

- أمي، هذا الفتى يُراقبنا منذُ دلفنا للسوق.

نظرت المرأة حيثُ أشارت الفتاة بحذر، وقد ظنَّت أنه رُبَّما يكون مدفوعًا عليهما لمراقبتهما، ومن ثَمَّ خطف حقيبتها أو قطعة من حُليِّها، كما سمعت من بعضهن أو قرأت بصفحات الحوادث والجرائم.

ولكنها ما إن نظرت إليه حتى وجدته طفلًا ملائكيَّ الملامح أبيض البشرة ذا شَعرٍ غزيرٍ أسود فاحم، يرتدي ملابس فاخرةً تدلُّ على رُقي مُستواه الاجتماعي، لا تخلو ملامحه من حزنٍ دفينٍ قد بدا جليًّا على محيَّاه.

عندما اطمأنَّت لملامحه تجاهلت الأمر وهي تقول لابنتها:

-رُبَّما اشتبه عليكِ الأمر؛ فهو بلا شكٍّ يبحث عن والديه.

سارتا بهدوءٍ وهما تتسوَّقان حتى شعرت الفتاة بالتعب والإرهاق، فما كان من الأم إلا أن تصحبها للكافتيريا؛ لتناول بعض الأطعمة والمثلَّجات والقهوة.

وما إن استقرَّتا على مقعديهما حتى أشارت الفتاة لأمها وهي تقول:

-ما زال يُراقبنا يا أمي!

عندما نظرت الأم حيثُ أشارت بإصبعها كان الطفل يقف خلف زجاج الباب الخارجي يُراقبهما بنظراته التي استقرت عليهما مباشرةً.

بدا الأمر مربكًا بعض الشيء للمرأة؛ فهيئة الطفل لا تُوحي بما يستحق القلق، بينما ملاحقته لهما ونظراته المُسلَّطة عليهما أمر مُثير للتساؤل.

للحظات همَّت بالتوجُّه نحوه؛ لتسأله عن سر ملاحقته لهما لولا أنَّها رأت عامل الكافتيريا يحاول صرف الطفل من أمام واجهة الكافتيريا بعد أن تيقَّن أنه لا يتبع أحد رواد المكان، بينما ظلَّ الطفل واقفًا بقوةٍ وثباتٍ دون أن يُبدي أي تجاوب مع العامل أو يتحرك من مكانه قيد أنملة.

لا تدري حقًّا لمَ فعلت ذلك، ولكنها -وبعفوية- أشارت للعامل أن يدَعه يدخل،

تقدَّم الطفل نحوهما بخطواتٍ مُتردِّدة دون أن يشيح عنها بعينيه ولو لبرهة من الوقت.

وها هو بعد أن أصبح يقف على بُعد خطواتٍ منها وبمقربةٍ من طاولة الطعام ما زال كما هو لا يفعل شيئًا سوى التحديق بها، بينما أنفاسه المتلاحقة تتردَّد بصدره الصغير ليعلو ويهبط بسرعةٍ لا تتناسب مع وقوفه الهادئ.

المرأة بابتسامة ودودة وقد ظنَّت أنه رُبَّما يكون جائعًا:

-هل أُحضِر لك بعض الطعام؟

الطفل لا يرد.. فقط نفس النظرة الصامتة.

-هل أُحضِر لك المثلَّجات؟

الطفل لا يجيبها، ولا يشيح عنها ببصره!

همَّت أن تسأله عن اسمه وعن والديه وهل هو تائه؟ لولا ذلك النداء الداخلي بالسوق والذي ينادي على طفل مفقود اسمه مازن، ويرجو مَن يجده أن يتوجَّه به لمكتب الأمن.

هُنا أدركت أنه هو الطفل المفقود؛ فتنفَّست الصعداء لمعرفتها ذلك، وهي تسأله بحُب:

- أنت مازن، أليس كذلك؟

هيا، تعالَ معي، سآخذك لوالديك.

لم يُبدِ الطفل أي تجاوب معها، ولم يتحرك من مكانه، ولم تتغير نظراته نحوها،

هنا لم تجد أمامها سوى إرسال عامل الكافتيريا لمكتب الأمن وإخبارهم بوجوده؛ ليطمئن والديه.

دقائق قليلة ثم حضر شاب بنهاية عقده الثاني وقد بدا عليه الذُّعر، وما إن رأى مازن يقف قُبالتهما حتى ربَت على رأسه بحنوٍّ وهو يحاول أخذه والانصراف بعيدًا، بعد أن شكر المرأة واعتذر لها عن الإزعاج.

المرأة وهي تتنهَّد بخجلٍ مُخاطبةً ذلك الشاب بتساؤل:

- ما به؟ هل هو أصم؟

أردفت قائلةً: لم ينطق بحرفٍ واحد، ولا يفعل شيئًا سوى التحديق بي!

الشاب وهو يتنحَّى بها جانبًا وبعيدًا بينما نظرات الطفل تُلاحِقها:

- أنا باسل، وهذا مازن ابن أختي، وقد تركنا بلدنا ونزحنا إلى هنا بعد أن اشتدَّ القصف وكثُرت الغارات على بلدتنا وتهدَّمت منازلنا.

المرأة: وأين والداه؟

ولماذا يرمقني بنظراته؟

ولماذا لا يتحدَّث؟

الشاب بأسى وحزن، وبصوتٍ متهدِّج وهو يقول:

- بإحدى الغارات تهدَّم منزلهم على مَن بداخله؛ ليموت والديه وتموت أخته الصغيرة، بينما كان مازن هو الناجي الوحيد، ومن وقتها وهو لا يتحدَّث مع أحد حتى أنه منذُ استُشهِدت أسرته لم يذرف دمعةً واحدة، وكأنَّ الأمر أكبر من قدرته على التعامل معه أو احتماله.

استطرد يقول: بعد عرضه على الطبيب أفاد بأنه تعرَّض لصدمةٍ شديدةٍ من تأثير القصف وفقدانه لأسرته بتلك الغارة.

تأثَّرت المرأة ممَّا سمعته حتى سالت دموعها الصامتة من عينيها؛ لتعجز عن كبح جموح مشاعرها، وبحركةٍ عفويَّةٍ لا إرادية توجَّهت نحو الطفل؛ لتطوقه بذراعيها وتحتضنه بقوة وبصمت لعدة دقائق.

غابا سويًّا بحُضنٍ طويل؛ ممَّا جعل أنظار الجميع تتوجَّه نحوهما، شعرت بدموعه تُبلِّل ملابسها؛ فأدركت أنها ليست سوى دموعه الحبيسة، والتي عجزت أن تخرج من مُقلتيه منذُ موت والديه وشقيقته.

أمسكت برأسه بين يديها بحنوٍ بالغ وهي تجاهد لكبح انفعالاتها؛ لتخبره أنه بطل، وأنه سيتجاوز ذلك، ولكنه لم يمهلها أي وقت للحديث، فبينما كانت دموعه البِكر على موت أسرته تنسلُّ من عينيه وتنساب بغزارة اقترب من أُذنها هامسًا بعبارته الأولى منذُ فقدهما، ليقول بعفويَّةٍ وبراءة:

- تُشبهين أمي كثيرًا.

  • تم اجراء التدقيق اللغوي لهذا العمل بواسطة : عبد الرحمن محمد عبد الصبور محمد
التعليقات علي الموضوع
لا تعليقات
المتواجدون حالياً

1505 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع