هل هي زيارتك الأولي ؟دليل الزيارة الأولي

آخر الموثقات

  • الحب علامة بسيطة
  • جمال مصطنع
  • عدالة الأرض وعدالة السماء
  • عندما يغيب النور 
  • مش هاسمح لحلمي يموت
  • اعط تعطى
  • فتاه من الفيوم 
  • سيكون هناك
  • تتجول في ظلام السماء
  • أمانة يا صاحبي
  • قراءتي لكتاب لعنة فستان فرح لمايكل يوسف
  • خلاصة الكلام في حدود البدعة المذمومة:
  • زيارة القبور و الدعاء .. جائز
  • "بدون سابق انذار" نوعه إيه ؟
  • زمان بعيد فكريا
  • حبل المشنقة
  • رسالة إلى الله
  • رحلة سافاري
  • ألم أقل إنني
  • يا رعاكَ اللَّه
  1. الرئيسية
  2. مدونة أمل منشاوي
  3. بعد منتصف الليل - الجزء الرابع

آخر موعد : 24 أكتوبر

إضغط هنا لمزيد من التفاصيل 😋

ما الذي يحدث لي؟ ولماذا أنا؟! هل المشكلة في هذه الشقة الملعونة أم أن خللا عقليا قد أصابني؟! 

أفكر جديا في مغادرتها ولكنني أشعر أن شيئا يربطني بها... شيء خفي يتغلغل في رأسي فيحكم سيطرته على عقلي... من هؤلاء الذين أراهم فيها؟ هذا الرجل الغريب يحيرني، يخيفني لكنني لا أبغضه، أفكر فيه ليل نهار كأنما استولى على روحي وعقلي، يتلبسني كشيطان أو كثعبان يلتف حول فريسته ليلتهمها، وأنا مستسلم له، أتبعه كالمسحور ولا أجد رغبة في مقاومته، كنت أسير بغير هدى بعدما خرجت من المقهى، رحت أمشط الشوارع كمن يبحث عن شيء فقده، لم أشعر بالوقت ولم أنتبه للأماكن، نظرت حولي فإذا الليل قد جَنّ وكسى الشوارع بظلمته الكئيبة، حملتني قدماي إلى مكان بعيد، لا أعرف كيف وصلت إليه سيرا، لم أشعر بآلام السير ولكنني شعرت بغربة المكان، غربة ممزوجة بخوف ورهبة، وجدتني أقف على طريق سريع والظلام من حولي لا يقطعه إلا مصابيح السيارات التي تمر بين حين وآخر بسرعة كبيرة في كلا الاتجاهين. رأيت بعض الأبنية المتناثرة هنا وهناك، لمحت على امتداد بصري مبنى كبيرا و كئيبا، تنبعث منه بعض أضواء صادرة من كشافات كبيرة مثبتة على السور العلوي له، لم أتبين بالضبط عدد طوابقه، ثلاثة أو أربعة طوابق على الأكثر، سرت نحوه بثبات كأنما أعرف وجهتي، المبنى محاط بسور مرتفع، مررت من البوابة الحديدية الكبيرة التي ظننتها مغلقة حين اقتربت منها ولكنها انفتحت بيسر وسهولة عندما دفعتها، سرت بخطوات أقل ثباتا على الممر المرصوف... أعرف هذا الممر، وقع خطواتي عليه يشعل في ذاكرتي وميضا لصور مخيفة تبرق أمامي مع كل خطوة أخطوها وسرعان ما تختفي لتبرق أخرى، صورة رجل هزيل بين رجلين ضخمي الجثة يجرانه جرا، صورة آخر معصوب العينين، وآخر مغطى الرأس بكيس من قماش أسود ومقيدا بالسلاسل، يسوقه إثنان نحو مكان ما، يقبض كل واحد منهما على ذراع وهو بينهما كدمية مسلوبة الإرادة، أسمع صوت احتكاك حذائه بالأرض ممزوجا بنقرات حذائي آسريه، نقرات خشنة... غليظة ومتعجلة كوقع سنابك الخيل على أرض صخرية. 

سرت خلفهم أو معهم... لا أدري، ولكن ما كنت أدريه حقا هو أنني أرى وأسمع كل شيء. 

صعدت سبع درجات ثم سرت خمس خطوات قبل أن أصل إلى باب زجاجي انفتح بمجرد أن وقفت أمامه، الباب يفضي إلى ممر طويل و مبلط ببلاط أسمنتي كئيب، حجرات كثيرة عن اليمين واليسار تفتح أبوابها في الممر، لكن جميع الابواب كانت مغلقة ومعلق على كل واحد منها لافتة صغيرة، أعلم وجهتي جيدا... إنها الحجرة القابعة في نهاية الممر... في المواجهة، انفتح الباب فرأيت الرجلين الضخمين واقفين كتمثالين وبينهما الأسير المقنع، أمامهم مكتب فخم عريض يجلس خلفه رجل ببزة سوداء أنيقة... تحتها قميص أبيض ورابطة عنق سوداء، جلس على كرسي دوار مسندا ذراعية على مسنديه وشبك بين أصابعه وراح يتأرجح بهدوء يمينا ويسارا، كان ينظر نحو الرجل المقنّع بتشف واحتقار، أمعنت النظر في وجهه، كنت أعرفه... إنه... إنه... إنه الشاب الثلاثيني، ذلك الشاب الوسيم الذي تشاجر معه جاري الغامض، لكنه الآن لم يكن وسيما... كان مخيفا! لا يتكلم.... كلامه مجرد إشارات للرجلين وهما ينفذان، أشار لأحدهما أن ينزع الغطاء عن رأس الأسير فنزعه... شهق الاسير شهقة عميقة كأنما قد أوشك على الاختناق ثم نجا، كان معصوب العينين... أصابني الذهول عندما نظرت في وجه الأسير، كان هو... جاري الغريب... لكنه... لم يكن مشوه الوجه. 

                ................................... 

انتفضت و صورة جاري الجديدة عالقة في رأسي، كان شابا وسيما، يبدو عليه الوقار والجدية، بشرته عادية غير مشوهة. جلست على السرير أتلفّت حولي، وجدتني في حجرة نومي... رحت أفرك عيني وأضرب وجنتي وجبهتي لأتأكد أنني يقظ ولا أحلم، فحياتي أصبحت أحلاما سخيفة متصلة، لا أكاد أفيق من أحدها لأجد نفسي غارقا في الآخر. 

نهضت عن الفراش واتجهت إلى المطبخ، صنعت فنجانا من القهوة الدوبل لأفيق، تناولتها مع سيجارتين شعرت بعدها بالنشاط يدب في جسدي، قررت نسيان كل تلك السخافات التي مررت بها في الأيام الماضية وعزمت أن أنفض عن رأسي كل تلك الافكار التي بلا معنى وأمارس حياتي كما كانت من قبل... ولكن... كيف كانت حياتي من قبل، سؤال طرق رأسي بعنف ثم توالت بعده الأسئلة... لماذا لا أذهب إلى عملي؟ ... وما هو عملي أصلا؟! طاردتني الأفكار الغريبة من جديد... شعرت بدوار ولكنني تماسكت، لابد ألا أستسلم لخيالي المريض

 فكرت أن أزور طبيبا نفسيا؛ فلعل ظروف انفصالي عن زوجتي أثرت على قواي العقلية، فركت رأسي محاولا الخروج مما أصابني، دخلت الحمام لأستحم، الماء الدافئ في حوض الاستحمام أنعش جسدي، كنت مستلقيا على ظهري تاركا الماء يحملني فشعرت أنني خفيفا جدا و بلا وزن، الماء يدغدغ أطرافي، ورائحة الياسمين المنبعثة من صابون الاستحمام عبقت المكان حولي وملأت صدري، انتهيت من الاغتسال ونهضت لأتجفف، انزلقت قدمي فسقطت في الماء من جديد، لكنه كان سقوطا مروعا، غمرني الماء وكدت اختنق، رحت أصارع الموت كأنني في وسط المحيط وأصارع أمواجا عاتية، أحاول أن أخرج رأسي من الماء لكن شيئا يضغطها إلى الأسفل، كأنها يد قوية تضغط عليها، أصارع من جديد وأخرج رأسي من الماء فتلتقط عيناي صورا قاتمة... حجرة مطلية بالأسمنت، يتدلى في منتصف سقفها مصباح صغير ضوءه أصفر، أسفله مباشرة يقف رجل ضخم مفتول العضلات ممسكا برجل هزيل عاري الجسد و مكبل اليدين، يدفع رأسه في حوض كبير فيه ماء ساخن تتصاعد منه ألأبخرة، وكلما دفع رأسه في الماء أجدني أغرق من جديد في حوض الاستحمام، أضرب الماء بيدي وقدمي وأحاول التشبث بأي شيء لأنجو، لحظات أصارع فيها الموت أنتصر عليه بعدها وأخرج رأسي فأرى الرجل الضخم قد أخرج رأس الأسير والأخير يلتقط أنفاسه بصعوبة، يعاود الضخم الكرة فأنزلق من جديد في الحوض، الموت محيط بي من كل مكان... يصارعني وأصارعه لكنني في كل مرة أنتصر عليه، في المرة الأخيرة خارت قواي... كدت أستسلم له... طال مكوثي تحت الماء و هدأت حركة أطرافي التي كانت تتحرك بعصبية من قبل، لكنني تشبثت بآخر أمل لي، بحثت بقدمي الخائرتين عن سدادة الحوض ونزعتها، بدأ الماء ينحسر عن رأسي وجسدي وانحسرت معها عن عيني صورة الحجرة القاتمة، راحت تندحر شيئا فشيئا وتحل محلها صورة حمام شقتي، قبل أن تتلاشى الصورة تماما لمحت وجه الأسير الذي بدا منهكا مثلي من شدة الإعياء، نظر نحوي بامتنان وابتسم ابتسامة شاكرة ثم اختفى المشهد، لم يبق منه غير جسدي العاري مستلقيا على ظهره في حوض الاستحمام والماء ينحسر عنه شيئا فسيئا... ووجه الأسير الذي علق بعيني ولم يغادرهما... كان الأسير هو ذاته... جاري.

التعليقات علي الموضوع
لا تعليقات
المتواجدون حالياً

2912 زائر، و2 أعضاء داخل الموقع