هل هي زيارتك الأولي ؟دليل الزيارة الأولي

آخر الموثقات

  • تزوج اتنتين معا | 2024-09-07
  • التنمية البشرية والمبادرة المنتظَرة، ، مقال | 2024-09-07
  • الصفر ….الصدئ | 2024-09-07
  • وصلنا لفين | 2024-09-07
  • كود 396 او كود تسلا بطيخة | 2024-09-07
  • ﻟﻠﻐﺮﺑﺔ ﺁﻻﻑ ﺍﻷﻭﺻﺎﻑْ  | 2016-12-28
  • خطأ التعامل مع الشخص علي أنه ذكي | 2024-09-07
  • لعنة الله علي المناصب | 2024-09-07
  • حسام حسن و العناد | 2024-09-07
  • وجبة بطاطا | 2024-09-06
  • دوامة البدايات | 2024-09-07
  • حبات الرمل (١) | 2024-09-06
  • عدة أوجه  | 2021-09-06
  • اريد | 2024-09-04
  • هذه الليلة صاخبة | 2024-08-02
  • أنت قدّها وقدود | 2024-09-05
  • خليفة إبليس في الأرض | 2024-09-04
  • للصمت حياة لا يعقلها الحالمين  | 2024-09-02
  • حياة نصفها كِتاب | 2024-09-03
  • مبعتمدش انتماءات  | 2023-09-06
  1. الرئيسية
  2. مدونة ايمن موسى
  3. رائحة الموت

ما زالت كلمات الطبيب تتردَّد بأذنيه، فما عاد يسمع سواها (اشتباه كورونا) ليستطرد قائلًا:
- ولا داعي للقلق، فمع الرعاية وتناول الأدوية ستكون بخير، ولكن حذارِ أن تلتقط العدوى منها أو تخالط أحدًا.
أوقف لأمه سيارة أجرة لتركبها، بينما أخبرها أنه سيلحق بها بعد شراء الأدوية التي كتبها الطبيب.
ظلَّ لساعات هائمًا على وجهه بالشوارع، لا يدري أين هو أو إلى أين يذهب؟ بينما كل تفكيره مُنصَبٌّ على ما قرأه بالمواقع الإخبارية وما يشاهده من مقاطع تظهر حجم الخطر ومدى الآلام التي يُعانيها مَن تُصيبهم العدوى.
أصبح أسيرًا لتلك الهلاوس السمعية والبصرية حتى إنَّها تملَّكت منه كليًّا.
ظلَّت عبارة الطبيب تُطارده وتطوقه وكأنها حبل قد التفَّ حول عُنقه حتى كاد يخنقه وهو يتخيل أمه وقد تحوَّلت لقنبلة موقوتة لا شكَّ أنها ستنفجر به هو قبل أي شخص آخر، فهو الوحيد الذي يقيم معها بعد موت أبيه؛ حتى إنَّه لا أقارب يتزاورون معهم، كما أنهم لا يختلطون بالجيران إلا عند الضرورة،
كان يسير بالقرب من الرصيف، يفكر في حل لتلك المصيبة التي حلَّت فوق رأسه وكيفية مواجهتها.
ماذا لو علِم الجيران أنَّ أمه مُصابة بهذا الفيروس الفتَّاك لا شكَّ أنهم سيصبحون مادةً للسخرية والتهكم بين الجميع، بل ربما وصل الأمر لطردهم من البناية والشارع بأكمله.
تخيَّل كيف ستلاحقه النظرات وتطاله الاتهامات، أليست هذه طبيعة المجتمع الذي نعيش فيه؟
مجتمع فقدَ الكثير من معاني الإنسانية، كان مستغرقًا بأفكاره السوداوية حتى إنه لم يشعر بتلك السيارة التي كادت تصطدم بالرصيف وتدهسه دون أن يشعر بها، فقط سمع قائدها وهو ينعته بأقذع الشتائم، وهو يشير له قائلًا:
- أمثالك من المرضى والمعتوهين يجب ألَّا يغادروا منازلهم.
نهض واقفًا دون أن يلتفت إليه، بينما يردد بابتسامة صفراء:
- وجدتها وجدتها!
ذهب إلى الماركت وتسوَّق الكثير من المأكولات والمياه والعصائر قبل أن يصرف روشتة الطبيب، من ثَمَّ عاد للمنزل،
ما إن عاد للمنزل حتى ارتدى الكمامة والقفاز وهو يشير لأمه أن تدخل إلى تلك الغرفة ذات المرحاض الداخلي، وما إن فعلت حتى وضع كل ما اشتراه داخل الغرفة؛ ليسارع بالخروج وإغلاقها من الخارج بالمفتاح، لينظر إليه بارتياح شديد قبل أن يضعه فوق المائدة وهو يقول لها:
- لن تغادري هذه الغرفة إلا بعد زوال الخطر، فقد أحضرت لكِ كل ما تحتاجين إليه، فلا تزعجيني بطلباتكِ وتوسُّلاتك.
بذهولٍ ودهشة قالت له: هل تقصد حقًّا ما تقول؟
هل ستضعني بتلك الغرفة وتُقيِّد حريتي ببيتي؟
ردَّ عليها بغضب وسخرية: أليس أفضل من التقاط العدوى منكِ ومن ثَمَّ الموت؟
استطرد قائلًا بغضب: ما زلت ببداية حياتي والعمر أمامي طويلًا، وأريد الاستمتاع بكل يوم منه.
الأم بحسرة: وهل أدعو الله كل يوم إلا لك بحياة سعيدة وعمر مديد؟
أردفت قائلةً: يا بُني، منذُ زمن طويل توقفت عن الدعاء لنفسي، فكل دعواتي اختزلتها لك رغم سوء طبعك.
قال لها بغضب: حسنًا، إن كنتِ كما تقولين وتُردِّدين دومًا بأنكِ تهتمين لأمري نفِّذي ما أقوله دون عناد وجدال، وإلَّا فسوف أترك البيت ولن ترَي وجهي مرة أخرى.
بحسرة وألم وبصوت واهن بالكاد غادر حنجرتها، قالت:
- كنت أظن أنَّ هذا سيحدث فقط بالآخرة وعند الحساب، ﴿يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ﴾ ولكن يبدو أنه من نصيبي أن أختبر ذلك بالحياة وممَّن! من فلذة كبدي وقطعة من روحي.
ردَّ عليها بحدَّة: لا تحاولي استدراجي؛ فأنا أفعل الصواب، وأي إنسان مكاني كان ليفعل مثلي وأكثر بمثل هذه الظروف.
بعد الكثير من الجدل والتوسُّلات أيقنت الأم أنه حديث بلا طائل، وأنه أصبح أسير ظنونه ووساوسه، ولن يعود عمَّا انتواه بعد أن سيطرت عليه الهلاوس، لتطلب منه بالأخير سجادة الصلاة والمصحف وهي تقول باستسلام:
- الله المُستعان يا بُني، الله المُستعان.
مرَّت الأيام والأم بغرفتها تقاوم القهر والألم والوقت الذي لا يمر إلا بالصلاة وقراءة القرآن، بينما الابن يعيش حياته مع رفاقه دون أن يكترث لأي شيء، حيثُ السهر كل يوم ببيت أحدهم للفجر.
أصبح كل ما يربطها به هو صوت غلق الباب بعنف عند خروجه وصوت المفتاح عند عودته، لتشعر بعدها بالاطمئنان والارتياح لعودته.
بعد ثلاثة أيام من الأسبوع الثاني تنتشر رائحة كريهة بالبناية التي يقطنون بها حتى إن الجيران أصبحوا لا يطيقون التواجد بها .
وبعد فشلهم في الدخول رغم محاولاتهم المستمرة بقرع الجرس لسماعهم لهمهمات تأتي من الداخل دون الاستجابة لهم؛ كان القرار بإبلاغ الشرطة.
ما إن حضرت الشرطة حتى كُسِر الباب، وما إن دلفوا للداخل حتى عادوا جميعًا للخلف من هول المفاجأة، بينما يضعون أصابعهم فوق وجوههم اتقاء الرائحة الكريهة المنتشرة بالشقة والتي تزكم الأنوف، بينما توجَّهت أعينهم لذلك الجسد المُسجَّى بأرضية الردهة نائمًا على بطنه بوضعية الزحف، وكأنه يحاول فتح الباب باستماته بينما الوقت لم يسعفه لذلك.
بينما أتاهم صوت من إحدى الغرف البعيدة نسبيًّا عن الردهة يقول بتوسُّل ورجاء:
- افتح الباب يا بُني، ويمكنك المغادرة إن كنت تخشى مني.. سأنظف الشقة من الزبالة؛ فالرائحة لا تُطاق، وسأعد لك بعض الطعام الذي تحبه.
أردفت تقول بحُب: متأكدة أنك اشتقت كثيرًا لتناول الطعام من يدي.
تسمَّر الجميع في ذهول مشتتة أسماعهم ما بين صوت الأم الحزين القادم من الداخل وبين أعينهم التي تُطالِع ذلك الجسد المتعفن لشاب بريعان الشباب، والذي لا شكَّ أنه قد مات بجلطة دماغية أو أزمة قلبية كان يمكن تداركها لو تم إسعافه بالوقت المناسب.
تمت

التعليقات علي الموضوع
لا تعليقات
المتواجدون حالياً

1681 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع